السيناريو مألوف جدا فالحكومة الاصلاحية تريد تعزيز النمو الاقتصادي والتوظيف من خلال تطبيق اصلاحات صديقة للأسواق ومصممة لجعل البلدان أكثر جذبا للمستثمرين الذين عادة ما يكونوا من الاجانب. ان صناع السياسات يدركون ان المستثمرين يمتلكون الخبرة التقنية والقدرات التنظيمية والقدرة على الوصول للأسواق وهي أمور...
بقلم: ريكاردو هوسمان
كامبريدج – ان السيناريو مألوف جدا فالحكومة الاصلاحية تريد تعزيز النمو الاقتصادي والتوظيف من خلال تطبيق اصلاحات صديقة للأسواق ومصممة لجعل البلدان أكثر جذبا للمستثمرين الذين عادة ما يكونوا من الاجانب. ان صناع السياسات يدركون ان المستثمرين يمتلكون الخبرة التقنية والقدرات التنظيمية والقدرة على الوصول للأسواق وهي امور تحتاجها تلك البلدان بشدة. يتم انشاء اللجان لتحسين الاداء الاقتصادي لبلد ما في مؤشر البنك الدولي لممارسة الاعمال أو تقرير التنافسية الدولية للمنتدى الاقتصادي العالمي أو غيرها من مسابقات الجمال التي يتم الترويج لها من قبل اعداد متزايدة من التصنيفات العالمية.
تتغلب الحكومة الاصلاحية على المعارضة الشديدة من قبل المشرعين والمجتمع المدني الذين عادة ما يتهمونها بوضع مصلحة المستثمرين فوق مصلحة شعوبها ولكن مع المثابرة والعزيمة تنجح في تبني اصلاحات تساعد في تحسين تصنيفات البلد وتحصل على تغطية ايجابية في الصحافة العالمية كما يتغير انطباع العالم المستنير عن ذلك البلد (وحتى انطباع مديري الأموال) بشكل كبير للأفضل وبعد ذلك تنتظر الحكومة ان يصل الاستثمار الاجنبي وتستمر في الانتظار ولكن كما هو الحال في مسرحية صامويل بيكيت الشهيرة فإن التدفقات المتوقعة كما هو الحال مع غودو في المسرحية لا تأتي ابدا.
ان من اسباب تلك المشكلة هو افتراض ان الذي يحتاج الاصلاح تمت تغطيته بالفعل في التصنيفات الدولية ولكن في معظم الاحيان هذا الكلام غير صحيح فعلى مستوى العالم لا يوجد اي علاقة بالمرة بين التحسن في مؤشرات ممارسة الاعمال والتنافسية والنمو أو الاداء الاستثماري.
عادة ما تركّز التصنيفات على الحد من البيروقراطية والتي تفترض ان المستثمرين لا يأتون بسبب خطيئة القيام بعمل خاطئ والذي لو توقف فإنه سيفتح الأبواب ولكن العالم اكثر تعقيدا من ذلك فمعظم الناس الذين من الممكن ان ينجحوا بسبب الاستثمار في بلدك يعلمون الكثير عن أعمالهم ولكنهم يعلمون القليل جدا عن بلدك وخاصة تلك الامور عن بلدك المهمة لإعمالهم بما في ذلك تلك الامور التي قمت بإصلاحها للتو والأهم من ذلك هو ان اعمالهم عادة ما تعتمد على الاشياء التي من المفترض ان تقوم بها ولكنك لا تفعل ذلك – خطاياك المتعلقة بعدم التحرك والإهمال.
على سبيل المثال يتطلب التصنيع مناطق صناعية مع الطاقة والمياه والامن واللوجستيات والقدرة على الوصول للقوى العاملة التي يمكنها الانتقال لمكان العمل. ان المنتجات الطازجة تحتاج لسلسة لوجستيات وتصديقات وخط اخضر في الجمارك واذونات السلامة النباتية التي تتفاوض بشأنها الحكومة. إن التخلص من الأنظمة والضوابط الصعبة أسهل بكثير من إنشاء هذه الأنظمة ونظرًا لمواردك المحدودة، لا يمكنك أن تفعل كل شيء، مما يعني أنه محكوم عليك اختيار المجالات التي ستوليها اهتماما خاصا وذلك من اجل انشاء النظام البيئي المطلوب.
بالاضافة الى ذلك يجب ان تمتلك معرفة جيدة بتلك المجالات حيث يجب ان تفهم ما الذي تتطلبه النشاطات المحتملة وما الذي في بلدك قد يجعل تلك النشاطات اكثر او اقل احتمالية للنجاح ولكن لو افترضنا انك عملت ذلك لمجال محدد، كيف يمكن ان تتجنب انتظار غودو مجددا وخاصة بعد كل تلك الجهود المكلفة؟ وهل يمكن ان تستعيد تلك النفقات في يوم من الايام؟
من اجل تجنب هذه المعضلة تحتاج الحكومات الى قدرات تنظيمية تتجاوز حكمة آدم سميث والتي تقول انه يتوجب عليها فقط ان تتحقق من وجود "السلم والضرائب السهلة ونظام عدالة مقبول". ان على الحكومات ان تقوم بعمل ثلاثة اشياء اضافية.
