من المفارقات المضحكة ان التعليم في بلادنا يزيد الناس فقرا، بينما يفتح لهم في العالم أبواب الثراء، فنقف حائرين كحيرتنا في تربية أبنائنا، هل نربيهم على المثل العليا والقيم النبيلة، وما ان يخرجوا للشارع حتى تفترسهم ذئاب بأنياب حادة غير قادرين على مقاومتها، ام نترك للشارع يكيفّهم للعيش في غابة صارت لها ملامح واضحة ؟ ...
من المفارقات المضحكة ان التعليم في بلادنا يزيد الناس فقرا، بينما يفتح لهم في العالم أبواب الثراء، فنقف حائرين كحيرتنا في تربية أبنائنا، هل نربيهم على المثل العليا والقيم النبيلة، وما ان يخرجوا للشارع حتى تفترسهم ذئاب بأنياب حادة غير قادرين على مقاومتها، ام نترك للشارع يكيفّهم للعيش في غابة صارت لها ملامح واضحة؟ ربما ينصح الواقعيون بتركهم للشارع، بينما ينتصر المثاليون للتربية بمفاهيمها الصحيحة، أمر كارثي أن تكون المعادلات معكوسة، كما هي حال معادلة التعليم يزيد الفقر في بلدان التفكير الارتجالي.
من الحقائق العراقية التي لم يتوقف أمامها المعنيون ان توسع القبول بالجامعات يعني زيادة في نسبة بطالة الخريجين، والوجه الآخر لهذه الحقيقة يشير الى ان التقليل من هذه النسبة يتطلب ايقاف التوسع سواء في الدراسات الأولية او العليا، بينما يصفون التوسع بالإنجاز المهم بوصفه فرصة تعليمية متاحة لأكبر عدد ممكن من الشباب لإثراء ثقافتهم العلمية والثقافية، مع ان التوسع جاء في جانب كبير منه استجابة لضغوط حزبية وشخصيات سياسية، ودخل على الخط المستثمرون في التعليم الأهلي.
لقد أغفل هؤلاء المعنيون جانبين مهمين أولهما ان طاقة البنى التحتية للجامعات لا تستوعب هذه الأعداد المهولة، وان المستلزمات المطلوبة لتأهيلهم وفقا لمعايير الجودة غير متوفرة الا بحدود ضيقة، ما يعني تراجعا في مستوى التعليم، وثانيهما عدم قدرة الدولة على توفير فرص العمل لجميع الخريجين، والذين يحصلون على وظائف عامة لا يشكلون سوى نسبة ضئيلة، كما ليس بمقدور مؤسسات القطاع الخاص حتى وان فعّلت الى طاقتها القصوى الاسهام بالقضاء على بطالة الخريجين الذين يطالبون بوظائف مناسبة لشهاداتهم.
لو أجرينا مقارنة بسيطة بين نسبة العاطلين بين الخريجين مع العاطلين الذين لم يتمكنوا من دخول الجامعة، لوجدنا ان نسبة العاطلين الخريجين أكثر قياسا بأعداد كل منهم، ويرجع ذلك الى ان غير الخريجين يعملون في كل القطاعات، ويتنقلون من مهنة الى اخرى، وليس هناك ما يحول دون ممارسة أي عمل، بينما يرفض الكثير من الخريجين العمل بمهن يظنون انها غير لائقة بشهاداتهم، ويقلل من شأنهم، وان الدولة مسؤولة عن توفير فرص عمل لهم، الجوانب النفسية والاجتماعية تشكل عائقا للكثير منهم.
وبالتالي تكون الدولة قد أوقعتهم في مشكلة تعبر عن نفسها بالتظاهرات والاحتجاجات وربما ما هو أكثر من ذلك في السنوات القادمة عندما تكون عاجزة كليا عن تشغيلهم بينما تتضخم أعدادهم، لا سيما بعد ان فتحت الكليات الأهلية الأبواب على مصاريعها ولمعدلات متدنية، خصوصا وان الطلبة لم يعد يرضون بالدراسة في المعاهد التقنية والادارية باستثناء الذين تحول امكانيات عوائلهم المالية دون ذلك، فضلا عن الدراسات المسائية في الجامعات الحكومية التي وجدت فيها حلا لصعوبات مالية تتعرض لها بسبب عدم صرف تخصيصاتها المالية من الميزانية العامة للدولة، فصارت تقبل أكبر عدد ممكن حتى وان كان خارج حدود طاقتها، او عدم توفر الشروط المطلوبة بالمتقدمين.
ان نظرية التعليم للتنوير لا تشكل هدفا للناس على الاطلاق، وكل ما يعنيه التعليم لهم الحصول على مهنة لائقة تدر دخلا يضمن حياة كريمة ورغيدة، ولا قيمة للتنوير مع الفقر، نتطلع الى تنوير مع الغنى، واذا لم يتحقق هذا الهدف، فالغنى مع التخلف أكثر قبولا بنظرهم.
في ضوء معطيات الواقع يمكن التقليل من نسبة بطالة الخريجين بحدود ضئيلة، اما القضاء عليها فصار من بين المستحيلات، نسبة البطالة تتزايد سنة بعد اخرى، ما يعني ان نسبة الفقر في تصاعد، فعلينا تبديد وهم الشباب بحياة مثالية بعد التخرج، ويكمن الحل بعدم فتح أبواب الجامعات حكومية او أهلية أمام كل من حصل على شهادة الاعدادية، فقد يدفهم هذا الاغلاق الى ممارسة مهن الحياة المختلفة، ربما يكون في ذلك تحريرا لهم من فقر قائم او محتمل.
.............................................................................................
* الآراء الواردة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية.
اضف تعليق