هذه مراجعة مختصرة لوقائع نمو الإقتصاد المصري منذ خمسينات وستينات القرن العشرين والى عام 2018، في الاتجاه العام للإقتصاد الكلي، ثم الجوانب المالية والنقدية والتوازن الخارجي للسنوات الأخيرة. وذلك للتركيز على فجوة الموارد وقيد ميزان المدفوعات، والمناورة على تلك القيود في ظل اخفاق سياسات تحرير...
هذه مراجعة مختصرة لوقائع نمو الإقتصاد المصري منذ خمسينات وستينات القرن العشرين والى عام 2018، في الاتجاه العام للإقتصاد الكلي، ثم الجوانب المالية والنقدية والتوازن الخارجي للسنوات الأخيرة. وذلك للتركيز على فجوة الموارد وقيد ميزان المدفوعات، والمناورة على تلك القيود في ظل اخفاق سياسات تحرير الإقتصاد من قبضتها، عبر تنمية تفضي الى قاعدة انتاج عريضة وقدرة تنافسية دولية عالية وإمكانات تصدير كافية.
وربما تختلف قليلا تقديرات بعض المتغيرات بين المؤسسات التي اصدرت البيانات او تواريخ نشرها، او لسبب آخر، لكنها اختلافات هامشية لا تغير في التحليل والاستنتاج. وتساعد محاولات معرفة كيفية عمل الإقتصاد الوطني في واقعه العياني، ونمط حركته عبر الزمن، على تصحيح فهمنا النظري للإقتصاد بصفة عامة وعلى امل اكتشاف تدابير أفضل للتنمية الإقتصادية، وقد تمهد هذه المراجعة لمثل تلك المحاولات.
نمو الإقتصاد المصري في الاتجاه العام والبنية القطاعية:
سكان مصر 100.5 مليون نسمة عام 2017 منهم 91 مليون في الداخل، وتقدر قوة العمل من سكان الداخل 29.5 مليون تتضمن 3.5 مليون عاطلين عن العمل بنسبة 11 بالمائة.
معدل نمو السكان متقلب ويرسم نمطا شبه دوري، وسنويا بالمائة تناقص من 2.771 عام 1961 الى 2.221 عام 1973، وبلغ ذروة اخرى 2.826 عام 1987، وأوطأ نمو1.763 عام 2007، و1.948 عام 2017. وكان معدل النمو السنوي بالمائة 2.547 للمدة 1960 – 1990، وبين 1990 و 2017 انخفض الى 1.983 والمتوسط العام 2.279 لكل المدة. ولازالت مصر ضمن فئة الدول عالية النمو السكاني بمعنى ان الحجم المتوقع لاستقرار السكان كبير آخذين بالاعتبار موارد المياه والإمكانية الوطنية لإنتاج الغذاء.
نسبة التحضر سنة 1960 وصلت 37.9 بالمائة من السكان وفي سنة 1975 ارتفعت الى 43.3 بالمائة وبقيت الى عام 2017 لم تزد عليها، ما يفيد وجود سياسة كابحة للهجرة من الريف الى المدن صريحة او مضمرة. والعاملون في الزراعة 31.3 بالمائة من مجموع القوى العاملة سنة 1991 وفي عام 2017 اصبحت تلك النسبة 24.8 بالمائة. والقيمة المضافة في الزراعة من الناتج المحلي بالمائة: 25.4 عام 1965 وعام 1975 صارت 28.1 وفي عام 1991 اصبحت 17.2 ثم في عام 2017 انخفضت الى 11.5. أي ان اسهام الزراعة في الناتج الحلي الإجمالي لا يتناسب مــــــع ثقل السكان الريفي.
