قد تساعد وفرة من الإبداعات غير التقليدية في تنويع صادرات الأرجنتين وإعادة تنشيط النمو، ولكن هناك القليل مما يمكن اعتباره مبدعا أو تقدميا في ما تفعله الإدارة الحالية. صممت الحكومات الشعبوية السابقة طفرات ازدهار استندت إلى حيل في صرف النقد الأجنبي أو الإسراف المالي، وكانت تنتهي غالبا إلى كارثة...
بقلم: أندريس فيلاسكو، إدواردو ليفي يياتي
سانتياجو/ بوينس آيرس ــ في تعليق حديث، زعم رجل الاقتصاد الحائز على جائزة نوبل في علوم الاقتصاد جوزيف ستيجليتز أن الأرجنتين حققت معجزة في استجابتها الاقتصادية لأزمة مرض فيروس كورونا 2019 (كوفيد-19). الفارس المنقذ في هذه الملحمة، وفقا لستيجليتز، هو الرئيس ألبرتو فرنانديز، الذي ورث الفوضى عند توليه منصبه في أواخر عام 2019 وقدم سياسات حفزت النمو المرتفع والانتعاش في تشغيل العمالة والاستثمار. وبدوره أفضى النشاط الأقوى، إلى جانب المعدلات الضريبية الأعلى والأكثر تصاعدية وتبادلية الديون في عام 2020، إلى تحسين الموارد المالية العامة.
من المؤكد أن الأمر يبدو أشبه بمعجزة. لكن من المؤسف أن البيانات تنبئنا بقصة مختلفة. الواقع أن أقدم خدعة إحصائية على الإطلاق ــ الحيلة التي كثيرا ما انتقد بسببها الاقتصاديون التقدميون بشدة وعن حق نظراءهم المحافظين ــ تتلخص في تصنيف الارتداد من انخفاض حاد في الناتج على أنه نمو. هذا هو على وجه التحديد ما حدث في الأرجنتين.
في عام 2020، انكمش الاقتصاد بنسبة 10% كاملة، وهو ثاني أكبر تراجع في المنطقة بعد بيرو. وعلى هذا فإن تعافي الأرجنتين السريع في عام 2021 ــ كما حدث مع أغلب جيرانها ــ لم يكن مفاجئا، لكن الناتج لم يعد بعد إلى مستويات ما قبل الجائحة. علاوة على ذلك، لا يبدو التعافي صحيا أو مستداما بشكل خاص. كان التعافي مدفوعا جزئيا بمشاريع البناء ذات العائد المنخفض، حيث راهن المستثمرون على أن العقارات ستظل محمية من معدل التضخم المرتفع والمتزايد الارتفاع في الأرجنتين.
تتمتع قطاعات السيارات والملابس والإلكترونيات المتوسعة بالحماية من المنافسة الخارجية ليس فقط بفضل حواجز الاستيراد، بل وأيضا بفعل الفجوة الهائلة بين سعر الصرف الرسمي وسعر الصرف الحر: تستورد الشركات المدخلات بسعر الصرف الرسمي، وتبيع السلع النهائية بسعر متوافق مع سعر السوق. سوف ينتهي هذا الدعم إن عاجلا أو آجلا، وتوقعات النمو في الأمد البعيد ليست مبشرة.
وبرغم أن الاستثمار الحقيقي في عام 2021 كان أعلى من نظيره في عام 2019، فقد ظل أقل كثيرا من مستويات 2018، عند مستوى بائس بلغ 17% من الناتج المحلي الإجمالي. في الوقت ذاته، سلط انقطاع التيار الكهربائي على نطاق هائل في بوينس آيرس مؤخرا الضوء على التأثير الضار المتخلف عن عدم كفاية الاستثمار في رفاهة المواطنين والتنمية الاقتصادية. تعاني الأرجنتين أيضا من تقلص المخزون من رأس المال البشري. فقد ظلت المدارس مغلقة لمدة 79 أسبوعا أثناء فترة الجائحة، مقارنة بنحو 40 أسبوعا في أوروجواي المجاورة. ومن المرجح أن تتجلى خسارة التعليم بوضوح بمجرد إعلان نتائج الاختبارات الموحدة لشهر ديسمبر/كانون الأول.
على حد تعبير ستيجليتز، أصبحت الأرجنتين ذلك النوع من "مجتمع التعلم" الذي دعا إليه في أحد كتبه. ولكن بالإضافة إلى المدارس الضعيفة الأداء، تُـلـحِـق الفجوة الكبيرة في أسعار الصرف الضرر بقطاع التكنولوجيا الناشئ في الأرجنتين، حيث تنقل الشركات الخدمات إلى الخارج على نحو متزايد أو تنتقل ببساطة إلى بلدان مجاورة. وتظل الصادرات القائمة على المعرفة راكدة، عند مستوى أقل بنحو 20% من الذروة التي بلغتها في عام 2017.
