الأرصفة جمع رصيف، وهو طريق محاذي للشارع العام الذي تسير فيه المركبات والسيارات بأنواعها، أما الرصيف فهو مخصص للمشاة فقط، وهو ايضا جزء ومعلَم مهم من معالم المدينة، فإذا أردت أن تعرف مستوى المدينة التي تزورها، انظر الى أرصفتها، وتفحّص شكلها، فمن خلال الرصيف يمكنك أن تقيس نظام دولة كاملة، ومن خلال الرصيف يمكنك أن تقيس ثقافة هذا الشعب أو ذاك؟!.
هل يصح مثل هذا الكلام؟؟ وهل يتعلق الامر هنا بالنظافة؟ أم بالقانون أم بطبيعة سلوك الانسان،؟؟ ولكن هناك من يدعو الى النظافة ولا يلتزم بها، وهناك من يدّعي النظام والنظافة في القول، لكن عندما يتعلق الامر بالافعال فإن هذه الامور تغدو في خبر كان !!، وهناك من يقول أن بعض الناس تدّعي النظام وتدعو له، لكن حين تلاحظ سلوكه وحياته الخاصة والعامة، سترى انه بعيد كل البعد عن ذلك، وهو يتعامل مع هذا الجانب وفق حالة عدم الاهتمام واللامبالاة التامة، إذ لا تعنيه قضية النظام والتطور من بعيد او قريب، لذلك هو غير معني بما يجري فوق الرصيف وفي الشارع وفي شكل المدينة وتصميمها.
وثمة مؤشر آخر يتعلق بتنسيق الشوارع والأرصفة ونظافتها، وهناك مشكلة التجاوز عليها، بحيث تبدو في حالة من الفوضى والارباك لتعكس شكل المدينة ونظامها، وتعطي انطباعا مؤسق=فا عن الناس الذين يقطنون هذه المدينة المدججة باللانظام، واذا كان الامر يبدو أقل فداحة فيما يتعلق بالنظافة الخاصة، أي ان الانسان يحاول أن يحافظ على جسده وملبسه ومأكله ومشربه ومسكنه ونظام حياته، لكننا نجد ان هذا الانسان الذي يحافظ على نظافته الشخصية، فيما يتعامل مع النظافة العامة بطريقة مختلفة تماما، وهي طريقة الاهمال واللامبالاة، غلا يعبأ بالشارع ولا يهمه الرصيف، ولا يعنيه شكل المدينة وهذه المؤشرات تدل على عدم اهتمام الناس بالشوارع والارصفة ما يعكس عدم الاهتمام بالحياة برمتها.
سلوك فردي غير حضاري
الحديث عن الرصيف، لا يعني الكلام بصورة مباشرة وحرفية عن ذلك، انما المقصود ما يعكسه الرصيف من ثقافة سلوك للانسان المقيم في هذه المدينة او تلك، فهناك سلوك حضاري يدل على وعي وثقافة والتزام بالنظام والقانون، وهناك العكس حيث التجاوز على القانون أمر شبه معتاد لدى معظم الناس المارة وسواهم، مثال ذلك، من المشاهد اليومية التي نراها تحدث يوميا في قارعة الطريق، أن الشخص الفلاني ومعه زوجته واطفاله يركبون سيارتهم الفارهة الحديثة، وهم يضحكون ويشربون العصير وقناني الماء وما شابه، وما أن ينتهوا من تناولهم العصير حتى تبدأ القناني الفارغة بالقفز من السيارة الى الشارع العام، دون أن يثير هذا المنظر المتخلف حفيظة الاب او الام بل الاسوأ من هذا ان الأبوين قد يكونا أول من يقذف بالقناني الى الشارع امام انظار الاولاد، ترى ماذا سيفعل الطفل وهو يفتح عينه على ابوين من هذا النوع ؟! مثل هذه المشاهد تدل بوضوح تام على عدة امور، أولها عدم اعتبار النظام مؤشر من مؤشرات التطور فضلا عن اهمال نظافة الرصيف والشارع وهما من معالم المدينة وشكلها ونظافتها، وغالبا ما تحدث مثل هذه التجاوزات على القانون، اما بقصد مسبق او بمنهج سلوك خاطئ، او بسبب اللامبالاة التي تسيطر على عقول وسلوكيات الفرد والمجتمع، لهذا فان الاب والام عندما يقذفان القناني الفارغة للعصائر من نافذة السيارة وهي تسير في الشارع العام، لا يشعرا انهما ارتكبا اي خطأ يذكر، وهذا الخطأ في السلوك ينتقل لا اراديا الى الابناء، ومن ثم يتحول الى منهج حياة معتاد لا أحد يعترض عليه ولا احد يرفضه او يدعو الى تجنبه.
