يعتقد الاقتصاديون في إيران أن هناك العديد من المعوقات أمام الاستثمار الأجنبي في البلاد، وهذه التحديات تنطبق على الاستثمار السعودي، وأشار الاقتصاديون في مناسبات عديدة إلى العملية المعقدة للبيروقراطية والضبابية بشأن مستقبل الاقتصاد وعدم الاستقرار في بعض القرارات، فقد أدت هذه العوامل إلى تردّد المستثمرين في دخول الاقتصاد الإيراني...
بقلم: أومود شوكري - ترجمة: نوار صبح
بعد الاتفاق السعودي الإيراني، الأسبوع الماضي، على تطبيع العلاقات الدبلوماسية بينهما، يمكن توقُّع أن ذلك سيفتح فصلًا جديدًا في التعاون بين البلدين في قطاع الطاقة، وخصوصًا الطاقة المتجددة؛ إذ تخطط المملكة العربية السعودية للاستثمار في البنية التحتية للطاقة الإيرانية.
الأمر اللافت للانتباه، أنه على الرغم من أن كلا البلدين متنافسان جيوسياسيان ولهما تاريخ من العلاقات المتوترة، فإن هذه الخطوة قد تشير إلى تحول نحو الدبلوماسية والتعايش السلمي، وقد شكّك العديد من الخبراء في جدوى الاستثمار بسبب العقبات السياسية والاقتصادية المختلفة، ومن المثير للاهتمام رؤية الاتفاق السعودي الإيراني، بين الخصمين القديمَين اللذين يجتمعان سعيًا لتحقيق مكاسب متبادلة، ويمكن عَدُّها محاولة من المملكة لتنويع اقتصادها المعتمد على النفط والاستفادة من إمكانات السوق الإيرانية الهائلة.
ومع استمرار العقوبات الأميركية على إيران، قد يواجه المستثمرون السعوديون عقبات كبيرة في إبرام مثل هذه الصفقات. ومع ذلك، ما يزال هذا الإعلان عن استئناف العلاقات الدبلوماسية يُعدّ خطوة إيجابية نحو الاستقرار والتعاون بين هذين اللاعبَين الكبيرَين في الشرق الأوسط.
حاجة قطاع النفط والغاز في إيران للاستثمار
في نوفمبر/تشرين الثاني 2021، أعلن وزير النفط الإيراني جواد أوجي حاجة قطاع النفط والغاز في البلاد إلى 160 مليار دولار، وحذّر من أنه إذا لم يُوَظَّف هذا المبلغ في الاستثمار، فستصبح إيران مستوردًا للنفط والغاز، ويعاني الغاز الإيراني من عقوبات وضغوط تتعلق بالبرنامج النووي، ولم ينجح في جذب الاستثمار، السنوات الأخيرة.
في صيف عام 2021، نشر مركز الأبحاث التابع لمجلس الشورى الإسلامي الإيراني تقريرًا يستند إلى أن الاستثمار في مجال استكشاف وتطوير حقول النفط والغاز الإيرانية قد شهد انخفاضًا حادًا منذ عام 2019، من نحو 23 مليار دولار في عام 2019 إلى نحو 3 مليارات دولار فقط في عام 2021.
إزاء ذلك، يمكن للاتفاق السعودي الإيراني أن يؤدي إلى استثمار المملكة في حقول النفط والغاز الإيرانية، بحساب أنه بعد الاتفاق المحتمل وعودة إيران إلى السوق، ستزداد المنافسة في سوق النفط بين دول المنطقة.
تحديات إنتاج الطاقة المتجددة في إيران
تواجه إيران تحديات عديدة في إنتاج الطاقة المتجددة. أولًا، تعتمد الدولة بشكل كبير على النفط والغاز مصدرًا أساسيًا للدخل، ما يجعلها أقلّ تحفيزًا للاستثمار في مصادر الطاقة المتجددة. بالإضافة إلى ذلك، جعلت القيود المالية من الصعب على البلاد تحديث وتحسين البنية التحتية للطاقة.
