في يوم السبت الموافق 19/9/ 2015 عقد مركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية حلقته النقاشية الشهرية الموسومة بـ(حزمة الإصلاحات الحكومية المطلوبة للنهوض بالاقتصاد العراقي) والتي حضرها عدد من الأكاديميين والباحثين المعنيين بالاقتصاد العراقي وبالأزمة التي يعيشها حاليا، وأدار الحلقة الدكتور خالد عليوي العرداوي مدير المركز، حيث تطرق في بداية حديثه إلى بنية العراق الاقتصادية والتي وصفها بالهشة كونها تتخبط في عدم الاستقرار على نظام اقتصادي معين للبلد سواء كان اشتراكي او رأسمالي او خليط من النظامين، وذكر العرداوي بأن الإصلاحات المطلوبة للاقتصاد العراقي لابد وان تشمل كل الجوانب الاقتصادية والسياسية والاجتماعية وغيرها ولا تقتصر على جانب دون آخر.
بعد انتهاء الدكتور العرداوي من حديثه قدم الدكتور حيدر طعمة من كلية الإدارة والاقتصاد/جامعة كربلاء ليعرض ورقته البحثية على الحاضرين حول حزمة الإصلاحات الاقتصادية للاقتصاد العراقي، وتطرق في بداية ورقته البحثية إلى اثرين طارئين استجدا على الاقتصاد العراقي وشكلا محوراً للأزمة الحالية وسبباً مباشراً فيها وهما: التدهور والتراجع المفاجئ في أسعار النفط العالمي والحرب ذات التكاليف الباهظة التي يخوضها العراق ضد الإرهاب.
وتحدث الدكتور طعمه في ورقته البحثية بواقعية عن واقع الاقتصاد وعن الأزمة التي يعيشها العراق والتي وصفها بالعصيبة، وأشار فيما يخص تدني أسعار النفط إلى إن النفط وفق تقرير منظمة أوبك الأخير لن يتعافى قبل عام 2020 م، كما إن الإصلاحات الحكومية العراقية لا تزال خجولة كما وصفها، وذكر إن النفط هو متغير خارجي وأسعاره خاضعة للعرض والطلب، وان الاقتصاد العراقي وغيره من اقتصاديات الدول النامية ترتبط باقتصاديات الدول الكبرى لذلك فهي تحت رحمتها، وتعرض إلى مشكلة انخفاض الحصص في أوبك التي ربما تؤدي إلى استقرار وتعافي أسعار النفط لو طبقت الا إن الدول المصدرة للنفط ترفض ذلك ومنها السعودية والتي تريد كل منها الحفاظ على ضمان حصصها في التصدير، كما عرج على العقوبات على إيران وكيف إذا ما أزيلت وسمح لهذا البلد بتصدير النفط والنتائج المترتبة على ذلك زيادة الحصص وبالتالي أيضا زيادة المعروض وقلة الأسعار، النفط الصخري أيضا تعرض إليه الدكتور طعمه وأشار إلى التكلفة العالية في الإنتاج، لكن ذلك لم يمنع من استمرار انتاجه مع وجود الازمة في الأسعار، وفي نهاية هذا المحور أكد إن أسعار النفط هي من 30 إلى 40 دولار للبرميل الواحد وحسب التوقعات المستقبلية الى عام 2020م.
أما فيما يخص الحرب على الإرهاب وأثرها على أزمة الاقتصاد العراقي فقد أشار الباحث الى إن الحرب على الإرهاب في العراق تكلف يوميا 10 مليون دولار ومقابل هذه التكاليف هنالك دعوات ومبادرات لتحفيز القطاع الخاص وتنويعه وهذه الخطوة بحاجة إلى بنية تحتية من طاقة كهربائية واستقرار امني وخدمات أخرى، كما تطرق الباحث الى الخلافات بين حكومة المركز في بغداد وحكومة الإقليم في كردستان وكيف أن الأخيرة تتجاهل القوانين المركزية والدستور في ما يخص إيرادات النفط والضرائب السيادية وغيرها، كما عرج على احتياطي البنك المركزي العراقي وذكر ان العراق لا يشعر بأزمة الاحتياطي ألآن بشكل محسوس والمستقبل كفيل ببروز مشكلة انهيار هذا الاحتياطي، كما أن البنك المركزي يبيع يوميا من الاحتياطي ما قيمته حوالي 200 مليون دولار، كما أشار الباحث إلى دور الشركات النفطية وتطرق إلى اتفاقياتها مع العراق في استخراج النفط بعقود خدمة وليس عقود مشاركة في الربح والخسارة.
الإصلاحات الحكومية التي ذكرت في الورقة البحثية، يرى الباحث إنها شكلية وليست حقيقية، إضافة إلى ذلك فقد تطرق إلى إعفاء رئيس الوزراء الدكتور حيدر العبادي لأكثر من 100 مدير عام ووكيل وزير ومستشارين وذكر بإن هذه الخطوة هي لغرض تبديل مناصب لأشخاص تجاوزوا السن القانوني في الخدمة وليس لغرض إلغاء هذه المناصب، أما دمج الوزارات فيرى إنها لم تكن خطوة اصلاحية كونها اشتملت فقط على إلغاء شخص ومنصب الوزير وبقيت الهيكلية الإدارية والمالية على حالها على مدار عامين وأقسام ومخصصات الموازنة المقبلة لعام 2016 ذكر الباحث أنها يجب أن تكون موازنة برامج وليس بنود كما هو الحال في موازنة 2015الحالية.
