شهدت استثمارات الطاقة المتجددة هبوطًا بأعلى وتيرة في الربع الثالث من العام الجاري 2023، متأثرةً بتراجع شهية المستثمرين في ضخ أموالهم في تلك المشروعات الخضراء؛ نتيجة عدم اليقين الذي يغلّف القطاع برمّته، بسبب ارتفاع تكاليف التصنيع وآثارها السلبية في ربح الشركات...
بقلم: محمد عبد السند
شهدت استثمارات الطاقة المتجددة هبوطًا بأعلى وتيرة في الربع الثالث من العام الجاري (2023)، متأثرةً بتراجع شهية المستثمرين في ضخ أموالهم في تلك المشروعات الخضراء؛ نتيجة عدم اليقين الذي يغلّف القطاع برمّته، بسبب ارتفاع تكاليف التصنيع وآثارها السلبية في ربح الشركات، ويمثّل هذا نذير شؤم بالنسبة للجهود التي تبذلها الحكومات العالمية لتسريع وتيرة تحول الطاقة الذي يرتكز على استبدال الكهرباء المولدة بالمصادر المتجددة بنظيرتها المولدة بالوقود الأحفوري، اتّساقًا مع أهداف الحياد الكربوني، وفق تقارير طالعتها منصة الطاقة المتخصصة.
وفي هذا السياق، تخارج المستثمرون من صناديق الطاقة المتجددة بأسرع وتيرة على الإطلاق خلال الأشهر الـ3 الممتدة إلى نهاية سبتمبر/أيلول (2023)، مع تأثّر أسهم شركات الطاقة النظيفة سلبًا بالارتفاع الملحوظ في أسعار الفائدة وتكاليف المواد الخام؛ ما يقوّض بدوره هوامش الأرباح، حسبما أوردت وكالة رويترز.
هروب الأموال
عانت استثمارات الطاقة المتجددة عالميًا من هروب أموال قيمتها 1.4 مليار دولار في الربع الممتد من يوليو/تموز إلى سبتمبر/أيلول (2023)، في أكبر تدفّق نقدي فصلي للأموال إلى خارج القطاع النظيف، وفق البيانات الصادرة عن شركة "إل إس إي جي ليبر" LSEG Lipper.
ومع ذلك يُعدّ هروب الأموال من قطاع استثمارات الطاقة المتجددة تغييرًا جزئيًا عمّا كان عليه الحال خلال النصف الأول من العام الحالي (2023)، حينما أضاف المستثمرون مبلغًا صافيًا قيمته 3.36 مليارات دولار، وفق ما أظهرته الأرقام.
ويلامس إجمالي قيمة الأصول المُدارة في قطاع استثمارات الطاقة المتجددة -الآن- 65.4 مليار دولار، بتراجع نسبته 23% من القيمة المسجلة في نهاية يونيو/حزيران (2023)، وفق البيانات التي رصدتها منصة الطاقة المتخصصة.
وتخارج المستثمرون من صناديق الطاقة التقليدية -أيضًا-، غير أن هذا المعدل قد تباطأ، إذ بلغت قيمة الأموال المتدفقة إلى الخارج من استثمارات الطاقة المتجددة 438 مليون دولار أميركي خلال الربع الثاني من عام 2023، قياسًا بما قيمته 3.32 مليار دولار في الأشهر الـ3 السابقة.
هبوط الأسهم
سجلت أسهم شركات الطاقة المتجددة عمليات بيع حادّة في الأشهر الأخيرة؛ إذ تراجع أداؤها كثيرًا مقارنةً بشركات الوقود الأحفوري، على وقع أسعار الفائدة المرتفعة التي عصفت بالقطاع النظيف، وفق صحيفة فايننشال تايمز.
وهوى مؤشر الطاقة النظيفة العالمي إس أند بي، الذي يتألف من أكبر 100 شركة في طاقة الشمس والرياح وغيرها من الشركات ذات الصلة بالمصادر المتجددة، بنسبة 20.2%، على مدار الشهرين الماضيين (أغسطس/آب وسبتمبر/أيلول 2023).
وقد وضع هذا أسهم شركات الكهرباء المتجددة على المسار الذي يقودها إلى أسوأ أداء سنوي منذ عام 2013، وفي المقابل صعد مؤشر إس أند بي 500 إنرجي للنفط والغاز بنسبة 6%.
ارتفاع الفائدة
تتعرض شركات الطاقة المتجددة التي تتمتع بإمكانات نمو عالية لأسعار الفائدة المرتفعة، التي تُسهم في تآكل قيمة التدفقات النقدية في المستقبل، وشهدت شركات -مثل عملاقة الطاقة الدنماركية المتخصصة في تطوير مزارع الرياح البحرية أورستد Orsted ورائد صناعة الألواح الشمسية الأميركية فيرست سولار First Solar- هبوطًا حادًا في أسعار الأسهم خلال الشهور الماضية.
وقالت محللة الأبحاث في مؤسسة غلوبال إكس مادلين رويد: "تمر صناديق الطاقة المتجددة بضعف في المعنويات نتيجة أداء الشركات في الفصول الأخيرة، إلى جانب تحول اهتمام المستثمر خلال العام الجاري (2023) لموضوعات أخرى مثل الذكاء الاصطناعي والبنية التحتية في الولايات المتحدة الأميركية".
