ويُعد العراق من أكثر البلدان تعرضاً للصدمات الناجمة عن تغير المناخ من الناحيتين المالية والمادية، بما في ذلك ارتفاع درجات الحرارة وشح المياه. ويرصد التقرير التداخل بين الآثار المادية لتغير المناخ من ناحية وتأثيرات التحول العالمي في مجال الطاقة من ناحية أخرى. كما يدعو إلى التحول في مجال...
دشنت مجموعة البنك الدولي تقرير المناخ والتنمية الخاص بالعراق بالتعاون مع الحكومة العراقية في اجتماع طاولة مستديرة رفيع المستوى عُقد بدار ضيافة رئاسة الوزراء في بغداد وحضره مسؤولون رسميون وشركاء دوليون، بالإضافة إلى وسائل الإعلام.
ويقدم تقرير المناخ والتنمية الخاص بالعراق أساساً تحليلياً لمعالجة الاحتياجات الإنمائية الأكثر إلحاحاً في البلاد، ومواجهة التحديات المناخية في وقت واحد. كما يبحث في تكلفة تحول البلاد نحو اقتصادٍ أقل اعتماداً على الكربون، ويناقش الفرص والإصلاحات الرامية إلى اتباع نموذجٍ نمو أكثر اخضراراً ومراعاة للبيئة. ويورد التقرير مصفوفة من التوصيات ذات الأولوية والمتسلسلة على صعيد السياسات، بالإضافة إلى أجندة للعمل المناخي تهدف إلى تسريع وتيرة التنمية الخضراء والقادرة على الصمود والشاملة للجميع في العراق.
ويُعد العراق من أكثر البلدان تعرضاً للصدمات الناجمة عن تغير المناخ من الناحيتين المالية والمادية، بما في ذلك ارتفاع درجات الحرارة وشح المياه. ويرصد التقرير التداخل بين الآثار المادية لتغير المناخ من ناحية وتأثيرات التحول العالمي في مجال الطاقة من ناحية أخرى. كما يدعو إلى التحول في مجال الطاقة باعتباره أهم أوجه تعزيز الكفاءة في قطاع الطاقة في العراق، وإلى اتخاذ الإجراءات اللازمة للتغلب على مواطن الضعف في العلاقة المتداخلة بين المياه والزراعة والفقر.
وفي معرض تعليقه على التقرير، قال فريد بلحاج، نائب رئيس البنك الدولي لشؤون منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا: "يواجه العراق تحدياً يتمثل في الابتعاد عن الاعتماد الكلي على النفط والتحول نحو اقتصادٍ أكثر تنوعاً يقوده القطاع الخاص ويتمتع بالقدرة على خلق فرص العمل وبناء رأس المال البشري، جنباً إلى جنب مع بناء القدرة على الصمود في وجه تغير المناخ. ويجب أن يترافق العمل المناخي في العراق مع تحسين في أوضاع القوى العاملة، ولاستثمارات في رأس المال البشري، وحوار مجتمعي لتعزيز جهود خلق المزيد من فرص العمل وعلى نحو أفضل ، وتوفير سبل كسب عيش أكثر استدامة في جميع أنحاء البلاد."
ويعطي التقرير الأولوية للاستثمارات في مسارات النمو الخضراء والشاملة للجميع بطرق تعكس درجة إلحاحها وأوجه تآزرها ومفاضلاتها. وسيتطلب تمويل التحول الأخضر في العراق تعبئة رؤوس الأموال العامة والخاصة على حد سواء، ونشر أدوات التمويل العام على نحو إستراتيجي للاستفادة من التمويل الخاص.
وفي ذات الصدد قالت هالة شيخ روحو نائبة رئيس مؤسسة التمويل الدولية لشؤون الشرق الأوسط وآسيا الوسطى وتركيا وأفغانستان وباكستان: "تخوض منطقة الشرق الأوسط، وخاصة العراق، معركة مصيرية ضد تغير المناخ وتحتاج إلى اتخاذ تدابير مهمة لترجيح كفة الميزان لصالحها. تحتاج العراق إلى وضع خطة طموحة لإزالة انبعاثات الكربون من اقتصادها والتكيف مع تغير المناخ. على القطاع الخاص الاضطلاع بدوره القيادي لتطبيق هذه الخطة. ولا يقتصر دور القطاع الخاص في تنفيذ هذه الخطة على سد الفجوات التمويلية الخاصة بها، بل ويمكنه أيضا العمل على تسخير الموارد وبناء القدرات لتعزيز الأعمال الخضراء وتغيير سلوك المستهلكين."
