ان استعصاء هذه المشكلة يقودنا الى طرح العديد من الأسئلة ليس أمام الحكومة فحسب، بل أمام القائمين على النظام السياسي: اذا كان هذا النظام غير قادر على توفير الكهرباء على مدى عشرين عاما، فكيف له أن يبنى دولة متماسكة في مواجهة التحديات، ومتطلعة للحاق بالدولة المتقدمة...
من المؤكد ان الحديث عن قضية الكهرباء لم يعد له معنى، فمنذ أكثر من عشرين عاما والناس تصرخ، ووسائل الاعلام تتحدث، والعالم من حولنا يتندر، والبعض منه يتعاطف، حتى صرنا نستجدي الكهرباء من الذي ما خطر في بالنا يوما أن نكون بحاجته، أو نمد أيدينا نستعطي منه، بعد أن كان يطرق بابنا ليستدين رواتب موظفيه، او لنخلصه من ظلام لياليه بنفطنا، او يطلب حمايتنا من أعداء يتربصون به، او لانتشاله من أزمة خانقة يمر بها، او للمضي بمشروع حضاري تعثر بسبب عوزه للمال.
لكن الذي حدث.. حدث، ولذلك فالكلام عن مأساة الكهرباء التي يعانيها شعبنا لن تقدم او تؤخر، وليس أمامك عزيزي المواطن سوى أن تضع (عينيك بعين الله)، فقد وضعنا الذين لا يخافونه في موضع الاستسلام لأقدارنا، لقد عجزت حكوماتنا المتعاقبة من شرقها الى غربها وصولا الى حكومة الخدمة السودانية عن انتشالنا منها، وكل واحدة منها تلقي باللائمة على الأخرى، وتبرر عجزها بأنها ورثت أكداسا من الخراب الذي خلفّته سابقتها، ومع ان الحق يقال اننا تلمسنا في حكومة السوداني حركة دؤوبة وحرصا شديدا ومتابعة متواصلة لتقديم ما بوسعها تقديمه من خدمات، لكنها كسابقاتها وقفت عاجزة أيضا عن حل مشكلة الكهرباء المستعصية. الناس غير معنية بالأسباب، ولا بالمؤامرات التي يُحاط بها هذا الملف، ولا بدول الجوار التي تتعثر بتزويدنا بالوقود عند اشتداد حرارة الشمس، ولا بتأخر تسديدنا لفواتير تكاليف الغاز، الناس تريد كهرباء لا تنقطع، فهم يكابدون مرارا في ليلهم ونهارهم، فكيف يمكن ذلك؟، هذه مسؤولية الحكومة، لا نقبل الأعذار مهما كانت منطقية، فمن يتصدى للمسؤولية عليه أن يعرف ذلك، والا فعليه أن يعتذر، المطلوب منه تحقيق انجاز ملموس مثلما ينعم بحلاوة المنصب، والتباهي بتقدم الصفوف، والوجاهة والنفوذ.
ان استعصاء هذه المشكلة يقودنا الى طرح العديد من الأسئلة ليس أمام الحكومة فحسب، بل أمام القائمين على النظام السياسي: اذا كان هذا النظام غير قادر على توفير الكهرباء على مدى عشرين عاما، فكيف له أن يبنى دولة متماسكة في مواجهة التحديات، ومتطلعة للحاق بالدولة المتقدمة، وحريصة على تحقيق الرفاهية لشعب عانى من الحرمان طول العمر، من اكتوائه بنيران الديكتاتورية وصولا الى ديمقراطية تنير طريقها مولدات القطاع الخاص؟
شاهدت مقطع فيديو لأحد السياسيين البارزين يقول فيه : ان شركة أمنية في وزارة الكهرباء تدين بالولاء للأمريكان هي من تقف حجرة عثرة في طريق حل هذه المشكلة، وقبلها تحدث أكثر من سياسي وعلى الفضائيات صراحة بان الأمريكان لا يريدون للكهرباء في العراق أن تستقر، ولا يسمحون لأي شركة أجنبية بالتعاقد مع العراق لنصب محطات توليد الطاقة الكهربائية، فضلا عن دول مجاورة تضع العثرات في طريق الحل لأنها مستفيدة ماديا من هذا الواقع. مثلما لا تريد للزراعة والصناعة أن تعاود نشاطها، ليظل العراق سوقا مفتوحة لبضاعتها التي وصلت حتى الى الفجل والبصل.
وهذا يعني ان النظام السياسي بجميع حكوماته فشل في تحقيق استقلالية قرارنا السيادي، بمعنى نحن غير قادرين من الناحية الواقعية أن نقرر ما نريده بمعزل عن التأثيرات الأجنبية دوليا واقليميا، اذن نحن دولة هشة لا وزن لها أو قيمة بين الدول، لذلك فان التحدي الكبير أمام القوى السياسية العراقية اذا كانت تتملكها روح وطنية حقيقية، وحرص على أن يكون العراق جديدا ومشرقا كما قالوا عندما حطت أقدام قادتها في بغداد، أن تحرر قرارنا من الهيمنة الأجنبية، فلا فرق بين ارتهان قرارنا لأمريكا مثلا ووجود قواتها على أراضينا، ويكشف هذا الفشل في تحقيق هذا المنجز الحيوي وعلى مدى ما مضى من سنوات عن تبعية منظورة وغير منظورة لقوانا السياسية لهذه الدولة او تلك، علينا أن نستحي من أنفسنا قبل أن نستحي من الشعب.
اضف تعليق