بأسعار عام 2010 يقدر متوسط الدخل للفرد 2785 دولار عام 2017 و3479.28 دولار بالأسعار الجارية عام 2016 و11582.6 بالأسعار الجارية وبالدولارات الدولية متعادلة القوة الشرائية مع الولايات المتحدة الامريكية PPP عام 2017. أي 64.0 بالمائة من مستوى المكسيك و55.4 بالمائة من مستوى ايران و 41.6 بالمائة من مستوى تركيا.
كان معدل النمو السنوي الإتجاهي في الناتج المحلي الإجمالي، بالأسعار الدولية متعادلة القوة الشرائية PPP لعام 2017، بالمائة: 5.32 للمدة 1950 – 2017 ؛ و 4.47 للمدة 1980 – 2017 ؛ و 5.49 للمدة 1950 – 1980. اما متوسط الناتج المحلي للفرد فقد نما بمعدل سنوي بالمائة: 2.92 للمدة 1950 – 2017 ؛ و 2.27 للمدة 1980 – 2017 ؛ و 3.15 للمدة 1950 – 1980.
ويتباطأ النمو الإقتصادي المصري في الاتجاه العام للمدة 1960 – 2017، وكشفت بيانات الدول متوسطة الدخل والعالم عن مثل هذا التباطؤ ايضا.
وللمدة 1960 - 2017، وهي 58 سنة، كان متوسط معدلات النمو السنوية للناتج المحلي الاجمالي في مصر 5.014 بالمائة، وللدول متوسطة الدخل 4.736 وفي العالم 3.522. وفي مصر كان وسيط نمو الناتج بالمائة سنويا، 4.642 يقارب وسيط الدول متوسطة الدخل 4.534، وينخفض دون 3، في ربع تلك المدة، وهو مستوى واطئ آخذين بالاعتبار نمو السكان، وفي ربع سنوات تلك المدة كان 6.354 وكل تلك المعدلات بالمائة سنويا. ومن هذه المؤشرات، وفي نطاق دلالاتها، لا يمكن القول بضعف النمو الإقتصادي المصري. بيد ان النمو متذبذب بانحراف معياري 2.788 وحدة ونسبته 57 بالمائة من المتوسط.
في السنة 2016/ 2017 ازداد الناتج المحلي الاجمالي بالمائة بنسبة 3.6 والزراعة والصناعة التحويلية 3.2 و2.1، وهي معدلات متواضعة في السنة الاولى لتعديل سعر الصرف. وقد واجهت الزراعة والصناعة التحويلية زيادة في اسعار المدخلات المستوردة بأكثر من 100 بالمائة نتيجة تغير سعر الصرف، لكن اسعار منتجاتهما قد تغيرت بنسبة 32.0 بالمائة و51.3 بالمائة على التوالي. ولذا فقد ارتفعت تنافسية الزراعة والصناعة التحويلية لكن بأدنى من ارتفاع سعر العملة الأجنبية في السنة الأولى. وتتوقف استدامة هذا المكسب على حركة سعر الصرف والتضخم في السنوات القريبة القادمة.
حصة القطاع العام 32.9 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي وفي الزراعة لا يوجد للقطاع العام دور انتاجي إلا في نطاق ضيق، بحيث يمكن القول كل الزراعة للقطاع الخاص في مصر، وللقطاع العام في الصناعة التحويلية 29.4 بالمائة من ناتجها، وفي الاستخراج 76.2 بالمائة من ناتج القطاع.
وتبلغ اسهامات الزراعة والصناعة التحويلية والقطاع الإستخراجي في الناتج المحلي الإجمالي بالمائة 16.2 و15.6 و 11.8، وهذه السمات لبنية انتاج لا تبتعد كثيرا عن النمط العام للبلدان متوسطة الدخل. والمشكلة ليست في الإسهامات النسبية لتلك القطاعات بقدر ما هي في مستوى الإنتاجية للإقتصاد بأكمله. وثمة فرصة لتوسع الصناعة التحويلية وتعزير المحور الانتاجي السلعي للإقتصاد المصري مع سياسة داعمة للتنافسية بزيادة الانتاجية، وخفض التكاليف، واسعار نسبية ملائمة، بالتنسيق الفعال بين التضخم وحركة سعر الصرف.
