ساهمت مجموعة معقدة من العوامل والظروف والممارسات المؤثرة الفاعلة في جعل العراق دولة هشة ومن اهمها عدم الاستقرار السياسي والانقسامات بكافة انواعها؛ ضعف الوضع الامني؛ البنية الاقتصادية غير المتوازنة واحادية الاعتماد التي عمقت الدولة الريعية وعملت خلال العقدين الماضيين الى انتشار السلوك الريعي بين مختلف شرائح...
ليس من الجديد القول ان الاقتصاد العراقي في وضع سيء وهناك العديد من المعطيات التي تشير ان الوضع قد يسير نحو ألأسوء وخاصة في المدى القصير-المتوسط. ويكاد ان يكون هناك إجماع بين المعنيين حول هذه الرؤية المؤسفة رغم التباين في منهجية التحليل والأدلة والمظاهر والأسباب الجذرية والطارئة لما وصل اليه الوضع الاقتصادي.
باختصار شديد للغاية، لقد ساهمت مجموعة معقدة من العوامل والظروف والممارسات المؤثرة الفاعلة في جعل العراق "دولة هشة"؛ ومن اهمها عدم الاستقرار السياسي والانقسامات بكافة انواعها؛ ضعف الوضع الامني؛ البنية الاقتصادية غير المتوازنة واحادية الاعتماد التي عمقت الدولة الريعية وعملت خلال العقدين الماضيين الى انتشار "السلوك الريعي" بين مختلف شرائح المجتمع وخاصة القيادات السياسية والحزبية والعشائرية والبيروقراطية و..و..؛ عدم كفاءة الإدارة في اغلب مستويات المسؤولية واتخاذ القرار وخاصة في مختلف مجالات التنمية والسياسات الضرورية المتعلقة بها؛ "حوكمة اللصوصية- الكليبتوقراطية" مقرونةً بالفساد المفرط المشرعن والمومئسس؛ التأثيرات والتدخلات الخارجية وأخطرها احتلال 2003 وما تبعه من تواجد للقوات العسكرية، وغيرها من العوامل الاخرى.
البيانات والمعلومات ومختلف التحليلات حول هذه العوامل والظروف كثيرة للغاية، وبالتاكيد ليس هذا هو المجال للخوض فيها. ولكن، لا يكاد يمر أي يوم دون إضافة فقرة جديدة إلى القائمة الطويلة من الحالات والأمثلة التي توردها وسائل الإعلام والهيئات الرسمية والخبراء والسلطات القانونية التي تتعلق ببعض منها؛ النتيجة المؤسفة والواضحة لكل ذلك هو التدهور الشديد في الاقتصاد العراق.
لإعداد هذه المساهمة قمت بتجميع وعرض أحدث البيانات التي تتعلق بالمؤشرات الرئيسية للاقتصاد الكلي التي وردت في تقرير حديث لصندوق النقد الدولي صدر هذا الشهر وكما ورد في الجدول أدناه. يقدم الجدول تطور 26 مؤشرًا للاقتصاد الكلي على مدى العقدين الماضيين باستخدام ثلاث مجموعات من البيانات: الأولى، تتضمن المتوسط او المعدل للفترة من 2000 إلى 2016؛ الثانية، تشمل البيانات السنوية لكل من الاعوام الثلاثة الماضية 2017: 2019، والثالثة تمثل توقعات الصندوق للسنوات 2020 و2021.
ينصب التركيز في هذه المساهمة الموجزة على آفاق الاقتصاد العراقي في هذا العام والعام المقبل مقارنة بالسنوات الثلاث الماضية اعتمادا على البيانات اعلاه وعلى البيانات الرسمية العراقية المتاحة قدر المستطاع، دون الاهتمام ببيانات المجموعة الاولى وذلك لأنها تتعلق بفترة طويلة نسبيا وظروفها غير اعتيادية مما يقلل من فائدتها للتحليل المقارن لاعتبارات عديدة.
الناتج المحلي الاجمالي
سيعاني الناتج المحلي الإجمالي (الحقيقي والاسمي) من انكماش شديد خلال عامي 2020 و2021، فسوف ينخفض إجمالي الناتج المحلي الحقيقي بنسبة (12.1%) في عام 2020 ثم يتحسن بنسبة (2.5 %) في عام 2021. في كلا العامين، ستكون معدلات نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي أقل بكثير مما كانت عليه في عام 2019.
