مقارنة الزَّوجة أو الزَّوج حالهما بآخرين من أتعس الأخطاء التي تدخلهما في دوَّامة يصعب الخروج منها؛ خاصَّة إذا أدخلتهم في بئر الدَّين، وعلى سبيل المثال لا الحصر يرى الزَّوجان أنَّ عائلة أخرى تُدخلُ أبنائها إلى المدارس الأهلية على الرَّغم من ارتفاع الأسعار في أحيان كثيرة؛ فيلجئان إلى إدخال الأبناء...

يعدُّ المال من مصادر سعادة العائلة، وفي العادة فإنَّّ الأسرة التي تمتلك ميزانية ماليَّة لا بأس فيها تتَّصف بالهدوء والاستقرار والطَّمأنينة، وأمَّا الفقر وقلَّة اليد مما يخلق العديد من المساوئ، واحتدام الصِّراع بين الزَّوجين، وفي بعض الأحيان قد يلجئان إلى الفراق بسبب ضغط الفقر والعوز.

المحور الأوَّل: قواعد في الحقوق الماليَّة

وقبل أن ندخل في معرفة جذور المشكلة والحلول ينبغي أوَّلًا وضع قواعد مهمَّة في الحقوق الماليَّة بين الزَّوجين حتَّى نعرف من أين نبدأ، وعلى أي أصول نستند في التَّعامل المالي بين الزَّوجين.

القاعدة الأولى: يجب على الزَّوج أن ينفق على زوجته؛ وهذا الإنفاق يكون عبر توفير مجموعة من الأمور نذكرها وفق أحكام شرعيَّة عدَّة:

1. على المعقود دوامًا ألَّا تخرج من المنزل بدون إذن زوجها، ويجب عليها تمكين نفسها لما يريده من الاستمتاعات، وألَّا تمنع من مقاربته لها بدون عذر شرعي، ولو أطاعت زوجها في هذه الأمور وجب على زوجها الإنفاق عليها وتهيئة الغذاء واللباس والسُّكنى لها، ولو لم ينفق عليها كانت دينًا عليه للمرأة، سواء كان قادرًا على الإنفاق أو لم يكن (1). 

2. إذا لم تطع الزوجة زوجها فيما ذكر في المسألة السَّابقة، كانت عاصية ولم تستحق على زوجها الغذاء واللباس والمسكن والمضاجعة؛ ولكن المهر لا يسقط بذلك (2).

3. لا يحق للزوج إجبار زوجته على القيام بالخدمة المنزليَّة (3). 

4. لا تجب نفقات سفر المرأة على الزوج إن كان أكثر من نفقتها وهي في الوطن؛ نعم لو أراد الزوج أخذها معه في السفر وجب عليه الإنفاق عليها (4).

4. لو طالبت الزوجة زوجها بالنفقة وامتنع الزوج من ذلك، جاز لها أخذ مقدار النَّفقة لذلك اليوم من مال زوجها بدون إذنه، والأحوط وجوبًا أن تفعل ذلك بإذن الحاكم الشرعي، فإن اضطرَّت إلى إدارة نفسها وتهيئة نفقتها بنفسها فلا يجب عليها حين قيامها بذلك العمل إطاعة زوجها (5).

5. يجب على الزوج أيضًا أن يهيّئ لها الغذاء واللباس والمسكن والحوائج اللازمة للمعيشة حسب المتعارف، حتَّى نفقات الطبيب والدواء وما شابه ذلك، وإذا لم يهيئ لها ذلك، فالأحوط أنَّه يكون مدينًا لها بذلك، سواء كان قادرًا أو غير قادر (6).

تساؤلات شرعية:

السُّؤال1: هل يجب علىٰ الزوج أن يدفع لزوجته مبلغًا يوميًا أو شهريًا لتغطية المصاريف. وإذا كان كذلك، فهل يجوز له أن يعيِّن مجال إنفاق المبلغ؟

الجواب: لا بأس بتوكيل الزَّوج زوجته بتهيئة النفقة، ويجب علىٰ المرأة أن تتقيَّد بالشرط. هذا في حالة ما إذا وكَّل الزوج زوجته علىٰ تهيئة النفقة، أمَّا إذا أعطاها حقَّ النَّفقة فإنَّ لها حرية التَّصرف (7).