اسهام الصناعة التحويلية في الناتج المحلي يفتقر الى الاتجاه النمطي فمن المعروف تزايد الدور النسبي للصناعة التحويلية في توليد الناتج المحلي وصولا الى ذروة ثم يتراجع لصالح الخدمات. اما في مصر فقد كانت ذروة اسهام الصناعة التحويلية في الناتج المحلي عامي 1960 و2000 بنسبة 18 بالمائة وهما متباعدان في الزمن والمرحلة في تاريخ التنمية المعاصرة لمصر. واعلى نسبة قيمة مضافة في الصناعة التحويلية الى الزراعة كانت عام 2014 بنسبة 148 بالمائة وادناها 55 بالمائة عام 1977، هذا للوقوف على تطور التناسب بين الصناعة التحويلية والزراعة والذي ينسجم مع النمط العام المتعارف عليه في التنمية الإقتصادية.
التنوع الانتاجي ملحوظ في الإقتصاد المصري لكن الطاقات الانتاجية محدودة بحيث تكون موازين التجارة الخارجية عاجزة في المجموعات السلعية، الزراعية والصناعية، كافة وتجتمع هذه العجوزات في الفجوة الكلية للموارد كما سيتضح.
الجهد الاستثماري:
في مصر يتناقص الجهد الاستثماري متمثلا بتكوين راس المال الثابت نسبة الى الناتج المحلي في الأمد الطويل بين عامي 1965 و2017. وفي العالم ايضا نلحظ هذا الاتجاه لتلك المدة بداية من عام 1960. اما في الدول متوسطة الدخل فهو متزايد على نحو واضح. ويفسر التناقص على مستوى العالم بتراجع النشاط الاستثماري نسبيا في الدول المتقدمة انعكاسا لخصائص مرحلة النضج التي وصلتها تلك الدول.
واوضحت البيانات المصرية عن ارتباط ايجابي، وبدلالة عالية، بين الاستثمار والنمو بالتزامن، وبين النمو في سنة معينة والاستثمار لسنة سابقة. وهما على التوالي 0.446، و0.401، وإن يبدو الارتباط واطئا لكنه عادة لا يقترب من اقصاه وهو الواحد الصحيح في الواقع، لأن التغير السنوي في الناتج الفعلي تتحكم بها عوامل عدة، ولذا لا يعكس بالضبط اسهام التراكم الرأسمالي في تطوير الطاقة الانتاجية لتلك السنة ولا سبيل لمواصلة التنمية الإقتصادية سوى الارتفاع بمستويات النشاط الاستثماري.
ويتصف الجهد الاستثماري في مصر بالمستوى المنخفض فلم يتجاوز متوسط نسبة تكوين راس المال الثابت من الناتج المحلي الإجمالي 20 بالمائة بل 19.65 بالمائة لتلك المدة، ولفئة الدول متوسطة الدخل 25.8 بالمائة والمتوسط العالمي 24.0 بالمائة. وتتباين نسب النشاط الاستثماري في مصر من سنة لأخرى بانحراف معياري 5.8 وحدة بما يعادل 35 بالمائة من المتوسط وهو تذبذب مرتفع يربك الاستقرار.
واظهرت البيانات ان النشاط الاستثماري للسنوات 1965 – 1974 و 1993 و 1997 و2000 – 2006 و2009 - 2017 كان دون المتوسط، بينما في السنوات 1975 – 1992 فوق المتوسط وايضا السنوات 1998 و 1999 و 2007 و 2008.
