فرض ضريبة على تدفقات رأس المال الواردة كبيرة بما يكفي لموازنة التجارة الأميركية من شأنه أن يلحق الضرر الاقتصادي بالداخل والخارج بعدة طرق، لكن التأثير الأشد وضوحا سيكون ارتفاعا حادا في أسعار الفائدة الحقيقية في الولايات المتحدة. فعندما تتجاوز واردات أي دولة ما تستطيع سداده من...
بقلم: موريس أوبستفيلد

بيركلي- تمخض موسم الانتخابات في الولايات المتحدة عن عدد كبير من المقترحات السياسية الرديئة. واحد من أسوأها يتمثل في فكرة مفادها أن أميركا ينبغي لها أن تسعى إلى تحقيق التوازن التجاري من خلال فرض الضرائب على اقتراض الولايات المتحدة من الأجانب. بموجب مثل هذه "الضريبة على تدفقات رأس المال إلى الداخل"، يصبح أي مقيم أميركي يبيع أصلا (مثل سهم أو سند) لمقيم أجنبي مدينا لحكومة الولايات المتحدة بنسبة مئوية من المبلغ الذي يتلقاه. ولأن هذا من شأنه أن يجعل التمويل الأجنبي أكثر تكلفة، فسوف ترتفع أسعار الفائدة وتكلفة رأس المال في مختلف قطاعات الاقتصاد.

الواقع أن أنصار فرض هذه الضريبة يقدمونها باعتبارها بديلا جذابا للرسوم الجمركية كوسيلة لتقليص العجز التجاري الأميركي، الذي يعتبرونه مسؤولا عن مجموعة من المشكلات الاقتصادية. بطبيعة الحال، يحمل أغلب خبراء الاقتصاد المنتمين إلى التيار السائد وجهة نظر دقيقة بشأن العجز التجاري، وينظر إليه كثيرون باعتباره قضية ثانوية بالنسبة للاقتصاد الأميركي، إذا كان يشكل أي قضية على الإطلاق. لكن دونالد ترمب، المرشح الرئاسي المفترض عن الحزب الجمهوري، كان يعتقد لفترة طويلة أن البلدان التي تدير عجزا "تخسر" بطريقة أو بأخرى من خلال التجارة، وأن التجارة المتوازنة فقط ــ حيث تسدد صادرات الدولة ثمن وارداتها بالكامل ــ يمكن أن تكون عادلة.

وعلى هذا فإن إدارة ترمب المحتملة في المستقبل ستحاول بكل تأكيد تعزيز صادرات الولايات المتحدة والحد من الواردات من خلال آليات مختلفة، بما في ذلك التعريفات الجمركية، وإعادة التفاوض على الاتفاقيات التجارية، وإرهاب الشركاء التجاريين الثنائيين، وإضعاف قوة الدولار، وربما اتخاذ تدابير ترفع تكلفة اقتراض الشركات والمؤسسات المالية الأميركية من الخارج.

كانت الضرائب المفروضة على تدفق رأس المال إلى الداخل تُـسـتَـخـدَمَ على نحو متكرر على مر السنين في الاقتصادات النامية والناشئة، لكن المقترحات التي تنادي بتطبيقها في الأسواق المالية الأميركية أحدث عهدا. في عام 2019، تقدم عضو مجلس الشيوخ تامي بالدوين (ديمقراطي) وعضو مجلس الشيوخ جوش هاولي (جمهوري) باقتراح تشريع من شأنه أن يلزم بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي بفرض "رسوم الوصول إلى السوق" على المشتريات الأجنبية من الأصول الأميركية من أجل استهداف ميزان تجاري أميركي قريب من الـصِـفر. لم يحرز مشروع القانون أي تقدم في ذلك الوقت، ولكن من المرجح أن يُـعـاد المخطط إلى الحياة في ظل إدارة أميركية جديدة مهووسة بالمظالم التجارية.

في كتابه الأخير بعنوان "لا تجارة حرة"، يشير الممثل التجاري الأميركي السابق أثناء ولاية ترمب الأولى، روبرت لايتهايزر، والذي من المنتظر أن يتولى دون شك دورا قياديا في السياسة مرة أخرى، إلى هذا الاحتمال ــ وإن كان يفضل تحقيق التجارة المتوازنة من خلال التعريفات الجمركية التي ترتفع إلى أن تنخفض الواردات إلى مستوى مساو للصادرات. علاوة على ذلك، زعم بعض المعلقين المؤثرين مثل مايكل بيتيس، الذي يشكك بحق في التعريفات الجمركية، أن تدفقات رأس المال إلى الداخل هي السبب وراء العجز التجاري الأميركي، وأن التجارة ستكون "متوازنة على نطاق واسع" إذا كانت محكومة حقا بالميزة النسبية. واستنتج أن تدفقات رأس المال تعوق عمل الميزة النسبية، وبالتالي ينبغي تقييدها بالضرائب.

لكن فرض ضريبة على تدفق رأس المال إلى الداخل فكرة سيئة. ففي حين قد تتسبب تدفقات رأس المال الحرة في إحداث وفرة من المشكلات في مواجهة الاقتصاد العالمي، فإن أفضل طريقة لمعالجة الارتباكات بأقل قدر من الضرر في أماكن أخرى هي من خلال التدخلات السياسية الموجهة على نطاق ضيق، وليس الأدوات الصريحة مثل ضريبة شاملة على التدفقات إلى الداخل.

