عجز النظام السياسي في العراق عن انتخاب رئيس جديد لمجلس النواب خلفا للرئيس المخلوع، محمد الحلبوسي، بموجب قرار المحكمة الاتحادية العليا في ١٤ تشرين الثاني من عام ٢٠٢٣، دليل اخر على فشل نظام الطائفية السياسية الذي اتت به الطبقة السياسية الحاكمة منذ ٩ نيسان من عام ٢٠٠٣...
عجز النظام السياسي في العراق عن انتخاب رئيس جديد لمجلس النواب خلفا للرئيس المخلوع، محمد الحلبوسي، بموجب قرار المحكمة الاتحادية العليا في ١٤ تشرين الثاني من عام ٢٠٢٣، دليل اخر على فشل نظام الطائفية السياسية الذي اتت به الطبقة السياسية الحاكمة منذ ٩ نيسان من عام ٢٠٠٣.
لقد اسقطت الولايات المتحدة النظام الاستبدادي الصدامي، وبدل ان تقيم الطبقة السياسية نظاما ديمقراطيا حقيقيا اقامت نظاما قائما على أساس الطائفية السياسية. وكان من ابرز معالم هذا النظام تطبيق مبدأ الاستحقاق الطائفي في توزيع المناصب وخاصة المناصب السيادية وتشكيل احزاب مغلقة طائفيا.
اولا، نظام الطائفية السياسية
نظام الطائفية السياسية هو نموذج من نماذج التنظيم السياسي والإداري الذي يُقسم فيه السلطة بين مختلف الطوائف أو الفئات الدينية في الدولة بطريقة تضمن مشاركتهم في العملية السياسية والحكومة. هذا النظام يُرى على أنه وسيلة لضمان السلام والاستقرار في المجتمعات التي تتميز بتنوع ديني كبير ولكنه يحمل أيضًا العديد من الخصائص والتحديات.
خصائص نظام الطائفية السياسية:
1. تقسيم السلطة: تُقسم المناصب الحكومية ومقاعد البرلمان والحقائب الوزارية بناءً على الانتماء الطائفي، بحيث تُمثل كل طائفة بنسبة معينة.
2. المحاصصة الطائفية: توزيع السلطات والمناصب العامة بين الطوائف بشكل يضمن مشاركة جميع الفئات.
3. التوازن بين الطوائف: الجهود المستمرة لضمان التوازن بين الطوائف المختلفة في الحكومة والمؤسسات الوطنية.
سلبيات نظام الطائفية السياسية:
1. تعزيز الانقسامات: قد يعمق هذا النظام الانقسامات الطائفية ويجعل الهوية الدينية أكثر أهمية من الهوية الوطنية.
2. عرقلة الكفاءة: التوزيع الطائفي للمناصب قد يؤدي إلى تعيين أشخاص بناءً على انتمائهم الطائفي بدلاً من كفاءتهم.
3. إضعاف التماسك الوطني: تركيز الأفراد على مصالح طائفتهم يمكن أن يؤدي إلى تآكل الشعور بالانتماء الوطني والتضامن.
تأثيره على الدولة والعملية السياسية:
1. التأثير على الاستقرار: نظام الطائفية قد يساهم في الاستقرار السياسي والاجتماعي على المدى القصير بضمان تمثيل جميع الطوائف، لكنه قد يعوق التطور الديمقراطي والتوحد الوطني على المدى الطويل.
2. صعوبة في التغيير: التوافقات الطائفية المطلوبة لتغيير النظام أو القوانين قد تجعل العملية السياسية بطيئة ومعرقلة للتطور.
3. المحسوبية والفساد: نظام الطائفية قد يفاقم من مشكلات المحسوبية والفساد بحيث يصبح توزيع المناصب والموارد أكثر اعتمادًا على الولاءات الطائفية مما يحول دون العدالة والشفافية.
ثانيا، تفسخ الشعور بالمواطنة
نظام الطائفية السياسية هو احد نتائج تفسخ الشعور بالمواطنة في المجتمع. تتفسخ المواطنة في بلد ما نتيجة تأثير عدة عوامل مختلفة التي تؤدي إلى ضعف الشعور بالانتماء والتواصل بين المواطنين والدولة. هذه العوامل تشمل:
1. التمييز وعدم المساواة: عندما يشعر بعض المواطنين بالتمييز ضدهم على أساس العرق، الجنس، الدين، الطبقة الاجتماعية أو أي أسس أخرى، يمكن أن يقلل ذلك من شعورهم بالانتماء والولاء للبلد.
