q
لا يمكنك التحوط من مخاطر نهاية العالم، ومن ثم فمن المنطقي شراء الأصول التي ستزداد قيمتها إذا حدث العكس. هذا الاقتراح لن يكون مفيدًا إلا إذا كنتَ تعرف الأصول التي سترتفع قيمتها عن مستوياتها الحالية في حال تم تجنب الحرب النووية، أو إذا تم تقليل احتمالية حدوثها على الأقل...
بقلم: ويليم بويتر

نيويورك- منذ بدء الغزو الروسي لأوكرانيا، أسيل الكثير من الحبر بشأن تزايد خطر الإبادة النووية وتأثيرها (أو عدمه) على تقييمات سوق الأسهم. ولكن، بغض النظر عما إذا تم تسعير الأسهم بقيم مبالغ فيها أو بأخرى متدنية، فإن السؤال الذي يفرض نفسه أيضا، هو ما إذا كان يمكن تجاهل المخاطر الوجودية بالكامل من منظور مالي.

وفي مذكرة حديثة بعنوان "ارتفاع مخاطر حدوث نهاية العالم النووية"، يجادل بيتر بيريزين، كبير الاستراتيجيين العالميين في شركة BCA Research، (بي سي إي ريسورتش)، بأنه على الرغم من أن احتمال نشوب صراع نووي ينهي الحضارة في العام المقبل (من وجهة نظره) ارتفع إلى 10٪، ينبغي للمستثمرين "البقاء متفائلين بشأن الأسهم" على مدى 12 شهرًا. والسبب هو أنه على الرغم من أن أسعار الأسهم ستنخفض إذا كانت هناك حرب نووية، ويمكن أن تصل إلى الصفر في حال اندلاعها، فإن سعر كل الأصول الأخرى سينخفض أيضًا (إذا ظلت أسواق الأصول قائمة). ولأنه لا يمكن التحوط من مخاطر الحرب النووية، يعتقد بيريزين أنه يجب أن يشتري المرء الأصول على أساس أن قيمتها سترتفع إذا تم تجنب الحرب النووية.

ومن المؤكد أنه لا يمكنك التحوط من مخاطر نهاية العالم، ومن ثم فمن المنطقي شراء الأصول التي ستزداد قيمتها إذا حدث العكس. ولكن هذا الاقتراح لن يكون مفيدًا إلا إذا كنتَ تعرف الأصول التي سترتفع قيمتها عن مستوياتها الحالية في حال تم تجنب الحرب النووية (في الوقت الحالي)، أو إذا تم تقليل احتمالية حدوثها على الأقل.

ويجادل بيريزين بأن الأسهم تندرج في هذه الفئة. ولكن ماذا لو كانت أسعار الأسهم الحالية (والمستقبلية) لا تساوي قيمتها الأساسية أو الجوهرية أو العادلة؟ لن يكون من المنطقي شراء الكثير من الأسهم بسعر أعلى بكثير من القيمة العادلة إذا كنت تعتقد أنه سيتم استعادة قيمتها العادلة عاجلاً أم آجلاً (حتى إذا زادت القيمة العادلة). وقد يتم تقويض شراء الأسهم على أساس أن سعرها سيرتفع لاحقا على نحو مهلك، بسبب فشل السوق الذي يحدث حين تعكس أسعار السوق الحالية تقديرًا أقل بكثير من احتمال نشوب صراع نووي، و/ أو الضرر الذي قد يلحقه مثل هذا الصراع بالأساسيات التي تغير منحنى أسعار الأسهم.

وتتضح مشكلة حجة بيريزين من خلال النظر في الاقتباسين التاليين من مقالته: "إذا كانت صواريخ باليستية عابرة للقارات تتجه إليك، يصبح حجم محفظتك وتكوينها غير ذات صلة، ومن ثم، من منظور مالي بحت، يجب أن تتجاهل المخاطر الوجودية إلى حد كبير، حتى لو كنت تهتم بها كثيرًا من منظور شخصي."

إن العبارة الأولى صحيحة والثانية خاطئة. فحقيقة أن الحرب النووية ستقضي على قيمة الأسهم (بالإضافة إلى جميع الأصول الأخرى والأسواق المنظمة لتبادلها) هي بالتأكيد ذات صلة بالتسعير المناسب للأسهم في السيناريوهات التي لم تحدث فيها الإبادة النووية (بعد).

إن القيمة الأساسية أو الجوهرية أو العادلة لأسهم الشركة هي القيمة الحالية المخصومة (المعدلة حسب المخاطر) لتدفق الأرباح المستقبلية المتوقعة والمدفوعات الأخرى. وهذه القيمة الأساسية سترتفع بالفعل إذا انخفضت احتمالية الإبادة النووية في الأسابيع والأشهر القادمة. وفي هذا السيناريو، سيصبح المستقبل الذي تنعدم فيه الأرباح (والذي من غير المرجح أن يعيش فيه المستثمر) أقل احتمالا، في حين أن المستقبل بأرباح إيجابية سيكون أكثر احتمالا.

ولكن هذه الحجج تتعلق بشراء الأسهم أو الاحتفاظ بها فقط إذا كانت قيمتها السوقية الحالية تعادل قيمتها الأساسية، وستبقى كذلك في المستقبل. ولن يكون هذا هو الحال إذا فشلت الأسواق في تسعير المخاطر الوجودية بصورة صحيحة لأنها قللت من احتمالية حدوث كارثة نووية أو من حجم الضرر الذي يلحق بالأرباح المستقبلية في مثل هذا السيناريو. ويمكن بالطبع تقديم حجة مماثلة لتسعير الديون السيادية. وحتى الأدوات الثلاثية من شأنها أن تتخلف بصورة شاملة في حالة وقوع كارثة نووية تقضي على مؤسسات الدولة إلى جانب بقية الحضارة الإنسانية.

وعندما أشرتُ مؤخرًا إلى أن الأسواق تنكر المخاطر النووية، كنت أجادل بشأن فشل السوق. وما يقلقني هو أن الأسواق تقلل من احتمالية نشوب حرب نووية شاملة، ومن تأثير حدث كهذا على التدفقات المستقبلية لأرباح الشركات. وإذا كان هذا التقييم صحيحًا، فإن أسواق الأسهم اليوم مبالغ فيها. وهناك فقاعة إنكار نهاية العالم.

وعلى الرغم من أن هذا الإنكار يمكن أن يستمر، إلا أنه لا يمكن أن يستمر إلى الأبد. فلننظر إلى السيناريو الذي لم تندلع فيه حرب نووية (حتى الآن)، والذي انفجرت فيه فقاعة الإنكار. ستكون هذه أخبارًا مفرحة للبشرية والأساسيات التي تستند إليها تقييمات سوق الأسهم في نهاية المطاف. ولكنه يعني أيضًا أنه يمكن أن يكون هناك تصحيح في السوق (إذا كانت فقاعة الإنكار المتفجرة تتفوق على التحسن في التقييم الأساسي)، وفي هذه الحالة كان الأجدر أن تكون هناك أسهم مُخَفضة القيمة. ويؤكد الابتعاد الدوري عن عقلانية السوق على الحاجة إلى تسعير مناسب للمخاطر الوجودية.

* ويليم إتش. بويتر، أستاذ مساعد للشؤون الدولية والعامة بجامعة كولومبيا
https://www.project-syndicate.org

اضف تعليق