العراق الذي يصدّر الذهب الأسود منذ عشرينات القرن الماضي، يعتمد تماماً على النفط في عالم يتجّه نحو تحقيق الحياد الكربوني. والعراق خامس دولة من حيث احتياطي النفط، وبإمكانه الاستمرار بمعدلات الإنتاج الحالية لمدة 96 عاماً، لكن من أجل إطلاق نمو أخضر في البلاد، قدّرت كلفة الإصلاحات بحوالى 233 مليار دولار...
يستطيع العراق بالاعتماد على مخزوناته الهائلة من النفط مواصلة التصدير لقرن آخر وبالوتيرة نفسها، لكن فيما يتجه العالم نحو عصر ما بعد النفط، لا تزال بغداد بعيدةً عن هذا التحول الكبير الذي قد يتيح لاقتصادها أن يتحسّن.
يقول المحلل السياسي العراقي ورئيس مركز اليرموك للدراسات الاستراتيجية عمار العزاوي "اقتصادنا الآن يعتمد كله على النفط وسعر النفط"، محذراً من أنه "في حال انخفاض (سعر) النفط، سيتجّه اقتصادنا إلى غرفة الإنعاش".
ويرى العزاوي أن الحلّ يكمن في "الاعتماد على القطاعات الصناعية والزراعية والسياحية" لدعم ميزانية البلاد.
لكن ذلك يبدو بعيد المنال، فالعراق الذي يصدّر الذهب الأسود منذ عشرينات القرن الماضي، يعتمد تماماً على النفط في عالم يتجّه نحو تحقيق الحياد الكربوني.
في منتصف نيسان/أبريل، تعهّدت مجموعة الدول الصناعية السبع، بينها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة واليابان وفرنسا، "تسريع" عملية خروجها من الاعتماد على الوقود الأحفوري وتحقيق الحياد الكربوني بحلول العام 2050 "على أبعد تقدير".
وصادق الاتحاد الأوروبي في آذار/مارس على وقف استخدام المحركات الحرارية في السيارات الجديدة التي ينبغي ألا تصدر أي انبعاثات لثاني أكسيد الكربون، اعتبارا من 2035.
ويشعر سكان العراق البالغ عددهم 42 مليون نسمة منذ الآن بتداعيات هذا التغير المناخي، من جفاف وعواصف رملية، في بلد هو من بين الدول الخمس الأكثر تأثراً بالتغير المناخي وفق الأمم المتحدة.
وسبق للعراق أن ذاق في العام 2020 مخاطر اعتماد اقتصاده على النفط الذي تراجعت أسعاره حينها مع انتشار جائحة كوفيد-19. وتضاعفت "معدلات الفقر بين ليلة وضحاها تقريبا"، وفق الصفار. ويشكّل النفط 90% من إيرادات العراق المالية.
تنويع الاقتصاد؟
وذكر تقرير للبنك الدولي في آذار/مارس أنه "خلال العام 2021، كانت 60% من الاستثمارات العامة مرتبطة بالنفط، مقارنة بأقل من 17% في العام 2010".
وتابع التقرير "تاريخياً، أضعفت سهولة تحقيق عائدات من النفط وإعادة توزيعها بشكل يسمح بالاحتفاظ بشبكات السلطة، الإرادة في اعتماد إصلاحات" تسمح بتعزيز النمو.
وهذا "يحدّ بشكل كبير من قدرة العراق على بدء عملية انتقال وخفض انبعاثات الكربون".
مع ذلك، يعرب المستشار الاقتصادي لرئاسة الوزراء مظهر محمد صالح عن أمله بتغيّر الأوضاع، متوقعاً "اتخاذ خطوات قوية لتنويع الاقتصاد خلال السنوات العشر القادمة".
ويدعو إلى الاستثمار في قطاع الزراعة من خلال شراكة تجمع القطاع الحكومي والخاص لتنفيذ مشاريع واسعة، وكذلك التوجه نحو صناعة الأسمدة والبذور.
وأعلن رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني عن مشروع "طريق التنمية" مع دول المنطقة، وهو خط ربط بري يصل الخليج بالحدود التركية، ويتوقع تنفيذه في غضون فترة تمتد بين ثلاث إلى خمس سنوات.