كذلك من المتوقع أن يصل الناتج المحلي الإجمالي الاسمي في عام 2020 الى أدنى مستوى، وهو 178.1 مليار دولار، مقارنة بالاتجاه التصاعدي الذي ساد خلال السنوات الثلاث السابقة.
عندما ينخفض الناتج المحلي الإجمالي بينما ينمو عدد السكان، تكون النتيجة تدهور حصة الفرد من هذا الناتج بمعدل أعلى من تدهور الناتج المحلي الإجمالي.
تشير المعلومات الى زيادة سكان العراق بأكثر من مليون نسمة سنويًا، وهذا يقود الى تخفيض كبير في حصة الفرد من الناتج المحلي الإجمالي الاسمي بنسبة 24.6٪ و19٪ في عامي 2020 و2021 على التوالي مقارنة بعام 2019. وبناءً على هذه البيانات، تقود النتائج الأولية إلى أن انخفاض الناتج المحلي الإجمالي بنقطة مئوية واحدة يؤدي الى انخفاض بواقع 1.09 نقطة مئوية في حصة/دخل الفرد في العام الأول و1.29 نقطة مئوية في العام الثاني.
ولكن نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي ليس سوى مقياس كمي لا يقول شيئًا على الإطلاق عن التوزيع العادل للثروة الوطنية او الدخل الفعلي أو التبعات الاجتماعية التي تبرز وبوضوح أثناء فترات الانكماش الاقتصادي او الازمات المالية.
إن عدم توفر بيانات كافية ودقيقة ومحدثة يمكن التحقق من مصداقيتها عن توزيع الدخل في العراق يجعل من البيانات الرسمية عن الفقر بديلا يسترشد به ولابد من أخذه في الاعتبار عند مناقشة التداعيات الاجتماعية في اوقات التدهور الاقتصادي.
أظهر مسح الفقر لعام 2018 الذي أجرته وزارة التخطيط أن نسبة الفقر على المستوى الوطني بلغت 22.5٪ في نهاية عام 2018، مع وجود تباينات كبيرة جدًا بين المحافظات تتراوح بين 52٪ في محافظة المثنى و4.5٪ في محافظة السليمانية. وأصبح الوضع اكثر سوءً بحلول النصف الأول من عام 2019 حيث ارتفعت نسبة الفقر على المستوى الوطني إلى 34٪ وفقًا لوزارة العمل والشؤون الاجتماعية: أي اصبح ثلث سكان العراق يعيشون تحت خط الفقر. لذلك يمكن، من الناحية التحليلية، القول او الافتراض باحتمالية تزايد معدلات الفقر والتباين في تلك المعدلات خلال عامي 2020 و2021.
إنتاج النفط الخام والغاز الطبيعي
كان إنتاج النفط الخام وسيظل المحرك الرئيسي للاقتصاد العراقي حيث انه لم يتم فعل أي شيء لمعالجة هذا الخلل الهيكلي وبالتالي هناك احتمالية عالية جدا لاستمرار هذه الهيكلية غير المتوازنة. توقع صندوق النقد الدولي انخفاضًا في إنتاج النفط الخام في عام 2020 إلى 3.98 مليون برميل يوميا (مبي) وإلى 4.02 (مبي) في عام 2021 مقارنة بمعدل 4.57 (مبي) في عام 2019. ومن الواضح أن الانخفاض المتوقع في إنتاج النفط لعام 2020 يُعزى إلى الآثار المشتركة والمتداخلة لكل من "اتفاقية أوبك +" وجائحة COVID19.
وفي هذا المجال أجد من الضروري ابداء بعض الملاحظات بشأن توقعات الصندوق لعام 2020. كانت توقعات الصندوق أقل من الإنتاج الفعلي، البالغ 4.124 (مبي)، للأشهر الثمانية الأولى من هذا العام (علما انه تم نشر تقرير الصندوق في النصف الثاني من شهر اكتوبر). أما بالنسبة للأشهر الأربعة المتبقية من العام، فيجب أن نأخذ في الاعتبار انعكاسات التوجيهات الأخيرة من قبل وزارة النفط القاضية بزيادة إنتاج النفط بمقدار 0.250 (مبي) في أكتوبر. فاذا تحققت هذه الزيادة واستمرت حتى نهاية العام، كما صرحت بذلك شركة سومو حديثا، فقد يكون إنتاج النفط الفعلي لعام 2020 أعلى بكثير من توقعات صندوق النقد الدولي.