وأضافت رويد أن طول الجداول الزمنية الخاصة باستصدار التراخيص والتأخيرات في تنفيذ المشروعات وأسعار الفائدة المرتفعة إلى جانب الزيادة في تكاليف المواد الخام، لا سيما بالنسبة لطاقة الشمس والرياح، قد ألقت بظلالها على أداء الشركات؛ ما قاد بدوره إلى تراجع في هوامش أرباحها في النهاية.
وخسر صندوق آي شيرز غلوبال كلين إنرجي المتداول بالبورصة The iShares Global Clean Energy Exchange Traded Fund "آي سي إل إن" صافي أموال بقيمة 278.4 ملايين دولار في الربع الماضي، بحسب التقديرات التي رصدتها منصة الطاقة المتخصصة، وفي مثال آخر على تراجع استثمارات الطاقة المتجددة، سحب المستثمرون صافي 218.3 ملايين دولار، و199.1 مليون دولار من صندوقي هالبار إنرجي Hallbar Energi و "آي شيرز غلوبال كلين إنرجي يو سي آي تي إس iShares Global Clean Energy UCITS على الترتيب.
فرص استثمارية خارج القطاع
يمثّل الطلب على توليد الكهرباء النظيفة المستدامة عاملًا رئيسًا لضخّ السيولة في الصناديق ذات الصلة بالمناخ في السنوات الأخيرة، ومع ذلك، تبرز صناديق تحول المناخ التي تستثمر في شركات ترغب في إزالة الكربون بوتيرة أسرع، إلى جانب صناديق الحلول المناخية، أبرز القطاعات، بينما يبحث المستثمرون عن فرص استثمارية خارج قطاع الطاقة المتجددة، وفق بيانات صادرة عن مؤسسة "مورنينغ ستار" Morningstar المتخصصة في تزويد البيانات، وفقدَ مؤشر الطاقة النظيفة العالمي "إس أند بي"، الذي يتألف من شركات كبرى في طاقة الشمس والرياح وغيرها من شركات الطاقة المتجددة الأخرى، ما نسبته 30% في عام 2023، مع حصول معظم هذا الانخفاض منذ يوليو/تموز (2023).
وقال كبير الخبراء الاستشاريين في مؤسسة "ناسداك آي آر إنتيلغنس" Nasdaq IR Intelligence ريتش بونتيلو: "ما دامت أسعار الفائدة مرتفعة، سيظل نمو الطاقة المتجددة يواجه تحديات، أبرزها ضعف نمو المشروعات الرأسمالية الجديدة في ظل إرجاء تنفيذها"، فعلى سبيل المثال، تأجلت مشروعات قبالة السواحل البريطانية والهولندية والنرويجية، أو حتى أُلغيت، نتيجة التكاليف المرتفعة والقيود المفروضة على سلاسل الإمدادات؛ ما يُذكي المخاوف لدى حكومات الدول إزاء الوفاء بمستهدفات الطاقة المتجددة بحلول نهاية العقد الحالي (2030)، ومع ذلك، أشار بونتيلو إلى أن حِزَم الدعم الهائلة التي منحتها إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن لتحفيز استثمارات الطاقة المتجددة من شأنها أن تدعم الدورة التالية لتلك الصناعة النظيفة.
إيرادات قياسية في 2022
سجل قطاع الطاقة النظيفة إيرادات قياسية في العام الماضي (2022)، مع تعزيز القدرة التنافسية لتلك المصادر، وتطور تقنياتها وانخفاض تكلفة إنتاجها وتزايد برامج السياسات الداعمة الحكومية؛ ما أحدث زخمًا في استثمارات الطاقة المتجددة عالميًا.
وبلغت إيرادات أنشطة الطاقة النظيفة ما إجمالي قيمته 2.56 تريليون دولار في عام 2022، بحسب ما ورد في تقرير حديث لشركة الأبحاث بلومبرغ نيو إنرجي فايننس (BloombergNEF)، يُشار إلى أن إيرادات الطاقة النظيفة المذكورة تختص بالشركات المدرجة في البورصات، دون غيرها من الشركات الخاصة التي لا تنشر بياناتها المالية بصورة دورية، وفقًا للتقرير الذي طالعته منصة الطاقة المتخصصة.
قطاع الكهرباء الأعلى في الإيرادات
بلغت إيرادات شركات مرافق الكهرباء المدرجة 1.06 تريليون دولار من أنشطة الطاقة النظيفة، ما يعادل 42% من إجمالي عائدات الشركات المدرجة البالغ 2.56 تريليون دولار عام 2022.
في المقابل، سجلت شركات تصنيع معدّات الطاقة النظيفة ما إجمالي قيمته 628 مليار دولار، ويعادل 25% من إيرادات الطاقة النظيفة عالميًا في عام 2022، بحسب التقديرات.
ورغم أن شركات صناعة السيارات مثل فولكس فاغن الألمانية وتويوتا اليابانية تُعدّ ضمن أعلى الشركات ربحًا؛ فإن درجة تعرُّض تلك الصناعة للطاقة النظيفة ما تزال منخفضة، رغم تسارع تلك الكيانات العملاقة في تطوير صناعة السيارات الكهربائية، وفقًا للتقرير.
ولامست إيرادات شركات السيارات المدرجة في البورصة 370 مليار دولار فقط من أنشطة الطاقة النظيفة خلال العام الماضي (2022)، من إجمالي العائدات العالمية الذي يتخطى 2.5 تريليون دولار.
اضف تعليق