إن فرض ضريبة على تدفقات رأس المال الواردة كبيرة بما يكفي لموازنة التجارة الأميركية من شأنه أن يلحق الضرر الاقتصادي بالداخل والخارج بعدة طرق، لكن التأثير الأشد وضوحا سيكون ارتفاعا حادا في أسعار الفائدة الحقيقية في الولايات المتحدة. فعندما تتجاوز واردات أي دولة ما تستطيع سداده من خلال صادراتها، فإنها لابد وأن تقترض من مقيمين أجانب لتغطية الفارق (تدفق رأس المال إلى الداخل). ومن المؤكد أن ضريبة تدفق رأس المال إلى الداخل من شأنها أن ترفع تكلفة الاقتراض الأجنبي بما يعادل قيمة الضريبة. ولكن ربما يكون من الأقل وضوحا أنها قد ترفع أيضا سعر الفائدة الذي يدفعه كل مقترض أميركي على كل قرض، سواء كان مصدر التمويل محليا أو أجنبيا. ذلك أن بعض التمويل الأجنبي ضروري في مواجهة العجز التجاري، مهما كان صغيرا؛ لكن لا أحد قد يكون راغبا في الاقتراض من الخارج ما لم تكن تكلفة التمويل المحلي والأجنبي متساوية.

يشير ارتفاع أسعار الفائدة على هذا النحو إلى الآلية الرئيسية التي تعمل من خلالها ضريبة تدفق رأس المال إلى الداخل على خفض العجز التجاري. كما يجب أن يكون اقتراض أي دولة من أجانب مساويا لمقدار استثمارها (في المعدات، والبحث والتطوير، وما إلى ذلك) الذي يتجاوز ما تستطيع تغطيته من المدخرات الوطنية. وعلى هذا فإن العجز التجاري (أو على وجه التحديد عجز الحساب الجاري) يساوي الاستثمار مطروحا منه قيمة الادخار. وربما يعمل ارتفاع أسعار الفائدة على ضغط العجز التجاري من خلال زيادة الادخار إلى حد ما، لكن تأثيره الرئيسي من المرجح أن يكون انخفاض الاستثمار، فيؤدي هذا إلى تقلص الطلب، وتدني النمو، وتراجع الإبداع.

الأسوأ من ذلك أن كل هذه التداعيات ستتضخم إذا أدت ضريبة التدفقات إلى الداخل، كما يبدو مرجحا، إلى تقويض الثقة العالمية في سلامة الدولار الأميركي وسيولة الأسواق المالية الأميركية.

والعواقب التي يخلفها هذا على السياسة النقدية والمالية مثيرة للقلق هي أيضا. فيما يتصل بالسياسة النقدية، من شأن فرض الضريبة على تدفقات رأس المال إلى الداخل أن يرفع أسعار الفائدة الحقيقية المحايدة ــ أو ما يسميه خبراء الاقتصاد (r*) ــ ويفرض خطر التضخم الجامح إذا لم يرفع بنك الاحتياطي الفيدرالي أسعار الفائدة على نحو متناسب. وفيما يتصل بالسياسة المالية، فإن هذا من شأنه أن يرفع تكاليف الاقتراض التي تتحملها الخزانة (وكل شخص آخر في الولايات المتحدة) في وقت حيث تضيف سياسات الضرائب والإنفاق الجمهورية إلى عجز الحكومة الأميركية. الواقع أن استدامة ديون القطاع العام في الولايات المتحدة تمثل مشكلة بالفعل، وفي حين قد تولد الضريبة بعض العائدات، فإن تأثيرها الصافي قد يزيد الوضع المالي سوءا على سوء.

هذه السيناريوهات معقولة للغاية إذا كانت إدارة ترمب الجديدة جادة في السعي إلى خفض العجز التجاري. وكل الخيارات الأخرى التي يدرسها فريق ترمب التجاري فيما يبدو ــ التعريفات الجمركية (التي قد تؤدي إلى زيادة العجز، ما لم تكن شديدة الارتفاع)، وإضعاف قيمة الدولار، والضغط على شركاء التجارة الأجانب ــ لن تؤدي ببساطة إلى إنجاز المهمة. الاستراتيجيتان الوحيدتان اللتان قد تكونان فعالتين على الفور هما خفض عجز الميزانية الفيدرالية ــ وهو أمر غير مرجح ــ أو فرض ضريبة على تدفقات رأس المال إلى الداخل.

نظرا للدعم الحزبي السابق للضريبة، فقد تتحول إلى حقيقة واقعة بصرف النظر عن تشكيلة الكونجرس الأميركي التالي. وسوف يكون هذا مؤسفا للغاية، لأن حجم عجز أميركا التجاري يُـعَـد بين أتفه مشاكلها.

* موريس أوبستفيلد، كبير الاقتصاديين السابق في صندوق النقد الدولي، وهو زميل أقدم في معهد بيترسون للاقتصاد الدولي وأستاذ الاقتصاد الفخري في جامعة كاليفورنيا في بيركلي.

https://www.project-syndicate.org/

اضف تعليق