كان النفط ولا يزال محور الصراع السياسي والاجتماعي في العراق وفي دول المنطقة، لا سيما الارتباط مع المصالح الدولية، وخصوصاً الشركات الاحتكارية العابرة للقارات وفوق القومية. وبسببه أطيحت حكومات وأشعلت حروب وحدثت نزاعات مسلحة وتعطّلت التنمية وأبطلت فرص الإصلاح، والأكثر من ذلك...
كان النفط ولا يزال محور الصراع السياسي والاجتماعي في العراق وفي دول المنطقة، لا سيما الارتباط مع المصالح الدولية، وخصوصاً الشركات الاحتكارية العابرة للقارات وفوق القومية. وبسببه أطيحت حكومات وأشعلت حروب وحدثت نزاعات مسلحة وتعطّلت التنمية وأبطلت فرص الإصلاح، والأكثر من ذلك، فإن النفط في بعض الدول تحوّل إلى نقمة بدلاً من أن يكون نعمة، حيث عانت شعوبها فقراً وتفاوتاً اجتماعياً كبيراً ، بسبب تبديد الموارد على الحروب والمغامرات وتكديس الأسلحة، الأمر الذي يطرح قضية النفط في العراق على بساط البحث باستمرار، ارتباطاً بعدد غير قليل من القضايا: مثل مستقبل كركوك، والمادة ،140 و”المناطق المتنازع عليها”، وقانون النفط والغاز، ودور البرلمان، بل مجمل العملية السياسية، التي بدأت مع الاحتلال، ومستقبلها في ظل استمرار المحاصصة المذهبية والإثنية.
منذ أن تدفق النفط في حقول باباكركر في كركوك في العام 1927 تدفق معه شلال الدم الذي ظل مستمراً وهادراً، خصوصاً بعدد من الانقلابات العسكرية، التي بدأها انقلاب بكر صدقي، العام 1936 ومروراً بإعادة احتلال العراق من قبل بريطانيا في العام ،1941 بعد حركة رشيد عالي الكيلاني خلال الحرب العالمية الثانية، وإعدام الضباط الأربعة الكبار، وبعدها مجزرة كاورباغي ضد عمال النفط في العام ،1946 وصولاً إلى معاهدة بورتسموث في العام 1948 لاستبدال معاهدة العام 1930 مع بريطانيا، التي تم رفضها شعبياً، تمهيداً للحرب العربية – “الإسرائيلية” بعد تأسيس “إسرائيل” في 15 مايو/ أيار العام ،1948 وبعدها إعدام القادة الشيوعيين فهد ورفاقه الثلاثة في 14-15 فبراير/ شباط العام ،1949 وإصدار قوانين غليظة ومقيّدة للحريات تحضيراً لحلف بغداد العام 1954-،1955 وردّ الفعل الذي أعقبه في ثورة 14 يوليو/ تموز ،1958 والمفاوضات العصيّة التي دخلتها الحكومة العراقية، الأمر الذي اضطرها إلى تشريع القانون رقم 80 لعام 1961 لاستعادة 5.99% من الأراضي العراقية من يد الاحتكارات النفطية، وما تبعها من انقلاب عسكري لم يكن بعيداً عن دور لشركات النفط والقوى الاستعمارية التي تقف خلفها في 8 فبراير/ شباط العام ،1963 وفيما بعد صدور القانون رقم 97 وتأسيس شركة النفط الوطنية وصولاً لتأميم النفط في العام 1972.
كل تلك التطوّرات السياسية لم تكن بعيدة عن النفط، بل إنه كان في الصميم منها، بما فيها التشجيع على استمرار الحرب العراقية – الإيرانية التي دامت ثماني سنوات 1980-،1988 فضلاً عن فرض حصار دولي شامل على العراق دام نحو 13 عاماً بعد غزو الكويت في 2 أغسطس/ آب العام ،1990 وصولاً إلى احتلال العراق في 9 إبريل/ نيسان 2003.
ومنذ اللحظة الأولى للاحتلال، قيل إن النفط هو الهدف الأساسي، إضافة إلى تفكيك الجيش العراقي خدمة ل”إسرائيل”، لاسيما بعد انكشاف زيف وجود أسلحة دمار شامل وهزال تهمة العلاقة بالإرهاب الدولي، الذي انفتح على مصراعيه في العراق، ناهيكم عن ضبابية التحول الديمقراطي، وانسداد آفاقه.
