الانتهازية هي فضيلة في عالم رأس المال المغامر. فالحصول على رأس المال الذي يكاد يكون بالمجان من المستثمرين الذين ليس لديهم اهتمام بإدارة الشركة (أو القدرة على ذلك)، شيء لا يقاوم. ومع ذلك، فإن الزيادة غير العادية في المعروض من رأس المال قد ألغت أي حاجة متصورة لإجراء تقييم...
وليام جينواي
خلال السنوات العشر الماضية، عاش رواد الأعمال، إلى جانب بقية العالم، في بيئة مالية غير مسبوقة. إذ في إطار الاستجابة الأولية للتعافي البطيء المتعنت من الأزمة المالية لعام 2008، ثم بعد ذلك للركود الناجم عن كوفيد-19، حافظت البنوك المركزية الرئيسية على مجموعة من المبادرات غير التقليدية، وبرامج شراء الأصول التي تعرف مجتمعة باسم "التيسير الكمي".
ونتج عن ذلك مباشرة تراكم ضَخم للاحتياطيات المالية في البنوك المركزية وفي كل النظام المالي، وتخفيض أسعار الفائدة الأسمية على الأصول المالية الخالية من المخاطر إلى مستويات أقل من معدل التضخم. ومن ثم، كانت أسعار الفائدة سلبية بالقيمة الحقيقية (وحتى بالقيمة الاسمية، في بعض الحالات).
كما كان لسنوات من السياسات النقدية غير التقليدية تأثير ثانوي على أسلوب الاستثمار. إذ في ظل الظروف التي خلقتها البنوك المركزية، أصبح المستثمرون (المؤسسيون ومستثمري تجزئة على حد سواء) أكثر جرأة في سعيهم لتحقيق عوائد حقيقية إيجابية. ولم يقتصر الأمر على قبولهم لمستويات متزايدة من المخاطر الأساسية (أي مخاطر فشل الأعمال التي تقضي على قيمة أوراقهم المالية)؛ بل أصبحوا أكثر استعدادًا لقبول انعدام السيولة، وشراء الأوراق المالية التي لا يمكنهم إعادة بيعها كما يريدون.
إن أحد الأمثلة الصارخة على هذه الظاهرة هو تدفق "رأس المال غير التقليدي"، وهو مصطلح وضعته الرابطة الوطنية لرأس المال الاستثماري للإشارة إلى صناديق الاستثمار المشتركة، وصناديق التحوط، وصناديق الثروة السيادية، وما إلى ذلك، نحو الشركات الخاصة المدعومة من المشاريع التي كانت تقييماتها مرتفعة منذ أزل. وتتمثل الأمثلة الأخرى في الفقاعات في الأصول المشفرة وتدمير مخزونات أسهم "الميم" (تكون عابرة في أغلب الأحيان)، المدفوعة بمجتمعات "ريديت" ومستثمري التجزئة، على تطبيقات مثل تطبيق "روبنهود".
والمثال الأخير هو أنه كان للعرض اللامحدود لرأس المال المنخفض التكلفة (من حيث تخفيف الملكية) المتاح لرواد الأعمال، وشركات رأس المال الاستثماري في المراحل المبكرة، تأثير من المستوى الثالث أيضًا، تمثل في انتشار نماذج الأعمال مع إمكانات ضئيلة أو معدومة لتحقيق نمو مستدام ذاتي التمويل. وترسخت فكرة "رأس المال كاستراتيجية". إذ في عالم قليل الاحتكاك، حيث تقدَّم الخدمات عبر أو بوساطة الإنترنت، تحرص الشركات الناشئة على إنفاق مبالغ أكبر من أموال الأشخاص الآخرين لاكتساب العملاء، والهدف هو الخروج منتصرة في سباق يحصل فيه الفائز على كل شيء.
وتكمن المشكلة بالطبع في أن رأس المال ليس استراتيجية؛ والأحرى أنه مورد يختلف عرضه وتكلفته اختلافا كبيرا. فعلى الأقل منذ جنون التوليب الهولندي في ثلاثينيات القرن السادس عشر وفقاعة البحر الجنوبي بلندن عام 1720، كان التاريخ المالي مليئًا بحلقات الإفراط في المضاربة (ولهذا السبب عنونت فصلا من فصول كتابي «Doing Capitalism in the Innovation Economy»: بكلمة: "تفاهة الفقاعات").
وفي بعض الأحيان، أدت هذه الانفجارات في وفرة المستثمرين إلى تمويل نشر التقنيات المبتكرة على نطاق كافٍ لتغيير اقتصاد السوق، كما كان الحال مع السكك الحديدية، والكهرباء، والإنترنت. إذ تكون الفقاعة منتجة بناءً على ما تتركه وراءها. إلا أن كل الفقاعات انفجرت، لذلك حتى المستثمرين يسعون لتحقيق الإنتاجية سينقسمون حتماً إلى واحدة من فئتين: السريعين أو الأموات.