السُّؤال2: هل يجب علىٰ الزوج أن يهيئ لزوجته ما تحتاجه النساء عادة كنفقة؟

أم يجب عليه تهيئة الطعام والمسكن واللباس فقط؟

الجواب: يجب علىٰ الرجل ما يقدر عليه مما هو ضروري فعلًا (8).

السُّؤال 3: المعروف أنَّ الزوجة لا تأخذ نفقة من زوجها ما لم تنتقل إلىٰ بيته وذلك بين العقد والزفاف. فهل يجوز لها أن تطالب بنفقة تلك الفترة من الزمن إذا لم تكن قد أعطته التمكين التام؟

الجواب: لا نفقة لها (9).

السُّؤال4: إذا قال الزوج بعد العقد وقبل الدخول: إنَّه غير متمكِّن ماليًا من إقامة مراسيم الزفاف. وقالت الزوجة: إنّها لا تذهب إلى بيت الزوجيَّة إلَّا بعد مراعاة عادات وتقاليد المنطقة، فهل تستحقُّ النفقة على هذا الفرض؟

الجواب: إذا لم يذكر مثل هذا الشرط في عقد النكاح فلا يحقّ للزوجة أن تمتنع، فإن امتنعت فلا نفقة لها (10).

القاعدة الثانية: حتَّى لو كانت الزَّوجة تعمل أو كانت تمتلك وظيفة تحصل من خلاله أموالًا فلا يجب عليها من ناحية شرعيَّة أن تنفق على البيت، ولو أنفقت أو ساعدت زوجها فهذا عمل صالح تؤجر عليه، ويثمر لها السَّعادة في الدُّنيا قبل الآخرة.

القاعدة الثالثة: بعض المشاكل الزَّوجية منبعها النَّفقات المالية بينهما، وكيفية التَّعامل مع المال؛ لذلك إهمال هذا الجانب أو عدم فهمه بشكل مناسب يعني الاستعداد لكمٍ هائل من المشاكل، خاصَّة إذا كان من الطَّبقة المتوسطة أو الفقيرة.

المحور الثَّاني: جذور الخلافات المالية

تُصنَّف الخلافات المالية من أكثر المشاكل الشائعة بين الأزواج، والتي تنشأ نتيجة عوامل عدَّة مترابطة؛ ويمكن حصر أهم هذه الجذور في:

1- الاختلاف في طريقة التَّعامل مع الأموال: ويعود هذا الاختلاف إلى تربية كلِّ طرف في بيئة ماديَّة وثقافيَّة مختلفة، حيث تتنوع أساليب التربيَّة والتوجيه المالي بين العائلات؛ فبعض الأشخاص نشأوا في بيئات تعزِّز التوفير والاقتصاد في صرف المال، بينما نشأ آخرون في بيئات حيث يتمُّ الإنفاق بحرية ودون حسابات دقيقة، وهذه الفروقات تؤثِّر بشكل كبير في كيفيَّة تعامل كلِّ طرف مع المال في الحياة الزوجيَّة، مما يدفع إلى تصادم في وجهات النظر حول طرق الإنفاق والادِّخار، ويخلق حالة من التوتر بين الزوجين.

2- عدم التفرقة بين الكماليات والضروريات: ففي كثير من الأحيان، يخلط البعض بين ما هو أساسي وحيوي في الحياة وما هو ترفيهي أو زائد عن الحاجة؛ ونقصد بالكماليات، مثل السفر الفاخر أو شراء أشياء غير ضرورية، قد يُنظر إليها أحيانًا على أنَّها ضرورات، مما ينتهي إلى صرف الأموال بشكل غير متوازن. وهذا الخلط قد يتسبب في مشاكل مالية حادَّة، حيث ينفق الزوجان على الأشياء التي ليست ذات أولوية، مما يؤثِّر على قدرتهم على تلبية احتياجاتهم الأساسيَّة مثل الطعام، والسكن، والتعليم، وبالتالي يزيد من التوتر والضغط المالي في العلاقة الزوجيَّة.