لكن العراق الذي يهدّد الجفاف غالبية مناطقه "لا يزرع اليوم سوى عشرة ملايين دونم (مليون هكتار) أو أقل في السنة من أصل 27 مليون دونم (2,7 مليون هكتار)" قابلة للزراعة، وفق صالح.
ويعرب المستشار عن أمله بالتمكّن من رفع هذه النسبة إلى 15 مليون دونم (1,5 مليون هكتار).
ويرى أن تنويع الاقتصاد يتطلّب تطوير استثمار مواد خام أخرى غير نفطية مثل الفوسفات والكبريت والغاز الطبيعي.
ويشدّد على وجوب "ألا نعتمد على النفط بعد خمسين سنة بالشكل الموجود في الوقت الحاضر".
النمو الأخضر
ويعدّ العراق خامس دولة من حيث احتياطي النفط، وبإمكانه الاستمرار بمعدلات الإنتاج الحالية لمدة 96 عاماً إضافياً، وفق البنك الدولي. لكن من أجل إطلاق "نمو أخضر" في البلاد، قدّرت المنظمة الدولية كلفة الإصلاحات اللازمة بحوالى 233 مليار دولار موزّعة حتى العام 2040.
وتشير المنظمة الى أن من بين الإجراءات "الطارئة" التي ينبغي على العراق اتخاذها، وضع حدّ للنقص في الكهرباء لا سيما عبر إنهاء "حرق الغاز" المصاحب لإنتاج النفط واستخدامه في إنتاج الكهرباء، وكذلك عبر "تحديث نظام الري" و"إعادة تأهيل السدود".
ويعمل العراق على الكثير من المشاريع لوقف الممارسات الملوِّثة واستغلال الغاز المصاحب لاستخراج النفط الخام.
ويطمح العراق كذلك إلى تأمين ثلث إنتاجه الكهربائي من مصادر طاقة متجددة بحلول العام 2030، وفق الحكومة. فقد وقّعت بغداد اتفاقات عدّة لبناء محطات طاقة شمسية، لا سيما مع شركة "توتال إنرجي" الفرنسية و"مصدر" الإماراتية.
ويصف علي الصفار، خبير التحوّل في مجال الطاقة في مؤسسة "روكفلر"، هذه الخطوات بأنها تذهب في الاتجاه الصحيح، مشيراً إلى أن "أسوأ موقع للاستفادة من الطاقة الشمسية في العراق يؤمن طاقة أعلى بنحو الثلثين من أفضل المواقع في ألمانيا".
وفيما يسعى الاتحاد الأوروبي إلى وضع محطات شحن كهربائية للسيارات على الطرق الأساسية بحلول العام 2026 وإنشاء محطات للتزود بالهيدروجين قبل العام 2031، لا يزال العراق في خطواته الأولى باتجاه استخدام السيارات الهجينة بينما السيارات الكهربائية فيه قليلة جداً.
ويقول حسنين مكية، مدير مبيعات شركة وكيلة للسيارات الهجينة، "الخطوة القادمة هي السيارات الكهربائية".
ويتابع هذا الأربعيني الذي يعمل في تجارة السيارات منذ أكثر من عشر سنوات، أن التحديات لا تزال ماثلةً أمام ذلك في بلد نهشته الحروب وأنهكه الفساد، وثمة حاجة إلى "بنية تحتية معينة لإنتاج الكهرباء، نحن غير جاهزين".
مع ذلك، يتحدّث عن "إقبال كبير وتغيّر في ثقافة المجتمع تجاه السيارات الهجينة".
وتساءل أنه في حال "كان نصف أسطول السيارات في العراق في يوم من الأيام يعمل بالكهرباء، فما كمية الكهرباء التي ستحتاج البلاد لاستهلاكها؟"
مشروع طريق التنمية
أعلن العراق خلال مؤتمر جمع مسؤولين من دول مجاورة في بغداد مشروع خطّ بري وخط للسكك الحديد يصل الخليج بالحدود التركية، يطمح العراق عبره الى التحول خطا أساسيا لنقل البضائع بين الشرق الأوسط وأوروبا.
ولا يزال المشروع الذي حدّدت الحكومة العراقية كلفته بنحو 17 مليار دولار وبطول 1200 كلم داخل العراق، في مراحله الأولى.
