ولا تعد إعادة بناء المدارس إلا سوى جزء واحد من الحل، فكثير من الأطفال يذهبون إلى المدرسة لكنهم لا يتعلمون. وهذا الأمر صحيح في العراق وفي بلدان أخرى حول العالم. ويجب أن تقترن الاستثمارات في البنية التحتية للمدارس، باستثمارات كبيرة في التعليم ومنها: تدريب المُعلمين، وتوفير...

تنمية المبادئ الإنسانية والقيم الأخلاقية، وبناء مجتمع قادر على الاعتماد على ذاته في القطاعات الزراعية والصناعية والتجارية والاقتصادية والمالية والتنموية وغيرها يرتكز إلى حد كبير على مستوى التعليم الذي يتلقاه أفراد المجتمع من خلال مؤسساته التعليمية المتدرجة. 

والتعليم ليس بيانات ومعلومات يتلقاها الأطفال والشباب في مراحل حياتهم المختلفة، ثم يسعون إلى تطبيقها على واقعهم الاجتماعي والاقتصادي ليحصلوا على مردودات مادية ومعنوية، تيسر لهم سبيل العيش الكريم، لا.. بل هو منظومة حياتية مرتبطة مع بعضها بعضا، إذا ما تلاحمت وتكاملت فأنها ستكون محركا للتنمية البشرية المستدامة، ومن نتائجها المباشرة أنها توفر لأفراد المجتمع كلهم أو أكثرهم حياة آمنة ومستقرة ومرفهة.. 

يعتبر التعليم حجز الزاوية الأساسي لكل مجتمع. وهو الاستثمار الأوحد والأفضل الذي يمكن للدول تأديته لبناء مجتمعات مزدهرة، وصحية وعادلة. والمادة 26 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان تنص على التالي " التعليم حق لأي شخص". وعلى حد تعبير منظمة اليونسكو (التعليم مفتاح تغيير حياة البشر.. يُغيّر التعليم حياة البشر، ويتبوأ مكانة مركزية في مهام اليونسكو الرامية إلى بناء حصون السلام، واجتثاث الفقر من جذوره، ودفع عجلة التنمية المستدامة، وهو حق من حقوق الإنسان للجميع من المهد إلى اللّحد). والتعليم ليس حقاً فقط، ولكنه جواز سفر للتطور الإنساني والذي يفتح الأبواب ويوسع الفرص والحريات.

السؤال هل التعليم في العراق في كل مراحله قادر على تكوين مجتمع تتوافر فيه المبادئ الإنسانية والقيم الأخلاقية، وتأسيس مجتمع يعتمد على نفسه في توفير حاجاته الرئيسة اللازمة لكرامته ورفاهيته؟ وإذا كان الجواب سلبا؛ فما هي الأسباب التي تحول دون ذلك؟ وماهي الآليات التي يمكن اعتمادها لزرع المبادئ والقيم وتحقيق الرفاهية والسعادة..؟

أعتقد أن التعليم في العراق تعليم مبتور. ولا أدري أن مصطلح (التعليم المبتور) هو مصطلح مستخدم أم لا، فقد بحثت عن هذا المصطلح في وسائل التواصل الاجتماعي فلم أجده. وعلى أي حال، فأني أقصد بان التعليم في العراق هو تعليم مبتور أي أنه تعليم لا يحقق غاياته الاجتماعية والتنموية، بل قد لا يكون له غايات أصلا، فهو تعليم من أجل التعليم، وهذا النوع من التعليم قد يحقق بعض الأهداف العامة للدولة، مثل: هدف محو الأمية في المجتمع، وهدف التمكين وتقليل من الفقر. وبعض الأهداف الشخصية للمتعلم، مثل: أن يعرف القراءة والكتابة، أو الحصول على وظيفة ما، أو التخصص في مجال تعليمي ما. بينما التعليم يساوي التنمية والتمكين والتحول للأفراد والمجتمعات، وتحسين الصحة، والدخل والنمو الاقتصادي؛ وطائفة واسعة من التأثيرات الأساسية الأخرى.

