يراقب سكان فقراء يعيشون في بيوت بالطوب الأحمر على جزيرة في النيل بقلق ما حدث في منطقة أخرى عبر النهر في القاهرة وقد هُدمت هذا الصيف وتحولت إلى أنقاض، ويجري التخطيط لتطوير المنطقتين لتحويلهما إلى مركز للسياحة أو الأعمال في إطار جهود الرئيس عبد الفتاح السيسي...
(رويترز) - يراقب سكان فقراء يعيشون في بيوت بالطوب الأحمر على جزيرة في النيل بقلق ما حدث في منطقة أخرى عبر النهر في القاهرة وقد هُدمت هذا الصيف وتحولت إلى أنقاض، ويجري التخطيط لتطوير المنطقتين لتحويلهما إلى مركز للسياحة أو الأعمال في إطار جهود الرئيس عبد الفتاح السيسي لجذب الاستثمارات وتقوية الاقتصاد الذي لا يزال يعاني في أعقاب انتفاضة عام 2011.
ومنذ توليه الحكم في 2014، سعى السيسي لتطوير القاهرة، ويبني حاليا عاصمة إدارية جديدة خارج المدينة، ويهدف إلى تحويل قلب العاصمة إلى منطقة أحلام للمستثمرين. وصورت إعلانات نشرت في المجلات والصحف القاهرة كمدينة أشبه بدبي مع مجموعات أبراج رائعة على ضفاف النيل.
لكن ثمة عقبة أمام تلك الرؤية: السكان، ويقول كثير من السكان إنهم لا يريدون المغادرة، كما لم يبلغهم أحد بما سيؤول إليه مصير مناطقهم التي عاشوا فيها لأجيال، وتشرف الإدارة الهندسية التابعة للقوات المسلحة وهيئة المجتمعات العمرانية الجديدة التابعة لوزارة الإسكان على خطة تطوير جزيرة الوراق. وتضم المناطق المقرر تطويرهما مناطق عشوائية تقول السلطات إن سكانها بنوا منازلهم على مدى عقود بشكل غير قانوني على أراض مملوكة للدولة أو ذات ملكية خاصة، مثلما هو الحال في جزيرة الوراق والمنطقة الأخرى القريبة التي تمت تسويتها بالأرض هذا الصيف وهي مثلث ماسبيرو.
وتحت وطأة ضغوط من السيسي قائد الجيش السابق لتطوير هذه المناطق، حاولت السلطات إخلاء السكان قسرا أو عرضت عليهم تعويضات مالية أو في صورة مساكن بديلة، ويقول مسؤولون إن الآلاف الذين يتم إجلاؤهم يفسحون المجال أمام مشاريع تجلب الرخاء لجميع المصريين، وأضافوا أن بعض السكان سيعودون بعد انتهاء التطوير، لكن السكان غير مقتنعين، ويقول السكان إن مصادر رزقهم، من المتاجر إلى الزراعة وصيد الأسماك، ستُدمر إذا أجبروا على الانتقال بعيدا، في بعض الأحيان إلى مجمعات صحراوية معزولة. ويشكون من أن التعويضات التي عُرضت عليهم لإخلاء مناطق عقارية مميزة ضئيلة، ويعتقدون أن أحوالهم ستزداد سوءا.
وقال حسين زيدان وهو مقاول يعيش في جزيرة الوراق، وهي جزيرة خضراء كبيرة قريبة من وسط القاهرة ويقطنها ما يقرب من 100 ألف شخص ”التطوير جيد لكن لا نعتقد أنه موجه لنا“، وشهدت جزيرة الوراق أقوى مقاومة محلية لعمليات الإخلاء. فقد قُتل محتج في اشتباكات وقعت العام الماضي بين السكان وقوات الأمن الذين جاءوا لهدم المنازل.
وقال زيدان ”عمليات الإزالة بدأت دون سابق إنذار... بعد الاشتباكات حاول المسؤولون طمأنتنا بأن المنطقة ستطور لأهلها“، وقبل أسابيع من الاشتباكات، قال السيسي لوزراء خلال مناسبة نقلها التلفزيون ”في جزر موجودة في النيل.. هذه الجزر طبقا للقانون المفروض ميبقاش (لا يوجد) أحد موجود عليها... الجزر الموجودة دي (هذه) تأخذ أولوية في التعامل معها“.
وبعد المواجهة، خففت السلطات نهجها في محاولة لإقناع الناس بالعروض لتعويضهم ماديا عن أراضيهم ومنازلهم أو تزويدهم بشقق في حي الأسمرات، وهو مجمع سكني مترامي الأطراف في ضواحي القاهرة الصحراوية.
وقال زيدان ”العروض غير عادلة.. 1400 جنيه (80 دولارا) تقريبا للمتر المربع. هذا قليل جدا لشراء أراض أخرى في مناطق أخرى بالقاهرة“، ويقول سكان آخرون إن الأسعار في الضفة المقابلة للجزيرة تقترب من ثمانية آلاف جنيه (450 دولارا) للمتر المربع.