ميزان المدفوعا ت الخارجية وفجوة الموارد:
اضافة على ما تقدم حول مؤشرات الجهد الاستثماري في المدة الطويلة، أظهرت أحدث البيانات ان نسبة الاستثمار، تكوين رأس المال الثابت والتغير في المخزون السلعي، الى الناتج 16.1 بالمائة وهي الأعلى في السنوات الأربع الأخيرة حيث تقارب 15 بالمائة في المتوسط لبقية السنوات. ويرتبط هذا المسار مع انخفاض الادخار المحلي الذي لا يتجاوز 5.5 بالمائة من الناتج في السنوات الأخيرة، والفرق بين الاستثمار والادخار هو ذاته العجز في ميزان المدفوعات الخارجية الجارية، وجهان لحقيقة واحدة هي فجوة الموارد. ومن جهة اخرى نلاحظ ان الاستهلاك الخاص استخدم 86.6 بالمائة من الناتج في السنة الأخيرة بينما لا يتجاوز الاستهلاك الخاص 60 بالمائة من الناتج المحلي بالمتوسط لكل من الدول النامية والمتقدمة والعالم. ان انخفاض الادخار واستئثار الاستهلاك الخاص بالموارد، على حساب الاستثمار، وعجز الموازنة العامة، هي مظاهر تأزم الإقتصاد المصري بين تطلعات حجم كبير من السكان نحو عيش كريم او مستوى اعلى من الرفاه من جهة ومحدودية الموارد من جهة اخرى. وقد اخفقت السياسات في محاولاتها لتطوير الموارد عبر تنمية تستند الى قاعدة انتاج عريضة بقدرة عالية على المنافسة الدولية.
لكل السنوات التي توفرت عنها بيانات تلك المدة يتبين ان متوسط صادرات السلع الى الناتج المحلي المصري 10.8 بالمائة وهي واطئة لا تكفي لتلبية الطلب المتزايد على العملة الاجنبية لتمويل استيرادات السلع والخدمات ولذلك تحاول السياسة الإقتصادية تشجيع صادرات الخدمات ومنها السياحة وغيرها وتحويلات العاملين و تدبير مساعدات وقروض... وتبقى مشكلة النقص في موارد العملة الأجنبية مستمرة ومقيّدة للنشاط الإقتصادي والتنمية. وايضا يلاحظ عدم اتجاه نسبة صادرات السلع الى الناتج المحلي الاجمالي نحو الارتفاع.
وكانت الصادرات السلعية الى الناتج المحلي الاجمالي 5.6 بالمائة و9.2 بالمائة للسنتين 2015/2016 و2016/2017 على التوالي. وهي نسب منخفضة لا شك في ذلك و30 بالمائة منها صادرات بترولية. وتوضح هذه المؤشرات جوهر المشكلة الإقتصادية في مصر وهي العجز عن التصدير السلعي.
بينما الواردات السلعية الى الناتج المحلي الإجمالي 17.1 بالمائة و24.3 بالمائة للسنتين الآنفتين على التوالي بمعنى ان الصادرات السلعية موّلت 32.6 بالمائة و 38.0 بالمائة من الاستيرادات السلعية. وبذلك بلغ عجز الميزان التجاري، نسبة الى الناتج المحلي الإجمالي، 11.5 بالمائة و15.1 بالمائة. ويتجاوز ذلك العجز النطاق النمطي بمديات واسعة وينطوي على مخاطر لا يستهان بها، وتساعد اضاءة هذه الحقائق على ابراز العامل الحاسم في مشكلة الإقتصاد المصري بل أزمته الدائمة. وهي مشكلة الإقتصاد العراقي، ايضا، لولا تغطيتها بالموارد البترولية. وليس من المنطقي ابدا الاحتفاء بأية استراتيجية للتنمية مالم تتخذ من هذه المشكلة بالذات محورها الرئيس تبدأ منها وتنتهي الى برامج استثمارية فعالة وسياسات ملائمة لتحول جذري يتجاوزها دون رجعة.