ربما يقول بعضهم ان مثل هذه الامور لا تقتصر على المدن المتأخرة، فهناك مدن معروفة بتطورها لكن ارصفتها وشوارعها تضج بالفوضى، ولكن هذا امر نادر، خاصة ان القانون في الدول المتقدمة أم لا نقاش فيه ولا مساومة عليه، ولكن قد نلاحظ مثل هذه الافعال في مجتمعات متقدمة، إلا أنها نادرة جدا، لاسباب كثيرة، أهمها أن المواطن في تلك المجتمعات يؤمن بالنظام، وينظر للنظافة والالتزام بالقانون وعدم التجاوز على الأرصفة امورا لا نقاش فيها، بالاضافة الى ذلك يوجد الايمان الجماعي للمجتمع المتقدم بالنظافة والنظام والقانون، فهناك تشريعات قانونية قوية تردع من يزدري النظام والقانون ردعا فوريا، عن طريق التغريم المالي الفوري، أو حتى الحجز، وهذا الاجراء القانوني لحفظ النظافة العامة وتكريسها، نجده في اكثر المجتمعات تقدما وارتقاء، فيما نلاحظ انه غائب تماما في المجتمعات المتأخرة، وهناك تجاوزات لا تعد ولا تحصى على مناطق المشاة والمارة، تدل على استهانة بحقوق الناس، فضلا عن عدم الاعتراف بالقانون والتشريعات التي تتعلق بتنظيم الحركة في المدن.
وضع تشريعات جديدة للمشاة
تسعى المدن الراقية الى تنظيم الحركة في شوارعها وارصفتها، وتحاول ما أمكنها ذلك ان تعكس نظافة عالية، وهذا ما يتبناه الجهد البلدي، فضلا عن الحملات الطوعية التي ينبغي أن يقوم بها الشباب والمنظمات المعنية بتجديد حياة الناس وتصويبها، فقد لاحظنا في كثير من المدن المنظمّة جيدا، شبابا ينظمون الحركة في الشوارع، حركة السيارات والمارة، ولا يسمحون بالتجاوز على الارصفة، ويسهمون في تقديم شكل جميل ومنظم للمدينة، وفي نفس الوقت يقدمون توجيهات ونصائح للمارة حول كيفية احترام القانون.
يساعدهم في ذلك وجود تشريعات صارمة تخص تنظيم حركة الناس ومنع التجاوز على الارصفة واثارة الفوضى في شوارع المدن، اننا نتذكر في مطلع الستينيات من القرن المنصرم، مثل هذه الاجراءات القانونية الصارمة في العراق، مثال ذلك، حين كان احد المشاة يعبر الشاعر من مكان غير مخصص للعبور (وهو المكان الملوَّن بخطوط بيض متوازية)، فإن رجل المرور يوقفهُ فورا ويحاسبه على هذا الخطأ، ويغرمه مبلغا من المال مقداره (5 دينار)، يدفعها فورا، أو يحجز حتى يدفع ما بذمته لميزانية الدولة، ومع استمرار هذا التطبيق القانوني المعمول به في ارقى المجتمعات، تعلّم الناس العبور من الاماكن المخصصة، الامر نفسه يمكن تطبيقه فيما يتعلق بالنظام وعدم التجاوز على ارصفة المشاة.
هناك من يظن أننا نبالغ في الكلام عن المدن والارصفة والشوارع، وهناك من لا يعنيه الامر أصلا، مثل هؤلاء لديهم استعداد دائم للتجاوز على الشارع والرصيف والقانون معا، بل هم لا يرون تجاوزا في ذلك، وقد ينظر كثيرون الى الاهتمام بهذه الامور على انها مبالغ بها، وقد يظنها البعض غير ذات اهمية، لكن كل الحقائق والوقائع تؤكد على ان النظام يعد من أهم القيم التي تساعد على بناء مجتمع متطور يعي أهمية اعطاء الشوارع والارصفة وتنظيم الحركة ما تستحقه من جهد واهتمام.
هل يحتاج الامر الى وضع تشريعات بهذا الخصوص؟، في الحقيقة الامر ربما لا يتعلق بالقوانين، فهي موجودة ومثبتة، ولكن هناك مشكلة عدم تطبيقها من الجهات المختصة، وهناك مشكلة اكبر هي عدم الالتزام الشبه جماعي بهذه التشريعات والقوانين التي تنظم حركة المارة والسيارات في الشوارع وفوق الارصفة، لذلك نحن نحتاج الى تطبيق القوانين المعنية بهذا الشأن ولا بأس برفدها بما يستجد من تشريعات وقوانين تناسب الاوضاع الجديدة التي تسهم في نقل المدينة من الفوضى الى النمط الحضاري المتطور.
اضف تعليق