من المنتظر أن يساهم مشروع مدينة الحرير في شمال الكويت في تنويع اقتصاد البلاد وتقليص اعتماده على النفط، إضافة إلى اجتذاب استثمار أجنبي وتقوية الروابط التجارية مع العراق وإيران والصين- أو ذلك على الأقل هو ما تهدف إليه الخطة، لكن المشروع واجه مقاومة عنيفة...
(رويترز) - من المنتظر أن يساهم مشروع مدينة الحرير في شمال الكويت في تنويع اقتصاد البلاد وتقليص اعتماده على النفط، إضافة إلى اجتذاب استثمار أجنبي وتقوية الروابط التجارية مع العراق وإيران والصين- أو ذلك على الأقل هو ما تهدف إليه الخطة.
لكن المشروع واجه مقاومة عنيفة حينما عرضه الإبن الأكبر لأمير الكويت على مجموعة من المشرعين في مارس آذار. فقد انتقدوا مسودة قانون بدا أنها تضع المنطقة المقترحة خارج الرقابة البرلمانية، وأثار مخاوف من السماح بالخمور في بلد مسلم.
وقالت النائبة صفاء الهاشم للصحفيين، بعدما شاركت في اجتماع عقده الشيخ ناصر صباح الأحمد الصباح مع أعضاء لجنة برلمانية، إن مسودة القانون” عبارة عن انشاء دولة داخل الدولة.. أخطر قانون شفته في حياتي“.
وتهدف خطة الشيخ ناصر التي تتضمن بناء منطقة اقتصادية حرة وميناء في المياه العميقة، على مراحل تمتد لما يزيد عن 25 عاما، إلى منع المزيد من التراجع للكويت عن جيرانها الذين فتحوا أبوابهم أمام الاستثمار الأجنبي، ويتنافسون على أن يصبحوا مراكز لأنشطة الأعمال في المنطقة، لكن على عكس نظرائها في منطقة الخليج، فإن الكويت لديها برلمان قوي منتخب عارض أعضاؤه إجراءات لا تحظى بقبول شعبي، مثل تقليص الرعاية الاجتماعية، وضريبة مبيعات جديدة تهدف لتحسين المالية العامة للدولة.
وقال محمد الهاشل محافظ بنك الكويت المركزي في مائدة مستديرة مصرفية في مارس آذار ”هناك مقاومة متزايدة للإصلاحات، ”إنها حالة جسم مريض لا يرغب في تناول الدواء، لكن بدون علاج اختلالاتنا الهيكلية، لن نتمكن من إحراز تقدم كبير“.
ويقول مؤيدو مدينة الحرير إن المشروع أساسي لتنويع مصادر الدخل بعيدا عن صادرات النفط، التي تشكل نحو 90 بالمئة من دخل الدولة، وتطوير القطاع الخاص للمساهمة في خفض الإنفاق على الأجور والدعم اللذين يلتهمان حوالي 70 في المئة من الميزانية.
ويشمل المشروع خمس جزر ومنطقة في شمال الكويت ويربطهما بالعاصمة جسر الشيخ جابر الأحمد، أحد أطول الجسور البحرية في العالم والذي بلغت تكلفته حوالي 904 ملايين دينار (ثلاثة مليارات دولار)، وبالإضافة إلى المنطقة الحرة والميناء، يتضمن المشروع مطارا واستادا أوليميبا وبرجا أطول من برج خليفة في دبي، وهو حاليا أطول مبنى في العالم، ومساكن تستوعب ما يصل إلى 700 ألف شخص.
ويهدف المشروع إلى خلق 200 ألف وظيفة على الأقل، بحسب تعليقات للشيخ ناصر نقلتها وسائل إعلام محلية العام الماضي، وهو أمر مهم في بلد يزيد فيه الشباب دون 25 عاما عن نصف سكانه، ويعاني من عمالة زائدة في القطاع العام الذي لن يمكنه استيعاب وافدين جدد إلى سوق العمل.
تفاصيل قليلة
خطط إقامة منطقة اقتصادية في شمال الكويت القليل السكان كانت تطل برأسها منذ سنوات السبعينات، ومحاولات الشيخ ناصر لإحياء الفكرة منحتها شهرة واسعة، حيث يُنظر إلى النائب الأول لرئيس الوزراء ووزير الدفاع الذي يبلغ من العمر 71 عاما كمنافس محتمل بعد ولي العهد لخلافة والده أمير البلاد (81 عاما)، حسبما قال دبلوماسيون ومصدران قريبان من الأسرة الحاكمة، طلبوا عدم الكشف عن هويتهم بسبب حساسية المسألة.