ويقولون أيضا إن الانتقال للعيش في حي الأسمرات سيقطع أرزاق الكثير من سكان الجزيرة، وقالت امرأة، رفضت نشر اسمها خشية الملاحقة الأمنية ”الناس الذين يعملون في الوراق هم مزارعون وصيادون، ويريدون وضعهم في شقة في الصحراء.. أين تذهب حيواناتهم؟“
مراس ويخوت
قال زيدان إن المسؤولين أبلغوا السكان أيضا أن تطوير الجزيرة لا يمكن أن يتم دون أن يغادروها، ومع صدور قرارات إزالة لنحو 700 مبنى في جزيرة الوراق، بحسب بيان أصدرته وزارة الداخلية بعد وقوع الاشتباكات العام الماضي، يعتقد آلاف السكان أنهم سيضطرون لترك جزيرتهم، ويجري التطوير بالفعل. ويعبر جسر ضخم تحت الإنشاء النيل ويمر بجزيرة الوراق، وتظهر صور الأقمار الصناعية أن عشرات المباني هدمت لإفساح المجال أمام بناء الجسر العام الماضي، ومنعت الشرطة مراسلي رويترز من الوصول إلى الجزيرة لمقابلة السكان.
ولم تتضح بعد خطط تطوير جزيرة الوراق. ولا يزال مخطط صممته شركة معمارية مصرية لتطوير الجزيرة قبل عدة سنوات موجودا على موقعها الإلكتروني. ويظهر المخطط الجزيرة كمدينة صغيرة حديثة بهما مراس مليئة باليخوت. ولم ترد شركة كيوب للاستشارات الهندسية، مصممة المخطط، على طلب من رويترز للتعليق.
وقالت صحيفة اليوم السابع المؤيدة للحكومة في أبريل نيسان نقلا عن مسؤولين إن تطوير الجزيرة ”مشروع سكني سياحي على طراز رفيع“، وفي يونيو حزيران، أصدر رئيس الوزراء قرارا بإنشاء مجتمع عمراني جديد على أرض جزيرة الوراق يتبع هيئة المجتمعات العمرانية، لكن لم يتضمن القرار أي تفاصيل عن مخطط التطوير، ورفض مسؤولون الإدلاء بأي تفاصيل عن خطط التطوير خلال مقابلات مع رويترز.
خطط غير واضحة
يقول ناشطون حقوقيون إن الناس ينزحون حتى قبل الانتهاء من خطط مشاريع التطوير وتقييم فوائدها على المدى البعيد، ويشيرون إلى كل من جزيرة الوراق ومثلث ماسبيرو، وهي منطقة تملك أراضيها شركات مصرية وسعودية وكويتية، وأزيلت منازلها العشوائية في وقت سابق هذا العام، وقال إبراهيم عز الدين الباحث في مجال العمران في المفوضية المصرية للحقوق والحريات إنه حتى بعد نقل السكان من مثلث ماسبيرو لا توجد خطة تفصيلية لتطوير المنطقة، وقال خالد صديق، المدير التنفيذي لصندوق تطوير المناطق العشوائية، وهو هيئة حكومية، إن منطقة مثلث ماسبيرو ستكون مركزا ”تجاريا.. فندقيا.. إداريا.. سكنيا“ لكنه لم يذكر مزيدا من التفاصيل عن خطط التطوير. وقال ”(المخطط) النهائي لم ينته، لكنه معروض حاليا وتجري عليه تعديلات“، وأضاف أن الشركات المالكة للأرض قد تنفذ مشروع التطوير بنفسها أو بالشراكة مع الحكومة، مشيرا إلى أن الأمر لم يتضح بعد لأن بعض الشركات ”لم تبد بعد رفضها أو قبولها للمشاركة في التطوير“.
ويرى صديق أن المبلغ الذي حددته الحكومة كتعويض عن كل غرفة لسكان منطقة ماسبيرو، وهو 60 ألف جنيه (3300 دولار) بالإضافة إلى 40 ألف جنيه (2200 دولار) كدعم اجتماعي لكل أسرة، أكثر من كاف. وقال ”الناس وصلوا لمرحلة اللي هي ما فوق الإرضاء“، وأضاف أن عددا من الأسر التي تركت ماسبيرو ستعود إلى المنطقة بعد ثلاث سنوات وهي الفترة الزمنية المحددة لتنفيذ مشروع التطوير، وستتاح لها إمكانية استئجار أو شراء شقق سكنية. وسيتسنى لهولاء امتلاك الشقق بنظام الإيجار التمليكي على مدى 30 عاما وستبلغ قيمة الشقة في هذه الحالة نحو 360 ألف جنيه (20 ألف دولار) على الأقل. وسيمكنهم أيضا تملك الشقق على الفور لكن بقيمة 750 ألف جنيه (42 ألف دولار) للشقة.
وحاليا، تعيش المئات من أسر ماسبيرو، التي لا تستطيع تحمل التكاليف حتى مع التعويضات، في حي الأسمرات. وقال عز الدين إنهم يعانون بعد أن ابتعدوا عن أماكن العمل ولا تتوفر لهم سوى القليل من فرص العمل. وأضاف أن أقرب متجر لهم باهظ التكلفة، مشيرا إلى أن هؤلاء الناس ”يعيشون تحت خط الفقر“.
ورفض سكان انتقلوا مؤخرا من ماسبيرو إلى الأسمرات إجراء مقابلات، قائلين إنهم يخشون الملاحقة إذا تحدثوا إلى صحفيين. وتحرس قوات الأمن مداخل المنطقة، وقال هشام أبو العلا وهو رجل أعمال يقع منزله على حافة منطقة ماسبيرو وينتظر دوره في الهدم إنه سيظل هناك حتى تأتي الجرافات، وأضاف ”لسنا ضد التطوير. نريد التطوير. لماذا لا تدمجنا في التطوير؟“
اضف تعليق