تزايد الحديث خلال المدة الأخيرة حول التعدين في أعماق البحار، باعتباره أحد الحلول الرئيسة لندرة المعادن الخضراء اللازمة لمشروعات تحول الطاقة، وتنطوي البيئة البحرية على كميات كبيرة من المعادن اللازمة لصناعة بطاريات السيارات الكهربائية وتوربينات الرياح والألواح الشمسية، ومن أجل تحقيق أهداف الحياد الكربوني، يتطلب الأمر زيادة عمليات التعدين في أعماق البحار...
تزايد الحديث خلال المدة الأخيرة حول التعدين في أعماق البحار، باعتباره أحد الحلول الرئيسة لندرة المعادن الخضراء اللازمة لمشروعات تحول الطاقة، وتنطوي البيئة البحرية على كميات كبيرة من المعادن اللازمة لصناعة بطاريات السيارات الكهربائية وتوربينات الرياح والألواح الشمسية.
ومن أجل تحقيق أهداف الحياد الكربوني، يتطلب الأمر زيادة عمليات التعدين في أعماق البحار على المعادن الخضراء؛ إذ يرى مؤيدو هذا الاتجاه أنه بالإمكان القيام بتعدين أعماق المحيطات بأقل الآثار البيئية في النظم الإيكولوجية الهشة.
تحتاج السيارات الكهربائية والألواح الشمسية والعديد من أدواتنا اليومية إلى بطاريات قابلة لإعادة الشحن، لكن سلاسل التوريد الأرضية لمواد البطاريات الرئيسة مثل الكوبالت مليئة بادعاءات انتهاكات حقوق الإنسان، فلماذا لا تتجنب الفوضى بالتوجه إلى البحر؟
تغطى مساحات شاسعة من قاع البحر بالعديد من المعادن الغنية بالنيكل والنحاس والكوبالت والمنغنيز، وعناصر نادرة أخرى، يمكن أن تسهم في وضع حلول جذرية للمعادن اللازمة لتحول الطاقة.
ما هو التعدين في أعماق البحار؟
يُعد التعدين في أعماق البحار ممارسة لاستخراج المعادن من قاع المحيط؛ إذ إنه على عمق آلاف الأمتار تحت السطح، وتراكمت رواسب هذه المعادن مثل المنغنيز والنيكل والكوبالت في قاع البحر في شكل عقيدات بحجم البطاطس على مدى ملايين السنين.
ولاستخراج هذه المعادن، يمكن للآلات العملاقة التي تزن أكثر من حوت أزرق أن تجرف الرواسب من قاع المحيط العميق، وضخها إلى سفينة عبر عدة كيلومترات من الأنابيب، وبعد ذلك تُضَخ الرمال ومياه البحر والنفايات المعدنية الأخرى مرة أخرى في الماء.
يُعَد التعدين في أعماق البحار صناعة جديدة للغاية؛ إذ بصرف النظر عن بعض الاختبارات الصغيرة، لم يحدث أي تعدين فعلي حتى الآن، وتستعد الشركات المعنية لبدء الإنتاج على نطاق واسع، وسط مخاوف من رفض عدد من الحكومات لهذه التوجهات.
لماذا تريد الشركات التعدين في أعماق البحار؟
ترى شركات استخراج المعادن أن قاع البحر أحد الأماكن التي قد تمنحها تحقيق أرباح طائلة؛ إذ ستتمكن من توفير المعادن للصناعات التي تحتاج إلى كميات متزايدة مثل المنغنيز والكوبالت والنيكل والنحاس.
وتقول شركات التعدين إنها بحاجة إلى تعدين قاع البحر للحصول على المعادن اللازمة لصنع بطاريات لانتقال الطاقة بعيدًا عن الوقود الأحفوري، لكن الرافضين للتوجه يرون أن عمليات التعدين في أحد النظم البيئية البكر على الأرض لن تكون "خضراء" أبدًا.
ويطرح الرافضون لعمليات التعدين في أعماق البحار بدائل أفضل؛ إذ سيساعد تحسين إعادة التدوير وتقليل الاعتماد على السيارات على استخدام المعادن بكفاءة أكبر، فضلًا عن أن التعدين في قاع البحر لن يوقف التعدين على الأرض.
يحذر العلماء من الاندفاع للتعدين في قاع البحر، ويقولون إن الأمر قد يستغرق عقودًا قبل معرفة التأثير الكامل في الحياة البحرية.