ومن المفيد الاشارة الى ان ايرادات السياحة، من العملة الاجنبية، ومتحصلات قناة السويس، وهما ضمن مفهوم صادرات الخدمات، كلاهما 2.6 بالمائة و4.0 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي للسنتين الآنفتين، وتفوقهما تحويلات المصريين العاملين في الخارج بنسبة 5.1 بالمائة و 7.4 بالمائة.
وقد بلغ عجز الحساب الجاري، الفرق بين المدفوعات الجارية والمقبوضات الجارية، للسنتين الآنفتين 5.9 بالمائة و6.6 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي وهو عجز كبير عند مقارنته بالصادرات السلعية. وقد وصل الدين الخارجي 36.8 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي نتيجة لعجز ميزان المدفوعات.
ويساعد صافي الاستثمار الاجنبي المباشر، التدفقات الداخلة مطروحا منها التدفقات الخارجة، تمويل عجز الحساب الجاري ولذا يقلل من حجم المبالغ المطلوب اقتراضها من الخارج. ولآخر ثلاثة أشهر توفرت عنها بيانات، كان صافي الاستثمار الأجنبي 2.3 مليار دولار تقريبا، ولسنة كاملة 7.4 مليار دولار. وهي تفوق موارد السياحة وقناة السويس من العملة الاجنبية، لكنها لا تزيد على 2 بالمائة من الناتج المحلي، وعادة لا تتجاوز تدفقات الاستثمار الاجنبي المباشر هذه المستويات بالمتوسط في العالم وتتفاوت فيما بين الدول. ولا يمكن القول ان مصر ليست جاذبة للاستثمار بل ان المبالغة في الموارد المحتملة من الاستثمار الاجنبي كانت من بين ذرائع الانصراف عن البرامج الأكثر جذرية وصعوبة في معالجة المشكلة الإقتصادية.
وان تمويل عجز الحساب الجاري بالاقتراض من الخارج، ومع استمرار العجز، يعني ازدياد رصيد المديونية الخارجية نسبة الى الصادرات وتجاوز حد الاستدامة، حتى مع مقادير منخفضة من الدين الأجنبي نسبة الى الناتج المحلي الإجمالي، لضآلة الصادرات. بتعبير ابسط ان الصادرات تحدد القدرة على الاستدانة من الخارج وبذلك تكون، تلك القدرة، واطئة دائما في الإقتصاد المصري. ومع الاضطرار الى تخطي حد الاستدامة في الاقتراض من الخارج يتعرض الإقتصاد الى مزيد من الاضطراب متمثلا بأزمة مدفوعات خارجية ثم أزمة عملة... وموجة تضخم ثم سياسة تقشف تقيّد النمو وترفع البطالة ونسب الفقر. وتنشغل السياسة الإقتصادية بتهدئة المخاوف ومحاولات صعبة للحفاظ على مستويات الاستهلاك على حساب الاستثمار في المجالات السلعية... وهكذا، وتلك الحلقة المفرغة هي المقصودة بقيد ميزان المدفوعات الخارجية، قيد الصادرات، والذي عادة ما لا يحظى بما يستحق في التنظير للتنمية الإقتصادية او يُذكر الى جانب العديد من المسائل فتنصرف الأذهان عن جوهر المشكلة نحو اطروحات لا تقدم دليلا نافعا للإدارة الإقتصادية.
متغيرات النقود وقطاع المال وسعر الصرف:
كان نمو النقود على اساس سنوي بالمائة: 16.4 و23.5 لعام 2018 والذي سبق، والنقود بالمعنى الواسع، اي مجموع السيولة المحلية M2، 18.5 و 39.3. وانخفضت نسبة العملة في التداول الى النقود من 70 بالمائة عام 2013 الى 53.6 بالمائة عام 2018، ما يدل على توجه ايجابي تجاه المصارف. ويبدو ان العمق المالي قد إزداد في مصر بدلالة نسبة النقود بالمعنى الواسع الى الناتج المحلي في السنة الاخيرة، 2018، والتي قبلها مقارنة بعام 2013. وتشكل الودائع بالعملة الاجنبية حوالي 24 بالمائة من مجموع الودائع عام 2018 وهي 28 بالمائة تقريبا في السنة السابقة.