ومن المقرر أن يلي اجتماع الطاولة المستديرة رفيع المستوى سلسلة من حلقات النقاش رفيعة المستوى بالتعاون مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، وذلك وستدور المناقشات حول ثلاثة مواضيع رئيسية وهي: استكشاف الطموحات المناخية: التحول في استخدام الطاقة والحد من الانبعاثات الكربونية في العراق"، و"العلاقة المتداخلة بين المياه والغذاء: حالة طوارئ مناخية"، و"تحول مناخي عادل: صوت الأجيال القادمة".
تَغيٌّر المناخ يهدد العقد الاجتماعي
وحذّر التقرير من أنَّ تَغيٌّر المناخ، لاسيما تفاقم شح المياه، يهدد العقد الاجتماعي في العراق في ظل نموذجٍ للنمو يعتمد بدرجة أساسية على النفط وأنتج تقلباتٍ اقتصادية. ويشير التقرير إلى أن البلاد تواجه تحدي التحوُّل من الاعتماد الكامل على النفط إلى اقتصادٍ أكثر تنوُّعاً يقوده القطاع الخاص ويتميز بقدرته على خلق فرص العمل وتنمية رأس المال البشري، وفي الوقت نفسه بناء القدرة على الصمود لمواجهة آثار تغير المناخ.
ويفيد التقرير بأن العراق يندرج ضمن البلدان الأكثر عرضةً لصدمات تغير المناخ، سواء من حيث التداعيات المالية أو المادية ومنها ارتفاع درجات الحرارة، وشح المياه. ويشهد البلد تناقصاً سريعاً لموارده المائية: وعلى افتراض سيناريو بقاء الوضع على ما هو عليه، من المتوقع أن تتسع الفجوة بين المتوفر من المياه (العرض) والطلب عليها من نحو 5 مليارات متر مكعب إلى 11 مليار متر مكعب بحلول عام 2035. وقد يؤدي شح المياه وتدني جودتها إلى تراجع كبير في المحاصيل الزراعية، كما يتوقع ان يؤثر على أنظمة الأغذية الزراعية، مُعرِّضاً الأمن الغذائي للخطر، ومُؤثِّراً بشكل سلبي على إجمالي الناتج المحلي.
لقد ازدادت انبعاثات الكربون في العراق إلى أكثر من الضِعف على مدار العقد الماضي. وسجَّل العراق واحداً من أعلى معدلات كثافة انبعاثات الكربون (نسبة الانبعاثات إلى إجمالي الناتج المحلي) بالمقارنة مع نظرائه من حيث الدخل من البلدان الأخرى في المنطقة. وتساهم قطاعات الكهرباء، والنفط والغاز، والنقل في نحو ثلاثة أرباع الانبعاثات في البلاد. ويُمكِن أن يؤدي اتخاذ المسارات الملائمة في خفض انبعاثات الكربون في قطاع الكهرباء إلى مكاسب إضافية كبيرة في مستويات النمو والإنتاجية.
وعلى الرغم من أن العراق يعتبر من أكبر منتجي النفط في العالم، وأن إنتاجه قد ازداد إلى الضِعف تقريباً في العقد الماضي، إلا أن مؤشراته الإنمائية مشابهة للمستويات السائدة في البلدان منخفضة الدخل. ويؤدي تغير المناخ إلى زيادة التفاوتات وخطر وقوع اضطرابات في مجتمع يعاني بالفعل من تداعيات سنوات من النزاعات والعنف.
وتعليقاً على التقرير، قال جان كريستوف كاريه المدير الإقليمي لدائرة المشرق في البنك الدولي: "في ظل غياب الإصلاحات الهيكلية الرئيسية، من الصعب أن ينجح العراق في انتهاج مسارٍ للنمو متنوعٍ وشاملٍ وقادر على الصمود. إن التأخر في تنفيذ تلك الإصلاحات من شأنه أن يعيق من تخفيف الآثار المادية والمالية السلبية الناجمة عن تغير المناخ، وتلبية احتياجاته الاستثمارية المتزايدة، بما في ذلك في قطاعي المياه والكهرباء"، أشار السيد جان كريستوف كاريه المدير الإقليمي لدائرة المشرق في البنك الدولي معلقاً على التقرير.