وتطمح بغداد إلى تنفيذ هذا المشروع الذي أطلق عليه اسم "طريق التنمية"، بالتعاون مع دول في المنطقة، هي قطر والإمارات والكويت وعمان والأردن وتركيا وإيران والسعودية وسوريا، والتي دعي ممثلوها إلى العاصمة العراقية للمشاركة في المؤتمر المخصص لإعلان المشروع.
وفي كلمة خلال افتتاح المؤتمر السبت، قال رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني "نرى في هذا المشروع المستدام ركيزة للاقتصاد المستدام غير النفطي وعقدة ارتباط تخدم جيران العراق والمنطقة وإسهاما في جلب جهود التكامل الاقتصادي".
وأورد بيان للجنة النقل والاقتصاد في مجلس النواب نقلته وكالة الأنباء العراقية أن المشروع سيكون "استثمارياً للدول المشاركة وكل دولة بإمكانها إنجاز جزء من المشروع".
وأشار البيان إلى أنه "من المؤمل أن ينجز المشروع ويكتمل خلال 3- 5 سنوات"، مضيفاً أن "آلية الاستثمار سوف تناقش بعد عقد المؤتمر مع الدول المشاركة".
قال السفير التركي في العراق الذي مثّل بلاده في المؤتمر إن تركيا "شريك رئيسي في طريق التنمية الذي يعد مكسباً للجميع"، مضيفاً بدون أن يذكر حجم مساهمة بلاده في المشروع، أن "طريق التنمية من شأنه أن يزيد الترابط بين دول المنطقة".
بدوره، قال وكيل وزير النقل الإيراني أفندي زاده وفق تصريحات نقلتها وكالة الأنباء العراقية إن "دور السكك الحديد مهم جداً، وهذا المشروع الجديد في العراق سيكون له دور ممتاز في نقل البضائع".
ويعاني العراق الغنيّ بالنفط، تهالكا في بنيته التحتية وطرقه جراء عقود من الحروب وانتشار الفساد. وتمرّ بعض الطرقات التي تصل بغداد بالشمال في مناطق تنشط فيها خلايا لتنظيم الدولة الاسلامية بشكل متفرق.
ويؤكد رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني أن من أولويات حكومته إعادة تأهيل البنية التحتية للنقل والطرق وقطاع الكهرباء المتهالك أيضاً.
ويسمح هذا المشروع للعراق باستغلال موقعه الجغرافي والتحول إلى نقطة عبور للبضائع والتجارة بين الخليج وتركيا ثمّ أوروبا.
ويهدف المشروع كذلك إلى بناء 15 محطة قطار للبضائع والركاب على طول الخط، تنطلق من البصرة جنوباً مروراً ببغداد وصولاً إلى الحدود مع تركيا.
منافسة قناة السويس
ويهدف طريق التنمية إلى ربط ميناء الفاو في جنوب العراق الغني بالنفط بتركيا، ليحول البلاد إلى مركز عبور باختصار وقت السفر بين آسيا وأوروبا في محاولة لمنافسة قناة السويس.
وقال المدير العام للشركة العامة لموانئ العراق فرحان الفرطوسي لرويترز "لا تتصور أن طريق التنمية هو عبارة عن طريق فقط لمرور البضائع أو المسافرين، لا، هذا الطريق سوف يكون فتحة لأبواب التنمية بمساحات شاسعة في العراق".
ولدى الحكومة العراقية تصور بأن تنقل قطارات عالية السرعة البضائع والمسافرين بسرعة تصل إلى 300 كيلومتر في الساعة، بالإضافة إلى مد خطوط إلى مراكز الصناعة المحلية والطاقة والتي يمكن أن تشمل أنابيب النفط والغاز.
وسيمثل ذلك تحولا كبيرا في شبكة النقل القديمة الحالية في البلاد.
وتشغل خدمة القطارات العراقية حاليا عددا قليلا من الخطوط بما في ذلك وسائل شحن بطيئة للنفط وقطار ركاب واحد يسير ليلا من بغداد إلى البصرة يستغرق من عشر ساعات إلى 12 ساعة في رحلة تبلغ مسافتها 500 كيلومتر.
كما قال الفرطوسي إن مشروع ميناء الفاو الكبير الذي جرى التخطيط له منذ أكثر من عقد، في منتصف الطريق للانتهاء منه.