3- عدم وضع خطَّة واضحة ومحددة لصرف الأموال: في غياب التخطيط المالي، نجد أنَّ بعض الأزواج ينفقون أموالهم بشكل عشوائي وغير مدروس، من دون مراعاة لأولوياتهم أو الاحتياجات المستقبليَّة؛ وهذا التصرف الارتجالي قد يحقق تراكم الديون وضغوط مالية غير متوقعة، مما يسبب شعورًا بعدم الاستقرار المالي. بالإضافة إلى ذلك، يفتقد الزوجان إلى القدرة على الادخار أو التخطيط للمستقبل، مما يعمق المشاكل ويصل إلى تدهور الوضع المالي، ويزيد من التوتر والاختلافات بينهما.

المحور الثَّالث: ومضات حول الانفاق بين الزَّوجين

هناك ومضات عدَّة من شأنها تنظيم القضايا المالية بين الزَّوجين أهمُّها:

أوَّلًا: أن يعرف الزَّوج أنَّ الإنفاق على العائلة من أفضل أنواع الإنفاق، وأنَّه ليس فقط واجبًا؛ بل هو أيضًا عمل يُثاب عليه في الدُّنيا والآخرة، ومن الأمور التي ترسِّخ استقرار العلاقة الزوجية؛ فالإسلام يشجِّع على أن يكون الرجل مسؤولًا عن توفير احتياجات أسرته، واعتبار هذا الإنفاق من الأعمال الجليلة التي تثقل ميزان حسناته، وبالتالي، يزداد لدى الزوج الوعي بأهميَّة المال الذي يُنفق على العائلة، مما يجعله أكثر حرصًا على التخطيط السليم لإدارة أمواله وتوجيهها بشكل يضاعف من رفاهية الأسرة ويحقق رضا الله (سبحانه وتعالى).

عَنْ أَبِي حَمْزَةَ الثُّمَالِيِّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ (عليه السلام) قَالَ: «أَرْضَاكُمْ عِنْدَ الله أَسْبَغُكُمْ عَلَى عِيَالِهِ» (11).

وعنْ أَبِي عَبْدِ الله (عليه السلام) قَالَ: «قَالَ رَسُولُ الله (صلَّى الله عليه وآله): إِنَّ الْمُؤْمِنَ يَأْخُذُ بِأَدَبِ الله عَزَّ وَجَلَّ إِذَا وَسَّعَ عَلَيْهِ اتَّسَعَ، وَإِذَا أَمْسَكَ عَلَيْهِ أَمْسَكَ» (12).

وأمَّا البخل وتضييع العيال، فإنَّهما لا يجلبان إلَّا المساوئ والأضرار لصاحبهما؛ فالبخل في الإنفاق على الأسرة يسبب نقصًا في احتياجاتهم الأساسيَّة، مما ينتهي إلى تدهور الحالة النفسيَّة والمعنويَّة للأبناء، ويخلق بيئة مليئة بالحرمان والمشاعر السلبيَّة. وكذلك فإنَّ التقتير في توفير متطلَّبات الحياة يعرِّض الأسرة لأزمات مالية قد تكون كارثيَّة، مما ينعكس سلبًا على استقرار العلاقة الزوجيَّة. بالإضافة إلى ذلك، فإنَّ عدم الاهتمام بتلبية احتياجات العائلة يؤثِّر في بناء الثقة والاحترام المتبادل بين الزوجين، مما يفتح الباب أمام الخلافات والصراعات المستمرة، ويؤثِّر على التوازن الاجتماعي والعاطفي للأسرة؛ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّهِ (عليه السلام)، قَالَ: «كَفى بِالْمَرْءِ إِثْمًا أَنْ يُضَيِّعَ مَنْ يَعُولُهُ» (13). 