يقترح تقرير المناخ والتنمية الخاص بالعراق نقاط الأولوية لمجموعة من الإجراءات في ثلاثة مجالات بهدف التصدي لتلك التحديات المجتمعة:
(1) التكيف، مع التركيز على العلاقة بين المياه والزراعة والفقر، (2) التخفيف، مع التركيز على خفض انبعاثات الكربون في سلسلة قيمة الطاقة، و(3) إدارة تبعات التحول إلى اقتصاد منخفض الكربون على المالية العامة الكلية.
ويشير تقرير المناخ والتنمية الخاص بالعراق إلى أنه سيحتاج إلى استثمارات تبلغ قيمتها نحو 233 مليار دولار بحلول عام 2040 ليتمكن من سد الفجوات التنموية ذات الأولوية والشروع في مسار النمو الاخضر الشامل. ويُحدِّد التقرير ترتيب أولويات تلك الاستثمارات وتسلسلها على نحو يراعي الحاجة الملحة إليها، وتضافرها، والمفاضلة فيما بينها. وتتيح التدابير "المأمونة" المُوصَى بها في السنوات الخمس الأولى (ابتداء من 2022) للعراق فرصة لتلبية احتياجاته الإنمائية وإرساء الأسس اللازمة للعمل المناخي مع تحقيق تحول منخفض الكربون يعود بالنفع بتكلفة اقتصادية منخفضة نسبياً. وأمَّا التدابير المقترحة في الأمد القصير إلى المتوسط للسنوات العشر القادمة فهي ضرورية لبناء قدرة العراق على الصمود الاقتصادي والاجتماعي ووضع مسار لتحول أكثر اخضراراً.
اعتمد تقرير المناخ والتنمية الخاص بالعراق على نهج محوره الإنسان لإدراك الآثار المترتبة على تغير المناخ وإثراء التحليل والتوصيات بشأن السياسات. كما أجريت مناقشات ومشاورات موسعة مع فئات متنوعة من أصحاب المصلحة. وتم تشكيل مجموعة استشارية لتقرير المناخ والتنمية تتألف من ممثلين عن حكومة العراق والقطاع الخاص والمؤسسات الأكاديمية.
الاقتصاد العراقي يشهد تعافيا ولكن
يواصل الاقتصاد العراقي انتعاشه مع توقع تسارع وتيرة نمو إجمالي الناتج المحلي إلى 8.7% في عام 2022 نتيجة ارتفاع إنتاج النفط وتعافي القطاعات غير النفطية بعد انحسار جائحة كورونا. جاء ذلك في أحدث عدد من تقرير "المرصد الاقتصادي للعراق" الصادر عن البنك الدولي. ويشير التقرير الجديد إلى أنه ما لم يبدأ العراق في تنفيذ إصلاحات هيكلية عميقة وتنويع أنشطة البلاد الاقتصادية بشكل فعال، فإن اعتماده على النفط يجعله عرضة لخطر تقلبات أسعار السلع الأولية وانخفاض الطلب العالمي.
يعرض إصدار خريف 2022 من تقرير المرصد الاقتصادي للعراق الصادر تحت عنوان "فرصة جديدة للإصلاح" التطورات الاقتصادية الأخيرة ويبحث آفاق الاقتصاد العراقي والمخاطر المحتملة. ويخلص التقرير إلى أنه بعد نمو إجمالي الناتج المحلي بنسبة 2.8% في عام 2021، تسارعت وتيرة نمو إجمالي الناتج المحلي إلى 10.5% في النصف الأول من عام 2022. وقد حققت الصادرات النفطية القياسية - بالتزامن مع الارتفاع الكبير في أسعار النفط - عائدات نفطية غير مسبوقة للحكومة العراقية ودفعت احتياطيات النقد الأجنبي إلى أعلى مستوياتها في أكثر من عقدين.
ونظراً لعدم إقرار الموازنة العامة لعام 2022، فقد تأثرت المشروعات الاستثمارية وتنفيذ الإصلاحات الاقتصادية نتيجة للتأخير في تشكيل الحكومة، حيث أدى ارتفاع أسعار المواد الغذائية إلى تفاقم اتجاهات الفقر القائمة من قبل وتصاعد مخاطر الأمن الغذائي. ويشير التقرير إلى أن من شأن حدوث أي تآكل آخر للقوة الشرائية من جراء التضخم، واستمرار نقص إمدادات الكهرباء والمياه أن يفاقم مخاطر وقوع اضطرابات اجتماعية.
