في مقال معنون بالتربية الاعلامية والرقمية ضرورة ملحة في عالم متعدد الأقطاب لصاحبه فاضل البدراني، يؤكد فيه أن موضوع الاهتمام والدعوة لدراسة التربية الإعلامية والرقمية لم يكن أمرا حديثا، إنما هو ضمن توجهات اليونسكو الاستراتيجية خططت لها سابقا، كونها دعت لتدريسه منذ عام 1982، وقد ساهمت فعاليات ومؤسسات دولية في تعريف التربية الإعلامية، حيث عرفها مؤتمر فيينا 1999 بأنها التعامل مع جميع وسائل الاعلام الاتصالي من صور متحركة وثابته وكلمات ورسوم، التي تقدمها تقنيات المعلومات والاتصالات المختلفة، وتمكين الأفراد من فهم الرسائل الإعلامية وإنتاجها واختيار الوسائل المناسبة للتعبير عن رسائلهم المناسبة.
أما مؤتمر التربية الإعلامية للشباب لعام 2002 فيعرفها بأنها التعرف على مصادر المحتوى الإعلامي وأهدافه السياسية والاجتماعية والتجارية والثقافية والسياق الذي يرد، ويشمل التحليل النقدي للمواد الإعلامية، وإنتاج هذه المواد وتفسير الرسائل الإعلامية والقيم التي تحتويها، وبالنسبة للمنطقة العربية فإنها للآن لم تدخل هذا الميدان الإعلامي التربوي، رغم وجود بعض ملامحه في بعض البلدان لكنها تعد أفكارا ليس إلا.
فمصطلح التربية الإعلامية حسب شريف درويش اللبان، عندما تكلم عن المواجهة المحتومة والتربية الإعلامية في مواجهة غزو العقول، هو مصطلح يعني كيفية تنشئة الفرد بطريقة يستطيع من خلالها التعامل والتعاطي مع وسائل الإعلام، على اختلافها مسموعة ومرئية ومطبوعة وفضائيات وإنترنت وشبكات تواصل اجتماعي، ويمكن أن يتم ذلك من خلال تضمين التربية الإعلامية كإحدى مفردات التربية الأسرية، أو من خلال تضمين مراحل التعليم المختلفة مقررًا خاصًا بالتربية الإعلامية كما فعلت بعض الدول.
ففي المؤتمر الدولي الأول للتربية الإعلامية، الذي نظمته وزارة التربية والتعليم ومنظمة التربية الإعلامية بالمملكة العربية السعودية، أكد حسن بن أبو بكر العولقي في كلامه حول دور المدرسة في التربية الإعلامية: الواقع والمأمول، أنه يمكن أن تتضمن التربية الإعلامية إعداد الإعلاميين لأداء العملية التربوية، إذ لا يكفي أن يتقن الإعلاميون مهارات العمل الإعلامي، دون أن تتسق مع قيم وأهداف المجتمع، المعلنة في سياسته المكتوبة، وتحقق المشاركة بينهم وبين التربويين، لاسيما في هذا الزمن، الذي بدأت فيه الانحرافات الفكرية داخليا وخارجيا، وما نجم عنها من اضطرابات، تحاول أن تخل بوظائف المؤسسات الإعلامية والتربوية، في تأمين حاجات الأفراد مثل: الحاجة إلى الأمن الاجتماعي، والحاجة إلى سلوك تربوي رشيد، والحاجة إلى إعلام متوازن، ويبنى الإعلام التربوي على المتخرجين من أقسام الإعلام، بعد أن يعدوا من خلال برامج متخصصة في التربية، عبر الجامعات التي تخرج إعلاميين متخصصين، فالتربية الإعلامية تقوم على معايير دقيقة، وتعتمد على تنظيم معقد من الأدوار والمواقع، التي تسهم في العملية التربوية الإعلامية، ووحدة التحليل الأصغر في هذه التربية، ليس الإعلامي وحده، وليس التربوي وحده، بل هما معاً كشركاء في التربية الإعلامية برمتها.
في حين أكدت كل من ليلى رشاد البيطار وعلياء يحيى العسالي، في دراسة حول مفهوم التربية الإعلامية في كتب التربية المدنية والتربية الوطنية للمرحلة الأساسية في المنهاج الفلسطيني، قدمت خلال مؤتمر العملية التربوية في القرن الحادي والعشرين: واقع وتحديات، بجامعة النجاح الوطنية الفلسطينية، أن تحقيق التربية الإعلامية يمكن من خلال نهجين:
- النهج النظامي: فالتربية الإعلامية النظامية هي التعليم الذي يُوفر داخل المدرسة، ويركز مشروع \"الموجه\" على النهج النظامي، أي على تدريب المعلمين على تدريس التربية الإعلامية لطلابهم داخل الفصول الدراسية، ويتميز هذا النهج بسهولة دمجه في البرامج الحالية لإعداد المعلمين، وكذلك يتميز بأنه أيسر تصميما ورصدا وتطويرا وتحديثا.
- النهج غير النظامي: وهو أوسع نطاقا حيث يشمل مجموعة واسعة من النشاطات التي تنفذ خارج إطار المناهج المدرسية.