ويعود نقل الركاب بين العراق وأوروبا إلى خطط كبرى وضعت في بداية القرن العشرين لتدشين خط سريع من بغداد إلى برلين.
وقال الفرطوسي إن "الطريق القديم، البصرة بغداد برلين اللي كان ينقل السائح العراقي من البصرة ومن بغداد بالعراق باتجاه أوروبا، هذا الطريق سوف نجده من جديد فعالا، لا بأس إنه يربط دولا أخرى لنقل المسافرين ونقل الحجيج من أوروبا بسرعة كبيرة جدا، ليكون مريحا للمسافرين اللي يحبون زيارة العتبات المقدسة في العراق أو التوجه نحو بيت الله لأداء الحج أو العمرة".
نقص في الانسيابية
وهناك أعمال قائمة حالياً لتأهيل ميناء الفاو في أقصى جنوب العراق والمجاور لدول الخليج والذي سيكون محطة أساسية لتسلم البضائع قبل نقلها براً.
وتعدّ منطقة الخليج منطقة نقل بحري مهمة لاسيما في مجال نقل الموارد النفطية التي تستخرجها دول المنطقة.
وتساءل المستشار في اقتصاديات النقل الدولي زياد الهاشمي في حديث لفرانس برس عن مدى جدوى هذا المشروع الذي اعتبر أنه يفتقر إلى "الانسيابية".
وقال إن "الزبائن يفضلون نقل بضائعهم من آسيا إلى أوروبا بشكل مباشر بدون المرور بعملية تحميل وتفريغ، تؤثر على البضائع".
وثمة مشاريع عالمية أخرى تضع في صلب أهدافها التحول شريانا أساسيا في النقل العالمي، مثل "طريق الحرير الجديد" الذي أعلنه في العام 2013 الرئيس الصيني شي جينبينغ.
وسمي هذا المشروع رسمياً مشروع "الحزام والطريق" ويضمّ 130 دولةً، ويهدف إلى تطوير البنى التحتية البرية والبحرية من أجل تحقيق ربط أفضل بين الصين (آسيا) وأوروبا وأفريقيا.
وهناك وعود بالتنمية طويلة الأمد في العراق، لكن البنية التحتية لا تزال متداعية حتى مع جهود حكومة رئيس الوزراء محمد شياع السوداني لإعادة بناء الطرق والجسور.
لكن المسؤولين يقولون إن طريق التنمية يعتمد على شيء جديد وهو فترة من الاستقرار النسبي تشهدها البلاد منذ أواخر العام الماضي ويأملون في استمرارها.
وقال الفرطوسي إنه إذا بدأ العمل في أوائل العام المقبل، فسيتم الانتهاء من المشروع في 2029.
وأضاف "مهما غُيب العراق عن الدور الحضاري... لسنة أو سنتين، لعقد أو لعقدين يجب أن يعود في يوم من الأيام".
وبحسب بيان للجنة النقل والاقتصاد في مجلس النواب، نقلته وكالة الأنباء العراقية، فإن المشروع سيكون "استثمارياً للدول المشاركة وكل دولة بإمكانها إنجاز جزء من المشروع".
ويعاني العراق الغنيّ بالنفط، من تهالك في بنيته التحتية وطرقاته جراء عقود من الحروب، وانتشار الفساد.
وتمرّ بعض الطرقات التي تصل بغداد إلى الشمال في مناطق تنشط فيها خلايا لتنظيم الدولة الاسلامية بشكل متفرق.
ويؤكد رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني أن من أولويات حكومته هي إعادة تأهيل البنية التحتية للنقل والطرقات وكذلك قطاع الكهرباء المتهالك أيضاً.
ويسمح هذا المشروع الذي سمّي ب"طريق التنمية" للعراق في استغلال موقعه الجغرافي والتحول إلى نقطة عبور للبضائع والتجارة بين الخليج وأوروبا.
ويهدف المشروع كذلك إلى بناء 15 محطة قطار للبضائع والركاب على طول الخط، تنطلق من البصرة جنوباً ومروراً ببغداد ووصولاً إلى الحدود مع تركيا.
