أكثر ما يزعجني تلك الاستعراضات التي تجري في مناقشات الرسائل والأطاريح الجامعية التي تقلل من شأن الطلبة كالاستهزاء بجهدهم عبر عبارات جارحة عند مطالبتهم برفع هذا الجزء او ذاك من البحث، واعتراضي ليس على مطالبة الطلبة باختصار ما كتبوه او حذفه واستبداله بمضامين أكثر أهمية، بل على الطريقة التي يتبعها بعض الأساتذة...
أكثر ما يزعجني تلك الاستعراضات التي تجري في مناقشات الرسائل والأطاريح الجامعية التي تقلل من شأن الطلبة كالاستهزاء بجهدهم عبر عبارات جارحة عند مطالبتهم برفع هذا الجزء او ذاك من البحث، واعتراضي ليس على مطالبة الطلبة باختصار ما كتبوه او حذفه واستبداله بمضامين أكثر أهمية، بل على الطريقة التي يتبعها بعض الأساتذة، كقولهم: هذا الجزء (شيل وشمر)، او ارميه (في الزبالة)، متناسين ان البحث جرى تحت اشراف زميل لهم، وان الطالب لا يخطو أية خطوة الا بتوجيه من مشرفه الذي رافقه لسنوات عدة، وان الأفكار الواردة في البحث أجازها المشرف ان لم يكن قد تبناها.
والمشكلة الكبرى التي تضع الطالب في حيرة من أمره عندما يطالبه أحد المناقشين برفع هذا الفصل او ذاك المبحث، بينما مناقش آخر يثني على هذه الأجزاء ويراها ضرورية ولا يمكن للبحث أن يستقيم من دونها، وتشتد حيرته أكثر عند مباشرته بالتعديلات، وكيف يوفق بين وجهات نظر متناقضة، لاسيما وانه بحاجة الى توقيعهم على استمارة اقرار اللجنة التي ترتبط بمدى تنفيذه لتعديل كل منهم، ماذا يرفع وماذا يبقي؟.
بالتأكيد ليس هناك عمل متكامل، وان التعديلات التي تبديها لجان المناقشة تأتي لترصين الجهد العلمي المبذول من الطالب وتعزيزه، وان اختلاف وجهات النظر بالأعمال البحثية أمر طبيعي، لكن التطرف فيها غير مقبول.
ومع ذلك نقر باختلاف وجهات النظر ازاء الاطروحات التي يتبناها الطلبة، ولكني أستغرب أشد الاستغراب تباين وجهات النظر بالقواعد والاجراءات المنهجية، فهي ثابتة ومتفق عليها من خبراء المناهج العلمية، ولا مجال للاختلاف بشأنها اذا كانت ثقافتنا ومعرفتنا بها كافية، لا يمكنني تفسير تباين وجهات النظر بما هو منهجي، الا بتباين ثقافة الأساتذة بالمنهج العلمي وقواعده واشتراطاته، وعدم الالمام الكافي بها من بعضهم، وهذا يفترض بالأستاذ تجنب مناقشة الطلبة بما لا يعرف اذا كان حريصا ومتحليا بالمعايير المهنية، وأن تقتصر مناقشته على ما هو واثق من معرفته بها، وبخلاف ذلك ستقل قيمته العلمية بنظر زملائه، فضلا عن تعليم الطلبة أشياء مغلوطة تؤسس لخراب علمي لا نتمنى له الحدوث، ناهيك عن ان بعض الطلبة الأذكياء يعرفون بعض الأخطاء التي يقع بها الأساتذة الا ان اخلاقهم الرفيعة وتحسبهم من التأثير على درجة المناقشة او انحراف مسار المناقشة يمنعهم من الرد عليها.
ان الموضوعية وتقمص حالة الطلبة مسألتان مهمتان، فمن غير المنطقي محاسبتهم على امور ليست من مسؤوليتهم، روى لي صديق ان درجة أحد الطلبة انخفضت بسبب عدم قناعة عضو في لجنة مناقشة بعنوان أطروحة دكتوراه، مع ان الطالب غير مسؤول تماما عن العنوان الذي جرت مناقشته في محاضرات (السمنر)، ثم في اللجنة العلمية للقسم الذي يدرس فيه الطالب، وجرى التداول به وتعديله في اللجنة العلمية المركزية للكلية، وصدر به أمر اداري، بمعنى انه مر بمجموعة من المراحل وتأمل فيه العديد من الأساتذة المكلفين، وبالتالي فان الصيغة النهائية له تتحملها اللجان المذكورة، وان الطالب غير مسؤول عما ورد فيه من أخطاء، اذا كان العنوان ينطوي على أخطاء بالأصل.
فقدرات الطالب المنهجية في بدايات عمله البحثي فقيرة ولا تؤهله لملاحظة تلك الأخطاء، وان ثقته بعلمية اساتذته عالية، لذا ينطلق الى التنفيذ مباشرة، وبهذا الصدد يشير أساتذة المناهج العلمية الأكفاء الى ان تراجعا منهجيا واضحا لدى العديد من الأساتذة، وان ما يجعلك تغلي عندما يبدي بعضهم وبثقة مطلقة بالنفس ملاحظات خاطئة، وان هذه الملاحظات ستؤثر على درجة الطالب، ومعها لا تتحقق العدالة بين الطلبة، أتمنى على هؤلاء الأساتذة تطوير أنفسهم وتمتين ثقافتهم المنهجية، لأن من شأن اهمالها اتاحة الفرصة لآخرين أن يعيدوا عليهم العبارة التي سبق أن تفوهوا بها (شيل وشمر).
اضف تعليق