تهدف الدول إلى تطوير حقول طاقة الرياح ومنشآت الربط والشبكات الصناعية ومشاريع الهيدروجين الأخضر، وغيرها. في بحر الشمال الضحل، يمكن تركيب توربينات الرياح بأعداد كبيرة على مسافة غير بعيد جدا عن الساحل، وإنتاج الكهرباء بتكاليف تعتبر تنافسية للغاية. تبدو الأهداف طموحة للغاية، لكن المشاركة في عطاءات الطاقة المتجددة تراجعت...
من المتوقع أن تزيد القدرة العالمية المضافة من الطاقة المتجددة بمقدار الثلث هذا العام، إذ ستقود السياسات الحكومية القوية والمخاوف المتعلقة بأمن الطاقة إلى التوسع في الطاقة النظيفة.
وفي تقريرها المحدث لسوق الطاقة المتجددة، ذكرت وكالة الطاقة الدولية أنه من المقرر أن تقفز القدرة العالمية المضافة من الطاقة المتجددة بواقع 107 جيجاوات، وهي الإضافة الأكبر على الإطلاق، لتصل إلى 440 جيجاوات في 2023.
وفي العام المقبل، من المتوقع أن يرتفع إجمالي الكهرباء المنتجة من مصادر متجددة عالميا إلى 4500 جيجاوات، أي ما يعادل إجمالي إنتاج الطاقة في الصين والولايات المتحدة مجتمعتين.
وقال فاتح بيرول المدير التنفيذي لوكالة الطاقة الدولية "الطاقة الشمسية وطاقة الرياح تقودان التوسع السريع لاقتصاد الطاقة العالمي الجديد".
وأضاف "هذا العام، من المقرر أن يضيف العالم قدرة قياسية من مصادر الطاقة المتجددة لأنظمة الكهرباء - تعادل أكثر من إجمالي قدرة الطاقة لألمانيا وإسبانيا معا".
ويأتي تعزيز الطاقة المتجددة في صدارة الجهود الأوروبية لمعالجة أزمة الطاقة في أعقاب حرب أوكرانيا. كما ستقود التدابير الجديدة إلى زيادات كبيرة في القدرة الإنتاجية في الولايات المتحدة والهند خلال العامين المقبلين.
وذكرت وكالة الطاقة الدولية أنه من المتوقع أن تكون الصين وحدها مسؤولة عن ما يقارب 55 بالمئة من الزيادات العالمية في قدرات الطاقة المتجددة في عامي 2023 و2024.
وستشكل الإضافات من الطاقة الكهروضوئية الشمسية ثلثي الزيادة هذا العام، ومن المتوقع أن تستمر في النمو في 2024. وأشار التقرير إلى أن ارتفاع أسعار الكهرباء يقود النمو الأسرع في نشر ألواح الطاقة الشمسية الكهروضوئية على الأسطح.
ومن المتوقع أن تنمو الزيادة في طاقة الرياح 70 بالمئة تقريبا في 2023 على أساس سنوي بالنظر لاستكمال المشاريع التي تسببت القيود المرتبطة بجائحة كورونا في تأخيرها في الصين وبسبب مشكلات سلاسل التوريد في الولايات المتحدة وأوروبا.
ولفت التقرير إلى أن النمو في 2024 سيتوقف على ما إذا كان بإمكان الحكومات تقديم دعم أكبر للسياسات لمواجهة التحديات، من حيث إصدار التصاريح ومواصفات العطاءات الخاصة برفع القدرة.
ورغم تحسن القدرة التنافسية لطاقة الرياح والطاقة الشمسية الكهروضوئية منذ العام الماضي، فإن المشاركة في عطاءات الطاقة المتجددة تراجعت بمعدل قياسي بلغ 16 بالمئة في 2022.
كماأن هناك حاجة لمزيد من الاستثمار في تحديث الشبكات لإدخال كميات أكبر من مصادر الطاقة المتجددة لأنظمة الطاقة.
12% من إنتاج الكهرباء العالمي
وأظهر تقرير أن توليد الكهرباء من طاقة الرياح والطاقة الشمسية بلغ مستوى قياسيا يمثل 12 بالمئة من إنتاج الكهرباء العالمي في العام الماضي ارتفاعا من عشرة بالمئة في 2021.
