كان الموقف صادماً غير متوقعاً من طالبة بحضور المديرة والى جانبها المدرسة داخل الفصل الدراسي، فقد كانت في زيارة تفقدية لاستجلاء الآراء ضمن خطة عمل ادارية مقترحة، والنظر فيما تفكر به وتطمح اليه الطالبات.
كان سؤالها: كيف هو المنهج المتبع للتدريس؟
أجابت الطالبة بكل ثقة وثبات: نعم؛ هنالك تدريس وتعليم، ولكن من دون فهم لما نتلقاه من دروس...!
عقدت الدهشة لسان كل من المديرة والمدرسة اللتين لم تتوقعا هذا الجواب، حتى أن المديرة ردت ببعض الكلمات العاتبة – على الخفيف- تحاشياً من الرد الشديد الذي تعثر بين شفتيها.
اردفت الطالبة بعد كسرها الحاجز النفسي وتحلّيها بالشجاعة: المهم عندكم حصولنا على العلامات العالية، لتسجيل الامتياز للمُدرسة والتميّز للمَدرسة.
المشكلة ومآلاتها
رغم وجود القدرات العلمية والكفاءات والمهارات في مجال التربية والتعليم في المستويات كافة في العراق، ما نزال نواجه مشكلة التسطيح في التعليم، واستفحال ظاهرة دفع الطلاب لاستنساخ المادة ثم إنزالها نصاً خلال الامتحان، بما يُسمى عندنا بـ "الدرخ"، وهذا يشمل المواد العلمية والمواد الادبية، ولعل المعنيين والمتابعين لأمر التعليم، يدركون مخاطر هذا التوجه غير السليم لدى شريحة لابأس بها من الطلاب، عندما يكون من ضمن الدرخ؛ المواد العلمية التي تحتاج الى فهم كامل واستيعاب ذهني، وليس حفظ على ظهر القلب. فالقضية في المسائل العلمية، ترتبط بمصائر الناس، مثل الطب والهندسة وعلوم الكيمياء، ولمزيد من الاطلاع على حقيقة هذه المخاطر، ما على القارئ والمتابع لهذه القضية، إلا ان يزور بعض المستشفيات والمراكز الصحية – على سبيل المثال لا ا لحصر- ويرى حالات الخطأ او القصور والعجز في حالات عديدة من بعض الخريجين الجدد، مما يثير الاستغراب والذهول من الاطباء الموجودين، وهذا ينسحب على ميادين عمل اخرى.
إن النظر الى العلم من زاوية العين الباصرة وليس البصيرة، هو الذي يجعل ابنائنا الطلبة اليوم في مواقف محرجة للغاية عندما يتخطون مرحلة الدراسة الاعدادية ويضعون اقدامهم في المراكز الاكاديمية، حيث تختلف طريقة التدريس والتعليم، او عندما يتخرجون بشهاداتهم الجامعية وينخرطوا في غمار العمل الوظيفي كلٌ باختصاصه، فالعين الباصرة تحفظ الشرح والارقام والمعادلات العلمية وحسب، بينما البصيرة تمكنهم من اكتشاف الحقائق الكامنة وراء كل هذا السيل من المعلومات، ولذا ينصحون بالمطالعة الخارجية التي تفتح آفاق العلم امام الطالب وتخرجه من اسوار الكتاب والمنهج الضيق والجامد.
ولذا نجد الصدمة كبيرة امام الطلبة الذين يجدون انفسهم متفوقين بعلامات عالية جداً تصل الى الدرجة الكاملة (100) في المرحلة الاعدادية بفضل الدرخ – على الاغلب- عندما يدخلون الجامعة إذ لا تكون الاسئلة دائماً من صلب المنهج، إنما تشكل نقاط وفروع فسيفسائية على الطالب استخراج الحل من براعة ذهنه بما يتوافق مع أصل المادة الدراسية، الى جانب الدروس العملية التي تضع الطالب دائماً على محك الفهم الحقيقي او "البصيرة العلمية".
لابد من حل
صحيح، إن مشاكل من هذا النوع لا تُحل بالتنظير او كلمة عابرة او نصيحة، إنما هنالك سلسلة مترابطة من المشاكل المولدة لمشاكل ثانوية تتعقد بمرور الزمن بما يصعب حلها دفعة واحدة. مع كل هذا المشهد المتشائم، ليس من المعقول أن تستمر حالة خاطئة في قضية مصيرية مثل المشروع التعليمي الذي يعوّل عليه آمال التنمية والتطوير وتغيير الوضع الاقتصادي للبلد نحو الافضل.
وقبل الخوض في جدلية الطالب والمدرس، وأيهما المسؤول أولاً؛ يجدر بالاثنين التحلّي بالشجاعة ومواجهة الواقع السيئ الذي نعيشه جميعاً وعدم التهرّب منه او التغافل عنه بحجة انه "لا يعنيني"، ثم العودة الى الحديث النبوي المأثور: "كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته"، هذا الحديث يتضمن رؤية فلسفية رائعة تفتح آفاق الحل امامنا جميعاً، فاذا تحمل الطالب والمدرس في وقت واحد، المسؤولية وتجاوزا العقبات مهما كانت، من ظروف المدرسة او الاجراءات الرسمية او القرارات الوزارية او قلّة التخصيصات المالية و... غيرها كثير.
والبداية؛ التضحية والمزيد من العمل الجاد من الطرفين، مع ثقة متبادلة من الطرفين بالآخر على أن نجاح المسيرة التعليمية بالشكل الصحيح الذي يضمن تخرّج كفاءات علمية بقدرات حقيقية قادرة على تغيير اوضاع البلد بشكل عام.
وإذن؛ فان النجاح في التعليم بما يصل الى درجة "البصيرة العلمية" يحتاج الى مواكبة متوازية من الطرفين (الطالب والمدرس)، لا أحدهما، فالمدرس المسؤول عن إيصال المادة الى الطالب بالشكل الصحيح وبكل أمانة وحرص ومسؤولية، فيما يكون على الطالب الجدّ والاجتهاد مستفيداً من هذه الفرصة الذهبية وعدم خسارة الجهد المبذول امامه، ببذل المزيد من الجهد وتسخير القدرات الذهنية الموهوبة له من الله –تعالى – لتنمية حالة الفهم والاستيعاب في نفسه، وهذا يتم من خلال طرق عديدة جربها الناجحون فيما مضى من الزمن، اهمها؛ المذاكرة فيما اثنين او اكثر من الطلبة بما يرسخ الشرح ويرتسم في الذهن كصورة حيّة ومتكاملة، وليس مجرد حروف وكلمات جامدة.
اضف تعليق