يبدو أننا أصبحنا في زمن تُنتهك فيه الحرمات. والدليل هو وقوع الكثير من جرائم القتل، والاغتيال، والتحرش، وغيرها في العديد من الجامعات العراقية. هذه الظواهر باتت تهدد حياة الطلبة والكادر التدريسي، وأدت إلى تفكك العلاقات بين الأصدقاء بسبب الحذر والخوف...

الحديث عن الجامعة في مجتمعنا وحياتنا العامة له أدبيات خاصة؛ مثلًا، نحن لا نقول مقر الجامعة ولا مبنى الجامعة، بل نفضل كلمة «الحرم الجامعي». كلمة الحرم تحمل دلالات من الاحترام والمهابة، لذا فإن دخول هذا الحرم يتطلب الالتزام بشروط وقواعد أو معايير خاصة على مستوى الطلاب، والتدريسيين، والباحثين، ويمتد الأمر ليشمل العاملين في الجامعة من إداريين وغيرهم.

ارتفع مستوى العنف والجريمة في الحرم الجامعي في الآونة الأخيرة، حيث أصبح من النادر أن يمر يوم دون أن نسمع عن شجار أو وقوع ضحية أو جريح. وقد أصبحت هذه الجرائم موثقة ومنشورة عبر وسائل التواصل الاجتماعي. وفي هذا السياق، تصاعدت المطالبات من طرف الأساتذة والطلبة بسبب تفشي ظاهرة العنف والجريمة داخل الجامعة، والتي بلغت حد القتل. أصبح وضع حد لهذه الظاهرة مطلبًا مُلحًّا، حيث باتت تهدد مستقبل الجامعة كصرح للعلم والمعرفة، خاصة بعد تواتر حوادث عنف كان مسرحها الجامعات، وكان ضحاياها من الطلبة والأساتذة على حد سواء، بينما تبقى أسباب هذه الاعتداءات غير واضحة في كثير من الأحيان.

وسائل التواصل الاجتماعي باتت تلعب دورًا كبيرًا في نشر مظاهر العنف في الجامعات ونقلها إلى العلن بعدما كانت تُخفى. هذه الظواهر تضر بالجامعة العراقية، حيث تنشب يوميًا شجارات عنيفة في الحرم الجامعي باستخدام الأسلحة البيضاء أو أدوات حادة. بل إن العنف يمتد خارج الحرم الجامعي، حيث لم يعد الطالب أو الأستاذ بعيدًا عن مسارح الجريمة. من بين أبرز الأمثلة، جريمة القتل التي شهدتها جامعة البصرة جنوبي العراق، والتي هزت الرأي العام، عندما أقدم أستاذ جامعي على قتل زميلته في كلية التربية الرياضية بإطلاق النار عليها من مسدسه. كما قُتل أستاذان من جامعة صلاح الدين بإقليم كردستان، أحدهما عميد كلية القانون الذي قُتل في مكتبه، وتبع ذلك بثلاثة أيام خبر العثور على جثة تدريسي من كلية طب الأسنان بجامعة بابل.

للأسف، ضاعت أخبار قتل هؤلاء الأساتذة، رحمهم الله، في زحام الحوادث الأخرى. في هذه الجرائم، كان الجاني الأول طالب قانون، والثاني موظفًا، وكلاهما من داخل الجامعة نفسها، مما يجعل الأمر أكثر خطورة. الاعتداءات اليومية داخل الجامعات تشمل كلا الطرفين، سواء الأساتذة على الطلبة، أو الطلبة على الأساتذة، أو حتى الطلبة على بعضهم البعض.

لهذا السبب، هناك حاجة ملحّة لتطبيق عقوبات رادعة لتجنب تفاقم الأمور ووصولها إلى حد الجرائم الخطيرة، الجامعة، في أي دولة من دول العالم، تحظى بمكانة مرموقة وتقدير خاص رسميًا وشعبيًا. تأمل مكانة جامعات مثل أكسفورد وكامبريدج في بريطانيا، أو هارفارد في الولايات المتحدة. ولكن يبدو أننا أصبحنا في زمن تُنتهك فيه الحرمات. والدليل هو وقوع الكثير من جرائم القتل، والاغتيال، والتحرش، وغيرها في العديد من الجامعات العراقية. هذه الظواهر باتت تهدد حياة الطلبة والكادر التدريسي، وأدت إلى تفكك العلاقات بين الأصدقاء بسبب الحذر والخوف.

تفاصيل هذه المسائل قد تكون مفيدة للباحثين في القضايا الاجتماعية والنفسية، فضلًا عن المتخصصين في علوم الجريمة. كيف لموظف يذهب إلى عمله أن يحمل مسدسًا معبّأً بالرصاص؟ وهل كان هذا المسدس مرخصًا؟ وحتى لو كان مرخصًا، كيف يُسمح له بدخول الحرم الجامعي؟!

بات من السهل على أي شخص، سواء تلميذ أو موظف، الدخول إلى الجامعة وهو مسلح. لا فرق بين السلاح الأبيض أو الناري، فالخطر يبقى قائمًا. وإذا مددنا الخطوط على استقامتها، فإن الأمر قد يتفاقم إلى حد السماح لإرهابيين بدخول الحرم الجامعي بأسلحة أكثر خطورة.

ما جرى في الجامعات من قتل وغيرها من الحوادث هو، حتى الآن، حالات فردية وليست ظاهرة عامة. لكن على مستوى الجريمة، من الواضح أن العديد من جامعاتنا، كمؤسسات تعليمية وبحثية، تحتاج إلى قواعد أمنية صارمة، وإلى تعزيز دور الأمن الإداري أو الخاص بكل مؤسسة.

ما حدث في الجامعات اليوم يستحق الدراسة والانتباه إلى المخاطر والجرائم التي قد تقع داخل الجامعة. يجب تأمين الطلبة والطالبات والعاملين، للحفاظ على العملية التعليمية. كما أن هناك ميلًا لدى البعض إلى العنف، وقد يكون لدى آخرين دوافع سياسية أو أيديولوجية لافتعال العنف.

أتمنى أن يُدرس هذا الأمر على مستوى المجلس الأعلى للجامعات، وكذلك من قبل السادة رؤساء الجامعات.

اضف تعليق