عندما يتوقف العالم عن استخدام الفحم والنفط، سيصبح تسطيح الطاقة شيئًا من الماضي. وباستثناء الطاقة النووية، فإن جميع مصادر الطاقة الخضراء بما في ذلك، الشمس، والرياح، والطاقة المائية، والطاقة الحرارية الأرضية موزعة بصورة غير متساوٍية، كما أن عملية نقلها مكلفة. وحتى إذا أصرت الشركات على استخدام الوقود الأحفوري...
بقلم: ريكاردو هوسمان
كمبريدج- لا نتوقع أن يأتي الأناناس من النرويج أو أن تأتي البابايا من الصحراء الكبرى. فغالبا ما تنمو هذه الفواكه في أماكن تغمرها أشعة الشمس وتتوفر فيها المياه. لماذا إذا،ً تأتي المنتجات التي تستهلك الطاقة بكثافة مثل الفولاذ من دول تفتقر للطاقة مثل اليابان وكوريا الجنوبية؟
إن الجواب على هذا السؤال هو أن الفحم والنفط لهما ميزة فريدة عند مقارنتها بالخشب، أو الغاز الطبيعي، أو الهيدروجين: إذ يتكونان من نسبة مذهلة من الطاقة حسب كل وحدة من وحدات الحجم والوزن. وتعني هذه الحقيقة، بالإضافة إلى التطورات التي تشهدها تقنيات النقل في القرن العشرين، أن العالم أصبح "مسطحًا" فيما يتعلق بالطاقة. ولأن نقل النفط من الخليج العربي إلى نيويورك أو سيول بجزء بسيط مما يكلفه برميل النفط في مصدره كان أمراً ممكنا، فإن غياب مصادر الطاقة المحلية لم يكن عقبة أمام ذلك.
ولم يكن هذا هو الحال دائما. فقبل السكك الحديدية، كان القرب من الفحم أمرًا مهمًا لإنتاج الحديد، وقبل المحرك البخاري، كان القرب من الأنهار سريعة الحركة التي يمكن أن تشغل دواليب المياه أمرًا بالغ الأهمية للسلع المصنعة. إلا أنه في الوقت الراهن، لا تعد مصادر الطاقة المتاحة محليًا شرطًا أساسيًا للانخراط في معظم الأنشطة كثيفة الاستهلاك للطاقة. وباستثناء الغاز الطبيعي (الذي هو على أي حال أكثر مراعاة للبيئة من الفحم والنفط)، يمكن جلب الطاقة إلى معظم الأماكن بتكلفة بسيطة.
ومع ذلك، عندما يتوقف العالم عن استخدام الفحم والنفط، سيصبح تسطيح الطاقة شيئًا من الماضي. وباستثناء الطاقة النووية، فإن جميع مصادر الطاقة الخضراء- بما في ذلك، الشمس، والرياح، والطاقة المائية، والطاقة الحرارية الأرضية- موزعة بصورة غير متساوٍية، كما أن عملية نقلها مكلفة. وحتى إذا أصرت الشركات على استخدام الوقود الأحفوري مع احتجاز الكربون وتخزينه، فسوف تستفيد من قربها من التكوينات الجيولوجية التي يمكنها تخزين ثاني أكسيد الكربون- وهذه التكوينات ليست موجودة في كل مكان.
لذلك، في عالم إزالة الكربون، يجب أن تكون الأنشطة كثيفة الاستهلاك للطاقة مرة أخرى على مقربة من مواقع محددة، تمامًا كما هو الحال في أيام نواعير الماء. وهذا لا يبعث على السرور بالنسبة لمدن مثل "جوانجيانغ" في كوريا الجنوبية، موطن أكبر مصنع للصلب في العالم، أو بالنسبة لشركات صناعة الألمنيوم في الشرق الأوسط، التي تعتمد حاليًا على الغاز الطبيعي.
وسيعتمد المستفيدون من هذا التحول على نتيجة الصراع الذي يلوح في الأفق بين الأرض وغلافها الجوي. إذ لطالما شعرت حركة حماية البيئة بالقلق من التأثير الذي سيخلفه النشاط البشري على الكوكب، بما في ذلك التلوث المحلي للأرض، والهواء، والماء، وتدمير الغابات والأنواع الحيوانية. ولكن تغير المناخ والحاجة إلى إزالة الكربون يزيدان بصورة كبيرة من المقايضات في معالجة هذه المخاوف المختلفة.
وعلى وجه التحديد، كما يقول بيل غيتس، سيستلزم الحد بصورة كبيرة من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون كهربة كل شيء يمكن أن يكون كهربائيًا. إلا أن هذا سيتطلب كميات هائلة من النحاس، والألمنيوم، والكوبالت، والليثيوم، والأتربة النادرة، التي لا يمكن أن تأتي إلا من خلال التوسع الكبير في التعدين. وقد تتطلب الكهربة الجماعية أيضًا المزيد من الطاقة الكهرومائية والمحطات النووية.