وعَنْ أَبِي عَبْدِ الله (عليه السلام)، قَالَ: «قَالَ رَسُولُ الله (صلى الله عليه وآله): «مَلْعُونٌ مَلْعُونٌ مَنْ أَلْقى كَلَّهُ (14) عَلَى النَّاسِ، مَلْعُونٌ مَلْعُونٌ مَنْ ضَيَّعَ مَنْ يَعُولُ» (15).

ثانيًا: مقارنة الزَّوجة أو الزَّوج حالهما بآخرين من أتعس الأخطاء التي تدخلهما في دوَّامة يصعب الخروج منها؛ خاصَّة إذا أدخلتهم في بئر الدَّين، وعلى سبيل المثال لا الحصر يرى الزَّوجان أنَّ عائلة أخرى تُدخلُ أبنائها إلى المدارس الأهلية على الرَّغم من ارتفاع الأسعار في أحيان كثيرة؛ فيلجئان إلى إدخال الأبناء إلى تلك المدارس مع أنَّ القدرة المالية ضعيفة، ولا يستطيعان أو يمتلكان القدرة على تسديد تلك الأقساط الماليَّة التي تؤخذ بعد ذلك؛ فالمقارنة مهما كان شكلها فهي غير صائبة، والواقع إنَّ كلّ شخص عليه إدارة نفسه على وفق الإمكانات التي يمتلكها لا الإمكانات التي يمتلكها الآخرون.

ثالثًا: حينما يكون الإنفاق أقل من مقدار الأجر الذي يتقاضاه الزوج، فإنَّ هذا من العوامل التي تحمي الأسرة من الوقوع في محنة اقتصاديَّة قد تفضي إلى مشاكل كبيرة؛ فإدارة المال بحذر وبما يتناسب مع دخل الأسرة يسهم في الوقاية من الأزمات الماليَّة التي قد تهدد استقرار العائلة، وأحيانًا، عندما يكون الإنفاق غير كافٍ لتلبية احتياجات الأسرة الأساسيَّة، يتراكم الدَّين أو ينقص ما يحتاجه أفراد الأسرة في حياتهم اليوميَّة، مما يضغط عليهم ويخلق جوًا من التوتر، ومع تفاقم هذه الضغوط، قد يلجأ بعض أفراد الأسرة إلى اتِّخاذ قرارات يائسة مثل السَّرقة أو اللجوء إلى وسائل غير قانونية لتلبية احتياجاتهم، مما يتسبب في تفكك الأسرة وزيادة المشكلات الاجتماعيَّة والاقتصاديَّة.

رابعًا: من الطُّرق المهمَّة التي تعالج مشكلة الخلافات الماليَّة أن تحدد من البداية ثلاثة أركان مهمَّة في صرف الأموال وهي:

1- مقدار الدَّخل.

2- مقدار الإنفاق.

3- مقدار الادِّخار.

فإذا كان الدَّخل غير كافٍ لابدَّ من التَّفكير في كيفية زيادته بشرط ألَّا يؤثِر على نفسه أو على عائلته تأثيرًا سلبيًّا؛ فالعمل ليلًا ونهارًا، وإهمال العائلة وحاجاتهم المعنويَّة والرُّوحية ليس محمودًا، وإنَّما الممدوح خلق حالة من التوازن.

أمَّا الإنفاق فلابدَّ صرفه على وفق المهمِّ والأهمِّ؛ فأجور الكهرباء والإنترنت والماء هي حاجات لا يمكن تأخيرها أو إهمالها اليوم؛ لأنَّها أصبحت ضروريَّة لكلِّ منزل.

وأمَّا الادِّخار فهذا لابدَّ منه استعدادًا لنوائب الدَّهر لو واجهتنا، أو حصول ظرف طارئ، أو من أجل شراء منزل أو من أجل مستقبل الأبناء.