وقال التقرير الصادر عن مؤسسة الأبحاث المستقلة إمبر المعنية بشؤون المناخ والطاقة إن العام الماضي ربما شهد ذروة الانبعاثات من قطاع الكهرباء، وهو أكبر مصدر في العالم لانبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون المسببة للاحتباس الحراري.
ودرست إمبر بيانات قطاع الكهرباء من 78 دولة في تقريرها السنوي عن الكهرباء في العالم، بما يمثل 93 بالمئة من الطلب العالمي على الكهرباء.
وخلص التقرير إلى أن مصادر الطاقة المتجددة والنووية شكلت مجتمعة حصة 39 بالمئة من إنتاج الكهرباء العالمي العام الماضي مع ارتفاع حصة الطاقة الشمسية بنسبة 24 بالمئة وطاقة الرياح بنسبة 17 بالمئة مقارنة مع العام السابق.
ولبى النمو في توليد الكهرباء من الطاقة الشمسية والرياح 80 بالمئة من الزيادة في الطلب العالمي على الكهرباء في 2022.
وزاد توليد الكهرباء من محطات تعمل باستخدام الفحم بنسبة 1.1 بالمئة بينما تراجع توليد الكهرباء من محطات تعمل باستخدام الغاز بنسبة 0.2 بالمئة نظرا لارتفاع أسعار الوقود.
ورغم ارتفاع انبعاثات ثاني أكسيد الكربون من قطاع الكهرباء بنسبة 1.3 بالمئة في العام الماضي، فقد ساهمت زيادة الاعتماد على طاقة الرياح والطاقة الشمسية في إبطاء وتيرة الارتفاع. وقال التقرير إنه لو جاءت كل الكهرباء المولدة من الرياح والطاقة الشمسية من محطات تعمل بالوقود الأحفوري لكانت انبعاثات قطاع الكهرباء أعلى بنسبة 20 بالمئة في 2022.
الغاز الطبيعي يهدد الأهداف المناخية
قالت مجموعة متابعة العمل المناخي، التي تتعاون في مجال البحوث، إن الدول التي تهرول للحصول على مزيد من الغاز الطبيعي لتعويض الإمدادات من روسيا تخاطر بالتسبب في انبعاثات على مدى سنوات يمكن أن تعيق تحقيق الأهداف المناخية.
واصطدمت الجهود المبذولة لدرء مخاطر تغيرات مناخية كارثية هذا العام بأزمة طاقة عالمية بسبب شح إمدادات الغاز وارتفاع أسعار الوقود إذ خفضت روسيا بشدة شحنات الغاز إلى أوروبا بعد غزوها أوكرانيا في 24 فبراير شباط.
وقال بيل هير، الرئيس التنفيذي لمعهد كلايمت أناليتكس البحثي، الذي يشكل مع معهد نيو كلايمت مجموعة متابعة العمل المناخي "نشهد دفعة كبيرة باتجاه زيادة إنتاج الغاز الأحفوري المسال وطاقة استيراده في جميع أنحاء العالم، في أوروبا وأفريقيا وأمريكا الشمالية وآسيا وأستراليا، مما يجعل الانبعاثات العالمية تتجاوز مستويات خطيرة".
وذكرت المجموعة أن المشروعات المخطط لها يمكن أن تتسبب في انبعاث عشرة بالمئة من ميزانية الكربون المتبقية في العالم، وهي الكمية الإجمالية التي يمكن أن تنبعث إذا لم يتجاوز الاحتباس الحراري 1.5 درجة مئوية. ومن بين هذه المشروعات، تنقيب جديد عن الغاز في كندا وطاقة استيراد الغاز الطبيعي المسال في ألمانيا وفيتنام.
ووافقت الدول بموجب اتفاق باريس للمناخ عام 2015 على محاولة وقف غازات الاحتباس الحراري التي تؤدي إلى ارتفاع درجة حرارة الكوكب إلى أكثر من 1.5 درجة مئوية فوق مستويات ما قبل الثورة الصناعية.
