إنسانيات - تعليم

تحديات التعليم في العصر الرقمي

كيف يؤثر التعليم عن بعد والتكنولوجيا الحديثة على جودة التعليم والتفاعل بين الطلاب والمعلمين؟

إن العالم متجه بكليته تقريبا إلى إحلال التعليم الرقمي محل التعليم التقليدي بوجهه القديم، ففضلا عن الإدارات التعليمية المرحبة برواج مشروع التعليم الرقمي ثمة دراسات أكاديمية تبين الآثار الإيجابية الناشئة من استخدام التعليم الرقمي على صعيد البيئة هذه المرة من ذلك دراسة تتحدث عن توافق انتشار التعليم الرقمي مع خطط التنمية البيئية...

لعل أهم التحديات المتعلقة بالتعليم في العصر الرقمي تتركز أولا في مجال القدرة على الوصول إلى الإنترنت من عدمه، وتتناسب جودة هذا الوصول تناسبا طرديا مع الحالة التي يكو ن فيها متاحا لعموم الناس، ولاسيما المتعلمين. 

وتتميز الحالة المنشودة بأقل جهد، وكلفة، وأكثر سرعة، وأكبر قوة، وأبعد نطاقا، وهذه الصورة المشتملة على العناصر السابقة تسير بخطى حثيثة نحو تحقيق غاياتها في ظل تنافس شركات الإنترنت بعضها مع بعضها الآخر في تقديم خدمة تنافسية تغري جمهورها المتعاظم كل ثانية بل كل جزء من الثانية، فأكثر من ثلثي سكان العالم متصل بالإنترنت حاليا، والثلث الأخير في طريقه للانضمام للركب. 

أمّا الأمر الثاني فيتصل بمقدرة المعلمين على تقديم مواد علمية بأقصى درجات المهارة والابتكار والاتقان، من ذلك إنشاء محتوى وسائط متعددة يمتاز بالأناقة والجاذبية، وقطع الرتابة، وهذا الأمر رهين بالتدريب والتطوير المستمرين، ويتضح فيه مدى تكيّف كل المعلمين أو بعضهم مع مستجدات التعليم الرقمي ، وهو ما يتجلى في إطار الدول المتقدمة التي قطعت خطوات كبيرة في دمج الرقمنة في التعليم، ومنه التعليم العالي بخلاف الدول الناشئة التي ما تزال تواجه عقبات، وعثرات في السير بهذا الاتجاه.

وبينما يشير مصطلح التعليم الرقمي (Digital learning) إلى استعمال التقنية الرقمية بوجه عام، ويشمل استخدام الأدوات الرقمية مثل السبورات الذكية والأجهزة اللوحية والهواتف وغيرها في إيصال المحتوى التعليمي للمتعلمين سواء أكان في قاعة الدرس الحقيقية أو الافتراضية ينحصر مفهوم التعليم عن بعد أو التعليم الإلكتروني(E-Learning)، بالعوالم الافتراضية، أي حين لا يقابل المعلم المتعلم وجها لوجه، ولكن من خلال وسائط إلكترونية، وهو ما شاع في أغلب بلدان العالم عام 2020م مع تفشي وباء كورونا، وتفاوتت درجة الاستفادة منه بين بلد وآخر تناسبا مع وجود البنية التحتية القوية للعالم الرقمي أو ضعفها. وقد أدى هذا الوضع الطارئ إلى تحول سريع من الفصول الدراسية التقليدية إلى الفصول الدراسية عبر الإنترنت، أو ما يعرف بالمنصات التعليمية الإلكترونية.