إن الانتهازية هي فضيلة في عالم رأس المال المغامر. فالحصول على رأس المال الذي يكاد يكون بالمجان من المستثمرين الذين ليس لديهم اهتمام بإدارة الشركة (أو القدرة على ذلك)، شيء لا يقاوم. وكما يقول المثل القديم، "عندما يطوفون حول الكعك، خذ منها أقصى ما تستطيع" أي إذا كانت المصادر غير التقليدية لرأس المال مستعدة لتسييل ممتلكات المستثمرين الأصليين بمضاعفات التكلفة التي عادة ما تكون متاحة فقط من خلال طرح عام أولي أو بيع تجاري، ينبغي أن يكون البائع بالتجزئة جشعًا بصورة غير عادية لرفض العرض.
ومع ذلك، فإن الزيادة غير العادية في المعروض من رأس المال قد ألغت أي حاجة متصورة لإجراء تقييم نقدي لنماذج الأعمال وخططها، مما يقوض القاعدة الذهبية لرأس المال الاستثماري وهي أن أولئك الذين يمتلكون الذهب هم من يضعون القواعد.
والأحرى، كان هناك تحول في ميزان القوى بين رواد الأعمال ورواد الأعمال المجازفين. ويتضح هذا من خلال العدد المتزايد للشركات الناشئة التي يتحكم مؤسسوها بغض النظر عن مقدار رأس المال الذي يجمع.
وتمثل الملاحم الإدارية الخاصة ب"أوبر" و"وِي وُرْكْ" و"ثيرانوس" النتائج النهائية للفيضان الذي أطلقته البنوك المركزية. وقد تكون إليزابيث هولمز، مؤسسة ثيرانوس، الوحيدة حتى الآن التي ضُبطت وهي تتجاوز الحدود نحو المسؤولية الجنائية، عندما ضخت شركتها وضختمها. ولكن عدم وجود محاكمات أخرى ليس عذراً للمستثمرين وأعضاء مجلس الإدارة يبررون به التخلي عن مسؤولياتهم الائتمانية.
ويمكن لرواد الأعمال ومؤسسي رأس المال المغامرين المنخرطين مباشرة في حوكمة الشركات أن يتغلبوا على الانهيار الحتمي للفقاعة الحالية من خلال تذكر أن سعادة الشركات ستتحقق، عاجلاً أم آجلاً، من خلال تدفق نقدي إيجابي. وتختلف القدرة على دفع فواتيرك لأنك تتلقى نقودًا من العملاء تتجاوز تكلفة تطوير ما تبيعه وتسلمه اختلافا قاطعا عن الاعتماد على اللطف المستمر للغرباء الماليين غير التقليديين. إذ يتطلب هذا النوع من النجاح تحديدًا مستمرًا وصارمًا لمسار التدفق النقدي الإيجابي من العمليات، ضمن إطار زمني مقيد بمقدار النقد الموجود حاليًا في الميزانية العمومية.
وإذا لم يتم العثور على مثل هذا المسار، ففكر في هذه النصيحة البسيطة من برنارد باروخ، الشخصية الأسطورية في مجال التمويل، الذي عاش في النصف الأول من القرن العشرين، والذي قدم المشورة لرؤساء الولايات المتحدة، وقدم نفسه أمام لجنة تابعة للكونغرس على أنه يشتغل "مضاربا". وعندما سُئل باروخ عن الطريقة التي يجني بها أمواله، أجاب: "البيع في وقت مبكر جدًا".
وضارب باروخ في سوق الأوراق المالية العامة، حيث يمكنه البيع متى شاء. ولكن "المستثمرين غير التقليديين" الذين يغذون فقاعة رأس المال الاستثماري الحالية، إلى جانب الشركاء المحدودين لصناديق رأس المال الاستثماري التي رعت المشاريع، مقيدون. وكلا المجموعتين كانتا تتمتعان بعائدات مذهلة وصلت إلى 50٪.
ولكن الغالبية العظمى من هذه العوائد تمثل استثمارات غير سائلة، مع "سعر السوق" محدد حسب التقييمات الأخيرة المسجلة في تمويلات المرحلة المتأخرة، أو على أساس قيمة الشركات العامة التي تعتبر "قابلة للمقارنة". لذلك، سيثبت النقد أنه هو الاختبار. ولكن على قول كيني روجرز في ألبومه الذي لا يُنسى "المقامر":
"لا تحسب أموالك أبدا، عندما تكون جالسًا على الطاولة، فسيكون لديك مايكفي من الوقت كافٍ للعد، عندما تتم الصفقة".
ولا يقتصر الأمر على كون رأس المال لا يعتبر استراتيجية، بل إن الكثير من رأس المال يمكن أن يقضي على حاجة رواد الأعمال والمستثمرين على حدٍ سواء إلى أي استراتيجية على الإطلاق. وبالنسبة لأصحاب رأس المال المغامرين والمستثمرين، سيبقى رأس المال استراتيجية حتى اللحظة التي لن يتبقَّ فيها أي قطعة حلوى.
اضف تعليق