وبينما ما تزال الصين تُحكِم قبضتها على سلسلة الإمدادات الخاصة بإنتاج ومعالجة العناصر الأرضية النادرة عالميًا، بدأت الدول الغربية تولي وجهها شَطْر أفريقيا التي تزخر بثروات معدنية غير مستغلة نتيجة عوامل أهمها ضعف التمويلات اللازمة لاستخراج ومعالجة تلك المعادن، وليس من المُستبعَد أن تصبح أفريقيا ساحة صراع...
تتأهب أفريقيا لتحقيق طفرة تنموية هائلة في تطوير المعادن الأرضية النادرة، مدعومة بمقوماتها الهائلة في ذلك القطاع الإستراتيجي، الذي تتنافس عليه القوى الكبرى العالمية، وفي مقدّمتها الصين، وبينما ما تزال الصين تُحكِم قبضتها على سلسلة الإمدادات الخاصة بإنتاج ومعالجة العناصر الأرضية النادرة عالميًا، بدأت الدول الغربية تولي وجهها شَطْر أفريقيا التي تزخر بثروات معدنية غير مستغلة نتيجة عوامل أهمها ضعف التمويلات اللازمة لاستخراج ومعالجة تلك المعادن.
وليس من المُستبعَد أن تصبح أفريقيا ساحة صراع بين الصين من ناحية وبين الغرب وأميركا من ناحية أخرى، لكن يَصُب هذا الصراع، على أيّ حال، في مصلحة القارة التي ستتدفّق إليها استثمارات كثيفة من كل الأطراف.
ووفق ما طالعته منصة الطاقة المتخصصة (مقرّها واشنطن)، تضم العناصر الـ17 التي تشكّل المعادن الأرضية النادرة اللانثانوم، والسيريوم، والبراسيوديميوم، والنيوديميوم، والبروميثيوم، والسماريوم، واليوروبيوم، والغادولينيوم، والتيربيوم، والديسبروسيوم، والهولميوم، والإربيوم، والثوليوم، والإيتربيوم، واللوتيتيوم، والسكانديوم، والإيتريوم.
مستقبل واعد
من الممكن أن تستأثر أفريقيا بنحو عُشْرْ الإنتاج العالمي من المعادن الأرضية النادرة في غضون 5 سنوات، ما يمهّد السبيل أمام ظهور لاعبين جدد في سوق طالما هيمنت عليها الصين، وفق موقع مايننغ دوت كوم (MINING.COM) المتخصص.
ومن المتوقع أن تشرع 8 مناجم في بلدان مثل تنزانيا وأنغولا ومالاوي وجمهورية جنوب أفريقيا في إنتاج المعادن الأرضية النادرة بحلول عام 2029، لتسهم حينها بما نسبته 9% من الإمدادات العالمية، بحسب بيانات صادرة عن شركة "بنشمارك مينيرال إنتليجنس" (Benchmark Mineral Intelligence) المتخصصة في تقديم خدمات استشارية متعلقة بالمعادن المهمة للحكومات.
ومن الممكن أن تذهب الإمدادات الجديدة من تلك المعادن إلى شركات معالجة غربية وغير صينية، بحسب بيانات الشركة، ومقرّها العاصمة البريطانية لندن، وتبرُز الصين مسؤولةً عن تعدين قرابة 70% من المعادن الأرضية النادرة في العالم، كما أنها تنفّذ كل أنشطة تكرير تلك المعادن –تقريبًا- المصنّعة منها المغناطيسات المُستعمَلة في السيارات الكهربائية وتوربينات الرياح والآليات العسكرية.
لذلك، فإنه بمقدور الصين أن تُحدِث خللاً في سلاسل الإمداد العالمية عبر تقليص الإنتاج والصادرات من تلك المعادن، وفق متابعات منصة الطاقة المتخصصة (مقرّها واشنطن).
الغرب حاضر.. ولكن
بينما تُشحَنْ 37% من إمدادات المعادن الأرضية النادرة في أفريقيا، وتصدّر إلى مشترين صينيين، يكون معظم الإنتاج متاحًا لشركات غربية متخصصة في تعدين تلك العناصر.
في الوقت نفسه، تطور أوروبا معظم المنشآت المتخصصة في معالجة تلك المنتجات خارج الصين، بحسب بنشمارك مينيرال إنتليجنس.