وقال العلماء إن ارتفاع درجة الحرارة إذا تجاوز 1.5 درجة مئوية سيؤدي إلى تأثيرات مناخية أشد بكثير من ظواهر قاتلة مثل حرائق الغابات والفيضانات وارتفاع منسوب مياه البحار. وفي الوقت الحالي، ترتفع درجة حرارة العالم بمقدار 1.2 درجة مئوية عن مستويات ما قبل الثورة الصناعية.
وتراجعت واردات أوروبا من الغاز الروسي بحلول أكتوبر تشرين الأول إلى 7.5 بالمئة انخفاضا من 40 بالمئة في السنوات الأخيرة.
وأدى الاندفاع لاستبدال هذه الإمدادات إلى المضي في خطط توسيع البنية التحتية للوقود الأحفوري، حتى مع اقتراح الاتحاد الأوروبي زيادة أهداف الطاقة المتجددة لمحاولة استبدال أغلب الوقود الروسي بالطاقة النظيفة.
وقالت وكالة الطاقة الدولية إنه لا ينبغي فتح حقول نفط وغاز جديدة إذا حقق العالم هدف 1.5 درجة مئوية.
ووفقا لحسابات مجموعة متابعة العمل المناخي، ستضع أهداف الدول لخفض الانبعاثات خلال هذا العقد العالم على مسار ارتفاع درجة الحرارة إلى 2.4 درجة مئوية مقابل 1.8 درجة في أفضل سيناريو حين تنفذ الدول جميع تعهداتها المعلنة ومن بينها أهداف 2050، الأمر الذي يتطلب سياسات مناخية أكثر صرامة واستثمارات أكبر بكثير للتحول إلى الطاقة الخضراء.
التزام اوربي بزيادة إنتاج الطاقة النظيفة
وفي تحد صناعي هائل لتسريع نزع الكربون في القارة العجوز، عقدت تسع دول أوروبية اجتماعا في بلجيكا التزمت من خلاله بتكريس طموحها المشترك بزيادة قدراتها على صعيد طاقة الرياح في بحر الشمال عشر مرات.
وأعلن مطلق المبادرة رئيس الوزراء البلجيكي ألكسندر دي كرو إثر القمة في أوستنده، "هذا يوم حاسم لنجعل من بحر الشمال أكبر محطة للطاقة الخضراء في العالم".
والتزمت سبع دول من الاتحاد الأوروبي (فرنسا وألمانيا وهولندا وبلجيكا وإيرلندا والدانمارك ولوكسمبورغ) إضافة إلى النرويج وبريطانيا بزيادة قدراتها في مجال إنتاج الطاقة من الرياح بشكل جماعي في بحر الشمال إلى 120 غيغاوات في عام 2030، ثم 300 غيغاواط على الأقل في عام 2050، مقابل إنتاجها جميعا حاليا نحو 30 غيغاواط.
وتهدف الدول إلى تطوير حقول طاقة الرياح ومنشآت الربط والشبكات الصناعية ومشاريع الهيدروجين الأخضر، وغيرها.
تريد الدول التسع الموقعة تنسيق سياساتها وفتح المناقصات وتعزيز سلاسل الإنتاج وتبسيط الإجراءات الإدارية.
في بحر الشمال الضحل، يمكن تركيب توربينات الرياح بأعداد كبيرة على مسافة غير بعيد جدا عن الساحل، وإنتاج الكهرباء بتكاليف تعتبر تنافسية للغاية.
تبدو الأهداف طموحة للغاية، فحاليا تنتج بريطانيا 14 غيغاواط من طاقة الرياح البحرية وألمانيا 8 غيغاوات، وتتراوح قدرات الدانمارك وبلجيكا وهولندا بين 2 و3 غيغاوات، ولا يتخطى إنتاج فرنسا والنرويج حوالى 0,5 غيغاوات.
وجاء في البيان المشترك أن فرنسا تهدف إلى إنتاج 2,1 غيغاوات على الأقل بحلول عام 2030 و"بين 4,6 و17 غيغاوات" بحلول عام 2050 في بحر الشمال وقناة المانش. وكانت باريس قد أعلنت في وقت سابق أنها تهدف لإنتاج 40 غيغاواط من طاقة الرياح البحرية على جميع سواحل فرنسا بحلول عام 2050.