لا يشير تقرير صندوق النقد الدولي إلى إنتاج سوائل الغاز الطبيعي NGL ويبدو أنه لم يتم تضمينه ضمن إنتاج النفط الخام، ربما لأنه منخفض نسبيًا. تُظهر البيانات التي تم جمعها من قاعدة بيانات JODI ان إنتاج سوائل الغاز الطبيعي خلال الأشهر الثمانية الأولى من هذا العام حوالي 0.067 (مبي)، وهو ما يمثل 1.6٪ من الإنتاج الفعلي للنفط الخام في نفس الفترة.
اما ما يتعلق بعام 2021 فيوجد قدر كبير ومتزايد من الضبابية وعدم اليقين بشأن صحة الاقتصاد العالمي، وبالتالي بشأن موازنة الطلب على وعرض النفط في المستقبل القريب على المستوى الدولي، أي العام المقبل. ويعود السبب الرئيسي لهذه الضبابية وعدم اليقين الى الموجة الجديدة والزيادات الكبيرة في حالات الإصابة بفيروس COVID19، لا سيما في نصف الكرة الغربي، مما ادى الى اعتماد إجراءات اكثر صرامة في العزل والإغلاق والتباعد الاجتماعي.
يغفل تقرير صندوق النقد الدولي موضوع الغاز الطبيعي؛ فالتقرير لم يذكر شيئا عن هذا المصدر المهم لتوليد الطاقة وللمنتجات البتروكيماوية!!
من الحقائق المعروفة أن العراق ينتج كميات كبيرة من الغاز المصاحب وأن معظمه يحرق مباشرة في الفضاء، بكل ما يترتب على هذه الممارسة الخاطئة من هدر مادي ومالي وتأثيرات سلبية للغاية على البيئة والصحة العامة.
تشير البيانات التي تم جمعها من التقارير الشهرية لوزارة النفط إلى أنه حتى الآن في عام 2020 انتج العراق 2639 مليون قدم مكعب قياسي يوميًا – مقمق من الغاز المصاحب يوميا حيث حرق 52٪ منه. ومن البديهي ان يكون لكل من الغاز المصاحب المحروق والمستخدم انعكاسات مهمة وعديدة ومؤثرة، وبالتالي، فإن تجاهل هذا الموضوع المهم في تقرير صندوق النقد الدولي امر مؤسف.
تصدير النفط الخام
تتبع توقعات صندوق النقد الدولي لتصدير النفط الخام في عامي 2020 و2021 نمطًا مشابهًا لتوقعات إنتاج النفط الخام؛ حيث انه ينخفض بشكل كبير في عام 2020 ثم يتحسن قليلاً في العام القادم.
سوف تنخفض صادرات النفط بواقع 0.520 (مبي) في عام 2020 مقارنة بعام 2019، أو بنسبة 13٪. ولكن مرة أخرى، هناك فرق كبير بين توقعات صندوق النقد الدولي والصادرات الفعلية خلال التسعة اشهر الأولى من عام 2020: حيث ورد في تقرير صندوق النقد الدولي معدل 3.45 (مبي) بينما تعطي البيانات المجمعة من تقارير سومو الشهرية معدل 3.058 (مبي).
ومن التفسيرات المحتملة لهذا الاختلاف البالغ 0.392 مليون برميل هو احتمالية شمول صندوق النقد الدولي تصدير النفط من قبل حكومة إقليم كردستان بينما لا تشمل احصائيات شركة سومو تلك الصادرات. وان صح هذا التفسير فان ذلك يعني وجود حالة عدم اتساق منهجية: استبعاد النفط المنتج من حقول كردستان عند معالجة إنتاج النفط الخام مع إدراجه عند معالجة تصدير النفط الخام!!!.
علاوة على ذلك، يتجاهل تقرير صندوق النقد الدولي تصدير سوائل الغاز الطبيعي وغاز البترول المسال وزيت الوقود والنفثا والمكثفات الأخرى. وعلى الرغم من أن الحجم الكلي لهذه الصادرات ضئيل مقارنة بتصدير النفط الخام، إلا أنها، مع ذلك، مؤشرات متواضعة للغاية للتنويع الهيكلي في القطاع النفطي.
