اقتصاد - تنمية

تمويل مستقبل ينعم بالأمن المائي

كيفية تحسين الإنفاق الحكومي من أجل زيادة مخصصات المياه

برغم الفجوات الكبيرة في الإنفاق، فإن قطاع المياه لا ينفق الأموال المخصصة له بالكامل، حيث لا يتم إنفاق نسبة مُعتَبرَة تبلغ 28% من تلك الأموال في المتوسط سنوياً. ومن خلال تقليص فجوة تنفيذ الموازنة في القطاع الفرعي للمياه والصرف الصحي إلى النصف، يمكن تقليص فجوة الإنفاق...

يعيش أربعة مليارات شخص في مناطق تعاني ندرة المياه، وتعاني واحدة من بين كل أربع مدن انعدامَ الأمن المائي. يعيش أربعة مليارات شخص في مناطق تعاني ندرة المياه، وتعاني واحدة من بين كل أربع مدن انعدامَ الأمن المائي.

ويعني النمو السكاني أيضاً أن هناك حاجة إلى المزيد من المياه لإنتاج المزيد من الغذاء، لكن واحداً من كل عشرة أشخاص يذهبون إلى الفراش وهو جائع كل ليلة.

يموت طفل دون سن الخامسة كل 100 ثانية تقريباً بسبب أمراض مرتبطة بالإسهال ناجمة عن سوء خدمات المياه والصرف الصحي. وهذا يعني 273 ألف حالة وفاة أطفال يمكن الوقاية منها كل عام.

تنبع هذه الصراعات والخسائر المدمرة للعديد من الأسر من حقيقة أننا نعيش في عالم يعاني انعدام الأمن المائي. وما لم يكثف المجتمع الدولي جهوده، فمن المرجح أن يؤدي تغير المناخ إلى تفاقم هذه التحديات.

علاوة على ذلك، فإننا بعيدون للغاية عن إنجاز الطموحات العالمية في تحقيق أهداف التنمية المستدامة المتمثلة في الإدارة الآمنة لمياه الشرب وخدمات الصرف الصحي والنظافة الصحية للجميع بحلول عام 2030. واليوم، لا يزال هناك نحو 2.2 مليار شخص -أي أكثر من واحد من بين كل أربعة أشخاص- يفتقرون إلى خدمات المياه المدارة بشكل آمن، في حين يعيش 3.5 مليارات آخرين بدون خدمات الصرف الصحي المدارة بشكل آمن.

اليوم، لا يزال هناك نحو 2.2 مليار شخص -أي أكثر من واحد من بين كل أربعة أشخاص- يفتقرون إلى خدمات المياه المدارة بشكل آمن، في حين يعيش 3.5 مليارات آخرين بدون خدمات الصرف الصحي المدارة بشكل آمن.

يؤكد هذا التقدم البطيء نحو تحقيق أهداف التنمية المستدامة ضرورة زيادة الاستثمار في قطاع المياه. ويحدد تقرير جديد للبنك الدولي بعنوان "تمويل مستقبل ينعم بالأمن المائي: تقييم عالمي للإنفاق العام" لأول مرة مقدار ما تنفقه الحكومات على المياه وحجم التمويل وفجواته التي يجب سدها لتلبية احتياجات الناس وتحقيق أهداف التنمية المستدامة. ويعرض التقرير خطوات عملية يمكن للبلدان اتخاذها لتحسين أوجه الإنفاق حتى تتمكن من زيادة مخصصات الإنفاق على المياه.

تكشف النتائج التي توصلنا إليها أن الإنفاق السنوي في مختلف القطاعات الفرعية التابعة لقطاع المياه - مثل إمدادات المياه والصرف الصحي والري ونقل المياه والطاقة الكهرومائية - يبلغ إجمالاً نحو 164.6 مليار دولار (بأسعار عام 2017). ورغم أن هذا الرقم قد يبدو كبيراً، فإنه لا يُعد سوى جزء صغير من الإنفاق العالمي على قطاعي التعليم والصحة. وفي حين يأتي نحو 91% من الإنفاق السنوي على المياه المذكور أعلاه من القطاع العام، ومنه الإنفاق العام من جانب الحكومة والمؤسسات المملوكة للدولة، يأتي أقل من 2% من القطاع الخاص.

ويتم تخصيص أكثر من نصف هذا المبلغ للقطاع الفرعي للمياه والصرف الصحي. ومع ذلك، ومن أجل تحقيق المستهدفات التي تتضمنها أهداف التنمية المستدامة، تشير تقديراتنا إلى أن البلدان النامية، التي يشملها تحليلنا وعددها 113 بلداً، تحتاج إلى زيادة إنفاقها في القطاع الفرعي للمياه والصرف الصحي بمقدار 131.4 إلى 140.8 مليار دولار سنوياً، أي ما يقرب من ثلاثة أضعاف مستويات الإنفاق الحالية.