اولا، يتوجب على الحكومة التعامل مع النشاطات الاقتصادية الحالية من اجل تحديد ما الذي يمكن ان تفعله من اجل تحسين انتاجيتها سواء من خلال تغيير القواعد والاحكام أو البنية التحتية او غيرها من البضائع والخدمات المقدمة للجمهور. ان مثل هذه التعاملات يجب ان تكون مركزه بشكل دقيق وعادة ما تكون مبنية على أساس سلاسل القيمة وذلك من اجل تسهيل تحديد مشاكل مفصلة بشكل كاف ولهذا السبب يتوجب على وزارات الاقتصاد تنظيم عدد غير قليل منها كما هو الحال مع المجالس التشاورية والتي بدأت قبل أكثر من قرن في اليابان وتم تقليدها في اماكن اخرى. يوجد هناك أكثر من 200 من تلك المجالس في اليابان بما في ذلك لمصارعة السومو.
ثانيا، يتوجب على الحكومة ان تحشد المجتمع والشركات المحلية والاجنبية لاستكشاف "النشاطات المتاخمة" وهي نشاطات غير موجودة ولكن النظام البيئي الضروري لها موجود تقريبا وهذا سيتطلب من الناس داخل وخارج الحكومة ان يتصوروا الاشياء غير الموجودة بعد وما قد نحتاجه لتحقيق تلك الاشياء وتحديد ما اذا كانت تلك الاشياء مجدية وقيمة للمجتمع. ان هذه العملية الاستكشافية مكلفة وتنطوي على المخاطرة على الرغم من ان التطورات الاخيرة مثل اطلس التعقيدات الاقتصادية يجعل العملية اقل مخاطرة وذلك من خلال الكشف عن المعلومات ذات العلاقة لتقييم جدوى صناعات جديدة ممكنة وجاذبيتها علما انه من اجل تنفيذ تلك الاستراتيجيات تحتاج الحكومات لإصلاح مكاتبها الاستثمارية الحالية والتي يقتصر عملها حاليا على تفويض المستثمرين او دعمهم وعوضا عن ذلك يتوجب على تلك الكيانات المساعدة في الترويج لاستراتيجية التنويع الحكومية وذلك من خلال تحديد الشركات الاجنبية التي تعمل في صناعة مرغوبة ولكنها ليست في البلد بعد وشرح الاسباب التجارية التي تدعم الاستثمار وقيادة المفاوضات.
ثالثا والاكثر جدلا هو انه عادة ما تحتاج الحكومات الى مؤسسة لتسهيل الاستثمار في مجالات استراتيجية جديدة وادارة الانشطة الناتجة عن استثمارات استراتيجية سابقة. إن من الممكن تأسيس تلك المؤسسات كشركات قابضة لمؤسسات حالية تملكها الدولة والتي تعمل حاليا تحت ادارة الوزارات التي تخضع لها مباشرة. يجب ان تركّز تلك الوزارات على وظائفها التنظيمية وتترك الشركة القابضة لتوفير المراقبة المالية والعملياتية الوثيقة وممارسة حقوق المساهمين نيابة عن المجتمع كما يمكن كذلك رسملة الشركة القابضة وذلك من خلال اصول تملكها الحكومة بالفعل.
بجب ان تستخدم تلك المؤسسات جزءا من عوائدها في نشاطات ما قبل الاستثمار في مجالات محتملة جديدة واستخدام معرفتها بالبلد لإنشاء مشاريع مشتركة مع شركات لديها معرفة بصناعات مستهدفة وفي واقع الامر عندما تكون المؤسسة شريكة مساهمة فإنه سيكون بإمكانها الاستفادة من الجهود الحكومية لمعالجة النظام البيئي كما يتوجب على تلك المؤسسات استكشاف فرص تصفية الاستثمار في اصول حالية من اجل الحصول على رؤوس الاموال الضرورية من اجل دعم استراتيجية التنويع الاقتصادي.
ان الحكمة التقليدية لا تشجع الحكومات على انشاء مثل تلك المؤسسات على اساس ان مخاطر الادارة المتواضعة والاداء السيء كبيرة للغاية. ان المقاربة الاكثر فائدة هي تطوير الادوات والآليات للتحقق من تحسين الادارة. ان وجود بيانات مالية مدققة منشورة وقدرات تقنية عالية (يتم تسهيل ذلك من خلال رواتب ومسار مهني يمكن ان تنافس القطاع الخاص) ومجالس استشارية قوية مع مشاركة اجنبية وشراكات مع مؤسسات مثل مؤسسة التمويل الدولية (ذراع البنك الدولي لإقراض القطاع الخاص) يمكن ان تخلق البيئة المناسبة للإمتياز.
عندما تتخذ الحكومات تلك الخطوات فإنه لن تضطر لإنتظار غودو بل وبكل بساطة سيكون بإمكانها ان تذهب لإحضاره.
اضف تعليق