وقالت الشركة: إن "الصين لن تكون المستفيد الأوحد من خط الإنتاج الأفريقي منخفض التكلفة، بل سيكون هذا الخط ذات أهمية إستراتيجية -كذلك- بالنسبة للولايات المتحدة الأميركية وأوروبا".
ويُذكر أن أيًا من الشركات المطورة لمناجم معادن أرضية نادرة في أفريقيا تغطيها تحليلات بنشمارك مينيرال إنتليجنس -ومن ضمنها بينسانا (Pensana) ومكانغو ريسورسز (Mkango Resources)- لا تَحمِل الجنسية الصينية، وكلّها مسجلة في بلدان غربية.
ومع ذلك، سيظل العملاء الصينيون مهمين جدًا بالنسبة لبعض شركات تطوير المناجم لضمان استمرار جدوى مشروعاتها، نظرًا لتباطؤ سعة المعالجة في الغرب، بحسب البيانات ذاتها.
أفريقيا.. نافذة أمل
في ظل تنامي حدّة التوترات الجيوسياسية بين الصين وتايوان، تتطلع الولايات المتحدة وأستراليا وكندا ودول أخرى إلى خفض اعتمادها على الصين بصفتها مصدرًا لإنتاج ومعالجة المعادن النادرة.
ويفتح هذا التوجّه المتزايد نافذة أمل من الفرص للدول الأفريقية لاقتحام سوق المعادن الأرضية النادرة الخاضعة لسيطرة أحادية القطب ممثلةَ في الصين.
وبمقدور البلدان الأفريقية البحث عن مصادر جديدة للعناصر النادرة، سعيًا منها لخلق روافد إيرادات جديدة تحتاجها لتمويل أهدافها الاقتصادية والاجتماعية وخفض الفقر والاستفادة من منطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية إيه إف سي إف تي إيه (AfCFTA) لتحسين القيمة المضافة، وتعزيز الشراكات التجارية العالمية.
لكن ما تزال المقومات الكاملة لأفريقيا في قطاع المعادن الأرضية النادرة غير مستغلة –حتى الآن على الأقل-، بسبب تراجع مستويات الاستكشاف الخاصة بتلك المعادن الحيوية.
وفي عام 2021، برزت ميزانية استكشاف التعدين في منطقة أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى ثاني أقل ميزانية في العالم؛ إذ تعادل نحو نصف ميزانية أميركا اللاتينية وأستراليا وكندا –مجتمعةً- على الرغم من أن مساحة القارة السمراء تعادل 3 أضعاف مساحة كندا وأستراليا.
وبينما زادت ميزانية الاستكشاف في كندا على أساس سنوي بنسبة 62%، تليها أستراليا بنسبة 39%، والولايات المتحدة (37%)، وأميركا اللاتينية (29%) في عام 2021، لم ترتفع ميزانية أفريقيا سوى 12% فقط.
وما يزال السواد الأعظم من أنشطة تلك الاستكشافات متركز في الذهب، بدلًا من المعادن النادرة أو المعادن الخضراء المهمة لتحول الطاقة.
اكتشافات مبشّرة
يبرُز توسيع نطاق التنقيب عن المعادن الأرضية النادرة، بصفته الرقم الأهم في معادلة تمكين أفريقيا من تحديد مواقع تلك العناصر الأرضية واستخراجها، بحسب ما رصدته منصة الطاقة المتخصصة.
وسبق أن عُثِر على العديد من الرواسب الغنية بتلك المواد في القارة السمراء؛ ففي عام 2022 توقّعت شركة مكانغو ريسيورسز الكندية أن يبدأ منجمها للمعادن النادرة في مالاوي، الإنتاج في عام 2025.
وبالمثل، أعلنت شركة بانرمان إنرجي (Bannerman Energy) الأسترالية الاستحواذ على حصة نسبتها 41.8% في شركة ناميبيا كريتيكال ميتالز (Namibia Critical Metals) التي تمتلك 95% من عمليات منجم لوفدال (Lofdal) للعناصر الأرضية النادرة الثقيلة، ويُنتِج هذا المنجم أكاسيد العناصر الأرضية النادرة سنويًا، ويزخر برواسب غنية من اثنين من أكثر المعادن الأرضية النادرة قيمةً، وهما الديسبروسيوم والتريبيوم.
اضف تعليق