ان اعادة بناء وتأهيل الدولة العراقية والمجتمع العراقي والمواطن العراقي على اسس حضارية وعلمية حديثة والقضاء على التخلف هي عملية تربوية في المقام الاول، وما لم تولِ الدولة هذه العملية الاهتمام الكافي فان الوضع في العراق سوف يظل يراوح مكانه، ان لم نقل سوف يتراجع الى الوراء...

بنهاية عام ٢٠٢٠ تنتهي الفترة الزمنية لـ "الاستراتيجية الوطنية للتربية والتعليم العالي" - وهذا هم اسمها الرسمي- التي اعدتها لجنة خاصة مشتركة رفيعة المستوى في نيسان عام ٢٠١٢. تغطي هذه الاستراتيجية الفترة الزمنية من عام ٢٠١١ الى نهاية عام ٢٠٢٠. ويفترض ان تقدم اللجنة او وزارتا التربية والتعليم العالي تقريرا ختاميا لما تم انجازه وتحقيقه من اهداف الاستراتيجية. وان كان الانطباع العام لا يبعث على الاطمئنان اذا اخذنا بنظر الاعتبار الدلالات التربوية للتظاهرات الاحتجاجية في شهر تشرين الاول الماضي.

انطلقت الاستراتيجية التي بلغ عدد صفحات وثيقتها اكثر من ١٣٠ صفحة، من رؤية تنص على "نظام تربوي وتعليمي يوفر فرص التعليم والتعلم للجميع بما يحقق متطلبات المجتمع المتحضر ويسهم في بناء الانسان ويرسخ مبادئ المواطنة الصالحة والديمقراطية وحقوق الانسان"، ورسالة تهدف الى "اصلاح نظام التربية والتعليم العالي وتطويره مستمدا من طبيعة المجتمع العراقي وبضمنه المجتمع الكوردستاني ومن حاجاته ومتطلبات تقدمه مراعيا فيه الخصوصية القومية للأقليات بما يجعله مشتركا فاعلا في انتاج المعرفة مع الاستخدام الامثل للموارد البشرية والطبيعية لضمان تحقيق التنمية الشاملة والحياة الكريمة وتحقيق تكافؤ الفرص وتحقيق السلام في العراق".

وحددت الاستراتيجية عدة اهداف لغاية عام ٢٠٢٠ من ضمنها: بناء ١٤٤٤٠ بناية لرياض الاطفال والمدارس الابتدائية؛ و بناء ٤٣٠٠ بناية جديدة للمدارس الثانوية؛ وبناء ٢٠٧ بناية جديدة للمدارس المهنية؛ واستحداث ١٥ جامعة حكومية و ٦ جامعات حكومية في اقليم كردستان، وتضمنت مقترح انشاء "مجلس اعلى مشترك للتربية والتعليم العالي والبحث العلمي"، واذا اردنا الانطلاق من هذا المقترح لتقييم مدى فعلية الاستراتيجية فسوف نلاحظ انه لم يتم الاخذ بهذا المقترح، ولم يتم انشاء المجلس.

وقد كتبت عدة مرات حول ضرورة انشاء هذا المجلس او على الاقل اللجنة الدائمة للتربية والتعليم، كانت اخرها على شكل مقترح قدمته الى رئيس الوزراء عادل عبد المهدي، لكن لم يؤخذ بالفكرة.

ان اعادة بناء وتأهيل الدولة العراقية والمجتمع العراقي والمواطن العراقي على اسس حضارية وعلمية حديثة والقضاء على التخلف هي عملية تربوية في المقام الاول، وما لم تولِ الدولة هذه العملية الاهتمام الكافي فان الوضع في العراق سوف يظل يراوح مكانه، ان لم نقل سوف يتراجع الى الوراء.

و تتفرع العملية التربوية الى شقين: الشق المادي hardware الذي يشمل بناء المباني وتوفير الاجهزة وما شابه، والشق المعرفي والمعلوماتي software الذي يتضمن وضع نظام تربوي شامل يغطي فترة ١٢ سنة مكررة، ويتم وضع المقررات و المناهج في ضوئه، ويكون هدفه تنشئة المواطن الصالح الفعال الذي سيكون اللبنة الاولى في بناء المجتمع المتحضر، الذي سيكون بدوره القاعدة البشرية لبناء الدولة الحضارية الحديثة.

وستكون الخطوة الاولى في هذا السياق تشكيل اللجنة الدائمة او المجلس الاعلى للتربية والتعليم على اساس الخبرات العلمية وليس المحاصصة الحزبية او القومية او الطائفية وعلى ان يشترك في عضويته مدراء التربية في محافظات العراق كلها بما في ذلك محافظات اقليم كردستان.

وستكون مهمة هذه اللجنة او المجلس الاولى اعداد النظام التربوي الحديث ومتابعة تنفيذه والالتزام به على مدى ١٢ سنة تالية، على ان تقوم وزارتا التربية والتعليم بتوفير المستلزمات المادية للنظام التربوي الحديث.

ان مجتمعنا العراقي يعاني من خلل ثقافي وتربوي كبير أنتج حالة عميقة من التخلف الشامل، ولا يمكن معالجة هذا الخلل والخروج من هذه الحالة دون ان تتصدر المسألة التربوية قائمة الاهتمامات على مستوى المجتمع وعلى مستوى الحكومة معاً.

..........................................................................................................
* الآراء الواردة في المقال قد لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية.

اضف تعليق