حالة من الهلع يثيرها اليورانيوم عالي التخصيب في الولايات المتحدة الأميركية، إلى الحد الذي دفع عددًا من المسؤولين السابقين في كل من وزارة الخارجية واللجنة التنظيمية النووية إلى دق جرس إنذار بشأن تداعيات استعمال هذه المادة المثيرة للجدل في التجارب النووية...
بقلم: محمد عبد السند
حالة من الهلع يثيرها اليورانيوم عالي التخصيب في الولايات المتحدة الأميركية، إلى الحد الذي دفع عددًا من المسؤولين السابقين في كل من وزارة الخارجية واللجنة التنظيمية النووية إلى دق جرس إنذار بشأن تداعيات استعمال هذه المادة المثيرة للجدل في التجارب النووية.
ويتوجس المسؤولون الأميركيون خيفة من أن تصبح التجارب النووية المذكورة مصدر إلهام للجماعات المسلحة، التي تسارع إلى محاكاتها على نطاق واسع، بما يمكنها من إنتاج السلاح النووي عبر تخصيب اليورانيوم، وما لذلك من عواقب وخيمة على الأمن والسلم العالميين.
فقد طالب مسؤولون سابقون في وزارة الخارجية الأميركية ونظراؤهم -أيضًا- في اللجنة التنظيمية النووية، وزارة الطاقة الأميركية، بإعادة النظر في خُطة لاستعمال اليورانيوم عالي التخصيب المستعمل في تصنيع القنبلة النووية في تجربة طاقة نووية، مبررين ذلك بأن استعمال هذا اليورانيوم عالي التخصيب من شأنه أن يُشجع على إجراء مثل تلك التجارب في دول أخرى، حسبما أوردت وكالة رويترز.
وتحظى أنشطة تعدين اليورانيوم بأهمية خاصة، نظرًا إلى اقتران استعماله -عادة- بتصنيع الأسلحة النووية المحرمة دوليًا.
تجربة الملح المنصهر
تستهدف وزارة الطاقة الأميركية ومعها شركتان مشاركة التكاليف بشأن إجراء "تجربة مفاعل الملح المنصهر" في مختبر إيداهو الوطني، واستعمال ما يربو على 1.322 رطلاً (600 كيلوغرام)، من الوقود الذي يحتوي على يورانيوم مُخصب بنسبة 93%.
وتشير عبارة مفاعل الملح المنصهر إلى تصميم مفاعل صغير يستعمل تقنية تحمل الاسم نفسه، ويؤدي فيها الملح المنصهر وظيفة مبرد الوقود النووي.
وتأمل شركة تيراباور إل إل سي، الأميركية المتخصصة في تصنيع المفاعلات النووية، والمدعومة من قبل قطب الأعمال والملياردير الأميركي بيل غيتس، ومنشآة "ساذيرن كو"، ووزارة الطاقة الأميركية أن تقود التجربة التي تستغرق قُرابة 6 أشهر، إلى طفرات في المفاعلات النووية التي من الممكن أن تساعد بدورها على تقليص مستويات الانبعاثات الكربونية المُسببة للتغيرات المناخية، وفق معلومات جمعتها منصة الطاقة المتخصصة.
غير أن مجموعة من أعضاء سابقين في اللجنة التنظيمية النووية، من بينهم الرئيس السابق للجنة أليسون ماكفارلين، ومساعدو وزير الخارجية الأميركي لحظر انتشار الأسلحة النووية، قالت إن "تجربة مفاعل الملح المنصهر" من الممكن أن تمنح دولًا أخرى ذريعة لتخصيب اليورانيوم إلى المستوى الذي يمكن من خلاله استعمال هذا المعدن بالغ الحساسية في تصنيع القنبلة النووية، عبر السعي لامتلاك مفاعلات جديدة.
أضرار تتجاوز الفوائد
قال الخبراء في رسالة مُوجهة إلى مسؤولي وزارة الطاقة الأميركية: "الأضرار التي ستلحق بالأمن القومي من الممكن أن تتجاوز أي فوائد محتملة من تقنية الطاقة تلك المثيرة للجدل".
وأعرب هؤلاء الخبراء عن مخاوفهم من أن تقود الزيادة في أعداد تلك التجارب إلى تنامي مخاطر حصول المسلحين الراغبين في امتلاك السلاح النووي، على اليورانيوم، الذي لا غنى عنه لإنتاج تلك الأسلحة الفتاكة.
وقال الأستاذ في كلية إل بي جيه للشؤون العامة في جامعة تكساس ألان كوبيرمان، الذي أشرف بنفسه على إعداد الرسالة المذكورة: "من الصادم أن تقوّض وزارة الطاقة الأميركية، دون حتى إخطار الرأي العام، السياسة الأميركية للحزبين -الديمقراطي والجمهوري- المُطبقة منذ عقود، والرامية لحظر انتشار الأسلحة النووية".