وإذا كانت قضية النفط قد شغلت البرامج السياسية للأحزاب العريقة في العراق، إضافة إلى النقابات العمالية والمنظمات المهنية، فإنها تشكل اليوم محوراً للتجاذب السياسي والاستقطاب الفئوي والمنفعي، بالنسبة للكتل والمجموعات البرلمانية والسياسية حالياً، وقد استغرقت حيّزاً غير قليل من مناقشات الدستور، سواءً قانون إدارة الدولة للمرحلة الانتقالية أو “الدستور الدائم” الذي تم التصويت عليه في 15 أكتوبر/ تشرين الأول العام 2005 وأجريت انتخابات أولى، ديسمبر/ كانون الأول ،2005 وانتخابات ثانية مارس/ آذار،2010 على أساسه، ولكن ذلك لم يمنع من اندلاع الخلاف والجدل واحتدام النزاع والصراع لتفسير أو تبرير اتجاهات الكتل السياسية ومصالحها بشأن النفط، خصوصاً قد تضمّن الدستور على الكثير من الألغام، ناهيكم عن غموض والتباس، قاد ويقود إلى المزيد من التوتر في الوضع السياسي، بل أصبح يهدد العملية السياسية برمّتها، لا سيما إذا لم يتم التوصّل إلى حلول مُرضية وسلمية، تنسجم وتتوافق مع المصلحة الوطنية العليا، وهدف التنمية الشاملة.
ونصت المادة 111 من الدستور على أن النفط والغاز ملك الشعب، الأمر الذي ينبغي توظيفه لمصلحة عموم الشعب وإخضاع هذا المورد الحيوي والأساسي لرفاهه وتنميته. ولكن للأسف الشديد ظلت هذه الثروة تهدر من دون حساب أو رقابة تُذكر، فضلاً عن أعمال النهب المنظّمة والعشوائية التي طالته. وخلال السنوات المنصرمة فشل البرلمان في التوصل إلى إصدار قانون موحد للنفط والغاز، على الرغم من الضغوط التي مارستها إدارة الرئيس بوش الابن، لاسيما منذ العام 2007 ولغاية انتهاء إدارته الثانية، علماً بأنها تمكّنت من فرض الاتفاقية الأمريكية- العراقية، وفقاً للصيغة التي تريدها، في إطار اختلال موازين القوى، بين طرفين أحدهما قوي والثاني ضعيف، والأول محتل والثاني محتلة أراضيه.
وبسبب عدم وجود قانون موحد للنفط والغاز، فإن الأطراف السياسية المعنيّة تصرّفت بما ينسجم مع قناعاتها ومصالحها، بفعل فيتو الكتل السياسية، وبسبب هذه الخلافات بقي الحال على ما هو عليه، وهكذا يتم الأمر حين يحدث التوتر، فإن التصعيد سيكون جاهزاً، ويستمر الأمر الواقع، “واقعاً” لا سيما إذا تكرّس بحكم الزمن ومن دون حلول جدّية ومقنعة.
ومن الأمور التي قد تعقّد الوضع، وتزيد من تباعد الحكومة الاتحادية المنفرط عقدها عن حكومة إقليم كردستان بشأن السياسة النفطية، هو الاتفاق بين الإقليم وتركيا على مدّ أنبوب للنفط وآخر للغاز عبر أراضيها، وهذا الخط يمثل المرحلة ما قبل الأخيرة لاكتمال المشروع النفطي في الإقليم منذ العام ،2003 وستكون المرحلة الأخيرة عند الاتفاق على ميناء التصدير.
إن استمرار الخلافات وتعثّر العملية السياسية وضعف الثقة بين الفرقاء، بل واحترابهم، قد يؤدي إلى المزيد من التشظّي، بسبب النفط أولاً، خصوصاً بدخول الشركات الاحتكارية والمصالح الدولية على الخط، الذي قد ينذر بعواقب وخيمة، فالنفط كان ولا يزال سبباً أساسياً، وإن لم يكن وحيداً للصراعات التي شهدها العراق المعاصر، ولهذا فإن فيتو النفط، يعتبر أهم عقدة تواجه البلاد وسيؤثر حلّها في بقية العُقد!!.
اضف تعليق