المداخلات
بعد انتهاء الباحث من عرض ورقته البحثية حول واقع الاقتصاد العراقي اليوم وما يعانيه فتح باب الحوار والنقاش حولها من قبل الحضور.
الشيخ مرتضى معاش رئيس مؤسسة النبأ للثقافة والإعلام في مداخلته ذكر ان صانع القرار السياسي في العراق لا يملك اي فكر سياسي او اقتصادي او مستقبلي اتجاه كل شيء ومثاله على ذلك هو انخفاض أسعار النفط وذكر إن العراق أمامه طريقين لتلافي الأزمة الاقتصادية التي يعيشها هما: أما الاقتراض من الخارج لسد العجز المالي او فتح باب الاستثمار وتذليل العقبات البيروقراطية التي تحول دون تنشيطه ودخوله للبلد.
جاسم عمران الشمري الباحث في مركز دراسات وبحوث كربلاء، تطرق إلى مسألة الصندوق السيادي الذي تمتلكه بعض الدول النفطية كـ إيران والسعودية، وذكر انه في العراق لا يوجد قانون ينظم الثروة وتساءل هل بالإمكان تأسيس صندوق سيادي للعراق في الوقت الحاضر؟
من جانبه الدكتور فارس النصراوي دكتوراه زراعة، تطرق إلى قطاع الزراعة في البلد، وذكر انه يشكل المورد الأول إذا ما تم الاعتناء والاهتمام به من قبل الحكومة العراقية، وذكر أنه بحاجة إلى عدد من المقومات على الدولة تنشيطها وهو يرتبط بها كتوفير الطاقة الكهربائية ويمكن استخدام الطاقة الشمسية كطاقة بديلة متجددة في تطويره.
اما الباحث في مركز الفرات الدكتور احمد المسعودي فقد تطرق إلى أسس الاقتصاد العراقي منذ تشكيل الدولة الحديثة وذكر أنها مبنية على القطاع الزراعي وليس على النفط، وان هنالك عوامل عديدة ساعدت على انهيار هذا القطاع وعلى الدولة العراقية اعادة الحياة إليه واعتماده كمورد قومي يضاهي مورد النفط وذكر أيضا إن الاستيراد يفقد البلد العملات الصعبة.
نصير شنشول الفتلاوي الباحث والقانوني، في مداخله له عرج على الخراب والدمار الذي يعيشه العراق وهو بحاجة إلى خلية أزمة حقيقية، كما تطرق إلى مسألة الخلاف مع إقليم كردستان حول الإيرادات السيادية كـالنفط والضرائب وغيرها.
خليل الشافعي سكرتير نادي الكتاب في كربلاء في مداخلته ذكر إن الاقتصاد والسياسة عبارة عن ثنائية متلازمة، وذكر إنه في الدول المتقدمة الاقتصاد يسير السياسة بينما العكس هو في الدول النامية ومنها العراق، وذكر إن هنالك حاجة ملحة لتنويع الاقتصاد العراقي كون اعتماد العراق على مورد واحد وهذا المورد خاضع لقانون العرض والطلب ويقع خارج إرادة البلد يجعله عرضة للكثير من الأزمات ومنها الأزمة الاقتصادية الحالية.
أما الدكتور صالح مصطفى نصر الله دكتوراه هندسة كانت مداخلته عن الاستثمار في العراق والتي ذكر فيها إن العراق يعاني من غياب الاستثمار وان وجد فهو استثمار غير مخطط له، وذكر إن العراق بحاجة إلى مدن وفق التخطيط الحضري، مدن صناعية ومدن زراعية ومدن تجارية وغيرها، وذكر مثالاَ على ذلك الصين حيث استطاعت خلال عشرين عام بناء بنية تحتية للاستثمار حتى غدت اليوم مقصد لكل المستثمرين في العالم.
الدكتور حسين احمد دخيل من مركز الدراسات الاستراتيجية جامعة كربلاء في مداخلته تطرق إلى المؤشرات المحبطة التي يمر بها الاقتصاد العراقي وذكر إن هنالك غياب رؤية واضحة لإدارة الاقتصاد ومعالجة الأزمة التي يمر بها اليوم وذكر إن العراق لم يأخذ بنصيحة المجتمع الدولي في تقليل النفقات الحكومية بل قام بالإسراف في النفقات الحكومية.
بعد الانتهاء من المداخلات ذكر الباحث الدكتور حيدر طعمه في نهاية حديثه إن المسؤول العراقي لا يملك اي ذكاء سياسي او أخلاقي او حتى محصلة علمية للخروج من الأزمة الراهنة، وذكر إن البلد دائما ما يتعرض إلى أزمات لكن لا توجد حلول حقيقية لها وان كل ما يقوم به صانع القرار السياسي العراقي هو عبارة عن ردات فعل لامتصاص الغضب الشعبي.
وفي ختام الحلقة قال الدكتور خالد عليوي العرداوي مدير مركز الفرات: إن الحل للازمة الاقتصادية الحالية يحتاج إلى إرادة سياسية صادقة من جميع الماسكين بزمام السلطة في العراق، وشكر الحضور من باحثين وأكاديميين وكتاب وكل من حضر الحلقة النقاشية على حضورهم وتفاعلهم ورفدهم موضوعها بالكثير من الأفكار والآراء التي أغنت موضوع الحلقة النقاشية والورقة البحثية التي قدمت فيها.
اضف تعليق