تَفتح الطاقة الشمسية في العراق نافذة أمل لمواجهة أزمة ندرة الكهرباء التي تنعكس في انقطاعاتها المتكررة لساعات طويلة قد تزيد على 10 ساعات يوميًا في بعض المناطق، ضمن مشكلات نتجت عن تداعيات عقود من الصراعات الدامية، والعقوبات الاقتصادية واستشراء الفساد...
تَفتح الطاقة الشمسية في العراق نافذة أمل لمواجهة أزمة ندرة الكهرباء التي تنعكس في انقطاعاتها المتكررة لساعات طويلة قد تزيد على 10 ساعات يوميًا في بعض المناطق، ضمن مشكلات نتجت عن تداعيات عقود من الصراعات الدامية، والعقوبات الاقتصادية واستشراء الفساد.
وما قد يدعم جهود بغداد في هذا المسار النظيف هي الإمكانات الضخمة التي تتمتع بها في موارد الطاقة المتجددة غير المستغلة، من بينها السطوع الشمسي، الذي يتفوّق فيه العراق على نظرائه في بعض من أكبر البلدان الأوروبية، بحسب منصة الطاقة المتخصصة.
وتُظهر الطاقة الشمسية في العراق إمكانات كبيرة، غير أن استعمال الطاقة المتجددة لم يرق بعد إلى المستوى المنشود في البلد العربي الذي يعتمد في توليد أغلبية احتياجاته من الكهرباء على مصادر الوقود الأحفوري، وتستهدف السلطات زيادة معدلات استعمال الطاقة الشمسية كي تغطي ثُلث احتياجات العراق من الكهرباء بحلول نهاية العقد الجاري (2030)، لكن ما يزال هذا الهدف يواجه عقبات في التنفيذ.
بصيص أمل
يظهر بصيص من الأمل في قرية صغيرة واقعة في جبال كردستان العراق، إذ تزين الألواح الشمسية أسطح معظم المنازل، في إطار جهود متزايدة -وإن كانت بطيئة- لاستغلال إمكانات الطاقة الشمسية في العراق الذي يعاني شُح الكهرباء، نتيجة انهيار البنية التحتية للطاقة، بفعل الحرب والصراعات الداخلية التي دامت سنوات طويلة.
يقول أحد سكان قرية هزار مرد، دانيار عبدالله: "الطاقة الشمسية تغطي جميع احتياجاتنا من الكهرباء؛ تشغيل الثلاجة والتلفاز والتكييف الهوائي، والغسالة، والمكنسة الكهربائية... إلخ".
وأضاف عبدالله: "الطاقة الشمسية ساعدتنا كثيرًا"، في تصريحات رصدتها منصة الطاقة المتخصصة، وأنفق عبدالله، 33 عامًا، وهو أب لطفلين، ما قيمته 2800 دولار في عام 2018 على تركيب ألواح شمسية على سطح منزله لسد احتياجاته من الكهرباء النادرة.
ورغم الثروة الطائلة التي يجنيها من النفط، يكافح العراق من أجل إتاحة الكهرباء إلى سكانه البالغ عددهم 43 مليون شخص، في أعقاب عقود من الصراعات الدامية والعقوبات الاقتصادية الغربية الخانقة، إلى جانب الفساد المستشري والبنية التحتية المتهالكة.
وحتى رغم ما ينعم به من سطوع شمسي يفوق مثيله في معظم البلدان الأخرى، يواجه العراق صعوبة بالغة في فطم نفسه عن مصادر الوقود الأحفوري التي ستمثل أحد المحاور الرئيسة على طاولة مناقشات الحضور في قمة المناخ كوب 28 التي من المقرر أن تنطلق فعالياتها في دولة الإمارات العربية المتحدة في 30 نوفمبر/تشرين الثاني (2023).
انقطاع طويل للكهرباء
رغم أن العراق يحصل على ثُلث احتياجاته من الكهرباء من جارته إيران، ما تزال هناك انقطاعات يومية، التي تفاقمت خلال أشهر الصيف الحارة عندما قاربت درجات الحرارة 50 درجة مئوية.
وقد انعكست تركيبات الألواح الشمسية في العراق، وتحديدًا في قرية هزار مرد، على الهدوء القاتل الذي يسود القرية، مقارنة بباقي مناطق البلاد التي تُسمَع فيها أصوات المولدات الصاخبة، المُستعملة لتوليد الكهرباء باستمرار.
وفي هذا السياق قال المواطن العراقي من سكان قرية هزار مرد دانيار عبدالله: "قبل تركيب الألواح الشمسية، كان لدينا مولد يعمل طوال الوقت للتغلب على أزمة انقطاع الكهرباء التي كان من الممكن أن تستمر 12 أو 13 ساعة متواصلة يوميًا".
وسرعان ما انتشر تركيب الألواح الشمسية في هزار مرد حتى أصبحت الآن موجودة على أسطح 17 من بين 25 منزلًا في القرية، وفق تقرير لموقع تيك إكسبلور (Tech Xplore).