التعليم في العراق يُعد تعليما مبتورا في مراحله الأولى والأساسية، لأنه مازال لم يستوعب أطفاله كافة، حيث أن هناك نسبة كبيرة من الأطفال الذكور والإناث مازالوا بعيدين عن المدارس، يُشير تقرير منظمة اليونيسف – العراق 2017 إلى أنه (في الواقع، منذ عام 2013، لم يحصل 13.5٪ من الأطفال العراقيين في سن المدرسة (1.2 مليون طفل) على فرص التعليم الأساسي. أما بالنسبة إلى الأطفال الملتحقين بالمدارس، ثمة نسبة عالية من التسرب والرسوب. كما أن جودة التعليم ونتائج التعلم قد تراجعت، ويرجع ذلك جزئياً إلى ازدواجية الدوام في المدارس (الدوام الثنائي أو المزدوج) وانخفاض معدلات بقاء المعلمين. أما الإنفاق الحكومي على البنية التحتية التعليمية فما يزال منخفضا أيضا، على الرغم من وجود زيادة ملحوظة في المدارس الخاصة التي تحقق معدلات إنجاز أعلى).

ولا تعد إعادة بناء المدارس إلا سوى جزء واحد من الحل، فكثير من الأطفال يذهبون إلى المدرسة لكنهم لا يتعلمون. وهذا الأمر صحيح في العراق وفي بلدان أخرى حول العالم. ويجب أن تقترن الاستثمارات في البنية التحتية للمدارس، باستثمارات كبيرة في التعليم ومنها: تدريب المُعلمين، وتوفير المواد واللوازم الدراسية، وتكنولوجيا التعليم، وغيرها من مدخلات جودة التعليم. وكما نعلم، فإن مسؤولية المعلمين هي ضمان أن كل طالب يتعلم. لكن المعلمين بحاجة إلى الوسائل والدعم للقيام بذلك. فهم بحاجة إلى المزيد من التدريب. فعلى مستوى العالم؛ تُظهر بعض الشواهد والأدلة الدامغة أن مواصلة تدريب المعلمين وتوجيههم، إلى جانب خطط الدروس وكراسات الأنشطة والتدريبات للأطفال، يمكن أن تؤدي إلى نتائج هائلة، من أهمها ارتفاع مستوى المعرفة والثقة لدى المعلمين، وتحسن مستوى التعلم لدى الطلاب.

تقر الإستراتيجية الوطنية للتربية والتعليم في العراق 2022-2031، بأن الاستثمار في تعليم الأطفال والشباب، يمثل أهم التحديات الإنمائية للعراق. فلكي تكون الاقتصادات قادرة على المنافسة، ولكي يتمتع الشباب بكل المهارات اللازمة لبناء مستقبلهم، فلا يوجد سوى سبيل واحد وهو الاستثمار في البشر. وعلى بلدان مثل العراق أن تستثمر في البنية التحتية للتعليم والمعلمين والتكنولوجيا، كما يجب أن تستثمر في التعليم لتحسين رأس المال البشري.

وتحدد إستراتيجية التعليم الرؤيةَ والمسار الصحيح نحو إنشاء نظام تعليميٍ أفضل وتعلمٍ أفضل لجميع الأطفال العراقيين على مدى السنوات العشر القادمة. والأهم من ذلك، أن الإستراتيجية تؤكد بحقٍ على أنه لا يمكن تحقيق المساواة في الحصول على التعليم لجميع الأطفال العراقيين إلا من خلال ضمان توفير مساحات تعلم كافية ومدخلات جيدة للتعليم. وتحدد إستراتيجية التعليم في العراق أهدافا طموحة لتحقيق هذه الرؤية، وهذه الأهداف تشمل، على سبيل المثال لا الحصر؛ تعميمَ إتمام التعليم الابتدائي والمتوسط بحلول عام 2031 - الذي يبلغ حالياً 80% و60% فقط على التوالي- ورفع نسبة الالتحاق بالتعليم الثانوي العالي إلى حوالي 70% بدلا من 45% حالياً، علاوة على زيادة مستوى توفير خدمات التعليم غير الرسمي. 