علاوة على ذلك، أدت سنوات العقوبات الاقتصادية إلى إعاقة قدرة إيران على جذب الاستثمار الأجنبي إلى القطاع، أخيرًا، توجد عوائق فنية، مثل نقص العمال المهرة والشبكات الكهربائية التي عفا عليها الزمن، والتي تشكّل عقبات كبيرة أمام زيادة إنتاج الطاقة المتجددة في الدولة، ونتيجة لزيادة الوعي بشأن تغير المناخ على مستوى العالم، والطلب المتزايد باستمرار على مصادر الطاقة النظيفة محليًا، بدأت إيران في اتخاذ خطوات نحو تنويع مزيج الطاقة لديها من خلال تنفيذ السياسات التي تشجع على استعمال تقنيات الطاقة الشمسية وطاقة الرياح.
السعودية تخطط للاستثمار في إيران
في حديثه في مؤتمر القطاع المالي في الرياض، أعلن وزير المالية السعودي محمد الجدعان أن الاستثمار في إيران يمكن أن يحدث بسرعة عند تطبيع العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، وإنجاز الاتفاق السعودي الإيراني، وأوضح الوزير أن إيران تقدّم العديد من الفرص الاستثمارية للسعودية، وأنه إذا استقرت العلاقات و جرى الالتزام بصفقات، فلن تكون هناك مشكلات بين البلدين، وشمل الاتفاق السعودي الإيراني توافقًا بين المملكة وطهران على إعادة فتح بعثاتهما الدبلوماسية في غضون الشهرين المقبلين، وأوضح الجدعان، في مقابلة مع رويترز، أن الرياض لا ترغب في الدخول بصراع مع طهران، وتدعم الاستقرار في منطقة الخليج، وهو ما يكفله الاتفاق السعودي الإيراني، في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، أبدت السعودية استعدادها لاستثمار 14 مليار دولار في أوزبكستان، ويشمل هذا الاستثمار وعودًا مثل الإنتاج السخي للغاز الطبيعي في أوزبكستان الغنية بموارد الغاز، فضلًا عن التزام المملكة العربية السعودية بزيادة هجرة العمال الأوزبكيين للعمل في البلاد.
ويُعدّ أهم عقد وقّعه الرئيس الأوزبكستاني، شوكت ميرزيوييف، خلال زيارته للرياض، هو مشروع بناء أكبر مزرعة رياح في العالم في أوزبكستان، التي من المتوقع أن تزوّد 1.65 مليون منزل بالكهرباء في وقت تعاني فيه البلاد من نقص مزمن في الكهرباء.
في فبراير/شباط الماضي، أعلنت شركة أكوا باور السعودية، المطور والمستثمر والمشغّل السعودي الرائد في مجال توليد الكهرباء وتحلية المياه ومحطات الهيدروجين الأخضر في جميع أنحاء العالم، اكتمال 4 اتفاقيات منفصلة لتطوير الطاقة المتجددة الجديدة في جمهورية أذربيجان.
بموجب التزام أكوا باور بقيادة وتمكين انتقال الطاقة المدعوم بنموذج الشراكة القوي بين القطاعين العام والخاص، وقّعت الشركة اتفاقيات تنفيذ رئيسة مع وزارة الطاقة واتفاقية تعاون مع شركة النفط الحكومية لجمهورية أذربيجان (سوكار).
في العقود الماضية، لم تستطع إيران القيام بالاستثمارات اللازمة في قطاع الطاقة المتجددة، بسبب مشكلة نقص الغاز الطبيعي في إيران، وليس لدى طهران خيار سوى تطوير استعمال الطاقة النظيفة، لذلك فإن حكومة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي تحاول إنشاء 10 آلاف ميغاواط من الطاقة المتجددة في إيران بحلول عام 2025، ومن بين 10 آلاف ميغاواط من الطاقة المتجددة المخطط لها، 4000 ميغاواط من الطاقة الشمسية، وبفضل التمويل المالي والموارد التكنولوجية للشركات السعودية، يمكن لإيران تسهيل وجود الشركات السعودية في مشروعات الطاقة المتجددة، وفي التحول الكامل للطاقة.
معوقات أمام الاتفاق السعودي الإيراني
يعتقد الاقتصاديون في إيران أن هناك العديد من المعوقات أمام الاستثمار الأجنبي في البلاد، وهذه التحديات تنطبق على الاستثمار السعودي، وأشار الاقتصاديون في مناسبات عديدة إلى العملية المعقدة للبيروقراطية والضبابية بشأن مستقبل الاقتصاد وعدم الاستقرار في بعض القرارات، فقد أدت هذه العوامل إلى تردّد المستثمرين في دخول الاقتصاد الإيراني.
