إن المعلم الذي يتولى تربية الطفل الموهوب وتعليمه يجب عليه أن يكون مرنًا ومتفهمًا لهذا الطفل المدهش كما يجب عليه أن يكون محاورًا يتحاشى فرض سلطته عليه بأسلوب صارم، أمّا الأسرة فيقع على عاتقها دعم هذا الطفل على وجه التحديد دعما مطلقا، لا محاولات الضغط عليه وبأي شكل من الأشكال، وتحت أي ذريعة من الذرائع إلا في حالات استثنائية بطبيعة الحال...
هناك جملة من التعريفات التي ركّزت على صياغة تعريف جامع مانع كما يُقال لمفهوم الإنسان الموهوب، منها تعريف تعريف جاردنر (Gardner) – الذي يرى أن الموهبة تكون أولا وقبل كل شيء في الذكاء اللغوي ثم الذكاء الرياضي أي " الحسابي" ثم الذكاء الموسيقي ثم الذكاء البصري" أي قوة الملاحظة" ثم الذكاء الجسدي" أي الحركات البدنية المتقنة" ثم الذكاء الاجتماعي ... الخ.
وبحسب وزارة التعليم الأمريكية "المنحلة" بقرار من الرئيس ترامب مؤخرا فإن الموهوب هو الذي يظهر قدرة ملحوظة في واحد أو أكثر من مجالات إنسانية متعددة هي: القدرة العقلية العامة، والاستعداد الأكاديمي، والتفكير الإبداعي، والقيادة، والفنون، والقدرات النفسية والحركية.
ووفقًا لأحد أصدقائي المتخصصين بهذا الفرع المعرفي على وجه التحديد، وهو الدكتور عماد الظالمي فإن أكبر خطأ ترتكبه المدرسة حينما تحشر الأفراد الموهوبين مع سائر الطلبة الآخرين؛ ذلك أن المادة التي تُعطى للطالب العادي في خمس وأربعين دقيقة يمكن للطالب الموهوب أن يهضمها في خمسة عشرة دقيقة، ويظل بعد ذلك منزعجًا تمامًا من طول الوقت المتبقي الذي يُنفقه المعلّم في الشرح والتوضيح!
وعلى هذا الأساس لابدّ من صياغة شروط خاصة لفئة الموهوبين تمكّنهم من بلوغ غاياتهم الدراسية بأسرع وقت وأقل جهد وكُلفة، وكذا تحقيق طموحهم، وما يتوقون إليه لاسيما في المجال المهني الذين يجدون أنفسهم فيه، ولا بدّ أيضًا من إعادة الروح إلى الآليات القديمة التي أثبتت نجاحها سابقًا في الأنظمة التربوية والتعليمية، وإضافة ما استجد منها وحقّق مناسيب نجاح مشابهة لتلك القديمة أو تفوّق عليها خاصة السياقات التربوية والتعليمية التي يُنظر للموهبة فيها من حيث إنها تحتاج إلى رعاية مستمرة، لا إلى مجرد تسريع دراسي، ويمكن الاستشهاد هنا بالفلسفة الألمانية في هذا الإطار إذ إنّ النظام الألماني يقوم على دعامات التنوع، واللامركزية، ويعتمد الشراكة بين المدارس، والجامعات، والمؤسسات غير الحكومية، فضلا عن التركيز على الإثراء العميق والتسريع المرن تزامنًا مع التوجيه الفردي الذي يراعي جملة أهداف، من أبرزها وضع قدمي الموهوب على السكّة المستقبلية السليمة!
وبهذا يمكن تفادي قرار تغيير الاختصاص أو المسلك الوظيفي الذي يلجأ له هذا الموهوب أو ذاك عادة بعد أن يهدر جزءًا عزيزًا من عمره، ولا يخفى على أحد من أهل الاطلاع أن كثيرا من النوابغ في اختصاصات شتى أتوا من خلفيات مختلفة، والأمثلة على ذلك فوق الحصر، من ذلك الصحفي الأمريكي البارز (أندرسون كوبر) الذي ينحدر من تخصص جامعي في العلوم السياسية، وكذلك الصحفي المصري المعروف (محمد حسنين هيكل) الذي ولج عالم الصحافة من بوابة (كلية التجارة)، والصحفي اللبناني (غسان تويني) رئيس صحيفة النهار سابقا، وهو متخصص بالفلسفة والعلوم الإنسانية، وليس الصحافة والإعلام، ومن العراق (حسن العلوي) الذي عمل في الصحافة في حين أنّه دارس للأدب، وفي نطاق الفلسفة يُعدّ (سورين كيركغارد) من الآباء المؤسسين للفلسفة الوجودية، في حين أنّ تخصصه في اللاهوت!
ومن المعروف أن الفيلسوف الكبير (ديكارت) زاول الفلسفة وأصبح من أكبر أعمدتها في حين أن تحصيله العلمي في القانون والرياضيات، والفيلسوف العربي (زكي نجيب محمود) درس في بداية مشواره التعليمي العلوم الطبيعية لكنه اتجه للفلسفة لاحقًا، وفي العراق لدينا المفكر (فالح عبد الجبار)، فعلى الرغم من أنّه عالم اجتماع، لكنه أنتج كتابات قيّمة في الفلسفة السياسية والفكر الحديث، واستطاع أن يقدّم تحليلات فلسفية معمقة بقطع النظر عن تخصصه الأكاديمي المختلف.
وفي السياسة يبرز اسم الألمانية (أنجيلا ميركل) في حين أنها حاصلة على دكتوراه في الكيمياء الفيزيائية! مع ذلك تمكنت من قيادة بلادها بحنكة وحكمة لمدة ستة عشر عامًا... إن كلّ طفل موهوب له نمطه الفريد في التعلم والتفكير، لذلك يجب تكييف تربيته وتعليمه مع احتياجاته الشخصية في الحاضر والمستقبل، وذلك عبر منحه مساحة واسعة للخيال، وطرح الأسئلة المفتوحة، وتشجيعه لاكتساب العقلية النقدية بدلا من الحلول الجاهزة، وعدم الخوف أو التهيّب من التجريب، وسلوك مسالك الاستقلال في التعبير عن الرأي، وإتاحة أدوات رقمية تفاعلية له تلائم حس الاستكشاف لديه، وتتناسب مع سعة آفاقه، فضلا عن رصد جوائز مجزية له تثمينا لإنجازاته في جو اجتماعي بهيج يحول دون اعتزاله بملاحظة أن الموهوبين عادة يعانون من صعوبات عدة في مضمار التكيف مع أقرانهم...
وصفوة الكلام من كل ما تقدّم فإن المعلم الذي يتولى تربية الطفل الموهوب وتعليمه يجب عليه أن يكون مرنًا ومتفهمًا لهذا الطفل المدهش كما يجب عليه أن يكون محاورًا يتحاشى فرض سلطته عليه بأسلوب صارم.
أمّا الأسرة فيقع على عاتقها دعم هذا الطفل على وجه التحديد دعما مطلقا، لا محاولات الضغط عليه وبأي شكل من الأشكال، وتحت أي ذريعة من الذرائع إلا في حالات استثنائية بطبيعة الحال.
اضف تعليق