وإن 68 بالمائة من تلك الودائع لقطاع الأسر، والودائع لغير المقيمين قليلة لا اهمية لها، والى جانب الأسر ايداعات القطاع العام وشركات الاعمال غير الحكومية. وبكلمة اخرى ودائع العملة الاجنبية للمصريين وهذا يساعد الاستقرار ويدل على عدم انتفاع المصارف من الانفتاح المالي لاستقطاب تمويل اضافي لعجز ميزان المدفوعات.
قررت مصر تعويم الجنيه في الثالث من تشرين الثاني، نوفمبر، 2016، فارتفع سعر صرف الدولار من 8.780 جنيه في نهاية حزيران، يونيو، عام 2016 الى 18.0911 في اليوم المماثل من عام 2017، ثم دأبت السلطات النقدية على ادارة التدخل بالحفاظ على سعر الصرف يتحرك ضمن نطاق ضيق حول المستوى الجديد.
تغير سعر الصرف الأسمي بين 1965 و2016 بمعدل سنوي 7.48 بالمائة سنويا او ان القيمة الأسمية للعملة المصرية تهبط بهذه الوتيرة. وبين عامي 1960 و2017 كان معدل النمو السنوي 7.01 بالمائة. والمهم إقتصاديا سعر الصرف الحقيقي للجنيه المصري أي معدل التبادل بين القوة الشرائية لمعادل الدولار، من العملة المصرية، في مصر مع القوة الشرائية للدولار في الخارج. وللإيضاح لو إزداد سعر صرف الأسمي للدولار في مصر بمقدار الفرق بين التضخم الداخلي والخارجي يبقى سعر الصرف الحقيقي ثابتا. وعندما يزداد سعر الصرف بما يزيد على الفرق بين معدلي التضخم الآنفين ينخفض سعر الصرف الحقيقي للجنيه المصري وبذا تزداد القدرة التنافسية الدولية لمصر بما يؤدي الى رفع الحجم المحتمل للصادرات والعكس صحيح. ونقارن بالتضخم للوصول الى استنتاج: من دراسة التضخم، التغير النسبي في الرقم القياسي العام لأسعار المستهلك، بين عامي 1965 و 2016 يبدو ان المتوسط 9.346 بالمائة سنويا ويفيد تحليل الاتجاه العام ميله نحو الزيادة. ومن دراسة التغير النسبي في المستوى العام لأسعار الناتج المحلي المصري، المخفض الضمني للناتج المحلي الإجمالي، بين عامي 1960 و2017 يبدو ان معدل التضخم بهذا التعريف 9.97 بالمائة سنويا ويتجه نحو الزيادة. ويفهم من تلك المؤشرات ان سعر صرف الدولار في مصر يتزايد اسميا بأدنى من معدل التضخم المحلي بفارق بين 1.87 و2.96 وحدات مئوية وهذا الفرق لا يزيد على التضخم السنوي في الولايات المتحدة الأمريكية وتبعا لذلك فان سعر الصرف الحقيقي الثنائي، بين الجنية المصري والدولار، اقرب الى الثبات.