ومن الممكن تحويل تصميم "تجربة مفاعل الملح المنصهر" كي تستعمل يورانيوم منخفض التخصيب -بدلًا من اليورانيوم عالي التخصيب- ما قد يتسبب في رفع بعض التكاليف، لكنه -في الوقت ذاته- سيقلص تكاليف أخرى عبر تحقيق معايير السلامة والأمان، حسبما ورد في الرسالة، وطالعته منصة الطاقة المتخصصة.
وزارة الطاقة تدافع
قالت وزارة الطاقة الأميركية، إن اليورانيوم عالي التخصيب يكون ضروريًا للإبقاء على صغر حجم المفاعل التجريبي.
وإذا ما اُستعمل يورانيوم تصل نسبة نقائه إلى 20% فقط، يجب أن يكون قلب المفاعل أطول بنحو 3 مرات، وأوسع بواقع 3 مرات، وأن يحتوي -أيضًا- على حجم وقود ملح أكثر بواقع 40 مرة، وفق ما صرحت به الوزارة، وتابعته منصة الطاقة المتخصصة.
وأشارت وزارة الطاقة الأميركية إلى أنه وبمجرد الانتهاء من التجربة، سيجري وقف المعامل، وإزالته.
وقال ناطق باسم شركة تيراباور إن "تجربة مفاعل الملح المنصهر" ستُجرى في منشأة آمنة لديها القدرة -فعليًا- على التعامل مع اليورانيوم المُستعمل في تصنيع القنابل النووية.
وأوضحت تيراباور، أن المفاعل الجاري تطويره في مختبرها الكائن في ولاية واشنطن، ويحمل اسم "مولتن كلورايد فاست ريأكتور"، سيستعمل يورانيوم مُخصبًا بنسبة نقاء قليلة لا تتجاوز 20%، وهو الحد الذي يقل كثيرًا عن مخاطر الانتشار النووي.
وأضاف الناطق باسم تيراباور: "لن يكون هناك مُنتج تجاري من تيراباور يعمل باليورانيوم عالي التخصيب".
تحديات تواجه الصناعة
ما تزال صناعة الطاقة النووية في الولايات المتحدة تواجه بعض التحديات، من بينها تكاليف السلامة الباهظة، بجانب اصطدامها بأسعار الغاز الطبيعي المنخفضة، علمًا بأن تلك السلعة الأخيرة تبرز منافسًا قويًا للطاقة النووية، في توليد الكهرباء بالبلاد.
وحرصت الولايات المتحدة على بناء احتياطياتها الإستراتيجية من اليورانيوم، إذ إن لديها واحدًا من أكبر أساطيل المفاعلات النووية في العالم، يصل عددها إلى 92 وحدة، تُنتج -مجتمعة- نحو 20% من إجمالي الكهرباء المولدة في البلاد.
ومع ذلك، ما تزال تعاني صناعة تعدين اليورانيوم العديد من الصعوبات والتحديات.
تراجع الإنتاج
تشهد الولايات المتحدة الأميركية تراجعًا مطردًا في إنتاج اليورانيوم منذ أوائل الثمانينيات، بعدما فضل مشغّلو محطات الطاقة النووية الأميركية استبدال الواردات الأقلّ تكلفة بإنتاج اليورانيوم المحلي.
ونتيجة لذلك، أصبح 90% من اليورانيوم المستعمل في المفاعلات الأميركية يحمل علامات تجارية أجنبية، ومنذ عام 2013، أغلقت البلاد قرابة 10 محطات للطاقة النووية، بل ومن المُخطط غلق وحدات جديدة في السنوات المقبلة.
صخور اليورانيوم
وفي عام 2019، لامس إنتاج الولايات المتحدة الأميركية من اليورانيوم قرابة 174 رطلًا، مُسجلاً أدنى مستوى -على أساس سنوي- منذ أكثر من 70 عامًا، وفق ما ورد في تقرير صادر عن إدارة معلومات الطاقة الأميركية في شهر يوليو/تموز (2022).
كما بلغ إنتاج أميركا من اليورانيوم المُركز (U3O8) 21 ألف رطل في 2021، قياسًا بذروة الإنتاج (4.9 مليون رطل) المسجلة في عام 2014.
يُشار إلى أن خطط ميزانية الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب لعام 2021 قد اقترحت تخصيص ما إجمالي قيمته 150 مليون دولار لبناء الاحتياطي الإستراتيجي من اليورانيوم في الولايات المتحدة، كما سعت إدارة ترمب -آنذاك- لمساعدة المفاعلات المتعثرة.
اضف تعليق