كان النقص البنيوي في النقد الأجنبي سببا في إعاقة النمو في الأرجنتين لفترة طويلة، وتزداد المشكلة سوءا. وعلى الرغم من زيادة عائدات التصدير في عام 2021، وهو ما يرجع بشكل كبير إلى ارتفاع قصير الأمد في أسعار السلع الأساسية، فإن أحجام الصادرات لا تزال أقل من المستويات التي كانت عليها في عام 2019 ــ باستثناء الصادرات الأولية، التي استفادت العام الماضي من تراكم لمرة واحدة حدث في عام 2020 لكنها من المتوقع أن تنخفض بشكل كبير في عام 2022. وتجاوزت الواردات الصادرات في عام 2021 مع اندفاع المنتجين إلى شراء ــ أو إصدار فواتير ــ السلع الرأسمالية والوسيطة بسعر الصرف المدعوم، مما أدى إلى استنفاد الاحتياطيات الدولية السائلة.
إذا كان المقصود من تبادل الديون في عام 2020 استعادة جدارة الأرجنتين الائتمانية، فإن هذا يعني أنه فشل. الواقع أن فارق سعر الفائدة على ديون الأرجنتين السيادية، الذي يتجاوز حاليا 1800 نقطة أساس، هو الأعلى في المنطقة بعد فنزويلا، ولا تزال الحكومة محرومة من التعامل مع أسواق رأس المال الدولية. يزعم ستيجليتز أيضا حدوث تحسن خارق في موارد الأرجنتين المالية العامة، لكن البيانات تكشف عن صورة أكثر دقة. في عام 2021، ظلت الإيرادات الحكومية عند مستويات 2019، مع استثنائين: قفزة دامت لفترة وجيزة في الدخل من ضريبة الصادرات بسبب ارتفاع قصير الأمد في أسعار السلع الأساسية، وضرائب الثروة الجديدة (والتي لن تتكرر إحداها في عام 2022). جلبت الضرائب الأعلى عائدات إضافية تعادل نحو 1% من الناتج المحلي الإجمالي، نصفها سيختفي في العام المقبل. يرجع عجز الميزانية الأولي الأقل من المتوقع في الأرجنتين (الذي يستبعد مدفوعات الديون) جزئيا إلى تخصيص صندوق النقد الدولي العام الماضي لحقوق السحب الخاصة، وهي الأصول الاحتياطية التي يصدرها الصندوق، والتي تعتبرها الحكومة دخلا أساسيا.
وهو يعكس أيضا قفزة التضخم من 36% في عام 2020 إلى 51% في عام 2021، والتي أدت إلى تآكل القيمة الحقيقية لأجور القطاع العام، والأمر الأكثر إزعاجا وإثارة للقلق الإنفاق الاجتماعي. ولأن معاشات التقاعد والتحويلات في الأرجنتين مرتبطة بمؤشر التضخم السابق، فإن قوتها الشرائية تنخفض كلما تسارع التضخم. ومع انحدار نفقات الضمان الاجتماعي بنسبة 6% بالقيمة الحقيقية، وزيادة إعانات دعم الطاقة للأسر المتوسطة والمرتفعة الدخل، فلم يكن الأغنياء هم الذين تحملوا تكاليف التصحيح المالي.
علاوة على ذلك، لم تكن مؤشرات الأرجنتين الاجتماعية معجزة على الإطلاق. فوفقا للمفوضية الاقتصادية لأميركا اللاتينية ومنطقة الكاريبي التابعة للأمم المتحدة، شهدت الأرجنتين أكبر زيادة في الفقر مرتبطة بالجائحة في عام 2020. واليوم، يعيش 40% من السكان تحت خط الفقر. ومع توظيف واحد فقط من كل خمسة عمال رسميا في القطاع الخاص، كانت الوظائف الجيدة نادرة، وانخفضت حصة العمالة في الناتج المحلي الإجمالي بنحو أربع نقاط مئوية في العامين الأخيرين. ارتكبت إدارة الرئيس السابق ماوريسيو ماكري العديد من الأخطاء السياسية، لكن هذا لا يبرر ولا يفسر الأخطاء الفادحة العديدة التي ارتكبها فرنانديز وفريقه. وليس من المفيد تصوير المأزق الاقتصادي المعقد الذي تعيشه الأرجنتين على أنه معركة مانوية بين اليمين واليسار.
قد تساعد وفرة من الإبداعات غير التقليدية في تنويع صادرات الأرجنتين وإعادة تنشيط النمو، ولكن هناك القليل مما يمكن اعتباره مبدعا أو تقدميا في ما تفعله الإدارة الحالية. صممت الحكومات الشعبوية السابقة طفرات ازدهار استندت إلى حيل في صرف النقد الأجنبي أو الإسراف المالي، وكانت تنتهي غالبا إلى كارثة. في عام 1982، كتب كارلوس دياز أليخاندرو، الذي يُـعَـد من أعظم مؤرخي الاقتصاد في الأرجنتين، بلغة لاذعة حادة عن "أكاديميين طموحين سياسيا أو ماليا مستقرين في جامعاتهم الشمالية، يهذب سلوكهم زملاء لهم، وهم علماء حذرون". ولكن "أثناء جولاتهم الصيفية على الأطراف، يطلقون العنان لشهوتهم للحكم"، لقد تركوا الإيديولوجية تهزم التحليل بكل قسوة. كان دياز أليخاندرو يشير إلى عقيدة ميلتون فريدمان وتلامذته، لكن ذات الشيء من الممكن أن يُـقال عن بِـدع الوعاظ الشماليين اليوم. إنهم لا يُـعَـرِّضون طلابهم لإحصائيات ضبابية غامضة أو حيل فكرية. لماذا إذن ينبغي لمواطني الأرجنتين أن يلقوا معاملة مختلفة؟
اضف تعليق