لا تمثل البلدان المؤهلة للاقتراض من المؤسسة الدولية للتنمية اليوم سوى 3% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي. ومع ذلك، فإن إمكانياتها الاقتصادية كبيرة نظراً للعائد الديموغرافي الكامن في نموها السكاني. وسوف تمتلك هذه البلدان احتياطيات كبيرة من العمال الشباب على الأقل حتى عام 2070...
واشنطن ــ تُعد الدول الفقيرة موطنًا لربع البشرية ــ أي ما يُعادل 1.9 مليار نسمة. كما تتمتع بموارد طبيعية ثمينة، بما في ذلك خمس احتياطيات العالم من النحاس والذهب، فضلاً عن العديد من المعادن النادرة الضرورية للانتقال إلى الطاقة النظيفة. ومن المتوقع أن يرتفع عدد سكانها في سن العمل على مدى العقود الخمسة المقبلة وسط التراجع السكاني في كل مكان آخر تقريبًا. ومع ذلك، هناك تحول تاريخي يجري الآن بين دول العالم الخمس والسبعين المؤهلة للحصول على المنح والقروض منخفضة الفائدة من مؤسسة التنمية الدولية التابعة للبنك الدولي.
وللمرة الأولى في هذا القرن، تتسع فجوة الدخل مقارنة بالاقتصادات الغنية في ما يقرب من نصف البلدان المُؤهلة للاقتراض من المؤسسة الدولية للتنمية. وبينما أصبحت هذه البلدان في منتصف الطريق إلى ما يمكن أن يكون عقدًا ضائعًا، تتعمد بقية دول العالم تجاهلها إلى حد كبير. وتبلغ نسبة الفقر المُدقع في البلدان المؤهلة للاقتراض من المؤسسة الدولية للتنمية ثمانية أضعاف المتوسط العالمي. كما تُمثل 70% من مجموع البلدان التي تعاني من الفقر المدقع، وهي موطن لنحو 90% من الأشخاص الذين يواجهون الجوع أو سوء التغذية.
ومن ناحية أخرى، تعاني العديد من حكوماتها الوطنية من الشلل، ونصفها إما يعاني من ضائقة الديون أو مُعرض لخطر كبير. وقد انخفضت تدفقات رأس المال الأجنبي إلى حد كبير بالنسبة للبلدان المؤهلة للاقتراض من المؤسسة الدولية للتنمية. في عام 2022، ولأول مرة منذ 16 عامًا، حصل الدائنون من القطاع الخاص على أقساط سداد أصل الدين أكثر مما دفعوه من خلال مدفوعات القروض لحكومات المؤسسة الدولية للتنمية والكيانات التي تضمنها الحكومة. وقد تضاءل التمويل من الحكومات الأجنبية إلى أدنى مستوى له منذ 11 عامًا. كان حبل النجاة المتبقي يتمثل في بنوك التنمية المتعددة الأطراف، وخاصة البنك الدولي، الذي قدم أكثر من نصف القروض البالغة 26 مليار دولار التي تلقتها حكومات المؤسسة الدولية للتنمية من الجهات الدائنة المتعددة الأطراف في عام 2022.
إننا نشهد تراجعاً خطيراً عن المبادئ التي بني على أساسها جزء كبير من الهيكل الاقتصادي العالمي بعد الحرب العالمية الثانية. في ذلك الوقت، أدركت الاقتصادات الغنية بحكمة مصلحتها في تحسين رفاهية الفئات الفقيرة. واعتقدت البلدان المانحة السبعة عشر التي قدمت أول مساهماتها المالية للمؤسسة الدولية للتنمية في عام 1960 أن تسريع "التقدم الاقتصادي والاجتماعي في البلدان الأقل نموًا أمر مرغوب فيه ليس فقط لمصلحة تلك البلدان ولكن أيضا لمصلحة المجتمع الدولي". وقد أثبت الازدهار العالمي الذي أعقب ذلك صحة هذه الفكرة/الرؤية. تُعد ثلاث قوى اقتصادية عالمية اليوم ــ الصين، والهند، وكوريا الجنوبية ــ دول مقترضة سابقة من المؤسسة الدولية للتنمية، وقد أدى نموها إلى تحويلها إلى جهات مانحة مهمة للمؤسسة الدولية للتنمية. وبطبيعة الحال، نادرًا ما يكون الطريق إلى الازدهار خطيًا.
وكثيراً ما يحدث التقدم على فترات متقطعة وغير منتظمة، حيث تتقدم بعض البلدان ثم تتراجع. ولكن ليس هناك شك في أن الدعم المستمر الذي تقدمه المؤسسة الدولية للتنمية للاقتصادات الأكثر ضعفًا قد حقق فائدة هائلة للعالم. وبشكل عام، فإن 36 دولة كانت في السابق مقترضة من المؤسسة الدولية للتنمية لم تعد تعتمد على المؤسسة، مع وجود عشرات الدول التي ارتقت إلى مستوى أفضل في العقدين الماضيين وحدهما.