ازمة الغاز الايراني
من جهة أخرى قال بيان لوزارة الخارجية العراقية، إن وزير الخارجية الإيراني أبلغ نظيره العراقي أن خفض صادرات الغاز إلى العراق يرجع لمشكلة فنية، مضيفا أن طهران لم تتخذ قرارا بشأن أي تخفيضات في الوقت الذي يحاول البلدان تسوية فواتير بغداد الضخمة غير المسددة.
وذكر البيان أن وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين سأل نظيره الإيراني حسين أمير عبد اللهيان خلال اتصال هاتفي حول خفض إيران للصادرات الأسبوع الماضي، وهو ما قال حسين إنه "أدى إلى انخفاض إنتاج الكهرباء وتسبب بانعكاسات على الحياة اليومية".
ذكرت وسائل إعلام رسمية عراقية أن وفدا عراقيا برئاسة وزير الكهرباء سيتوجه إلى إيران الأسبوع المقبل لمناقشة القضية، مشيرة إلى انخفاض واردات الغاز بمقدار 20 مليون متر مكعب في ذلك الوقت.
وقال أحمد موسى المتحدث باسم وزارة الكهرباء العراقية إن العراق يستورد عادة ما بين 50 إلى 70 مليون متر مكعب من الغاز.
ويستورد العراق الكهرباء والغاز من إيران بما يعادل ما بين ثلث و40 بالمئة من إمداداته من الطاقة لا سيما في أشهر الصيف الحارقة التي ترتفع فيها درجة الحرارة إلى 50 درجة مئوية ويصل استهلاك الطاقة إلى الذروة.
ومع ذلك، يواجه العراق مشكلة في سداد تكلفة هذه الواردات، فهو مدين لإيران بحوالي 11 مليار دولار من الديون المستحقة، وفقا لمسؤولين عراقيين. ويكافح العراق لسدادها بسبب العقوبات الأمريكية على إيران التي تحد من المعاملات بالدولار.
وبينما قلصت إيران إمدادات الغاز في السابق وسط الخلاف الطويل بشأن سداد الديون، سعى كلا البلدين لإيجاد طرق مبتكرة لتسوية أجزاء من الديون.
وذكر البيان أن وزير الخارجية الإيراني شكر العراق خلال الاتصال الهاتفي لمحاولته حل قضية التحويلات المالية مع واشنطن.
وأشار إلى أنه تم إجراء تحويلات من الحساب الإيراني في المصرف التجاري العراقي المملوك للدولة في العراق إلى بنك سعودي، بهدف تأمين الإنفاق على الحجاج الإيرانيين الذين سيسافرون إلى المملكة العربية السعودية لموسم الحج 2023.
وينفق العراق ما يقرب من أربعة مليارات دولار سنويا على واردات الغاز والطاقة الإيرانية بينما يحرق في الوقت نفسه كميات هائلة من الغاز الطبيعي كمنتج ثانوي لقطاع النفط والغاز.
وقال رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني إن جمع الغاز المصاحب لتغذية قطاع الكهرباء في البلاد أولوية. وأبرم العراق في أبريل نيسان اتفاقا ضخما مع شركة الطاقة الفرنسية العملاقة توتال إنرجيز بقيمة 27 مليار دولار يشمل خططا لجمع واستثمار الغاز المصاحب.
مشروع توتال للطاقة بتكلفة 27 مليار دولار
من جهته قال باسم محمد وكيل وزارة النفط العراقية لشؤون الاستخراج إن العراق يتوقع أن تبدأ توتال إنرجيز العمليات في مشروع تأجل طويلا للنفط والغاز والطاقة المتجددة بتكلفة 27 مليار دولار في النصف الثاني من العام الحالي بعد وضع اللمسات النهائية على عقود جانبية مع شركة النفط الحكومية.
وأضاف محمد أن شركتي توتال إنرجيز ونفط البصرة "بصدد الانتهاء من بعض الإجراءات التعاقدية والوثائق اللازمة لتفعيل العقد".
وأردف قائلا "الاجتماعات مستمرة مع توتال لتجنب أي تأخير وسيتم تفعيل العقد في النصف الثاني من العام الحالي لبدء العمليات".
وأُبرم الاتفاق في عام 2021 وبموجبه تُنفذ توتال إنرجيز أربعة مشاريع للنفط والغاز والطاقة المتجددة باستثمار أولي قدره عشرة مليارات دولار في جنوب العراق على مدى 25 عاما، لكنه تأجل وسط خلافات بين السياسيين العراقيين حول الشروط.