لتحقيق ذلك، دعا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في أوستنده إلى "تأمين القطاع الصناعي بأكمله".
وأضاف ماكرون "نريد صناعة أوروبية لإنتاج" توربينات الرياح والبنية التحتية و"عدم تكرار الأخطاء التي ربما ارتكبناها" في الماضي من خلال استيراد المكونات والمواد لإنتاج الطاقة الشمسية.
بدورها، دعت رئيس الوزراء الدانماركية ميته فريدريكسن إلى "تأمين الإمدادات" من المواد الحيوية (المعادن النادرة خصوصا) التي لا تزال أوروبا تعتمد بشدة على توريدها لا سيما من الصين.
وقال رئيس وزراء لوكسمبورغ غير الساحلية كزافييه بيتيل "الأموال مطلوبة لتمويل مثل هذه المشاريع، ولهذا السبب أنا هنا... نساهم في المال ونحصل في المقابل على جزء من الطاقة" المنتجة.
استثمارات بالمليارات
بعد اجتماع أول ضم أربع دول في أيار/مايو 2022 تندرج قمة بحر الشمال الثانية ضمن الأهداف المناخية لأوروبا فضلا عن العزم على تقليل اعتمادها على مصادر الطاقة الأحفورية المستوردة إثر الحرب في أوكرانيا.
واتفقت دول الاتحاد الأوروبي قبل فترة قصيرة على مضاعفة مساهمة مصادر الطاقة المتجددة في استهلاك الطاقة بحلول 2030 لتصل إلى 42,5% ولا سيما عبر تسريع إجراءات الترخيص للمنشآت. واقترحت بروكسل كذلك في منتصف آذار/مارس تخفيف الإجراءات التنظيمية للصناعات الخضراء.
لكن لتحقيق أهداف أوستنده "ثمة حاجة إلى استثمارات جديدة ضخمة في قدرات الإنتاج ومنشآت الدعم... والسياسات المقررة غير كافية في الوقت الراهن" حسب ما أفادت حوالى 100 من شركات القطاع في إعلان مشترك.
وأوضح بيار تارديو من اتحاد ويند يوروب الصناعي لوكالة الأنباء الفرنسية "تتمتع أوروبا بمركز قيادي على الصعيد التكنولوجي والصناعي في مجال طاقة الرياح البحرية لكنها لا تنتج ما يكفي من العناصر الحيوية. وتخصص تمويلات لا بأس بها للابتكارات أما الرهان الحالي فيقوم على استثمار في منشآت الانتاج القائمة حاليا التي ينبغي زيادة قدرتها مرتين أو ثلاث مرات".
والكلفة الإجمالية تبدو ضخمة. ففي نهاية 2020 قدرت بروكسل الاستثمارات الضرورية بحوالى 800 مليار يورو في حال أراد الاتحاد الأوروبي أن يصل إلى قدرة إنتاج 300 غيغاواط من طاقة الرياح البحرية بحلول 2050.
وتدعو المنظمات البيئية غير الحكومية إلى عدم القيام بدراسات التأثير على التنوع البيولوجي البحري على عجل فيما تشير ويند يوروب إلى قيود مرتبطة بالصيد والنقل
لا يمكن لأحد وقف التقدم
من جهته أكد المدير العام للوكالة الدولية للطاقة المتجددة فرانشيسكو لاكاميرا في مقابلة مع وكالة فرانس برس أن "لا أحد يمكنه أن يوقف تقدم" الطاقة المتجددة التي ستستمر بالازدهار رغم الصعوبات لكنه يجب أن تتقدم بسرعة أكبر لكي يحقق العالم أهدافه المناخية.
ويعاني العالم من أزمة طاقة منذ الغزو الروسي لأوكرانيا وتجهد بعض الدول خصوصا في أوروبا، لضمان امداداتها من النفط وخصوصا من الغاز.