2. ضعف الحكومة والخدمات العامة: عدم كفاءة الحكومة في تقديم الخدمات الأساسية والرعاية الاجتماعية يمكن أن يؤدي إلى فقدان الثقة بين المواطنين والدولة.
3. الفساد: الفساد الحكومي وسوء استخدام السلطة يمكن أن يؤدي إلى شعور عام بالظلم والاستياء، مما يقوض الشعور بالانتماء للمواطنة.
4. البطالة والفقر: عندما يعاني الناس من البطالة والفقر، يمكن أن يشعروا بالعزلة واليأس، مما يقلل من اهتمامهم بالمشاركة الاجتماعية والسياسية.
5. ضعف التعليم: نقص فرص التعليم الجيد يحد من قدرة المواطنين على المشاركة بفعالية في المجتمع ويقلل من شعورهم بالانتماء.
6. انعدام الأمن والنزاعات: النزاعات الداخلية وعدم الاستقرار الأمني يمكن أن يؤدي إلى تفكك النسيج الاجتماعي ويقلل من الرغبة في الانتماء إلى المواطنة.
7. الإعلام والاتصال: السلبية في وسائل الإعلام وفشل الاتصال بين الحكومة والمواطنين يمكن أن يؤدي إلى سوء الفهم والمعلومات المغلوطة مما يعيق الشعور بالانتماء.
8. الهجرة الجماعية: عندما يهاجر عدد كبير من الناس بحثاً عن فرص أفضل، يمكن أن يؤدي ذلك إلى ضعف الروابط الاجتماعية والثقافية داخل البلاد.
9. التغيرات الاقتصادية والتكنولوجية: التغيرات السريعة في الاقتصاد والتكنولوجيا، دون دعم اجتماعي كافي، يمكن أن تؤدي إلى شعور بالتهميش بين قطاعات من المجتمع.
وبكلمة واحدة، اقول ان تفسخ المواطنة هو ثمرة النظام الاستبدادي الذي حكم العراق اكثر من ثلاثين سنة.
ثالثا، الانظمة الاستبدادية
الارتداد نحو الهويات الفرعية واللجوء إلى الطائفية السياسية يمكن فهمه من خلال استكشاف تأثير الأنظمة الاستبدادية الدكتاتورية على المجتمعات وكيفية تجسيد هذه التأثيرات في سلوك الأفراد والجماعات داخل هذه المجتمعات.
النظام الاستبدادي الدكتاتوري
أولًا، النظام الاستبدادي هو نظام يتميز بالحكم المركزي الصارم حيث يتم التحكم في جميع السلطات تقريبًا بيد فرد أو مجموعة صغيرة، وعادةً ما يتم فرض الرأي الواحد وقمع الآراء المعارضة. هذا النوع من النظام يمكن أن يؤدي إلى الإضطهاد والتمييز القومي والطائفي، حيث يُستخدم القمع في بعض الأحيان لتعزيز وحدة الصف حول هوية قومية أو طائفية معينة يفضلها النظام.
الارتداد نحو الهويات الفرعية
في مواجهة القمع، يميل الأشخاص إلى البحث عن ملاذات آمنة تمثل فيها هوياتهم الفرعية - مثل التجمعات العرقية، الدينية، المناطقية، أو الثقافية - شكلاً من أشكال المقاومة أو النجاة. هذه الهويات تقدم للأفراد إحساسًا بالانتماء والتضامن في مواجهة العزلة والتهميش التي يمكن أن تفرضها الدولة الاستبدادية.
اللجوء إلى الطائفية السياسية
الطائفية السياسية، بدورها، تأتي كنتيجة لتفعيل الهويات الدينية أو الطائفية في السياق السياسي. في سيناريوهات الاستبداد، حيث السياسة غالبًا ما تكون صفرية النتائج - أي أن فوز جانب يعني خسارة الآخر كليًا - قد يلجأ الأشخاص إلى تعزيز هوياتهم الطائفية كوسيلة لضمان البقاء في واقع سياسي معادٍ.
هذا التحول نحو الهويات الفرعية والطائفية له جذوره في آليات التكيف والبقاء. يكون الأفراد والجماعات، التي تشعر بالتهديد من النظام القائم، مدفوعين بشكل طبيعي نحو البحث عن قوة وأمان في هوياتهم المميزة. في حين يمكن أن يوفر هذا الدعم النفسي والاجتماعي، إلا أنه أيضًا يؤدي في النهاية إلى تعميق الانقسامات داخل المجتمع ويعرقل فرص الوحدة والتعايش السلمي.
اضف تعليق