وأعلن العراق الشهر الماضي الموافقة على حصة أقل في المشروع نسبتها 30 بالمئة، وهو ما أحيا الاتفاق الذي تأمل بغداد في أن يجذب الاستثمار الأجنبي للعودة إلى بلد يشهد استقرارا نسبيا بعد صراع وتوترات لسنوات.
كما سيكون لشركة قطر للطاقة حصة في المشروع.
مشروعات الإصلاح في بغداد
في العاصمة العراقية التي يزيد عدد سكانها عن تسعة ملايين نسمة تسعى حكومة رئيس الوزراء محمد شياع السوداني الجديدة لتحسين الخدمات الأساسية للمواطنين الذين ضاقوا ذرعا بسنوات من الصراع والإهمال الحكومي.
ويقول محللون إنه بفضل ارتفاع أسعار النفط والاستقرار النسبي ودعم الفصائل السياسية القوية، يركز السوداني على تحقيق مكاسب سريعة لاسترضاء شريحة كبيرة من الشباب الذين نظموا احتجاجات متكررة مناهضة لمؤيديه السياسيين.
ويشمل المسعى تطوير الطرق والجسور والأرصفة وإزالة الحواجز الأمنية، التي تفاقم صعوبة حركة السير، وتجميل واجهات المباني التي شوهتها الحرب وإصلاح الحدائق والمنتزهات على ضفاف نهر دجلة الذي يشق المدينة.
وتحسنت إمدادات الكهرباء أيضا وتلاشت الانقطاعات اليومية تقريبا في شهر مايو أيار الذي عادة ما يكون انقطاع الكهرباء فيه هو القاعدة، لكن يتوقع أن يتكرر هذا الانقطاع في الصيف مع ارتفاع الاستهلاك.
وقال عراقيون إنهم يشعرون بتفاؤل محفوف بالحذر بشأن المستقبل بسبب التحسن في البنية التحتية والاستقرار في الآونة الأخيرة الذي فتح البلاد أمام عدد كبير من السياح معظمهم من الدول العربية.
وقال كثيرون إن هذه التغيرات هي أهم ما شهدوه منذ الغزو الأمريكي عام 2003، لكنها ما زالت غير كافية في دولة حققت أكثر من 115 مليار دولار من مبيعات النفط في عام 2022 وتعاني من فساد متفش يرهق الخدمات.
ومن المشروعات الرئيسية خلال فترة حكم السوداني إنشاء كورنيش بطول 2.5 كيلومتر (1.5 ميل) على طول الضفة الشرقية لدجلة، على امتداد حديقة أبو نواس وهي واحدة من أكبر المساحات الخضراء في بغداد.
وتم تزويد الكورنيش بمسارات مخصصة للركض وركوب الدراجات ومقاعد وحمامات عامة، واستقبل حشودا من الزوار منذ افتتاحه جزئيا في وقت سابق من هذا العام.
ولا تزال السلبيات موجودة. فالنهر نفسه يعج بالقمامة وبمياه الصرف الصحي التي تلقى فيه دون معالجة.
وقال عمار موسى كاظم، أمين بغداد، (رئيس بلدية بغداد)، إن الأعمال الحالية ما هي إلا بداية، بتمويل يبلغ نحو 530 مليار دينار (400 مليون دولار)، تم تخصيصها للمدينة من خلال قانون "الدعم الطارئ للأمن الغذائي والتنمية" لعام 2022 وليس من خلال الميزانية التي قال إنه سيجري إقرارها قريبا.
وأضاف لرويترز في مقابلة إن المسعى لتطوير العاصمة بغداد هو أوسع مشروع من نوعه.
كما طلبت بغداد المساعدة من الخارج.
وزارت آن هيدالجو، رئيسة بلدية باريس، العراق الأسبوع الماضي لتوقيع ما وصفته بأنه "اتفاقية صداقة" مع المدينة.
وقالت لرويترز في بيان إن رئيسي بلديتي العاصمتين "يعملان لمواجهة تحديات مثل إدارة المياه وتنظيم الخدمات الأساسية للسكان".
لكن العديد من العراقيين ما زالوا يخشون من أن تمحو الانقسامات السياسية الحادة ذلك التحسن النسبي، أو من ألا تصل المكاسب الاقتصادية الناتجة عنه إليهم في بلد تبلغ نسبة البطالة الرسمية فيه 16 بالمئة.