واخيرا، ركز تقرير الصندوق على بيانات "الانتاج" و"التصدير" دون ذكر البيانات المتعلقة بتطور "الطاقة الانتاجية"؛ وكما هو معروف ان بيانات انتاج وتصدير النفط الخام تعكس تذبذبات، صعودا وانخفاضا، سوق الطاقة والنفط الدولي في حين تتزايد الطاقة الانتاجية بمرور الزمن (باستثناء حالات التدمير المادي بسبب الحرب او الارهاب او الاضطرابات الداخلية) نتيجة للاستثمارات ومشاريع تطوير الحقول النفطية.
وعند المقارنة بين الطاقة الانتاجية المتوفرة ومعدلات الانتاج (أي الطاقة المستغلة او المستخدمة) نتوصل الى حجم او مستوى "الطاقة الانتاجية الفائضة او الاحتياطية". وفي هذا المجال توجد اعتبارات عديدة ومهمة أجد من الضروري الاشارة اليها.
اولا؛ ان ادامة وصيانة الطاقة الانتاجية الفائضة مكلفة للغاية، وعليه فان "حجم" وطول فترة "عدم استغلال" الطاقة الفائضة تمثل عبء اقتصادي لا يمكن تجاهله خاصة بوجود علاقة طردية بين العبء الاقتصادي والطاقة الفائضة.
ثانيا؛ في المقابل، وجود الطاقة الفائضة يوفر نوع من المرونة على مستويين يتعلق الاول باعتبارات الامن الاقتصادي الوطني (في حالة تعرض منشئات الانتاج للتدمير في محافظة ما، كما حصل في منصف عام 2014 وما بعده)؛ ويتعلق الثاني بالمرونة العملياتية المرتبطة باعتبارات الادامة والصيانة الدورية التي تحتم توقف الانتاج في الحقول مما يتطلب تعويض الانتاج من حقول اخري.
ثالثا؛ بسبب محدودية الطلب الداخلي والجوانب الكمية والنوعية لقطاع التصفية فان هذا الظرف يقود الى وجود ترابط عضوي وثيق بين انتاج وتصدير النفط، مما يحتم وجود تناسق وثيق بين الطاقة الانتاجية والطاقة التصديرية للنفط الخام. وهنا ايضا توجد اعتبارات مهمة لابد من الانتباه اليها. فوجود طاقة انتاجية فائضة تفسح المجال للاستفادة من ارتفاع اسعار النفط في السوق الدولية بشكل مباشر وسريع. إلا ان هذا يتطلب، ويفترض، وجود طاقة تصديرية فائضة او مرونة تسويقية للاستفادة من ظروف زيادة اسعار النفط.
وبسبب الظروف الجيوسياسية للعراق، بحكم موقعه الجغرافي شبه المغلق، تتحدد "المرونة التصديرية" للنفط الخام بطاقة وتعدد "منافذ التصدير". ومن الناحية التحليلية، وفي ضوء البيانات المتاحة والشواهد التاريخية، قد تقود "استراتيجية تعدد منافذ التصدير" الى ان يصبح مجموع الطاقة التصديرية اعلى من الطاقة الانتاجية للنفط الخام. وفي هذه الحالة يكون تقييم الجدوى الاقتصادية لاستراتيجية تعدد منافذ التصدير مستندا على اعتبارات الامن الاقتصادي الوطني ويكون تقييم الجدوى الاقتصادية لكل مشروع على حدة مستندا على اقتصاديات المشروع ذاته في ضوء المعطيات والبدائل الفنية والموقعية والزمنية والقانونية والاقتصادية (الكلفة والعوائد والمردود وغيرها من مؤشرات التحليل المالي).
سعر نفط التعادل المالي - Fiscal Breakeven Oil Prices
يتعلق هذا المؤشر بقضايا المالية العامة وبالتحديد العجز في الموازنة السنوية بين مجمل الايرادات والنفقات.