وقال لاكاميرا في مقابلة مع فرانس برس على هامش مؤتمر الأطراف حول المناخ (كوب27) في منتجع شرم الشيخ المصري على البحر الأحمر "على المديين المتوسط والطويل لا سبيل آخر إلا في تسريع نزع الكربون. مصادر الطاقة المتجددة ليست جيدة فقط للمناخ وفرص العمل وإجمالي الناتج المحلي بل هي أيضا وسيلة فعلية لضمان الاستقلالية على صعيد الطاقة".
وشدد الأمين العام لحلف شمال الأطلسي ينس ستولتنبرغ أيضا على هذا الجانب الاستراتيجي الجديد مؤكدا أن الانتقال إلى الطاقة المتجددة "جيد لأمننا".
ورأى فرانشيسكو لاكاميرا أن الولايات المتحدة لن تتراجع على الأرجح في اختيارها مصادر الطاقة النظيفة الذي عززته أخيرا خطة الاستثمار الواسعة التي دفع بها الرئيس الأميركي جو بايدن .
وأكد أنه "خلال الإدارة السابقة (دونالد ترامب) كانت المحطات العاملة بالفحم قد بدأت تقفل أبوابها في الولايات المتحدة".
وتابع أن "السوق هي المحرك. والسوق تقول من الآن بوضوح إننا نتجه نحو نظام يستند على الطاقة المتجددة ويستكمله الهيدروجين الأخضر خصوصا. لا أحد يمكنه وقف هذا التقدم".
وأضاف "السؤال لا يتعلق بالوجهة بل بالسرعة المعتمدة والنطاق".
واحتسبت الوكالة الدولية للطاقة المتجددة في تقرير نشر خلال كوب27 أن الانتقال في مجال الطاقة ليس على المسار الصحيح لتحقيق أهداف اتفاق باريس حول المناخ الذي ينص على حصر الاحترار المناخي دون الدرجتين المئويتين وإذا امكن عند 1,5 درجة مقارنة بالمرحلة التي سبقت الثورة الصناعية.
وشدد لاكاميرا على أن "الأرقام تفيد بأنه علينا مضاعفة طموحاتنا من الآن إلى 2030".
وتهدف دول العالم إلى التوصل إلى انتاج 5,4 تيراوت من القدرة الكهربائية المتجددة بحلول هذا التاريخ ما يشكل نصف 10,8 تيراوات ضرورية لاحترام التعهدات المناخية.
وتتخلف إفريقيا حيث يقام كوب27 راهنا في هذا المجال، خصوصا مقارنة بما بإمكانها تحقيقه على صعيد الطاقة الشمسية.
فالاستثمارات في الطاقة المتجددة كانت في 2021 في أدنى مستوى لها منذ 11 عاما على ما جاء في تقرير لبلومبرغ أن إي أف. ولم تستحوذ القارة إلا على 0,6 % من الاستثمارات العالمية في القطاع.
وأكد لاكاميرا "تتمتع إفريقيا بقدرة هائلة. يمكنها انتاج كميات من الكهرباء والطاقة تفوق ألف مرة حاجاتها. هذه القارة محطة كهربائية استثنائية".
وأضاف "لكن علينا مراجعة الطريقة التي يتم فيها التعاون. لا يمكن لإفريقيا أن تتطور وأن تتجه إلى نظام طاقة نظيفة من دون بنية تحتية مادية وقانونية جيدة".
وحذر كذلك من الاعتماد على مشاريع طاقة احفورية جديدة لتحقيق التنمية وهو حلم يراود دول عدة مثل السنغال أو جمهورية الكونغو الديموقراطية.
وقال لاكاميرا "من مصلحة القارة أن تركب القطار الجديد وألا تبقى عالقة في تكنولوجيات قديمة".
ورأى أن إفريقيا يمكنها أن توفر ملايين فرص العمل الجديدة وتسريع نموها جراء ذلك.
وختم بالقول "لكن لا يمكن تحقيق أي شيء إلا إذا كانت الدول المتطورة مستعدة لتسهيل الأمور ودعم الأفارقة والعمل معهم لجعل ذلك ممكنا".