كما لا يستطيع العديد من السكان المحليين تحمل تكلفة الطفرة العقارية في المدينة، التي تلتهم المنازل التراثية والمساحات الخضراء، ويقول مسؤولون إن تمويلها يأتي جزئيا من غسل الأموال.
وقال غزوان فالح صاحب مرأب سيارات في مدينة الصدر، وهو يشير إلى صف من أصدقائه العاطلين عن العمل الذين يمضون الوقت في التدخين أمام مرأبه "هناك أموال واستقرار في البلاد بالتأكيد. لكن ما فائدة الاستقرار حين لا يجد الناس وظائف أو لا يستطيعون تحمل نفقات الطعام؟".
مخاطر الهجرة المناخية
تصنّف الأمم المتحدة العراق من بين الدول الخمس الأكثر تأثراً بالتغيّر المناخي، في حين يندّد العراق بالسدود التي تبنيها تركيا وإيران المجاورتان والتي تسبّبت بنقص ملحوظ بمنسوب الأنهار الوافدة إلى أراضيه.
مع تراجع الأمطار، استفحل الجفاف بقوّة في السنوات الأربع الأخيرة، ما دفع السلطات إلى الحدّ بشكل كبير من مساحات الأراضي المزروعة بما يتناسب مع كميات المياه المتوفرة.
حتى منتصف آذار/مارس، كانت هناك "12 ألفاً و212 عائلة (73 ألفاً و272 شخصاً) نازحةً بسبب الجفاف في عشر محافظات عراقية" في وسط وجنوب العراق، بحسب تقرير نشرته مؤخراً منظمة الهجرة الدولية.
ومن بين المحافظات الأكثر تأثراً، محافظات ذي قار وميسان والديوانية، وفق المنظمة، مشيرةً إلى أن 76% من العائلات النازحة تذهب إلى مناطق حضرية.
في نيسان/أبريل، حذّر تقرير أممي من خطر "الاضطرابات الاجتماعية" التي قد تنشأ عن العوامل المناخية.
ونبّه التقرير إلى أنه "في ظلّ غياب الخدمات العامة والفرص الاقتصادية الكافية... قد يؤدي التحضّر والانتقال إلى العيش في المدينة بفعل المناخ إلى تعزيز هياكل قائمة مسبقاً من التهميش والإقصاء".
لكن كيف يمكن وقف هذا النزوح من الريف؟ في العراق الذي يبلغ عدد سكانه 42 مليونا، يعيش عراقي واحد من خمسة في منطقة يضربها نقص المياه، وفق التقرير نفسه.
ويشكّل ذلك تحدياً كبيراً في بلد يعتمد بشكل كبير على النفط ويجد صعوبةً في تنويع اقتصاده. وتمثّل الزراعة نسبة 20% من الوظائف وتعتبر ثاني أكبر مساهم في الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 5%، بعد النفط.
بالنسبة لمحافظ الديوانية ميثم الشهد، قد يعزّز هذا النزوح مشكلة "البطالة لعدم وجود فرص عمل تكفي الأعداد الكبيرة التي هاجرت إلى المدينة".
وحذّر من أن "هجرة السكان من الأرياف للمدينة تسبّب اكتظاظاً في عدد السكان وبالتالي قد لا تلبّي الخدمات احتياجات هذه الأعداد"، علما أن البنى التحتية في المدن متهالكة بفعل سنوات من الحروب والفساد وسوء الإدارة.
وبسبب الجفاف، باتت "آلاف الدونمات الزراعية" في الديوانية مهجورة، وفق المحافظ، بعضها منذ خمس سنوات. وتعيش 120 قريةً في المحافظة من دون ماء للشرب والاستعمال اليومي، مقابل 75 في 2022. ومنها قريتا آل خنيجر وآل بو زياد حيث قناة الري الرئيسية جافة بالكامل.
في آل بو زياد، لا تزال هناك 170 عائلةً في القرية، وفق مختارها منذ 12 عاماً ماجد رحام. وخلال عامين، هجرت مئة عائلة القرية نحو كربلاء أو نحو مدينة صغيرة أخرى تبعد نحو ساعة.
اضف تعليق