يستخدم الصندوق سعر نفط التعادل المالي ويعرفه بانه سعر النفط الذي يكون فيه الرصيد المالي صفراً؛ أي تعادل جانبي الموازنة السنوية- الايرادات والنفقات. وبما ان الامر مرتبط اصلا بموضوع العجز المالي في الموازنة يصبح سعر النفط للتعادل المالي هو سعر النفط المطلوب لتغطية النفقات في الموازنة السنوية عند مستويات تصدير النفط المحددة في تلك الموازنة. وهذا يعني كلما كانت نسبة عوائد صادرات النفط مرتفعة في اجمالي ايرادات الموازنة وكلما كان حجم العجز في تلك الموازنة مرتفعا، يكون سعر النفط للتعادل المالي مرتفعا هو الاخر ويفوق سعر النفط الذي اعتمد عند اعداد الموازنة السنوية. وبتعبير اخر يؤشر ارتفاع سعر النفط للتعادل المالي الى ارتفاع العجز المالي في الموازنة السنوية حيث يفوق حجم النفقات (الجارية والاستثمارية) حجم الواردات (التي تشكل عوائد صادرات النفط اهم مكوناتها).
يتوقع صندوق النقد الدولي أن يرتفع سعر نفط التعادل المالي من 52.3 دولارًا للبرميل في عام 2019 إلى 63.6 دولار و64 دولار في عامي 2020 و2021 على التوالي. وهذا يؤشر الى تزايد حجم العجز المالي في الموازنات السنوية للعامين المذكورين.
ولابد من الاشارة في هذا المجال الى مسألتين لابد من اخذهما بنظر الاعتبار عند استخدام سعر نفط التعادل المالي: الاولى، انه لم يتم لحد الآن إقرار قانون الموازنة العامة للدولة لعام 2020 ولا توجد مؤشرات على أنه سيتم إقراره في أي وقت قريب أو خلال الشهرين المتبقيين من العام. وفي غياب قانون الموازنة تعتمد الحكومة على "قاعدة: 1/12" لتمويل نشاطاتها، أي اعتماد نفقات جارية شهرية تساوي 1/12 من النفقات الجارية الفعلية للعام السابق (2019). اما الثانية فأنها تتعلق بتكرار ظاهرة تدوير رصيد المبالغ التي لم يتم صرفها خلال السنة المالية الى السنة التالية مما يشير الى التباين بين "العجز المالي المخطط" عند اعتماد قانون الميزانية والذي يشكل اساس احتساب سعر نفط التعادل المالي، وبين "العجز المالي الفعلي" في نهاية السنة المالية؛ فكلما كان حجم الرصيد المدور مرتفعا، كان حجم العجز المالي الفعلي اقل من حجم العجز المالي المخطط، وبالتالي يكون سعر نفط التعادل المالي اقل فائدة للاسترشاد به.
سعر نفط التعادل الخارجي External Breakeven Oil Price-EBOP
يتعلق هذا السعر بمجمل العلاقة المالية بين العراق وبقية دول العالم، وبشكل اكثر تحديدا في حجم العجز المالي في الحساب الجاري –الخارجي (الميزان التجاري، ميزان المدفوعات وغيرها من الالتزامات المالية)
يستخدم صندوق النقد الدولي مفهوم سعر نفط لتعادل الخارجي ويعرفه بسعر النفط الذي يكون عنده رصيد الحساب الجاري صفرًا، أي التعادل بين مجمل عوائد العراق الخارجية (من صادرات المواد والسلع والخدمات والاستثمارات الخارجية وغيرها) والتزاماته/مدفوعاته الخارجية (عن استيرادات السلع والخدمات وتسديد الديون والفوائد وغيرها من الالتزامات الخارجية).
تشير بيانات الصندوق الى انخفاض هذا السعر بشكل طفيف من 56.7 دولارًا للبرميل في عام 2019 إلى 56.2 دولارًا للبرميل في عام 2020 قبل أن يرتفع إلى 61.9 دولارًا للبرميل للعام التالي.
في الواقع ومقارنة بسعري التعادل اعلاه فقد كان السعر الفعلي للنفط العراقي المصدّر خلال الأشهر التسعة الأولى من هذا العام 36.92 دولار للبرميل. إنه أقل بكثير من FBOP وEBOP المتوقعين لنفس العام. علاوة على ذلك كان معدل السعر الفعلي للنفط العراقي المُصدَّر خلال الأشهر التسعة الأولى من هذا العام أقل من 41.69 دولارًا للبرميل كمعدل لعام 2020 الذي تم اعتماده في تقرير الصندوق.