استثمار متدن ومقلق في إفريقيا
وسجّلت الاستثمارات في مصادر الطاقة المتجددة العام 2021 مستوى "مقلقا جدا" هو الأدنى منذ 11 عاما في إفريقيا، رغم القدرات الهائلة لهذه القارة، وفق ما ذكر تقرير صادر عن "بلومبرغ أن إي أف" BloombergNEF الأربعاء خلال مؤتمر شرم الشيخ حول المناخ (كوب27).
وأوضح التقرير خلال المؤتمر الذي يعقد تحت عنوان "كوب إفريقيا"، أن "2,6 مليار دولار فقط استثمرت في طاقة الرياح والطاقة الشمسية والحرارة الجوفية ومشاريع طاقة متجددة أخرى في 2021 وهذا هو الأدنى منذ 11 عاما".
وارتفعت الاستثمارات في مصادر الطاقة المتجددة في العالم بنسبة 9% على مدار سنة لتصل إلى أعلى مستوى لها العام الماضي، إلا انها تراجعت بنسبة 35 % في إفريقيا التي لا تمثل سوى 0,6% من 434 مليار دولار استثمرت في الطاقة المتجددة عبر العالم.
وقالت مؤسسة بلومبرغ أن بي أف إن هذا التراجع في القارة الإفريقية حيث يرتكز إنتاج الكهرباء بشكل واسع على مصادر الطاقة الأحفورية الملوثة والمكلفة، يحصل رغم الموارد الطبيعة الاستثنائية في إفريقيا والطلب المتزايد على الكهرباء وتحسّن البيئة السياسية".
وتتمتع إفريقيا بقدرة واضحة في مجال الطاقة الشمسية، إلا أنها تساهم في 1,3 % من قدرات الإنتاج العالمية لمصدر الطاقة هذا.
وشدد التقرير أيضا على وجود تركز كبير للاستثمارات في بعض الدول، لا سيما جنوب إفريقيا ومصر وكينيا والمغرب التي تستحوذ وحدها منذ العام 2010 على ثلاثة أرباع إجمالي المبالغ المستثمرة تقريبا.
وقال مبعوث الأمم المتحدة الخاص بالتحرك المناخي مايكل بلومبرغ "الاستثمار في مصادر الطاقة النظيفة في إفريقيا عند مستوى متدن ومقلق".
وأضاف "لتغيير هذا الوضع، نحتاج إلى مستويات تعاون جديدة لتحديد مشاريع طاقة نظيفة قابلة للاستمرار وتوفير التمويل لها من القطاع الخاص مع دعم حكومي لتحويل قدرة إفريقيا لتكون القائدة العالمية للطاقة النظيفة إلى واقع".
وحدد معدو التقرير "عوائق" تحد من انتشار مصادر الطاقة هذه في إفريقيا مثل غياب الاطلاع على الفرص في القطاع من جانب المستثمرين المحليين والنقص في التخطيط.
واقترح التقرير الاستفادة من خبرات دول أخرى نجحت في تجاوز هذه العوائق ذاكرا خصوصا استدراجات العروض في البرازيل وجهود بنك التنمية الوطني في المكسيك.
استغلال الشمس الافريقية
تنعكس أشعة الشمس على عشرات ألواح الطاقة الشمسية المنتشرة في بحيرة في تونس، الساعية كغيرها من الدول المغاربية لتدارك تأخرها في استغلال هذا المصدر الطبيعي للطاقة المتوفر على مدار العام تقريبا.
رغم عوائق البيروقراطية على المستوى الإداري، إلاّ أن العديد من الدول تقدمت أشواطا مهمّة في انتاج الطاقة الشمسية، على خلفية ارتفاع أسعار المحروقات جرّاء الأزمة الروسية الأوكرانية وازدياد الوعي حيال أهمية العودة إلى الموارد الطبيعية واستغلالها، بحسب خبراء.
ويقول الباحث في معهد الشرق الاوسط في واشنطن مايكل تانشوم لفرانس برس إن "الضغط الهائل على الغاز الطبيعي وبالخصوص في أوروبا غيّر معادلات الاستثمار في هذا المجال".