إنَّ وضع خطَّة لميزانية الصرف المالي منذ البداية يعد خطوة أساسيَّة للابتعاد عن المشاكل الماليَّة وتحقيق الاستقرار الاقتصادي للأسرة؛ وهذه الخطَّة لا تقتصر فقط على تلبية الاحتياجات اليوميَّة، بل يجب أن تأخذ في اعتبارها الاحتمالات المستقبليَّة مثل ولادة طفل، أو قدوم الضيوف إلى المنزل، أو حدوث مرض مفاجئ، أو دخول الأبناء إلى المدارس والجامعات، ومن طريق التَّخطيط المسبق لهذه التَّحدِّيات المستقبليَّة، يمكن للأسرة التأهب لمختلف الظروف الطارئة، وبالتالي تجنب الوقوع في أزمات مالية غير متوقعة. وهذا النوع من التنظيم المالي يحقق النَّجاح والاستقرار، ويمنح العائلة القدرة على مواجهة التغيرات من دون التعرُّض لضغوطات ماليَّة كبيرة.

خامسًا: العمل بالآداب والأذكار التي تورث وتسبب الرزق، والابتعاد عن الأسباب والأعمال التي من شأنها أن تورث الفقر (16).

وكذلك من أبواب الرزق كثرة الدُّعاء؛ وخاصة الأدعية الواردة عن المعصومين (عليهم السلام):

عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ عَمَّارٍ قَالَ: «سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ الله (عليه السلام) أَنْ يُعَلِّمَنِي دُعَاءً لِلرِّزْقِ، فَعَلَّمَنِي دُعَاءً مَا رَأَيْتُ أَجْلَبَ مِنْهُ لِلرِّزْقِ قَالَ: قُلِ: اللهمَّ ارْزُقْنِي مِنْ فَضْلِكَ الْوَاسِعِ الْحَلالِ الطَّيِّبِ رِزْقاً وَاسِعًا حَلالًا طَيِّبًا بَلاغًا لِلدُّنْيَا وَالآخِرَةِ صَبًّا صَبًّا هَنِيئًا مَرِيئًا مِنْ غَيْرِ كَدٍّ وَلا مَنٍّ مِنْ أَحَدِ خَلْقِكَ إِلّا سَعَةً مِنْ فَضْلِكَ الْوَاسِعِ فَإِنَّكَ قُلْتَ وَسْئَلُوا الله مِنْ فَضْلِهِ؛ فَمِنْ فَضْلِكَ أَسْأَلُ، وَمِنْ عَطِيَّتِكَ أَسْأَلُ، وَمِنْ يَدِكَ الْمَلأى أَسْأَلُ»(17).

وعَنْ أَبِي بَصِيرٍ قَالَ: قُلْتُ: لأبِي عَبْدِ الله (عليه السلام) لَقَدِ اسْتَبْطَأْتُ الرِّزْقَ فَغَضِبَ، ثُمَّ قَالَ لِي قُلِ: «اللهمَّ إِنَّكَ تَكَفَّلْتَ بِرِزْقِي وَرِزْقِ كُلِّ دَابَّةٍ يَا خَيْرَ مَدْعُوٍّ وَيَا خَيْرَ مَنْ أَعْطَى وَيَا خَيْرَ مَنْ سُئِلَ وَيَا أَفْضَلَ مُرْتَجًى افْعَلْ بِي كَذَا وَكَذَا» (18).

وعَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَبْدِ الْخَالِقِ قَالَ أَبْطَأَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ (صلَّى الله عليه وآله) عَنْهُ ثُمَّ أَتَاهُ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ الله (صلَّى الله عليه وآله): مَا أَبْطَأَ بِكَ عَنَّا؟ فَقَالَ: السُّقْمُ وَالْفَقْرُ فَقَالَ لَهُ: أَفَلا أُعَلِّمُكَ دُعَاءً يَذْهَبُ الله عَنْكَ بِالسُّقْمِ وَالْفَقْرِ؟ قَالَ: بَلَى يَا رَسُولَ الله فَقَالَ: قُلْ: لا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إِلا بِالله الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ تَوَكَّلْتُ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ وَالْحَمْدُ لله الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ صَاحِبَةً وَلا وَلَداً وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيُّ مِنْ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيراً. قَالَ: فَمَا لَبِثَ أَنْ عَادَ إِلَى النَّبِيِّ (صلَّى الله عليه وآله)، فَقَالَ: يَا رَسُولَ الله قَدْ أَذْهَبَ الله عَنِّي السُّقْمَ وَالْفَقْرَ» (19).