رصيد الحساب الجاري
من المتوقع أن يكون رصيد الحساب الجاري سلبيا في عامي 2020 و2021 مع عجز قدره 22.5 مليار دولار و 23.7 مليار دولار على التوالي مقارنة بالفوائض التي كانت خلال السنوات الثلاث السابقة. يُعزى جزء كبير من الزيادة في عجز رصيد الحساب الجاري في عام 2020 إلى الانخفاض التفاضلي لجانبي الحساب: الانكماش الحاد في تصدير السلع والخدمات من 93.9 مليار دولار في عام 2019 إلى 53 مليار دولار في عام 2020 (انخفاض بنسبة 43.54٪)، بينما تنخفض قيمة الاستيرادات من 86.7 مليار دولار في عام 2019 إلى 70.9 مليار دولار في عام 2020 (انخفاض بنسبة 18.22٪). ومن المتوقع أن يزداد عجز رصيد الحساب الجاري في عام 2021 بمقدار 1.3 نقطة مئوية عن عام 2020، ويعزى ذلك إلى الزيادة التفاضلية في كل من الصادرات والاستيرادات، كما توضح بيانات الجدول.
حجم ومكونات المديونية
يسلط حجم المديونية واتجاهاتها زمنيا مزيدًا من الضوء على حالة الاقتصاد العراقي. وكما تشير اليه البيانات فقد سلكت نسبة المديونية الحكومية الى اجمالي الناتج القومي اتجاها تنازليا من حوالي 59% في عام 2017 الى حوالي 47% في عام 2019. وبما ان اجمالي الناتج القومي (الاسمي) كان في اتجاه تصاعدي خلال نفس الفترة فان ذلك يشير الى انخفاض حجم المديونية من 115 مليار دولار الى 107.9 مليار دولار بين عامي 2017 و2019.
لقد توقع صندوق النقد الدولي انعكاس الاتجاه التنازلي السابق وتحوله إلى زيادة مذهلة في إجمالي الدين قياسا للناتج المحلي الإجمالي؛ حيث يتوقع الصندوق ارتفاع نسبة إجمالي الدين الى الناتج المحلي الإجمالي من 46.9٪ في عام 2019 إلى 68.3٪ ثم إلى 75٪ في عامي 2020 و2021 على التوالي. وهذا يعني ارتفاع حجم المديونية الى حوالي 121.7 مليار دولار في عام 2020 ثم الى 147.2 مليار دولار في عام 2021.
اما ما يتعلق بالمديونية الخارجية فتشير البيانات عن نسبة إجمالي الدين الخارجي الى اجمالي الناتج المحلي خلال السنوات من 2017 الى 2019 بانها انخفضت من 35.5% في عام 2017 الى 30.9% في 2019. إلا ان حجم هذه المديونية قد ارتفع من حوالي 69.4 مليار دولار الى حوالي 71.1 مليار دولار للعامين المذكورين على التوالي.
يتوقع صندوق النقد الدولي ارتفاع نسبة الدين الخارجي الى اجمالي الناتج المحلي الى 40.5% في عام 2020 ثم تنخفض الى 36.1٪ في العام التالي؛ مما يعني ارتفاع حجم المديونية بشكل طفيف الى 72.1 مليار دولار في 2020 لتنخفض في العام التالي الى حوالي 70.9 مليار دولار.
بناءً على هذه البيانات يمكن إطلاق بعض التحذيرات:
أولاً، سيتجاوز إجمالي الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي خلال 2020-2021 الحد المقبول دوليًا (60٪ من الناتج المحلي الإجمالي)؛
ثانياً، بما أن الدين الخارجي هو جزء من إجمالي الدين، فإن البيانات تشير إلى اعتماد الحكومة المتزايد على الاقتراض الداخلي في تمويل عجزها المالي. فمن مقارنة البيانات اعلاه يتضح الانخفاض التدريجي في حجم الاقتراض الداخلي من حوالي 45.7 مليار دولار في 2017 الى حواي 36.8 مليار دولار في عام 2019 ثم يتوقع حصول طفرات متعاقبة تصل الى 49.5 مليار دولار ثم 76.3 مليار دولار خلال عامي 2020 و2021 على التوالي. وبسبب محدودية الامكانيات المالية للقطاع الخاص والقطاع المصرفي غير الحكومي فقد يتم، في المحصلة النهائية، تمويل الاقتراض الداخلي من قبل البنك المركزي العراقي وما يترتب عن ذلك من تأثير على غطاء العملة وما يتبعها من انعكاسات سلبية؛
ثالثًا، يمكن أن يؤدي ذلك إلى تآكل الجدارة الائتمانية للبلد، وزيادة مخاطر وتفاقم تكلفة الاقتراض السيادي من المصادر الخارجية؛
رابعا، وبالتالي، يمكن للعراق أن يقع بسرعة في فخ المديونية وكل ما يعنيه ذلك من نتائج وانعكاسات سلبية.