ويجب أن يوضع في الحسبان أن هناك مرافق واسعة وبنية تحتية مناسبة في إيران لجذب رؤوس الأموال الأجنبية، والقوانين القائمة في هذا المجال تدعم المستثمر الأجنبي، ولكن في الوقت نفسه، هناك نقص في الشفافية، وعلى الرغم من السياسات المعهودة والبيروقراطيات المعقدة في عملية تطبيق القوانين، لم يُحَلّ تطبيق هذه القوانين حتى الآن.
ومن أجل تشجيع المستثمرين الأجانب، وخصوصًا المملكة العربية السعودية، يجب على حكومة إبراهيم رئيسي تسهيل الأساليب والسياسات والعمليات، وفي الوقت نفسه التركيز على الإجراءات اللازمة، بحيث يواجه المستثمر الخطوات والتنظيم نفسه من البداية إلى النهاية من عملية استثماره، ومن الناحية الاقتصادية، تعدّ مجموعة الصناعات والمناخ والظروف الجوية والمعادن والموارد البشرية المتاحة في إيران مناسبة للاستثمار الأجنبي.
وينبغي على إيران تعميق علاقاتها السياسية مع الدول المستهدفة من أجل جذب رؤوس الأموال الأجنبية، ويجب أن تَحُدَّ من البيروقراطيات القائمة، وتلغي العديد من التصاريح المتعيّن الحصول عليها من المؤسسات المختلفة.
التوترات السياسية والأزمات الاقتصادية
من ناحيتهم، فإن السعوديين مستعدون، كما يقول وزير المالية، لكن هناك العديد من العقبات الكبيرة التي تعترض هذه الشراكة، والتي يجب معالجتها قبل إحراز أيّ تقدّم حقيقي، على سبيل المثال، تجعل التوترات السياسية طويلة الأمد بين الدول من الصعب على السعوديين التعامل مع الشركات الإيرانية دون الخوف من ردّ الفعل العنيف من حكومتهم أو مجتمعهم. بالإضافة إلى ذلك، تسبَّب نظام العقوبات المفروض على إيران في تعقيدات كبيرة للمستثمرين الأجانب الذين يسعون للدخول إلى اقتصادها.
وعلى الرغم من وجود إمكان لتحقيق المنفعة المتبادلة هنا، فإن الأمر سيستغرق بعض الوقت وبعض المفاوضات الجادة من كلا الجانبين للتغلب على هذه العقبات ورؤية بدء تدفّق الاستثمارات بسلاسة.
لذلك، يجب على إيران زيادة ارتباطها بالاقتصاد العالمي من خلال السياسات الاقتصادية التي تجذب الاستثمار الأجنبي، بما في ذلك المملكة العربية السعودية، في حالة رفع العقوبات المحتملة، هذا العمل، بالإضافة إلى الفوائد الاقتصادية للبلاد، يجعل الاقتصاد الإيراني يسهم بأكثر من نصف الإنتاج العالمي الحالي.
وستخفف هذه القضية في حدّ ذاتها من ضغط العقوبات المفروضة على الاقتصاد الإيراني وتوفر الضمانات اللازمة للاتفاق النووي، ويجب أن توافق إيران على مجموعة العمل المالي (إف إيه تي إف)، وأن تتبنى سياسة خارجية لخفض التصعيد، وألّا تدعم الجماعات التي تعمل بالوكالة. في المقابل، يمكن للشركات السعودية الاستثمار في مشروعات الطاقة المتجددة والبناء والاتصالات، ومن المهم تطوير المستشفيات والصناعات الصحية في إيران، إن الاتفاق السعودي الإيراني، ووجود الرياض واستثمارها في طهران، سيعني زيادة حجم التبادل التجاري بين البلدين على المدى المتوسط.
ويمكن أن تؤدي زيادة مستوى الاستثمار السعودي في إيران إلى إدارة التوترات المستقبلية المحتملة بين البلدين وتطبيع العلاقات، وستكون استثمارات المملكة العربية السعودية المحتملة في إيران لعبة مربحة للجانبين، وستستمر المنافسة الإقليمية بما يتماشى مع الموارد الوطنية لكلا البلدين.
اضف تعليق