لكن في المقابل، توجد في كل من "الجزائر وتونس والمغرب موارد هائلة من طاقة الشمس والرياح"، وفقا لتانشوم للمتخصص في التجارة والطاقة والشؤون الجيوسياسية في منطقة شمال إفريقيا.
يأمل المدير في شركة "كيير" عمر الباي أن يكون نموذج محطة الطاقة الشمسية العائمة في البحيرة الواقعة في العاصمة التونسية والتي تنتج 200 كيلواط والتي تعد الأولى من نوعها في منطقة شمال إفريقيا، محفزا لاطلاق مشاريع أخرى مشابهة في المنطقة.
ويؤكد الباي أن تونس التي تملك موارد محدودة، "ليس لديها خيار آخر سوى المراهنة على مصادر الطاقة المتجددة".
تمتلك محطات الطاقة العائمة خاصية التبريد الطبيعي للألواح مما يجعلها أكثر نجاعة، فضلا عن كونها تفتح المجال لاستغلال الأراضي "لاستخدامات أخرى كالزراعة أو بناء المساكن"، بحسب الباي.
يعد مناخ دول المنطقة معتدلا إلى حار بينما تقدّر ساعات سطوع الشمس بالآلاف على مدى العام بأكمله، وهو ما يعزز إمكانية أن تصبح المنطقة عملاقا لإنتاج الطاقة الشمسية البديلة ويكون بمقدورها تلبية احتياجاتها الخاصة بل وحتى التصدير إلى أوروبا.
ويرجع تانشوم التأخر في استغلال هذا المورد إلى "شلل سياسي" تسبب فيه غياب الاستقرار السياسي مع تعاقب نحو عشر حكومات على البلاد خلال العقد الأخير.
فضلا عن ذلك، فإن تونس مثقلة بالديون في إطار أزمة تتفاقم يوما بعد يوم على خلفية تداعيات وباء كوفيد-19 والحرب في أوكرانيا التي أدت إلى زيادة فاتورة وارداتها من المواد الغذائية والطاقة المدعومة من الدولة.
وغالبا ما تواجه المشاريع عقبات قانونية واجراءات إدارية معقدة بسبب البيروقراطية، كما يؤكد رئيس "الغرفة النقابية الوطنية لتركيب وصيانة المعدات الفولطاضوئية" علي الكنزاري.
فمثلا، الألواح التي يتم توريدها من خارج البلاد "تتعطل أحيانا لمدة شهر أو شهر ونصف في الجمارك. نحن بحاجة إلى قوانين أكثر مرونة ويحتاج المسار برمته إلى التعجيل"، بحسب الكنزاري.
يشير الباي بدوره إلى "خلاف" مع نقابات في الشركة التونسية للكهرباء والغاز تعارض أي محاولة لخصخصة الشركة.
وأبرز مثال على ذلك مشروع محطة الطاقة الذي أقيم في الصحراء قرب تطاوين ولم تبدأ الاستفادة منه إلا في تشرين الأول/أكتوبر، أي بعد سنتين من انشائه، لانتاج 10 ميغاواط وتزويد 10 آلاف أسرة بالكهرباء.
لكن ما زال هناك أمل بعض الشيء، بحسب الباي الذي يؤكد "تجاوزنا اليوم كلّ هذه المشاكل".
وفُتح المجال اليوم من قبل السلطات في المنطقة لتدارك ما فات من تأخير، بحسب الخبير الذي يرى أن "المغرب هو البلد الوحيد الرائد" في هذا المجال مقارنة بالجزائر وتونس.
اتخذت المملكة منذ العام 2009 خطوات استثمارية هامة في مجال الطاقة المتجددة وحددت هدفا لتشكّل الطاقة النظيفة 52% من مجموع أنواع الطاقة لديها بحلول العام 2030. وحاليا، يأتي خُمس إنتاج الكهرباء من مصادر الطاقة الصديقة للبيئة.
وتؤكد وزارة الطاقة المغربية أنها "تجني ثمار رؤيتها بـ111 مشروعا تم انجازه او بصدد التطوير في مجال الطاقات المتجددة".