تحفيزات.. ولكن
رغم الخطط الطموحة القائمة، ما يزال استعمال الطاقة الشمسية في العراق نادرًا، وفق معلومات جمعتها منصة الطاقة المتخصصة.
ففي السليمانية المجاورة لهزار مرد، ثاني أكبر مدينة في إقليم كردستان العراق الذي يتمتع بحكم شبه ذاتي، لا تظهر الألواح الشمسية سوى في 500 من بين 600 ألف منزل في المدينة، وفق ما قاله الناطق باسم وزارة الكهرباء في المحافظة سيروان محمود.
وأشار محمود إلى أن الطاقة الشمسية في العراق تشهد "تطورًا سريعًا" في أعقاب تمرير البرلمان حزمة من التحفيزات في العام قبل الماضي (2021)، لتعويض الأسر عن أي كهرباء زائدة تنتجها عبر الألواح الشمسية.
ويستهدف الإقليم بناء محطات طاقة شمسية تجارية بسعة إجمالية قدرها 75 ميغاواط، بحسب ما أعلنه محمود، وتابعته منصة الطاقة المتخصصة.
لكن هذا لا يمثّل سوى نسبة صغيرة جدًا من السعة الإجمالية التي تُنتجها محطات الكهرباء العراقية والبالغة 24 ألف ميغاواط.
3 آلاف ساعة سطوع
لوضع حد لعمليات انقطاع الكهرباء، يحتاج العراق إلى إنتاج ما لا يقل عن 32 ألف ميغاواط، ورغم إمكاناته الضخمة، تظل الطاقة المتجددة غير مستغلة في العراق، رغم كون الدولة الآسيوية عُرضة لأكثر من 3 آلاف ساعة من السطوع الشمسي على مدار 8 آلاف و760 ساعة في العام.
وقال مدير المناخ في مؤسسة روكيفيللر فاونديشن Rockefeller Foundation، ومقرها نيويورك، علي الصفار: "أسوأ موقع للطاقة الشمسية في العراق لديه موارد تفوق أفضل موقع مماثل في ألمانيا بواقع الضعفين".
ووفق تقرير حديث صادر عن البنك الدولي، ما تزال مصادر الوقود الأحفوري تُستعمَل في توليد أكثر من 98% من الكهرباء المستهلكة في العراق.
مشروعات لم تُبصر النور
أكدت السلطات المحلية المختصة أنها تستهدف تعظيم الاستفادة من الطاقة الشمسية في العراق لسد ثُلث احتياجات الأخيرة من الكهرباء بحلول عام 2030، لكن رغم إعلان العديد من المشروعات الكبرى ذات الصلة، لم يُترجم أي منها بعد على أرض الواقع.
وأشارت عملاقة الطاقة الفرنسية توتال إنرجي إلى أنها تأمل في تنفيذ المرحلة الأولى من محطة طاقة شمسية سعة 1000 ميغاواط خلال عامين.
وفي عام 2021، أبرمت بغداد اتفاقية مع شركة مصدر الإماراتية لبناء 5 محطات طاقة شمسية بسعة مركبة قدرها 1000 ميغاواط.
مستقبل غامض
لتشجيع استعمال الطاقة المتجددة، أعلن البنك المركزي العراقي في العام الماضي (2022) تخصيص قروض دون فائدة -تقريبًا- بقيمة إجمالية لامست 750 مليون دولار، للأفراد والشركات الخاصة التي تستعمل الطاقة الشمسية في توليد الكهرباء.
لكن تعثرت تلك المبادرة الطموحة نتيجة انعدام التعاون من قبل البنوك، وفق ما صرح به خبير الطاقات المتجددة محمد الدوليمي، وتابعته منصة الطاقة المتخصصة.
وبالمثل أقر المدير التنفيذي لشركة سولار إنرجي يونيفرس (Solar Energy Universe) التي تنشط في مجال تركيب البنية التحتية للطاقة الشمسية علي العامري، بأن "العراق يفتقر إلى ثقافة الطاقة الشمسية".
ومع ذلك أشار العامري إلى أن العام الحالي قد شهد تحول المزيد من الأشخاص إلى استعمال الطاقة الشمسية في العراق، موضحًا أن شركته تولت تركيب ألواح شمسية في نحو 10 مواقع.
وتابع: "أسعار الطاقة الشمسية في العراق تلامس 4 آلاف و500 دولار، ومن الممكن أن ترتفع إلى 6 آلاف دولار".
وأوضح أن قائمة عملاء "سولار إنرجي يونيفرس" تضم أكاديميين وأطباء، ومزارعين، إلى جانب وكالات تعمل في مجال العمل الإنساني.
ومنذ عام 2020، ركبت الشركة ألواحًا شمسية على أسطح 70 مبنى، معظمها من المنازل السكنية، في محافظة الأنبار في بغداد وجنوب العاصمة.
ورغم التقدم البطيء من الممكن أن تتيح إمكانات الطاقة الشمسية في العراق "فرصة ذهبية لحل مشكلة انقطاعات الكهرباء المزمنة"، وفق ما أكده العامري.
اضف تعليق