سادسًا: الزَّوجان في علاقتهما بالمال يمكن تصنيفهم إلى ثلاثة أنواع، ولكلِّ نوع أحكام خاصَّة تناسب وضعهما المادِّي والاجتماعي:

الصنف الأوَّل: الزَّوج يعمل، والزَّوجة لا تعمل: في هذا النَّوع، يكون الزَّوج هو المصدر الرئيسي للدخل، ويقع على عاتقه مسؤولية توفير احتياجات الأسرة كاملة. ويجب على الزَّوجين وضع خطة مالية تأخذ في الاعتبار هذه الوضعية، مع تحديد أولويات الإنفاق وتخصيص جزء من المال للادخار، بالإضافة إلى تحديد حدود الإنفاق على الكماليات.

الصنف الثَّاني: الزَّوج يعمل، والزَّوجة تعمل: وهنا، كلا الزوجين يساهم في دخل الأسرة؛ وهذا النوع من العلاقة يتيح مزيدًا من المرونة المالية؛ ولكن يتطلَّب تنسيقًا دقيقًا في تقسيم المسؤوليات المالية بين الزوجين. ومن المهمِّ أن يتم وضع ميزانية مشتركة تُحدَّد فيها النفقات اللازمة، مع الأخذ في الاعتبار أيضًا توفير جزء من الدخل للطوارئ والادخار المستقبلي.

الصنف الثالث: الزَّوجة تعمل، والزَّوج لا يعمل: في هذا النموذج، تكون الزَّوجة هي المصدر الرئيسي للدخل، بينما يعتمد الزَّوج على ما توفره، ومن الضروري في هذا الوضع أن يتمَّ تحديد أطر واضحة للإنفاق، مع وضع خطَّة مالية تضمن استقرار الأسرة، وتحقيق التوازن بين المبالغ المخصصة للنفقات اليوميَّة والتوفير للأوقات الصعبة.

إنَّ وضع خطَّة مالية واضحة، وحسن إدارة الموارد، بالإضافة إلى التواصل المستمر والتفاهم بين الزوجين، يمثِّل خطوات أساسية نحو تعزيز الاستقرار المالي والعاطفي داخل الأسرة. كما أنَّ التقدير الصحيح للاحتياجات الضرورية بعيدًا عن الكماليات وتجنب المقارنات الضارة مع الآخرين يمكن أن يساهم بشكل كبير في تجنب الخلافات وتحقيق توازن مالي يحسن من جودة الحياة الأسرية.

في النهاية، التفاهم والاحترام المتبادل، فضلًا عن المساعدة في ترتيب الأولويات المالية، يمكن أن يضمن استمرارية العلاقة الزوجية في جو من الاستقرار والطمأنينة، بعيدًا عن الضغوط المالية التي قد تؤثِّر سلبًا على الطرفين.

.................................

الهوامش:

1. المسائل الإسلاميَّة، سماحة المرجع الديني السيد صادق الحسيني الشيرازي: ص566.

2. المصدر نفسه.

3. المصدر نفسه.

4. المصدر نفسه.

5. أحكام النساء، سماحة المرجع الديني السيد صادق الحسيني الشيرازي: ج2، ص153.

6. المصدر نفسه.

7. المصدر نفسه.

8. المصدر نفسه.

9. المصدر نفسه.

10. المصدر نفسه.

11. الكافي: ج٤، ص١١.

12. المصدر نفسه: ج٤، ص12.

13. الكافي: ج٤، ص12.

14. «الكَلُّ»: الثقل من كلّ ما يتكلّف. والكلّ: العيال. 

15. الكافي: ج٤، ص12.