ويرى خبراء إدارة المحيطات وزميل في معهد أبحاث الاستدامة في مركز هيلمهولتز بوتسدام أن العالم لن يصل إلى نقطة يمكن فيها التعدين في قاع البحار العميقة بطريقة مسؤولة؛ إذ سوف تتكرر مشكلات التعدين في سطح الأرض ولكن في البحر.
وأظهرت دراسة أن التعدين في أعماق البحار يمكن أن يؤدي أيضًا إلى رفع أعمدة الرواسب التي يمكن أن تخنق النظم البيئية الهشة وفي أغلب الأحيان لا يمكن استعادتها.
ووفقًا لتحليل بيئة قاع البحر الذي تم إجراؤه بعد اختبارات الحفر في عام 2020 في اليابان -أول استخراج ناجح للبلاد لقشور الكوبالت من جبال أعماق البحار- كان هناك انخفاض في الحياة البحرية مثل الأسماك والروبيان في الموقع بعد عام، كما انخفضت الكثافة أكثر في المناطق الواقعة خارج منطقة التأثير بأكثر من النصف.
وقام فريق العلماء بتحليل البيانات من زيارات مهندسي التعدين اليابانيين إلى جبل تاكيودايجو البحري. بعد عام من الاستخراج التجريبي، لاحظ الباحثون انخفاضًا بنسبة 43% في كثافة الأسماك والروبيان في مناطق "الترسيب" التي تأثرت بشكل مباشر بتلوث الرواسب، وانخفاضًا بنسبة 56% في المناطق المحيطة، مثل التعدين على الأرض؛ فإن التعدين في أعماق البحار مدمر للغاية.
وينطوي التعدين في قاع المحيط على مخاطرة كبيرة لأسباب عديدة؛ لأن التنبؤ بالآثار أصعب بكثير، إذ تواجه المحيطات الآن ضغوطًا أكثر من أي وقت مضى في تاريخ البشرية، وهي مهددة بشدة بالصيد الجائر وأزمة المناخ، وتمتص محيطاتنا الكربون وتخزنه، وتمنح أكثر من 3 مليارات شخص سبل عيشهم.
وتعد أعماق المحيطات مهمة للغاية في مكافحة تغير المناخ؛ إذ إنها تمتص وتخزن أكثر من 90% من الحرارة الزائدة ونحو 38% من ثاني أكسيد الكربون الناتج عن البشرية، وقد تكون لمخاطر هذا النظام الدقيق في أثناء حالة الطوارئ المناخية آثار لا رجعة فيها على المناخ.
مواقف الدول
تتدافع مجموعة متنامية من الحكومات وأنصار حماية البيئة لإبقاء البوابات مغلقة؛ إذ إنهم يريدون من قانون الأمن الدولي أن يرفض أي جهود تعدين مقترحة على الأقل حتى يضع قانونًا للتعدين، أو مجموعة من اللوائح، للتعدين الدولي في قاع البحار.
ويقول العديد من الباحثين إننا لا نعرف سوى القليل جدًا عن هاوية المحيط حتى نتمكن من صياغة لوائح تهدف إلى تقليل أي ضرر ناتج عن التعدين.
ودعت أكثر من 12 دولة إلى نوع من الوقف أو وقف التعدين في أعماق البحار، مع انضمام سويسرا إلى صفوفها مؤخرًا، التي ترى أنه لا يزال هناك نقص في المعلومات العلمية وعدم اليقين، داعية إلى حظر التعدين في أعماق البحار.
وتعتقد العديد من البلدان -بما في ذلك ألمانيا وفرنسا وإسبانيا وتشيلي ونيوزيلندا والعديد من دول جزر المحيط الهادئ- أن التعدين في أعماق البحار يشكل خطرًا على الحياة البحرية، مقترحين وقفة أو حظرًا على إصدار التراخيص.
وعلى الرغم من أن التعدين التجريبي جارٍ، فإن التعدين التجاري في أعماق البحار غير مسموح به حتى الآن بموجب القانون الدولي؛ إذ منحت السلطة الدولية لقاع البحار 31 عقدًا لاستكشاف الفرص، وهي تغطي أكثر من 1.5 مليون كيلومتر مربع، وهي مساحة تبلغ 4 أضعاف مساحة ألمانيا.
وتغطي معظم هذه العقود استكشاف الرواسب في منطقة كلاريون كليبرتون، وهي منطقة في المحيط الهادئ عبر خط الاستواء بين هاواي والمكسيك، غنية بالرواسب المعدنية بحجم البطاطس المحملة بالنحاس والنيكل والمنغنيز ومعادن أخرى. وهم يرقدون على قاع البحر في حقول شاسعة.
اضف تعليق