أيها الجائع تناول كتاباً، فالكتاب سلاح، هذا ما كتبه الشاعر والمسرحي الألماني برتولت بريخت، فهل تراه بَطِراً أو واهماً أو حالماً؟ وهل الكتاب يُشبع البطون الخاوية؟ أم أنه أدرك، برؤيته الاستراتيجية للمستقبل، الترابط الوثيق بين الثقافة والتربية، وبينهما وبين التنمية...
أيها الجائع تناول كتاباً، فالكتاب سلاح، هذا ما كتبه الشاعر والمسرحي الألماني برتولت بريخت، فهل تراه بَطِراً أو واهماً أو حالماً؟ وهل الكتاب يُشبع البطون الخاوية؟ أم أنه أدرك، برؤيته الاستراتيجية للمستقبل، الترابط الوثيق بين الثقافة والتربية، وبينهما وبين التنمية.
وحسب برتراند راسل، لا بدّ من توفير المعلومة، التي بتراكمها تتحقق المعرفة، وباختزان المعارف وتطوّرها، تنشأ الحكمة. وإذا كانت الفلسفة تعني «حب الحكمة»، فوفقاً لكونفوشيوس، الحكمة تعني معرفة الناس، أما الفضيلة فهي حب الناس، والتربية والتعليم هما الحجر الأساس لبناء المعرفة وتطوير المهارات ورعاية الكفاءات.
لقد فاقمت الأزمة الصحية، بفعل تفشي وباء كورونا، من ظاهرة عدم المساواة في التربية والتعليم، بسبب إغلاق المدارس والجامعات كلياً أو جزئياً، الأمر الذي طرح تحدّيات جديدة تستوجب إعادة النظر بالمنظومة التعليمية، التي انكشفت هشاشتها وضعفها وعدم مواكبتها للتطوّر الهائل الحاصل في العالم، وهو ما ينتقص من حق أساسي، كان الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، قد جاء على ذكره في المادة 26، ونعني به «الحق في التعليم».
ولعلّ تلك التداعيات، القديمة والجديدة، تدفع إلى التفكير بوضع تصورات ل«عقد اجتماعي جديد للتربية والتعليم»، أساسه إدماج حقوق الإنسان في إطار المؤسسات التربوية والتعليمية، وهو ما كان موضوع نقاش جدي في المنتدى الحواري الإقليمي في القاهرة، الذي نظّمته المفوضية السامية لحقوق الإنسان، بالتعاون مع جامعة الدول العربية والشبكة العربية للمؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان والمجلس القومي لحقوق الإنسان في مصر، تحضيراً للذكرى 75 لصدور الإعلان العالمي لحقوق الإنسان (1948).
وتبنّت منظمة اليونسكو مبادرة عالمية، في يوليو/تموز 2019، بإنشاء هيئة دولية رفيعة المستوى لإعداد تصوّر عن مستقبل التربية والتعليم بحلول عام 2050.
ولا شكّ أن ثمة ظواهر جديدة، تؤثّر في المجال التربوي والتعليمي، والمقصود بذلك تغيّرات المناخ والتكنولوجيا الرقمية واقتصاد المعرفة والذكاء الاصطناعي والأتمتة والتحوّلات البنيوية، التي لا بدّ من أخذها في الاعتبار، فالهدف الرابع من أهداف التنمية المستدامة، هو «التعليم الجيد»، كي لا يتخلّف أحد عن الركب، وهو ما دفع المعهد العربي لحقوق الإنسان إلى ترجمته عملياً، في إطار حوار معرفي - ثقافي بشأن التربية والتعليم ومستقبلهما، بالتعاون مع عدد من الجهات، وذلك في مايو/أيار 2022. كما انعقدت قمة بمقر الأمم المتحدة في نيويورك سبتمبر/أيلول 2022 لمناقشة الأزمة العالمية في التعليم الذي يعاني عدم المساواة ونقصاً في التمويل والجودة.
الجدير بالذكر أن المفوضية السامية لحقوق الإنسان، وتحضيراً للذكرى ال75، نظّمت مبادرة تستمر لعام كامل (كانون الأول/ديسمبر 2022 إلى كانون الأول/ديسمبر 2023)، تتضمّن دعوة الحكومات إلى اتّخاذ قرارات وتقديم تعهّدات للوفاء بالتزاماتها، انسجاماً مع الشرعة الدولية لحقوق الإنسان.
وتطرح هذه المقاربة أسئلة عديدة، لاسيّما لجهة أصحاب القرار، بشأن مستقبل التربية والتعليم 2050، فماذا ينبغي أن يبقى من منظومة التعليم السائدة؟ وماذا يجب أن نتخلّى عنه؟ وما الذي ينبغي تغييره بشكل كامل ومبدع؟ لأن التعليم في نهاية المطاف عمل عام ومنفعة مشتركة، تقتضي التواصل والتعاون والتآزر والتشارك والتضامن من الجميع، للوصول إلى غاياته في بناء مستقبل مستدام يسوده العدل والسلام، بحيث يكون إنسانياً وعقلانياً ونقدياً ومدنياً وتعدّدياً وعلمياً.
ويتطلّب ذلك مجابهة التحديات الداخلية والخارجية، على المستوى العربي، ابتداءً من الاحتلال والعدوان، وصولاً إلى إطفاء بؤر التوتر والنزاعات المسلحّة والصراعات الدينية والطائفية والمذهبية، ومعالجة ظواهر التعصّب والتطرف والعنف والإرهاب، ويحتاج ذلك إلى تهيئة مستلزمات بنية تشريعية وقانونية مناسبة مقرونة بإشاعة الحريّات، وإحكام مبدأ سيادة القانون ومواجهة التخلّف والفقر، بما يحقّق الحد الأدنى من العدالة الاجتماعية.
اضف تعليق