لقد سلطت معلومات حديثة، افاد بها المستشار الاقتصادي للحكومة الاخ د. مظهر محمد صالح، الضوء على التركيبة والتوقعات والعواقب على مشكلة ديون العراق المتفاقمة. علما ان اللجنة المالية في مجلس النواب بدأت، في 28 تشرين اول الحالي، مع الكادر المتقدم في وزارة المالية بمناقشة مشروع قانون "تمويلالعجز المالي"!!!!!
إجمالي الاحتياطيات الرسمية
لذلك ليس من المستغرب أن يكون إجمالي الاحتياطيات الرسمية (سواء من حيث الحجم او تغطية متطلبات الاستيرادات) مصدر قلق كبير. مرة أخرى، عندما ينعكس الاتجاه التصاعدي حتى عام 2019 الى اتجاه متراجع بسرعة خلال هذا العام والعام المقبل فان هذا يشكل مظهرًا إضافيًا لتدهور الاقتصاد. فقد ارتفع إجمالي الاحتياطيات الرسمية تدريجيًا من 49.4 مليار دولار في عام 2017 إلى 68 مليار دولار في عام 2019، ويتوقع الصندوق انخفاض إجمالي الاحتياطيات الرسمية إلى 47.9 مليار دولار ثم إلى 36.6 مليار دولار في 2020 و2021 على التوالي. ومع زيادة مستوى الاستيرادات، ستنخفض قدرت إجمالي الاحتياطيات الرسمية في تغطية الاستيرادات من 11.5 شهرًا إلى 8.6 شهرًا وإلى 5.3 شهرًا للأعوام 2019 و 2020 و 2021 على التوالي.
اعتمد التحليل والمناقشات أعلاه في المقام الأول على البيانات المنشورة من قبل صندوق النقد الدولي الذي كان منذ عام 2003 يساعد ويوجه السلطات العراقية، بالتعاون مع البنك الدولي، في كيفية إدارة الاقتصاد.
مع وجود بلد في مثل هذه الحالة غير قادر على تمرير قانون لميزانيته السنوية، فإن الوقت وحده كفيل بالكشف عن كيف يمكن لـ "الورقة البيضاء" التي تم اعتمادها مؤخرًا و "مجموعة الاتصال الاقتصادية" التي اتفق على تشكيلها حديثًا معالجة التحديات الجسام التي تواجه العراق، "الدولة الهشة” حسب تقييم صندوق النقد الدولي!!؟؟
المؤشرات الاقتصادية الرئيسية في العراق: 2000-2021
المصدر والملاحظات: قمت بإعداد الجدول وتجميع مكوناته من ملف "بيانات Excel" للملحق الإحصائي للنسخة الإنجليزية لتقرير صندوق النقد الدولي، التوقعات الاقتصادية الإقليمية: الشرق الأوسط وآسيا الوسطى، أكتوبر 2020. من المفيد التنبيه الى ان النسخة العربية للتقرير لا تتضمن ملف بيانات Excel هذا في الوقت الحالي. (1): سعر النفط الذي يكون فيه الرصيد المالي صفراً؛ (2): سعر النفط الذي يكون عنده رصيد الحساب الجاري صفرًا؛ (3): تعرف النقود الواسعة بأنها تشمل ودائع غير المقيمين (M5) والعملات والودائع تحت الطلب وأشباه النقود والودائع طويلة الأجل؛ (4): تحسب كاحتياطي في عدد أشهر الاستيرادات للعام القادم.
تم اعداد وعرض هذا الجدول لمساعدة المعنيين، في مختلف مرافق الدولة والخبراء، بمتابعة التطورات الاقتصادية الاساسية ولمزيد من التحليل والمتابعة؛ فالمواضيع الاقتصادية بطبيعتها، كغيرها من العلوم الاجتماعية والانسانية، حوارية خلافية تتباين بشأنها الآراء والتحليلات الى حد التناقض!!!
اضف تعليق