كما تتضمن أهدافاً طموحة لتعزيز جودة التعليم ومنها: تقليل كثافة الفصول الدراسية، وضمان التدريب المستمر في أثناء الخدمة للمعلمين، وزيادة حجم قوة التدريس لمواكبة زيادة نسب الالتحاق بالمدارس، وتزويد كل مدرسة وطالب بالموارد والمواد اللازمة. أما زيادة الربط باحتياجات سوق العمل والارتقاء بجودة التعليم والأبحاث فيشكل أيضاً مكوناً أساسياً في هذه الإستراتيجية.

 وفي هذا الاتجاه تدعو اليونيسف العراق إلى استثمارات فورية وأخرى طويلة الأجل في مجال التعليم، حتى يتمكن جميع الأطفال في العراق من التطلع إلى غد أفضل، بغض النظر عن خلفيتهم الاقتصادية أو نوعهم الاجتماعي. فالاستثمار في التعليم وتنمية مهارات الأطفال والشباب ستساعد على تلبية الاحتياجات اليومية الفورية ويسهم في استقرار العراق وازدهاره على المدى الطويل.

إن زيادة الالتزام المالي، إلى جانب الالتزام السياسي بالاستثمار بكفاءة في البنية التحتية للتعليم، والاستثمار في تأهيل المعلمين وإعدادهم للمهنة، وضمان وضع مصالح الطلاب العراقيين قبل أي أولوية وطنية أخرى، من شأنها أن تضع العراق على طريق التنمية المستدامة ورفع مستوى معيشة جميع مواطنيه.

بالمحصلة، أن التعليم في العراق لو ظل على حاله، ولم تجد استراتيجية التعليم طريقها للتنفيذ فان الوضع الإنساني والأخلاقي بالإضافة إلى الوضع العلمي والاقتصادي سيزداد تدهورا في السنوات المقبلة مما يفقد العراق موارده البشرية والمادية معا. ولابد أن يسعى القطاع الخاص إلى تحقيق مجموعة من المقاصد والأهداف التعليمية، ومنها:

1. ضمان تعليم يركز على المبادئ الإنسانية والقيم الأخلاقية ويجسدها من خلال المعلمين والقدوات المجتمعية، وأرباب الأسر.

2. ضمان تعليم قائم على رؤية مستقبلية لكل طالب وطالبة، ومنها الاهتمام بالتعليم القائم على أساس المشاريع، وهو ما يعرف بالتعليم المهني.

3. ضمان تعليم يلبي الحاجات السوقية المتزايدة من خلال تهيئة كوادر بشرية قادرة على الانخراط في محركات السوق، والتأثير فيه إيجابيا.

4. إدخال تكنلوجيا المعلومات في كل مفصل من مفاصل التعليم كونها أضحت أساسا قويا في التطور المجتمعي وتحقق التنمية المستدامة.

5. تهيئة الدعم المالي والتشريعي للارتقاء بمستوى التعليم المنتج، ومستدام للجامعات العراقية.

..........................................

** مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحريات/2009-Ⓒ2024

هو أحد منظمات المجتمع المدني المستقلة غير الربحية مهمته الدفاع عن الحقوق والحريات في مختلف دول العالم، تحت شعار (ولقد كرمنا بني آدم) بغض النظر عن اللون أو الجنس أو الدين أو المذهب. ويسعى من أجل تحقيق هدفه الى نشر الوعي والثقافة الحقوقية في المجتمع وتقديم المشورة والدعم القانوني، والتشجيع على استعمال الحقوق والحريات بواسطة الطرق السلمية، كما يقوم برصد الانتهاكات والخروقات التي يتعرض لها الأشخاص والجماعات، ويدعو الحكومات ذات العلاقة إلى تطبيق معايير حقوق الإنسان في مختلف الاتجاهات...

http://ademrights.org

[email protected]

https://twitter.com/ademrights

اضف تعليق