ومازلنا حسب أحدث إحصائية في أسفل قائمة الشعوب التي تجيد التحدث باللغة الانكليزية لكننا اصبحنا مليونيرية بعدما أصبح المليون دينار لا يوصل العائلة العراقية الى رأس الشهر، ولم ير النور بعد كتاب جماهيري عن فنّ التوقعات، فغالباً ما نعطي عقولنا إجازة ونخلط التوقعات بالأمنيات ونبنيها على المواقف المسبقة والأحكام الجاهزة...
أنهى المسلمون في العالم مراقبة هلالي شهر رمضان المبارك وعيد الفطر، وقضوا الشهر الفضيل بين هلالين، الأول مختلف عليه والثاني متفق عليه، ثم شاركوا العالم جائحة التوقعات ومراقبة ساعة الصفر للرد الايراني واحتمالات بدء حرب شاملة في المنطقة، وهذه ليست المرة الأولى التي نقضي فيها الأيام والليالي بالترقب والتوقع والانتظار حتى كتب شاعرنا الراحل كاظم الگاطع (بانتظارك خلّصت عمري انتظار) وللعراقيين على وجه الخصوص تاريخ حافل بالقلق والترقب الذي أجبر سكان العاصمة بغداد على مغادرة بيوتهم والنزوح الجماعي نحو محافظتي ديالى والأنبار قبيل حرب عام 2003 تحت شائعة الخوف من رد بالسلاح الكيمياوي على الهجوم الأمريكي المتوقع.
فلم يحصل الرد بالكيمياوي وغزينا في عقر دارنا، وما بين (طگة بوش) الأولى والثانية عشنا حالة نقاش دائم في التوقعات، ثم انهار كل شيء فجأة فلا توقعاتنا في جدية الأمريكان بدخول العراق عسكرياً صدقت ولا توقعات الأمريكان جاءت مطابقة لقِصر المدة الزمنية لدخول بغداد، وقضي الأمر الذي فيه تستفتيان بثلاثة أسابيع فقط.
ومن هول الصدمة عاش العراق أطول فترة غياب للسلطة، طوينا بعدها فصلاً من التوقعات لندخل فصلاً جديداً عما سيحصل لمستقبل البلاد، واستمرت حياتنا في توقّع شكل السلطة والحكومة ثم التوقعات بمن سيتولى رئاسة الحكومة والدولة والبرلمان بعد كل دورة انتخابية، ثم من سيتولى هذه الحقيبة الوزارية او تلك، ثم هل سيحصل على ولاية ثالثة او ثانية، وهكذا وصولاً الى تشكيلة المنتخب الوطني بكرة القدم والتوقعات الحالمة بالصعود الى كأس العالم.
وحاولنا عبثاً وجاهدين الأخذ بنصيحة الحجي راضي (ولا تيفو فلفين) وأن ندع القلق ونبدأ الحياة ولا يكاد عراقياً لم يقرأ هذا الكتاب للمؤلف الامريكي (ديل كارنيجي) وانتقلنا منه الى محاولة فهم (سيكولوجية الجماهير) الذي طُبع منه ملايين النسخ حتى وصل سعره الى الفي دينار عراقي، ثم بلغنا عصر التفاهة الذي لخّصه الفيلسوف الكندي آلان دونو بكتابه الشهير (نظام التفاهة) وتداولناه حتى الملل، وما بين الكتب الثلاثة، موجة الروايات وكتب الدين والأدب والتاريخ والدعاية والإعلام والنفس والفسلفة.
وكان قاسمنا المشترك محاولاتنا الخجولة لتعلم اللغة الانكليزية في سبعة أيام فقط وكيف تصبح مليونيراً، وقد بيع من هذه العناوين الخادعة آلاف النسخ ومازلنا حسب أحدث إحصائية في أسفل قائمة الشعوب التي تجيد التحدث باللغة الانكليزية لكننا اصبحنا مليونيرية بعدما أصبح المليون دينار لا يوصل العائلة العراقية الى رأس الشهر، ولم ير النور بعد كتاب جماهيري عن فنّ التوقعات، فغالباً ما نعطي عقولنا إجازة ونخلط التوقعات بالأمنيات ونبنيها على المواقف المسبقة والأحكام الجاهزة، وقلّة من المحللين يفصلون بين مواقفهم المسبقة والحقائق على الأرض ويتحدثون بحياد وموضوعية، والكثيرون يرون أنها عنزة وإن طارت.
اضف تعليق