إن مستقبل صادرات الغاز الإيراني إلى العراق يخضع لعدّة تطورات واتفاقيات بين البلدين؛ إذ يعتمد العراق على واردات الغاز الإيراني لتلبية احتياجاته من الطاقة، ومع ذلك، يعمل العراق على مشروعات محلية لتقليل اعتماده على الغاز الإيراني، وأعلن خططًا لإنهاء واردات الغاز الإيراني بحلول عام 2026...
شهدت صادرات الغاز الإيراني إلى العراق انخفاضًا ملحوظًا منذ مطلع العام الجاري 2024، في وقت يشتد فيه الطقس البارد في مختلف أنحاء العالم، ويزداد فيه الطلب على الوقود للتدفئة.
وصرّح المتحدث باسم وزارة الكهرباء العراقية أحمد موسى، إلى منصة "الطاقة" المتخصصة، بأن الإمدادات انقطعت عن المنطقة الجنوبية، وتصل بكميات أقل من المطلوبة لمناطق الوسط وبغداد، بسبب الحاجة هناك إلى الغاز، نتيجة انخفاض درجات الحرارة.
كما أشارت وزارة الكهرباء العراقية -في بيان أصدرته يوم الجمعة 12 يناير/كانون الثاني (2024)- إلى أن نقص الغاز المستورد للبلاد تسبَّب في فقدان أكثر من 4 آلاف ميغاواط من إنتاج الكهرباء في العراق.
وهناك توقعات بتفاقم أزمة نقص إمدادات الغاز الإيراني إلى العراق، مع استمرار الطقس السيئ وارتفاع الطلب المحلي على الوقود.
خفض صادرات الغاز الإيراني إلى العراق
قال المتحدث باسم وزارة الكهرباء العراقية أحمد موسى، إن إجمالي الواردات من الغاز الإيراني يبلغ حاليًا 15 مليون متر مكعب فقط، تُزَوَّد بها المنطقة الوسطى.
وتابع -في تصريحات خاصة إلى منصة الطاقة المتخصصة- أن المباحثات ما تزال مستمرة مع الجانب الإيراني، لزيادة ضخ الإمدادات بالشكل المطلوب.
وأرجعت وزارة الكهرباء العراقية توقُّف إمدادات الغاز الإيراني إلى أعمال الصيانة في طهران، وفق ما جاء في البيان الذي حصلت منصة الطاقة على نسخة منه.
وشدد البيان على أن الغاز الذي ضُخ بواقع 10 مليون متر مكعب، لا يسدّ حاجة محطات الإنتاج، وأثّر في عمليات أحمالها.
وأكدت الوزارة أنها تعمل وفق التوجيهات الحكومية، وبالتنسيق مع وزارة النفط، على استعمال الوقود البديل لتشغيل محطات الكهرباء.
يُذكر أن هذه هي ليست المرة الأولى التي يجري فيها إيقاف أو خفض صادرات الطاقة الإيرانية إلى العراق.
وفي يناير/كانون الثاني 2022، أعلنت وزارة الكهرباء العراقية توقّف إنتاج الكهرباء في العديد من محطات توليد الكهرباء في البلاد، بسبب الانخفاض الحاد في صادرات الغاز الإيراني إلى العراق، وفق ما نقلته منصة "إيران إنترناشيونال" (Iran International).
إيران تنفي.. وتؤكد التزامها
من جانبها، أكدت إيران الوفاء بالتزاماتها بموجب اتفاقية تصدير الغاز مع العراق، حسب مدير شؤون التوزيع في شركة الغاز الوطنية الإيرانية سعيد عقيلي.
وقال عقيلي: "إنّ تصدير الغاز الإيراني إلى العراق يجري من خلال نقطتي تبادل، وبحسب الاتفاق المبرم قبل شهرين مع الجانب العراقي، خرجت إحدى نقطتي التبادل من الشبكة بداية العام الجاري (2024)، وذلك من أجل تنفيذ عملية قياس دورية، والآن تُنفذ التعهدات المتفق عليها عبر نقطة التبادل الثانية".