يخلص التقرير إلى أن استمرار أسعار النفط المرتفعة سيدعم الآفاق الاقتصادية للعراق في الفترة المقبلة، لكن من المتوقع أن يتراجع ذلك تدريجيا على المدى المتوسط، حيث سيشكل تزايد تباطؤ الطلب العالمي قيوداً على إنتاج النفط. علاوة على ذلك، فإن اعتماد العراق على النفط سيزيد من تأثره بالتحوّل العالمي نحو عالم خالٍ من الكربون، الأمر الذي من شأنه أن يقلل تدريجياً من الدور البارز الذي يلعبه إنتاج النفط في تزويد الاقتصاد العالمي بإمدادات الوقود.
وتعليقا على ذلك، قال جان كريستوف كاريت، المدير الإقليمي لدائرة المشرق بالبنك الدولي: "تزداد مواطن الضعف الاجتماعية والاقتصادية في العراق تفاقماً من جراء اشتداد صدمات تغيّر المناخ، بما في ذلك ارتفاع درجات الحرارة، وزيادة شحة المياه، وتزايد تكرار الظواهر المناخية بالغة الشدة. وفي ظل تحقيق إيرادات نفطية قياسية، فقد سنحت للحكومة العراقية الجديدة فرصة فريدة للعمل على تنويع أنشطة البلاد الاقتصادية ومعالجة التحديات الهيكلية القائمة منذ وقت طويل والمرتبطة بالمناخ ووضع الاقتصاد على مسار أكثر استدامة وقدرة على الصمود".
يسلط القسم الخاص في تقرير المرصد الاقتصادي للعراق الضوء على كيف يتسبب تغيّر المناخ في زيادة أوجه الضعف الاقتصادي الحالية في العراق، مشيراً إلى أن الواقع المتشابك بين التنمية والمناخ في العراق يستدعي اتخاذ إجراءات عاجلة، وهو ما يتطلب جهودا واسعة للتكيف مع تغيّر المناخ، مع التركيز على العلاقة المتداخلة بين المياه والزراعة والفقر. ومن شأن تطبيق تدابير التخفيف من تغير المناخ أن يساعد في سد الفجوات القائمة بين جانبي العرض والطلب مع الحد من الانبعاثات الكربونية في سلسلة القيمة للطاقة في العراق. ويوضح التقرير أن الإصلاحات المالية والهيكلية لا تزال مهمة لاحتواء التداعيات الكبيرة التي ينطوي عليها التحوّل إلى اقتصاد منخفض الكربون وقادر على الصمود على الاقتصاد الكلي والمالية العامة للعراق.
تقارير مجموعة البنك الدولي للمناخ والتنمية: التقارير القطرية عن المناخ والتنمية لمجموعة البنك الدولي هي تقارير تشخيصية جديدة تدمج اعتبارات تغير المناخ والتنمية. وستساعد هذه التقارير البلدان على تحديد الأولويات الخاصة بالإجراءات الأكثر تأثيرا للحد من انبعاثات الغازات الدفيئة وتعزيز التكيف مع تغير المناخ، فضلا عن تحقيق الأهداف الإنمائية الأوسع نطاقاً. وتعتمد هذه التقارير على البيانات والبحوث الدقيقة، وتحدد السبل الرئيسية إلى تقليص انبعاثات الغازات الدفيئة، ومواطن الضعف في مواجهة تقلبات المناخ، بما في ذلك التكاليف والتحديات وكذلك المنافع والفرص التي يتيحها اتباع هذا المنهج.
وتقترح التقارير إجراءات مُحدَّدة للسياسات لدعم تحول منخفض الكربون قادر على الصمود. وتهدف هذه التقارير، بوصفها وثائق عامة، إلى إثراء معلومات الحكومات والمواطنين والقطاع الخاص وشركاء التنمية وتمكين المشاركة في أجندة التنمية والمناخ. وستمثل هذه التقارير مراجع لدراسات تشخيصية أساسية أخرى لمجموعة البنك الدولي، وعملياتها في البلدان المعنية، وعملياتها التي تستهدف المساعدة في جذب التمويل والتمويل المباشر للعمل المناخي عالي الأثر.
اضف تعليق