إننا نعيش بالفعل آثار هذه العملية. إذ رغم أن الزيادة الأخيرة في أسعار النفط تساعد في إزالة الكربون من خلال جعل طاقة الوقود الأحفوري أكثر تكلفة، إلا أن كون أسعار الألمنيوم والنحاس تقترب من ارتفاعات تاريخية، يعني أن أسعار البدائل الكهربائية آخذة في الارتفاع أيضًا، مما يقلل من سرعة استبدال الطاقة الخضراء.
وهذه الزيادات في أسعار المعادن حتمية إلى حد ما، لأن الوقت اللازم لتركيب سعة جديدة يجعل استجابة العرض للطلب بطيئة. ولكن سرعة استجابة العرض لا تعتمد على العوامل الفنية وحدها. كما أنها ترتبط ارتباطًا وثيقًا بقدرة الأنظمة السياسية على خلق إجماع وطني بشأن الطريقة الصحيحة لتطوير أنشطة التعدين، وتقليل الضرر البيئي، وتعويض الخاسرين المحتملين بما يناسب.
إن القول أسهل من الفعل. إذ لا يزال التعدين مثيرًا للجدل إلى حد كبير، حتى في بلدان مثل بيرو وشيلي، حيث يهيمن على صناعات التصدير ويساهم بصورة رئيسية في الإنتاج العالمي. وأمر رئيس وزراء بيرو مؤخرًا بعدم تجديد تراخيص التنقيب والتطوير في منطقة تعدين رئيسية. كذلك، قيدت عملية الترخيص أيدي صناعة التعدين في جنوب إفريقيا. وبالإضافة إلى التعدين، تتمتع كولومبيا وتشيلي بإمكانيات كبيرة في مجال الطاقة الكهرومائية، إلا أنه كان من الصعب خلق إجماع وطني للاستفادة منها.
لذلك، في حين أن الخاسرين من إزالة الكربون واضحون نسبيًا، فالفائزون هم أولئك الذين يجمعون بين الحظ الجغرافي والعمل الذكي. فالشمس والرياح لا تتحول إلى كهرباء بدون جهد بشري.
وستحتاج المدن، والمناطق، والبلدان التي ترغب في الاستفادة من نقل الصناعات كثيفة الاستهلاك للطاقة إلى ضمان قدرتها على أن توفر بمصداقية وصولا آمنا إلى الطاقة الخضراء. وسيعتمد ذلك على قدرتها على تحويل أنظمة الطاقة الخاصة بها. إذ يمكن لبعض الدول أن تحذو حذو فرنسا في تطوير إمكاناتها في مجال الطاقة النووية. فكازاخستان، على سبيل المثال، يمكن أن تستخدم احتياطياتها الوفيرة من اليورانيوم لتطوير الجيل التالي من محطات الطاقة النووية، وتزويد بقية احتياجات العالم. ويمكن لفنزويلا تعظيم إنتاج الطاقة المائية لنهر "كاروني" غير المستغل بصورة كافية لإحياء صناعات الصلب، والألمنيوم في البلاد. ويمكن لأستراليا، وناميبيا، وتشيلي، استخدام معدلات التشمس القياسية الخاصة بها لتصبح المنتجة الرئيسية للهيدروجين الأخضر.
ويمكن لدول إفريقيا جنوب الصحراء أن تسعى إلى استغلال إمكاناتها الجيولوجية، ومنافسة أستراليا، وأمريكا الجنوبية في التعدين. ويمكن أن تهيمن بوليفيا، وشيلي، والمكسيك على قطاع بطاريات الليثيوم عن طريق تحويل موارد كربونات الليثيوم إلى أكاسيد الليثيوم والبطاريات باستخدام الطاقة الخضراء. (تشارك كوريا الجنوبية، واليابان، والصين حاليًا في نفس العملية باستخدام الوقود الأحفوري.) وقد تقوم دول أخرى بتطوير سعة تخزين الكربون.
وستؤدي إزالة الكربون إلى تغيير مسارات التنمية الوطنية، وتجبر صانعي السياسات على إعادة التفكير في استراتيجياتهم الاقتصادية. إذ ركز الكثير من الجدل بشأن التخضير على التضحيات التي يمكن أن تقدمها كل دولة لخفض انبعاثاتها. ولكن نهاية تسطيح الطاقة ستؤدي إلى نقل هائل للصناعة، بينما يتطلب الحفاظ على الغلاف الجوي إيجاد طرق أفضل لتخفيف الأضرار التي لحقت بالأرض. ولا شك أن من بادروا بتطوير إجماع وطني لتعزيز النظام البيئي المناسب للنمو الأخضر سيحققون مكاسب من ذلك.
اضف تعليق