غير أن هذا المتوسط العالمي يخفي التباين الصارخ بين مختلف المناطق والبلدان، فعلى سبيل المثال تحتاج منطقة جنوب آسيا إلى زيادة إنفاقها بنحو 9 أضعاف مستواه الحالي، بينما تحتاج منطقة أفريقيا جنوب الصحراء إلى زيادته بنحو 17 ضعفاً.

ويعد هذا التحدي أشد صعوبة بالنسبة للبلدان منخفضة الدخل وتلك التي تعاني الهشاشة، حيث يتطلب تحقيق أهداف التنمية المستدامة المتعلقة بالمياه والصرف الصحي زيادةَ الإنفاق بنحو 30 و40 ضعفاً، على الترتيب. ومن الناحية الواقعية، من غير المرجح تحقيق تلك المستهدفات دون زيادة كبيرة في المعونات الدولية والمساعدات الإنمائية.

ويكشف التقرير أيضاً عن أنواع مختلفة من التسربات، التي غالبا ما يتم تجاهلها، في هذا القطاع.

ويخلص التقرير إلى أنه برغم الفجوات الكبيرة في الإنفاق، فإن قطاع المياه لا ينفق الأموال المخصصة له بالكامل، حيث لا يتم إنفاق نسبة مُعتَبرَة تبلغ 28% من تلك الأموال في المتوسط سنوياً. ومن خلال تقليص فجوة تنفيذ الموازنة في القطاع الفرعي للمياه والصرف الصحي إلى النصف، يمكن تقليص فجوة الإنفاق السنوي بمقدار 13 مليار دولار، أي ما يقرب من 10% من الزيادة المطلوبة في الإنفاق.

وثمة شاغل آخر يتمثل في انتشار أوجه عدم الكفاءة على نطاق واسع، فعلى الرغم من التغاضي عنها بين مقدمي خدمات المياه في كثير من الأحيان، فإنها تؤدي إلى خسائر مخفية كبيرة. ويتكبد مرفق المياه العادي في المتوسط خسائر في الكفاءة قد يصل مجموعها إلى حوالي 21 مليون دولار سنوياً، وهو ما يمثل نحو 16% من تكاليف التشغيل. ونظرا لوجود الآلاف من مقدمي خدمات المياه في جميع أنحاء العالم، فإن التكاليف التراكمية لهذه الخسائر قد تصل إلى مئات المليارات من الدولارات.

يتكبد مرفق المياه العادي في المتوسط خسائر في الكفاءة قد يصل مجموعها إلى حوالي 21 مليون دولار سنوياً، وهو ما يمثل نحو 16% من تكاليف التشغيل.

ونظراً لأن التمويل الحكومي يهيمن على قطاع المياه، فإن المخاوف بشأن الإنصاف والعدالة تحتل بحق مكاناً مهماً في المناقشات بشأن السياسات. ويظهر التحليل الذي أجريناه أن دعم الاستهلاك لخدمات المياه والصرف الصحي المدارة بشكل آمن أعلى بشكل غير متناسب في المجتمعات الحضرية والأكثر ثراء، وأن بلدان منطقة أفريقيا جنوب الصحراء تشهد تفاوتاً صارخاً في تقديم هذا الدعم. ولذلك، من المهم ضمان التوزيع العادل للإنفاق إلى جانب زيادة الموارد المالية. وستكون معالجة هذه التفاوتات أمراً بالغ الأهمية لتحقيق الرؤية التي تقوم عليها أهداف التنمية المستدامة وغاياتها فيما يتعلق بالمياه والصرف الصحي.

ويقدم تقرير "تمويل مستقبل ينعم بالأمن المائي" مجموعة من الإصلاحات واسعة النطاق والشاملة لمواجهة هذه التحديات. كما يحث الحكومات، على سبيل المثال، على زيادة معدلات تنفيذ الموازنة من خلال إصلاح إدارة الاستثمارات العامة وإدارة المالية العامة، والحد من أوجه عدم الكفاءة في أداء مقدمي خدمات المياه من خلال إعطاء الأولوية لعمليات مرافق المياه الفعالة من حيث التكلفة والارتقاء بمستوى تخطيط الاستثمار. ويقدم التقرير أيضاً بعض الرؤى والأفكار الأساسية حول كيفية تحفيز زيادة التمويل طويل الأجل في هذا القطاع.

ومن شأن هذه التدابير وغيرها مما أورده التقرير أن تقطع شوطاً طويلاً نحو تحقيق مستقبل ينعم بمستوى أعلى من الأمن المائي الذي يحتاجه العالم بشدة.

.......................................

* بقلم: جورج جوزيف، خبير اقتصادي أول بقطاع الممارسات العالمية للمياه، البنك الدولي

يي رونغ هوو، استشاري اقتصادي بقطاع الممارسات العالمية للمياه، البنك الدولي

أروها باهوغونا، خبيرة بشؤون إمدادات المياه والصرف الصحي، البنك الدولي

تشياو وانغ، خبيرة اقتصاد واستشارية متخصصة في البيانات، قطاع الممارسات العالمية للمياه، البنك الدولي

لويس أندريس، خبير اقتصادي

http://www.albankaldawli.org/

اضف تعليق