ومع التطور التقني الهائل الذي طرأ على وسائل الإعلام في العقود الثلاثة الأخيرة، والذي تمثل في إلغاء الحواجز الزمنية والمكانية من خلال تقنية البث الفضائي عبر الأقمار الاصطناعية، تطور مفهوم الإعلام التربوي، وامتد ليشمل الواجبات التربوية لوسائل الإعلام العامة، المتمثلة في السعي لتحقيق الأهداف العامة للتربية في المجتمع، والالتزام بالقيم الأخلاقية، ويعزى هذا التطور للأسباب التالية:
• تطور مفهوم التربية الذي أصبح أوسع مدىً، وأكثر دلالة فيما يتصل بالسلوك وتقويمه، والنظرة إلى التربية على أنها عملية شاملة ومستدامة، وتحررها من قيود النمط المؤسسي الرسمي.
• انتشار وسائل الإعلام على نطاق واسع، وتنامي قدرتها على جذب مستقبل الرسالة الإعلامية، وبالتالي قدرتها على القيام بدور تربوي مواز لما تقوم به المؤسسة التربوية الرسمية.
• تسرب بعض القيم السلبية، والعادات الدخيلة على ثقافة المجتمعات، وتحديداً في البلدان النامية تحت غطاء حرية الإعلام.
وحسب نفس الدراسة فإن أهمية هذا المفهوم تبرز من خلال:
- العناية بالوعي الإعلامي، مما يؤكد التربية على التفكير النقدي التأملي، إذ أننا نعيش في بيئة مشبعة بالمواد الإعلامية، وينبغي لنا أن نعي أن وسائل الإعلام لا تقدم مجرد عرض بسيط للواقع الخارجي، بل هي تعرض تراكيب مصاغه بعناية تعبر عن طائفة من القرارات والمصالح المختلفة، والوعي الإعلامي يساعدنا على تفكيك عملية تصنيع المواد الإعلامية، وعلى فهم المنتجات الإعلامية، ومن ثم فهم كيفية استخدامها.
- العناية بالوعي الإعلامي جزء من تكوين المواطن المستنير، إذ يؤكد الخبراء أن الشباب وخاصة الذي لم يصب حظاً كافياً من التعليم إذا كان واعياً ببيئته وملماً بأحداث الساعة، من خلال اطلاعه على الوسائل الإعلامية، وقادرا على استخدام أدوات الاتصال في التعبير عن ذاته، سيصبح مواطنا أفضل تكوينا وأكثر التزاما.
- العناية بالوعي الإعلامي يشجع على المشاركة الفعالة في المجتمع، فالتربية الإعلامية تمكن الناس من تفسير المواد الإعلامية، ومن تكوين آراء واعية عنها بوصفهم مستهلكين لها، وأن يصبحوا منتجين للمضامين الإعلامية، فالغاية التي تتوخاها التربية الإعلامية هي تطوير الملكات النقدية والإبداعية لدى الطلاب.
يذكر شريف درويش اللبان في مقاله حول المواجهة المحتومة والتربية الإعلامية في مواجهة غزو العقول، مجموعة تجارب عالمية في التربية الإعلامية، فبالنسبة لتجربة البرازيل يستعرض الدكتور \"أليكسندر لفوك سياد\" عضو اللجنة التوجيهية للتحالف الدولي للشراكات في التربية الإعلامية تجربته الشخصية، وكيف غيّر مجال عمله من الصحافة إلى التدريس وتدريب الطلاب على إنتاج مواد إعلامية، وخلق ثقافة إعلامية تساعدهم على التعامل مع وسائل الإعلام، ودعم حديثه بعرض فيلم أنتجه وأخرجه الطلاب، مشيرًا إلى أن التربية الإعلامية ليست قاصرة على الطلاب فقط، وإنما أيضًا تثقيف المدرسين إعلاميًا، وتحدث عن تجربة إصدار 30 مجلة عام 2011 من إنتاج الطلاب.
كما تناول القانون الذي أصدرته الحكومة البرازيلية عام 2014 في مجال التربية الإعلامية، كما عرضت \"ماريا جوزيه\" الأستاذة بقسم الصحافة وعلوم الاتصال الجماهيري برامج التثقيف الإعلامي في إسبانيا في التعليم العام، وأشارت إلى أنه في عام 1990 أصدرت الحكومة الإسبانية تشريعًا أدخل المناهج الخاصة بالاتصال الجماهيري ضمن البرامج التعليمية، ودعم ذلك تشريع ثانٍ صدر عام 2006، وتعرضت ماريا جوزيه للصعوبات التي تواجه التربية الإعلامية في إسبانيا، وأهمها التغير في التشريعات مع حدوث تغير في السياسات والحكومات، بالإضافة إلى عدم وجود أدوات لقياس وتقييم القدرات، ولكن أخيرًا تم البدء في برنامج \"داينمك\" Dynamic يقوم بهذه القياسات لتقييم قدرات الطلاب على إنتاج وإخراج الأفلام.
اضف تعليق