وفي ما يخص التجربة العراقية في هذا المجال فقد عانى كثير من المعلمين والمدرسين من ظواهر غياب التلاميذ والطلبة من المحاضرات الافتراضية، وضعف تفاعل الغالبية العظمى منهم، أو دخول كثير منهم المنصات التعليمية دخولا رمزيا رغبة في تسجيل أسمائهم في قوائم الحضور ليس إلا، كما شهدت الامتحانات الإلكترونية إخفاقا ملحوظا في التقيّد بالوقت المخصص لإجراء الامتحانات بملاحظة تفاوت قدرة الطلبة من حيث قوة شبكات الإنترنت لدى البعض وضعفها لدى البعض الآخر مما أدى إلى ظهور نتائج امتحانية لا تعكس بالضرورة المستوى التعليمي لكل تلميذ وطالب ناهيك بشيوع أساليب الغش التي يتفنن بها بعض التلاميذ والطلبة، وتتفوق عادة على أساليب الضبط والرصد التي تنتهجها الهيئات الرقابية ضمن الملاكات التعليمية والتدريسية. 

لكن التطور التكنلوجي من شأنه استئصال هذه المشاكل أو تقليصها إلى حد كبير في حال لجأ العالم إلى تكرار العمل وفقا للتعليم الإلكتروني منساقا بظروف مستقبلية استثنائية لا قدر الله على أن الظروف التي يشهدها العالم حاليا أبعد ما تكون عن استخدام التعليم الإلكتروني بالشكل الذي شاع مع جائحة كورونا، وما يبرز حاليا هو التعليم المدمج الذي يجمع بين العالم الحقيقي والافتراضي في آن واحد، متجاوزا بذلك مشكلة انعزال المتعلمين عن المعلمين، وهو تحد كبير أيضا رافق استخدام التعليم الإلكتروني في فترة تفشي وباء كورونا.

إن التعليم الرقمي بوصفه مصدرا رئيسيا للمعلومات، وصانعا لبيئات التعلم التفاعلية في عالم اليوم يمثل عنصرا رئيسيا في تعزيز القدرات الإلكترونية للمؤسسات التعليمية، ويقدم لها مساعدة قصوى في مشاريع محو الأمية اللغوية والحاسوبية بين أبناء مجتمعاتها، وقبل ذلك وبعده فإن التعليم الرقمي ضرورة لا غنى عنها مطلقا في ظل تعاظم هيمنة ما يُعرف بالذكاء الاصطناعي والأتمتة في حياة المجتمع الإنساني حاضرا ومستقبلا سواء في مجال التعليم أو الاقتصاد أو الإدارة... الخ.

إن العالم متجه بكليته تقريبا إلى إحلال التعليم الرقمي محل التعليم التقليدي بوجهه القديم، ففضلا عن الإدارات التعليمية المرحبة برواج مشروع التعليم الرقمي ثمة دراسات أكاديمية تبين الآثار الإيجابية الناشئة من استخدام التعليم الرقمي على صعيد البيئة هذه المرة من ذلك دراسة تتحدث عن توافق انتشار التعليم الرقمي مع خطط التنمية البيئية، فالتعليم الرقمي يقوم بمهمة التقليل من حجم النفايات الورقية، ما يعني الحفاظ على عدد هائل من الأشجار التي تُقطع لتأمين صناعة الورق، فاستخدام مليون كتاب إلكتروني دراسي مثلا بدلا من الورقي -بحسب تلك الدراسة الطريفة- من شأنه أن يُبقي على حياة أكثر من 28000 شجرة تستهلك غاز ثاني أوكسيد الكاربون لإنتاج الأوكسجين...

على إن التعليم التقليدي بوجهه الجديد سيظل موجودا جنبا إلى جنب مع التعليم الرقمي، فهذان الأسلوبان سيظلان ماثلين يعين أحدهما الآخر على توخي إحراز أكبر قدر من الجودة التعليمية ويضمنان تجربة تعليمية مدمجة طاردة لبواعث الانعزال وعوامل التشتت من نفوس الطلبة، وجالبة لأعلى مناسيب المتعة والفائدة لدى المعلمين والمتعلمين على حد سواء.

اضف تعليق