لا تمثل البلدان المؤهلة للاقتراض من المؤسسة الدولية للتنمية اليوم سوى 3% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي. ومع ذلك، فإن إمكانياتها الاقتصادية كبيرة نظراً للعائد الديموغرافي الكامن في نموها السكاني. وسوف تمتلك هذه البلدان احتياطيات كبيرة من العمال الشباب على الأقل حتى عام 2070، بعد فترة طويلة من تضاؤل عدد السكان في سن العمل في بلدان أخرى.
تتمتع البلدان المؤهلة للاقتراض من المؤسسة الدولية للتنمية بكمية كبيرة من الرواسب المعدنية التي تشكل أهمية بالغة لانتقال العالم إلى الطاقة النظيفة ــ بما في ذلك السيليكون في بوتان والمنجنيز في غانا. كما تُعد معظم البلدان المؤهلة للاقتراض من المؤسسة الدولية للتنمية في وضع جيد يُمكنها من الاستفادة من الطاقة الشمسية، مع إمكانيات توليد يومية طويلة الأجل من بين أعلى المعدلات في العالم. ومع ذلك، لن تتمتع البلدان المؤهلة للاقتراض من المؤسسة الدولية للتنمية بالنمو الدائم ولا بالاستقرار ما لم تتمكن من إتاحة فرص عمل منتجة للشباب الوافدين إلى سوق العمل، وسوف يتطلب ذلك استثمارات كبيرة في مجالي الصحة والتعليم.
علاوة على ذلك، ستظل الفوائد الدائمة من ثروات الموارد الطبيعية فيها بعيدة المنال في غياب مؤسسات حكومية قادرة على إدارة اقتصادية مُبتكرة. سيتطلب ضمان تحقيق البلدان المؤهلة للاقتراض من المؤسسة الدولية للتنمية كامل إمكانياتها بذل جهود متضافرة تعتمد على إصلاحات محلية قوية ودعم مالي وسياسي أقوى من الخارج. وقد أظهرت كوريا الجنوبية والهند والصين أنه عند قيام البلدان بتنفيذ الإصلاحات الطموحة اللازمة لتسريع الاستثمار، يحدث نوع من السحر الاقتصادي: زيادة الإنتاجية، وارتفاع الدخل، وتراجع نسبة الفقر.
إن احتياجات الاستثمار في البلدان المؤهلة للاقتراض من المؤسسة الدولية للتنمية هائلة. وفي بعض البلدان، سوف يتطلب تحسين القدرة على الوصول إلى الكهرباء ومرافق الصرف الصحي الأساسية استثمارات في البنية الأساسية تتجاوز 10% من الناتج المحلي الإجمالي. وفي المتوسط، فقد نجح كل بلد من البلدان المؤهلة للاقتراض من المؤسسة الدولية للتنمية حاليًا مرة واحدة على الأقل على مدى السنوات الخمسين الماضية في تسريع الأنشطة الاستثمارية المُستدامة.
ولكن هذا لا يزيد إلا قليلاً عن نصف متوسط المجموعات السابقة من البلدان المؤهلة للاقتراض من المؤسسة الدولية للتنمية. ومع ذلك، لتحسين أدائها، سيتعين على البلدان المؤهلة للاقتراض من المؤسسة تعزيز الأطر المالية والنقدية، وزيادة الأنشطة التجارية والتدفقات المالية عبر الحدود، وتحسين جودة المؤسسات. وستكون المساعدات العالمية ضرورية أيضاً. تستحق البلدان المؤهلة للاقتراض من المؤسسة الدولية للتنمية الحصول على دعم مالي من الخارج وحلول سياسية جديدة للانتقال إلى الطاقة النظيفة.
في الواقع، تتحمل هذه البلدان الجزء الأكبر من العبء نتيجة التغير المناخي. كما أنها بحاجة إلى تحسين نظام إعادة هيكلة الديون العالمي. إن النظام الحالي يضعها في مأزق خطير. تحتاج هذه البلدان إلى مساعدة عالمية لمعالجة انعدام الأمن الغذائي، وخاصة الآن بعد أن زادت الصراعات الدولية البعيدة والاضطرابات التجارية من حدة المشكلة. في العقود المقبلة، سوف يحتاج العالم إلى استخدام كل احتياطي متاح من الإمكانات الاقتصادية لتحقيق السلام والازدهار العالميين. لا يمكنه أن يُدير ظهره لربع سكانه.
اضف تعليق