يمثل المشروع الوطني لتشغيل الشباب، كما غيره من المشاريع المماثلة، محاولة اقتصادية لتحريك المركب الحضاري للمجتمع العراقي بطريقة منتجة للتقدم والرخاء، والمركب الحضاري يتألف من خمسة عناصر هي الانسان والارض والزمن والعلم والعمل، وهذه العناصر موجودة في كل المجتمعات بشكل واخر، لكنها تختلف في التفاصيل...
يمثل المشروع الوطني لتشغيل الشباب، كما غيره من المشاريع المماثلة، محاولة اقتصادية لتحريك المركب الحضاري للمجتمع العراقي بطريقة منتجة للتقدم والرخاء. والمركب الحضاري يتألف من خمسة عناصر هي الانسان والارض والزمن والعلم والعمل. وهذه العناصر موجودة في كل المجتمعات بشكل واخر، لكنها تختلف في التفاصيل. لكن المسألة الاساسية تتمثل في منظومة القيم التي تحيط بهذه العناصر، لان القيم، التي تشكل العمود الفقري للمحتوى الداخلي للإنسان، هي التي سوف تحدد وجهة سير المركب الحضاري في نشاطه الاقتصادي. والقيم مسألة ثقافية تربوية.
المشروع الوطني لتشغيل الشباب مسألة اقتصادية بحتة، او "بناية على العظم" كما يقال. وقد طرحته وزارة التخطيط مشكورة بهذا الشكل، لان هذه هي دائرة عملها، لكن هناك الكثير من الامور التي ينبغي مراعاتها وتوفرها وهي خارج عمل وزارة التخطيط وخارج دائرة تخصصها كما اتصور. وهذه مسألة يتعين الاهتمام والتفكير بها. ليس لدينا خيارات كثيرة. فليس خيارا ان نتجاهل هذه الامور، لأن هذا سوف يؤدي الى انهيار المشروع وفشله وضياع الاموال والجهود. يبقى الخيار الثاني الوحيد، وهو الاهتمام بالأمور، ومعالجتها لضمان نجاح المشروع. والان يطرح السؤال نفسه: ماهي هذه "الامور"؟
وفي الجواب اقول: ان هناك ثلاثة امور مهمة جدا وهي:
الامر الاول، تدخل الدولة في المشروع الاقتصادي، وفسادها واجراءاتها.
الامر الثاني، الحماية والبيئة القانونية والاجرائية.
الامر الثالث، المنظومة القيمية المصاحبة للمشروع.
نبدأ بالأمر الاول: فساد الدولة. والدولة عندنا ما زالت تتبنى عمليا النظام الاقتصادي الاشتراكي، وهذا النظام ليس الحاضنة الطبيعية للقطاع الخاص. والمشروع حكومي، ولانه كذلك فهو مهدد بخطر الفساد. وهذه حالة عامة، لكن خصوصيتها عندنا تتمثل في ان الدولة العراقية (ذات الاقتصاد الاشتراكي) وصلت الى درجات قياسية في الفساد. والمشروع يتضمن مراجعات ادارية كثيرة خاصة في مرحلة التأسيس، وهناك سلسلة طويلة من المتطلبات الاجرائية. وسوف تتعرقل جهود الشباب بسبب الفساد الاداري. وسوف تتأخر المعاملات والموافقات والتصديقات الخ. وسوف يضطر الشباب الى سلوك طرق ملتوية لانجاز معاملاتهم، من بينها الرشوة، وهي مشاركة مسبقة بالارباح. لابد من مواجهة هذه المشكلة وحلها.
الامر الثاني، الحماية والبيئة القانونية. المشاريع الصغيرة والمتوسطة بحاجة الى حماية امنية واقتصادية. حماية من المسؤولين المحليين الذين قد يلجؤون الى الابتزاز، والتهديد، وربما استخدام السلاح والنفوذ. والحماية من الاستيراد. ليس من الممكن نجاح مشروع متوسط لصناعات المواد المستخدمة في التنظيف المنزلي، في حين نحن نستورد نفس المواد باسعار زهيدة من الصين او غيرها. يجب ان: اما (١) منع استيراد المواد التي نصنع نظائرها محليا، او (٢) فرض ضريبة عالية على المستورد ليكون سعره اعلى من سعر المنتج المحلي المعفي اصلا من الضريبة. والحماية من الروتين، الامر الذي يستلزم اصدار التشريعات اللازمة لتسهيل الاجراءات واعتماد النافذة الواحدة.
الامر الثالث، المنظومة القيمية. وهنا مقتل المشروع الاقتصادي التنموي. فقد ثبت، وخاصة بالنسبة للمجتمعات المماثلة، ان القيم السائدة في المجتمع، تؤثر سلبا او ايجابا على المشروع الاقتصادي. فالالتزام بساعات الدوام، ومراعاة الجودة في الانتاج، والحرص على الزمن، والاخلاص في العمل، والالتزام بالقوانين والتعليمات، ومواكبة التطورات والتقنيات العلمية الحديثة، كل هذه وغيرها، تلعب دورا اساسيا في نجاح المشروع وفي اقبال الناس عليه. وهذه قيم حضارية عليا يجب ان يتحلى، بل يتمسك بها اصحاب المشروع والعاملون فيه.
اقر انه ليس بمقدور وزارة التخطيط لوحدها، ولا مجلس التنمية العراقي، لوحدهما توفير كل هذه المتطلبات والامور. فالتنمية وتشغيل الشباب مشروع وطني، ما يعني ضرورة مشاركة المؤسسات الاخرى في الدولة، مثل البرلمان ووزارة التجارة ووزارة الداخلية وشبكة الاعلام وغيرها، في توفير شروط نجاحه.
اضف تعليق