16. ورد عَنْ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ (عليه السلام) أنَّه قال: «تَرْكُ نَسْجِ الْعَنْكَبُوتِ فِي الْبَيْتِ يُورِثُ الْفَقْرَ، وَالْبَوْلُ فِي الْحَمَّامِ يُورِثُ الْفَقْرَ. (يراد بالحمام مكان الاستحمام)، وَالْأَكْلُ عَلَى الْجَنَابَةِ يُورِثُ الْفَقْرَ، وَالتَّخَلُّلُ بِالطَّرْفَاءِ يُورِثُ الْفَقْرَ. (الطرفاء نوع من الشجر)، وَالتَّمَشُّطُ مِنْ قِيَامٍ يُورِثُ الْفَقْرَ، وَتَرْكُ الْقُمَامَةِ فِي الْبَيْتِ يُورِثُ الْفَقْرَ، وَالْيَمِينُ الْفَاجِرَةُ تُورِثُ الْفَقْرَ، وَالزِّنَا يُورِثُ الْفَقْرَ، وَإِظْهَارُ الْحِرْصِ يُورِثُ الْفَقْرَ، وَالنَّوْمُ بَيْنَ الْعِشَاءَيْنِ يُورِثُ الْفَقْرَ، وَالنَّوْمُ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ يُورِثُ الْفَقْرَ، وَاعْتِيَادُ الْكَذِبِ يُورِثُ الْفَقْرَ، وَكَثْرَةُ الِاسْتِمَاعِ إِلَى الْغِنَاءِ يُورِثُ الْفَقْرَ، وَرَدُّ السَّائِلِ الذكر بِاللَّيْلِ يُورِثُ الْفَقْرَ، وَتَرْكُ التَّقْدِيرِ فِي الْمَعِيشَةِ يُورِثُ الْفَقْرَ، وَقَطِيعَةُ الرَّحِمِ تُورِثُ الْفَقْرَ، ثم قال (عليه السلام): أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ بِمَا يَزِيدُ فِي الرِّزْقِ؟

قَالُوا: بَلَى يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، فَقَالَ:

الْجَمْعُ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ يَزِيدُ فِي الرِّزْقِ، وَالتَّعْقِيبُ بَعْدَ الْغَدَاةِ وَبَعْدَ الْعَصْرِ يَزِيدُ فِي الرِّزْقِ، وَصِلَةُ الرَّحِمِ تَزِيدُ فِي الرِّزْقِ، وَكَسْحُ الْفِنَاءِ يَزِيدُ فِي الرِّزْقِ، وَمُوَاسَاةُ الْأَخِ فِي الله عَزَّ وَجَلَّ يَزِيدُ فِي الرِّزْقِ، وَالْبُكُورُ فِي طَلَبِ الرِّزْقِ يَزِيدُ فِي الرِّزْقِ، وَالِاسْتِغْفَارُ يَزِيدُ فِي الرِّزْقِ، وَاسْتِعْمَالُ الْأَمَانَةِ يَزِيدُ فِي الرِّزْقِ، وَقَوْلُ الْحَقِّ يَزِيدُ فِي الرِّزْقِ، وَإِجَابَةُ الْمُؤَذِّنِ تَزِيدُ فِي الرِّزْقِ، وَتَرْكُ الْكَلَامِ عَلَى الْخَلَاءِ يَزِيدُ فِي الرِّزْقِ، وَتَرْكُ الْحِرْصِ يَزِيدُ فِي الرِّزْقِ، وَشُكْرُ الْمُنْعِمِ يَزِيدُ فِي الرِّزْقِ، وَاجْتِنَابُ الْيَمِينِ الْكَاذِبَةِ يَزِيدُ فِي الرِّزْقِ، وَالْوُضُوءُ قَبْلَ الطَّعَامِ يَزِيدُ فِي الرِّزْقِ، وَأَكْلُ مَا يَسْقُطُ مِنَ الْخِوَانِ يَزِيدُ فِي الرِّزْقِ، وَمَنْ سَبَّحَ اللهَ كُلَّ يَوْمٍ ثَلَاثِينَ مَرَّةً دَفَعَ اللهُ عَنْهُ سَبْعِينَ نَوْعاً مِنَ الْبَلَاءِ أَيْسَرُهَا الْفَقْرُ» الخصال: ج2، ص504.

17. الكافي: ج2، ص550.

18. المصدر نفسه: ج2، ص551.

19. الكافي: ج2، ص551.

اضف تعليق