وأضاف: "إن إجراء العمليات القياسية خلال تنفيذ الالتزامات التصديرية هو أمر اعتيادي جرى العمل به سابقًا، ولا يقتصر على اتفاقية تصدير الغاز إلى العراق"، وفق ما اطّلعت عليه منصة الطاقة، نقلًا عن وكالة مهر للأنباء (Mehr News).
كما قال: "نظرًا للاعتماد على السنة الميلادية في عقود التصدير، ستُجرى معايرة دورية في هذه المدّة من السنة، حتى يتسنى للطرفين مراقبة جودة تنفيذ التعهدات".
تداعيات محلية وجيوسياسية
في ظل موجة البرد القاسية، تواجه إيران -حاليًا- ندرة حادة في الغاز الطبيعي بسبب ارتفاع الاستهلاك المحلي، وسط تساقط الثلوج بكثافة في أكثر من 10 مقاطعات.
وقد تسبَّب تساقط الثلوج في بعض مناطق غرب وشمال غرب إيران، بتعطيل شبكات الكهرباء في 4 محافظات، وتعمل السلطات على حل هذه المشكلات، وفق ما رصدته منصة الطاقة المتخصصة.
وأشار الخبير الإستراتيجي في مجال الطاقة، الزميل الزائر الأول في جامعة جورج ميسون، الدكتور أومود شوكري، إلى أن هذا الوضع يشكّل تحديًا كبيرًا؛ إذ تضطر محطات الكهرباء الإيرانية إلى حرق المازوت، بسبب عدم كفاية إمدادات الغاز الطبيعي.
وأوضح أن هذا النقص يثير المخاوف، ليس فقط بشأن قدرة إيران على تلبية احتياجاتها المحلية من الطاقة، بل أيضًا بشأن آثاره الأوسع في دورها بوصفها مصدرًا للغاز إلى البلدان المجاورة.
وقال أومود -في تصريحات خاصة إلى منصة الطاقة-: "إن القيود المستمرة على الغاز الطبيعي واستعمال المازوت في محطات الكهرباء، لا تضرّ بأمن الطاقة المحلي فحسب، بل لها أيضًا تداعيات جيوسياسية أكبر".
وشدد الخبير الإستراتيجي في مجال الطاقة على أن مصالح إيران الاقتصادية في المنطقة تعتمد على قدرتها على الاستمرار في العمل بوصفها مُصدرًا رئيسًا للغاز إلى العراق، خاصةً خلال أوقات ذروة الطلب، مثل فصل الشتاء.
كما تعتمد دبلوماسية الطاقة الإيرانية ونفوذها الإقليمي طويل المدى على معالجة النقص في الغاز الطبيعي، والقيام باستثمارات في البنية التحتية، لضمان إمدادات ثابتة من الطاقة.
خطر خسارة السوق العراقية
قال الخبير الإستراتيجي في مجال الطاقة، الدكتور أومود شوكري، إن مستقبل صادرات الغاز الإيراني إلى العراق يخضع لعدّة تطورات واتفاقيات بين البلدين؛ إذ يعتمد العراق على واردات الغاز الإيراني لتلبية احتياجاته من الطاقة.
ومع ذلك، يعمل العراق على مشروعات محلية لتقليل اعتماده على الغاز الإيراني، وأعلن خططًا لإنهاء واردات الغاز الإيراني بحلول عام 2026.
بالإضافة إلى ذلك، استكشف العراق خيار مقايضة النفط الخام بالغاز الإيراني لتلبية احتياجاته الفورية من الطاقة.
وأوضح أومود -في تصريحاته إلى منصة الطاقة- أنه في حين واجهت صادرات الغاز الإيراني إلى العراق تأخيرات وتحديات، فإن عمليات تبادل الطاقة والاتفاقيات الجارية بين البلدين تشير إلى أن مستقبل صادرات الغاز الإيراني إلى العراق يظل مرهونًا بالتقدم في مشروعات الطاقة المحلية في العراق، وتنفيذ اتفاقيات تجارة الطاقة بين البلدين، وقال: "ستخسر إيران سوق الطاقة العراقية، إذا لم تعزز قدرتها على إنتاج الغاز الطبيعي.. وسيكون ذلك تحديًا بسبب زيادة الطلب المحلي، والقيود المالية والتكنولوجية".
اضف تعليق