كانت معدلات التغير النسبي في اسعار المنتجين والتضخم في اسعار المستهلك بالمائة 34.9، و29.8 في السنة 2016/2017 بينما في السنة السابقة 5.7 و14.0 لكل منهما. ولذا فقد استوعب تزايد الأسعار حوالي ثلث التغير في سعر الصرف، وبقي أثر الجزء الأكبر من تغير سعر الصرف في الطلب على العملة الأجنبية والصادرات. بيد ان استمرار التضخم بالمعدلات السابقة سوف يقتضي الاعتياد على خفض متواصل في القيمة الاسمية للعملة المصرية للحفاظ على ثبات سعر الصرف الحقيقي او الاقتراب من شرو ط توازن سوق الصرف ودعم الصادرات
لقد انخفض التضخم المحسوب على اساس سنوي في حزيران، يونيو، عام 2018 الى 14.38 بالمائة عن العام السابق 32.95 بالمائة، ما يعني اتجاه الإقتصاد نحو الاستقرار. وقد ساعد رفع سعر صرف العملة الأجنبية، ضمن إجراءات منتصف عام 2016، على ازالة جزء من آثار تراكم التضخم في السنين الماضية، اما التضخم ما بعد التعديل فسوف يتطلب خفضا اضافيا لضمان قدرة تنافسية للإقتصاد المصري قد تساعد في النهوض بالصادرات.
وارتفعت الاحتياطيات الدولية للبنك المركزي الى 44.2 مليار دولار عام 2018 وكانت 14.9 مليار دولار عام 2013 وتلك الاحتياطيات ليست مملوكة للبنك المركزي في الجزء الأكبر منها. وذلك لأن صافي الموجودات الأجنبية للبنك المركزي لا تزيد على 17 مليار دولار في السنة الأخيرة، آنفا، وكانت رقما سالبا عام 2016. وربما دفعت هذه الضائقة نحو التغيير الكبير في سعر الصرف لتعزيز الجدارة الائتمانية الدولية، وتقليص العجز الخارجي الذي يستنزف الموجودات الاجنبية للبنك المركزي.
المالية الحكومية:
كانت نسب الإيرادات والنفقات من الناتج المحلي الاجمالي بالمائة: 18.1 و30.2 للسنة المالية 2015 – 2016 وفي السنة التالية 19.0 و29.7. بمعنى ان نسب العجز 66.9 بالمائة و56 بالمائة من الإيرادات، وهي عجوزات كبيرة يتعسّر تدبيرها من مصادر ضريبية اضافية وهذه من التحديات التي قد لا تنجح السياسة الإقتصادية في مواجهتها. والدين الداخلي على الحكومة في نطاق 87 بالمائة من الناتج المحلي، واضافة على الدين الأجنبي، آنفا، سوف تنشغل السلطات المالية والنقدية كثيرا في تدوير الدين وضمان استمرارية التدوير.
يقدر الدين الواجب التسديد نسبة الى الناتج المحلي الاجمالي، عام 2018، 24.9 بالمائة وعجز الموازنة 10.0 بالمائة وبذلك يكون التمويل الإضافي المطلوب 34.9 بالمائة من الناتج المحلي. وقد وصل العجز الشامل في الموازنة العامة ذروته عام 2013 بنسبة 12.9 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي، ثم اتخذت تدابير صعبة ليصل للمستوى المبين آنفا عام 2018، وعلى امل خفضه الى 3.2 بالمائة من الناتج المحلي عام 2023. وتشكل نفقات خدمة الدين 8.9 بالمائة من الناتج عام 2018. وبلغ إنفاق الحكومة العامة في مصر نسبة الى الناتج المحلي ذروته عام 2014 بنسبة 35.7 بالمائة ويتراجع الى 30.8 بالمائة عام 2018. ويراد تحجيمه نحو 24.3 بالمائة من الناتج عام 2023، ومن الصعوبة الانسجام مع هذا الهدف سياسيا واجتماعيا، فهو دون المتوسط المنتظر للدول الناهضة ومتوسطة الدخل عام 2023، الذي يقدره الصندوق 30.0 من الناتج المحلي، بينما اعتادت مصر على مستويات من الأنفاق فوق متوسط تلك المجموعة من الدول.