أحد البرامج الرئيسية التي تم احداثها في المملكة هو مشروع "إكس-لينك"، بطاقة توليد تتجاوز 10 غيغاواط والذي يعتمد على الشمس والرياح. يصدّر المشروع الطاقة إلى بريطانيا عبر كبلات في في البحر تمتد على 3800 كيلومتر. ويهدف لتزويد سبع ملايين أسرة بحلول العام 2030.
أطلقت تونس مشروعا أكثر تواضعا لكنه مشابه. وفي تشرين الأول/أكتوبر، قدمت طلبا للحصول على مساعدة أوروبية من أجل مد كابل بطول 200 كيلومتر يربطها بإيطاليا، وهو مشروع بقيمة 800 مليون يورو، تأمل بأن يدخل في الخدمة بحلول العام 2027.
ولو أمكن انجاز هذا المشروع بطاقة انتاجية تبلغ ما بين بين 4 و5 غيغاواط في جنوب تونس "لتمكنت البلاد من بيع الكهرباء لأوروبا وجمعت عائدات مهمة من ذلك" وتفادت التأخير، في تقدير الكنزاري.
امّا الجزائر المجاورة، والتي تدرك تماما أن مواردها من الغاز ستنضب يوما ما، فحددت لنفسها أيضا هدفا طموحا لإنتاج 15000 ميغاواط من الطاقة الشمسية بحلول عام 2035. ومن المقرر أن يبدأ تشغيل الجزء الأول من مشروع ضخم بقدرة 1 غيغاواط نهاية العام 2023 أو مطلع 2024.
لكن الجزائر لا تنتج حاليا غير كميات محدودة لا تتجاوز 3% من الكهرباء من الطاقة الشمسية.
وأفادت رئيسة برنامج شمال أفريقيا في معهد الشرق الاوسط انتصار فقير أنه على الرغم من التسهيلات عبر سنّ التشريعات، "لا تزال هناك صعوبات أمام الاستثمار الأجنبي بما في ذلك البيروقراطية الجزائرية".
ألواح شمسية في محطات القطارات
من جهته تعتزم فرنسا تركيب 1800 ألف متر مربّع من الألواح الشمسية في أكثر من مئة محطة قطار بدءاً من عام 2024، كمرحلة أولى ضمن خطة تهدف إلى نشر مليون متر مكعّب من هذه الألواح في غضون عشر سنوات، على ما أعلنت الشركة الفرنسية للسكك الحديد الخميس.
وستنتج محطات الطاقة الكهروضوئية ما يعادل 15% من الكمية التي تستهلكها 3000 محطة فرنسية، بحسب الشركة المنضوية ضمن الشبكة الوطنية لسكك الحديد (اس ان سي اف). إلا أنّ الكهرباء المُنتجة سيُعاد بيعها إلى شبكة توزيع الكهرباء العامة ولن تُستخدم بشكل مباشر في المحطات.
وعهدت شركة "SNCF Gares & Connexions" المرحلة الأولى من المشروع إلى شركة "تينيرجي" المتخصصة في الطاقة الشمسية وطاقة الرياح والتي تتخذ من جنوب فرنسا مقراً، وستتولى الشركة تركيب الألواح الشمسية وصيانتها. ومن المقرر تثبيت الألواح الشمسية في مواقف السيارات التابعة لـ119 محطة.
وأكدت المديرة العامة لـ"SNCF Gares & Connexions" مارلين دولفيك، في تصريح صحافي أنّ "تطوير الطاقة الشمسية خطوة بالغة الأهمية لنا، فهي إحدى الطاقات المتجددة"، مشيرةً إلى رغبتها في التوصل إلى "محطات صديقة للبيئة" تستهلك كميات أقل من الطاقة وتبتعد عن الطاقة الأحفورية.
وتهدف الخطة إلى تركيب مليون متر مربع من الألواح الشمسية في المحطات حتى عام 2030 إلى 2032. وبحلول هذا الموعد النهائي، ترغب "SNCF Gares & Connexions" في الوصول إلى استهلاك كميات أقل من الكهرباء من تساوي ما تُنتجه الطاقات المتجددة في المحطات.
اضف تعليق