وتريد الحكومة أيضا تعزيز دفاعات الكويت في مواجهة التقلبات في أسواق السلع الأولية، إضافة إلى دعم أمنها الإقليمي من خلال شراكة مع الصين لبناء المنطقة، ومن حيث نصيب الفرد من الدخل، تأتي الكويت بين أغنى الدول في العالم نظرا لعدد سكانها القليل وإيرادتها النفطية الكبيرة. لكنها شهدت في 2016 أول عجز في الميزانية في نحو 20 عاما بسبب هبوط أسعار النفط. وفي تلك الأثناء، يتخذ جيرانها المعتمدون على النفط، مثل السعودية والبحرين ودولة الإمارات العربية المتحدة، خطوات واسعة لتنويع الاقتصاد، وخطة مدينة الحرير شحيحة التفاصيل، وبصفة خاصة فيما يتعلق بمصادر التمويل.
وحينما عُرض المشروع في وسائل الإعلام الحكومية في يوليو تموز 2018، كانت تكلفته تقدر بنحو 86 مليار دولار، لكن مسؤولين لم يذكروا تفاصيل هذا الرقم، وحينما سُئل عن التمويل في مارس آذار، قال خالد المهدي الأمين العام للمجلس الأعلى للتخطيط والتنمية في الكويت للصحفيين، إن النموذج المالي لا يزال قيد البحث، لكن الجزء الأكبر سيأتي من القطاع الخاص. ولم يذكر مزيدا من التفاصيل، ولم تستجب السلطات الكويتية لطلب للتعقيب.
ومما يضيف إلى التساؤلات التي تحوم حول الخطة، قيام الشيخ ناصر الأسبوع الماضي بحل مجلس أمناء مدينة الحرير المسؤول عن إدارة المشروع، في مرسوم نشرته الجريدة الرسمية للكويت يوم الأحد، دون إبداء أسباب. ولم يتم تسمية مجلس جديد.
صعوبة في الإقناع
تراهن خطة الشيخ ناصر على تعافي العراق من سنوات من الحرب، وعلى خروج إيران في نهاية المطاف من تحت طائلة العقوبات الأمريكية، في نظرة طويلة الأجل جذبت اهتمام الصين في إطار مبادرتها الحزام والطريق لإعادة بناء طريق الحرير القديم ليربط الصين بآسيا وأوروبا وما وراء ذلك.
وقال مصدر كويتي مطلع على الخطة إن الصين قد تدير الميناء مقابل رسوم، وتشارك في إدارة المنطقة الاقتصادية، وذكرت وسائل إعلام حكومية كويتية هذا الأسبوع أن مبعوثا كويتيا وقع، بالإنابة عن الشيخ ناصر، على مذكرة تفاهم مع بنك التنمية الصيني تتعلق ”بالتطوير والبناء والتعاون الاستشاري“ على هامش قمة الحزام والطريق في بكين.
وقال بيان من وزارة الخارجية الصينية إن الاتفاقية أشارت إلى مدينة الحرير وتطوير الجزر الخمس، لكنه لم يذكر مزيدا من التفاصيل، وقال متحدث بإسم وزارة الخارجية إن الكويت ”شريك مهم للتعاون“ في مبادرة بكين الحزام والطريق، ودعت مسودة قانون، نشرتها صحيفة القبس الكويتية، إلى أن تكون المنطقة مستقلة من النواحي الإدارية والقانونية والتمويلية في نموذج مماثل لمركز دبي المالي العالمي، الذي يتيح إعفاءات ضريبية ولديه نظامه القضائي الخاص، ويخشى أعضاء البرلمان من أن ذلك سيضع المنطقة خارج نطاق رقابتهم. وغالبا ما يستجوب المشرعون الوزراء، وهو ما يؤدي إلى تعديلات وزارية أو حل البرلمان لتفادي اقتراع بعدم الثقة، خاصة أن أعضاء من الأسرة الحاكمة يشغلون مناصب وزارية.