فمن الواضح ان الحكومة غير قادرة على انتزاع المزيد من الإيرادات لتمويل مستويات الانفاق التي درجت عليها، وفي نفس الوقت تواجه عدم التمكن من الاستمرار على عجوزات تستدعي زيادة رصيد القروض فوق حد الاستدامة. فقد ازداد رصيد الدين نسبة الى الناتج المحلي في مصر من 69.5 بالمائة عام 2009 الى 103.3 بالمائة عام 2017، حسب مؤشرات البنك الدولي، وهو مرتفع ويزيد على ضعف المستوى العام للمديونية في الدول متوسطة الدخل والناهضة، ولذلك يراد تقليصه الى 68.1 بالمائة من الناتج المحلي عام 2023 بتدابير قاسية.
ان تقليص الانفاق العام وما يرافقه من سياسات نقدية متزمتة للحد من العجز والسيطرة على المديونية ليست بلا ثمن لأن فترات النمو المرتفع في مصر كانت مرتبطة بالتوسع المالي والنقدي فثمة الكثير من الأنشطة لا يدفعها سوى زخم الانفاق والتيسير النقدي، وعادة ما ينخفض الفقر في سنوات النمو المرتفع، رغم ان التضخم، بالمستويات المتعارف عليها في مصر، يعيد توزيع الدخل والثروة ليس دائما بالاتجاهات المرغوبة. واحيانا تصطدم فورة النمو بعائق يتصل بقيد الموارد الذي يظهر باشكال مختلفة. وهذه معضلة يتعذر الخروج منها ضمن الخصائص الحالية للإقتصاد المصري بل يتطلب الأمر تغييرا عميقا ليرتكز الإقتصاد على صناعة واسعة وتتجه نحو التصدير.
البطالة والفقر:
ان البطالة في مصر، كما في العراق ودول نامية اخرى، لا ترتبط بالفقر ارتباطا وثيقا بل ترتفع نسبة البطالة في صفوف المتعلمين ومن الفئات الاجتماعية متوسطة الدخل، لأن الفقراء مضطرون للعمل مهما بلغت مشقته وتدنت عوائده. ولذا تجد اكثر الاسر واطئة الدخل تعمل في الأنشطة غير المنظمة والهامشية بإنتاجية واطئة ومكاسب دخل متدنية وظروف عدم تأكد مستمرة. وبهذا فإن توسع نطاق الانتاج الكبير، المتطور تقنيا وتنظيميا، بالتساوق مع زخم تصنيعي هو الحل الممكن مهما كانت الصعوبات التي تعترض هذا التوجه.
اعلى نسب الفقر في فئة الأميين والفقر في الريف اعلى منه في المدينة، ويتناسب عكسيا مع المستوى التعليمي، لأن الفقر سبب الأمية وليس العكس، كما ان المستوى التعليمي يتناسب طرديا مع مستوى الدخل وليس لأن التعليم يرفع الإنتاجية والقدرة على كسب الدخل. وتتزايد نسب الفقراء في اوساط العمل المؤقت والموسمي والتصادفي أكثر منهم في الأعمال المنتظمة والدائمة. وتتزايد نسب الفقراء من المنخرطين في العمل غير الأجري كالذين يعملون لحسابهم الخاص وما اليهم. ولقد بين تقرير البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة عام 2011 حول الفقر في مصر استنادا الى بيانات عام 2009 ان نسب المشاركة في النشاط الإقتصادي اعلى في صفوف الشباب الفقراء من غيرهم ونسب البطالة في الشباب الفقراء اقل.
تقدر نسبة الفقراء في مصر 18.5 بالمائة عام 2015 و23.2 بالمائة عام 2012 بموجب خط الفقر للبلدان متوسطة الدخل في الشريحة العليا، وهو 5.5 دولار متعادل القوة الشرائية على المستوى الدولي بأسعار عام 2011، وهي ادنى من اندونيسيا 24.7 بالمائة عام 2016 ومن الفلبين 26.6 بالمائة عام 2015.
اضف تعليق