وقالت كريستين ديوان الباحثة بمعهد دول الخليج العربية في واشنطن ”ستكون عملية إقناع صعبة للغاية، ”في الوقت الحاضر، المشروع لديه قليل من كل شئ، إنه مثل دبي في شكل مصغر“، ويخشى بعض أعضاء البرلمان من بناء مدن جديدة على غرار دبي، مركز أنشطة الأعمال والسياحة في الخليج، وتجاوز دستور ينص على أن الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع.
وقال النائب الإسلامي محمد الدلال ”الكويت، طبيعتها وهويتها عربية إسلامية ويغلب عليها الطابع المحافظ. وهناك نصوص دستورية، سواء كانت المادة الثانية من الدستور التي تتعلق بالشريعة الإسلامية أو النص المتعلق باحترام ومراعاة الآداب العامة.. وبالتالي لا يمكن أن يكون هناك انفتاح غير مسؤول، انفتاح يخالف هذه النصوص الدستورية“.
أكبر الجسور البحرية في العالم
افتتحت الكويت جسر الشيخ جابر الأحمد الصباح، أحد أكبر الجسور البحرية في العالم، والذي يصل طوله إلى 36 كيلومترا بتكلفة حوالي 904 ملايين دينار (ثلاثة مليارات دولار) ويربط مدينة الكويت بمنطقة الصبية الجديدة الواقعة إلى الشمال الغربي.
نقل تلفزيون الكويت حفل الافتتاح على الهواء مباشرة بحضور أمير البلاد الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح ورئيس وزراء كوريا الجنوبية لي یون. كان المقاول الرئيسي للمشروع شركة هيونداي الكورية الجنوبية بالتحالف مع المجموعة المشتركة الكويتية.
تأمل الحكومة أن يساهم الجسر الجديد في التكامل بين المنطقة الاقتصادية الشمالية التي تعتزم إقامتها، في مشروع يشمل بناء مدينة الحرير وإعمار عدد من الجزر، مع المناطق الوسطى والجنوبية المكتظة بالسكان، حيث يختصر المسافة بين مدينة الكويت ومدينة الصبية الجديدة من نحو ساعة ونصف الى 20 دقيقة فقط.
مدينة الحرير
دشّنت الكويت جسرا يمتد على طول 36 كلم فوق البحر ويعد من الأطول في العالم لربط العاصمة بشمالها النائي حيث يقع مشروع "مدينة الحرير" التي تخطّط الحكومة لضخ مليارات الدولارات فيها أملا في إحياء روح "طريق الحرير" التجاري التاريخي.
ويمتد جسر الشيخ جابر الاحمد الصباح أمير البلاد السابق الذي توفي في كانون الثاني/يناير العام 2006، الذي يعد من أطول الجسور في العالم، من العاصمة الكويت إلى منطقة الصبية قرب العراق وإيران، ويفترض أن يقلّص الجسر البحري زمن القيادة بين مدينة الكويت ومنطقة الصبية من 90 دقيقة حاليا إلى أقل من 30 دقيقة.
وشارك أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الصباح في تدشين الجسر مع رئيس وزراء كوريا الجنوبية لي ناك-يون ورئيس مجلس الشيوخ الفرنسي جيرار لارشيه، وقامت مجموعة "سيسترا" الفرنسية بتصميم الجسر الذي نفذته المجموعة الكورية الجنوبية هيونداي بالتعاون مع شركة المجموعة المشتركة للمقاولات الكويتية، وأكدت شركة "سيسترا" الفرنسية في بيان أن الجسر كلّف 3,6 مليار دولار واستغرق تنفيذه خمس سنوات تقريبا، وأن انجازه مثّل تحديا تقنيا، وبُني الجسر فوق أكثر من 1100 دعامة يبلغ عرض الواحدة منها نحو ثلاثة أمتار، وقد ثبت بعضها على عمق 72 متراً في قاع البحر، فيما يتراوح ارتفاعه عن سطح البحر بين 9أمتار و23 متراً، وقالت وزيرة الاشغال العامة ووزيرة الدولة لشؤون الاسكان جنان بوشهري خلال حفل الافتتاح ان الكويت تبدأ مع تدشين الجسر "عهدا جديدا في بناء +كويت 2035+"، الرؤية الاقتصادية التي تعتمدها الامارة والهادفة إلى تنويع اقتصادها، وأضافت "المشروع ذو جدوى اقتصادية كبيرة، وشراكتنا مع كوريا الجنوبية تعكس تطورا ملحوظا في العلاقات بين البلدين على المستوى الاقتصادي والسياسي".
اضف تعليق