اصبح تقيم الانسان وفق معيار الاختصاص الذي يدر عليه اكبر قدراً من المال بدلاً من المنفعة التي يقدمها لمجتمعه فخرج المتعلم من نطاق الدور الانساني المطلوب منه واصبحت الوظائف ينظر اليها من منظور اقتصادي بحت، فهل رسالة الانسان في الحياة هي جمع اكبر قدر من الاموال ام انه يكون ذو كفاءة في تخصصه...
منذ ان بدأت الخليقة والبشر متفاوتون في المراتب سواء كانت مراتب اجتماعية ام اقتصادية ام علمية، وعلى هذا الاساس لابد من انطبق القاعدة التي تعرف بـ( قاعدة الادوار) التي بمقتضاها يحتاج الجميع الى الجميع بمعنى ان الجميع حين يمرض يحتاج الى الطبيب، والطبيب وسواه من الناس يحتاجون الى المهندس الذي يخطط لهم خرائط منازلهم ويشرف على بناءها، والطبيب والمهندس والصيدلاني لم يصلوا الى هذا المستوى العلمي لو وجود المعلم، وهكذا تتشكل الدائرة من الادوار المختلفة في الحياة.
من هذه القاعدة لابد ان يفهم الجميع ان جميع الافراد في المجتمع بحاجة الى جميع مهن وتخصصات ابناء المجتمع ولا افضلية لاحد مهما كانت مهنته على احد اخر اقل او اعلى او مساوي له في المرتبة، هذا الفهم يرسخ القناعة في نفوس الناس ان قيمة الانسان بما يحسن وليس ماهو فيه حالياً فكم من احد غصبه والديه على الدخول في تخصص لتحقيق هدف في بالهم وهو لا تهوى نفسه ذلك التخصص لكنه قبله على مضض ارضاء لاهله ومن يبدأ الفشل لكون الانسان يصبح موظفا تقليديا يعد ساعات عمله ليعود الى منزله.
ما دفعني للكتابة في هذه الموضوعة هو حديث دار بيني وبين صديق لي حول نتائج السادس الاعدادي والتي هي حديث الساعة، اذا انقسم الناس بين مشيدين بأنجازات بعض الطلبة الذين حصلوا على معدلات مرتفعة وهم من بيئات فقيرة جداً، بينما اخفق اخرون وهم من بيئات غنية جداً، اذا ان لكل فرد مستواه العقلي واستعداده النفسي الذي يؤهله الظفر بهذا المتسوى العلمي او ذاك وهو الذي يجب ان يفهم.
للاسف اصبح تقيم الانسان وفق معيار الاختصاص الذي يدر عليه اكبر قدراً من المال بدلاً من المنفعة التي يقدمها لمجتمعه فخرج المتعلم من نطاق الدور الانساني المطلوب منه واصبحت الوظائف ينظر اليها من منظور اقتصادي بحت، فهل رسالة الانسان في الحياة هي جمع اكبر قدر من الاموال ام انه يكون ذو كفاءة في تخصصه بحيث يستطيع ان يؤثر بمن حوله ويخدمهم بدل الاعتياش عليهم كما هو الحال بالنسبة للكثير من المهن ومنها مهنة الطب التي تحولت من مهنة الانسانية الى مهنة (جمع المال).
الخطأ الذي يحصل ان الوالدين يودون تحقيق امنياتهم عبر ابناءهم وهذا ليس عيب بالمرة شريطة ان يراعي الفروق الفردية بين انسان وآخر، فليس منطقياً اطلاقاً ان تريد من ابنك ان يحصل على معدل (99%) لكون ابن خالته او ابن عمه او حتى اخيه قد حصل على هذا المعدل في السنة الماضية وهم بذلك اغفلوا اختلاف المستويات العقلية لكل انسان اضافة الى التوفيق الالهي لكل فرد ايضاً.
والخطأ الاخر الذي يجعل الوالدين تشبح انظارهم الى دخول ابناءهم في كليات الطب وغيرها من الكليات الاخر ولا يتركون الخيار لابناءهم في اختيار المجال الذي يرغبون به هو انهم يمارسون عليهم السلطة الابوية التي تريد تفضل ان يكون ابنهم يحمل اسم ( الطبيب، المهندس، المحامي) ولا يراعون ميولهم ورغباتهم في اختيار التخصص الاقرب اليهم نفسياً.
ثالث الاخطاء هو ان الابوين يريدون لابناءهم الافضل وليس الانسب، والفرق بينهما هو ان الافضل الصورة المثالية التي ترسم ويراد الوصول اليها بينما الانسب هو الخيار الذي يناسب الفرد عقلياً ونفسياً ومادياً وبتوفر الامكانات التي توصل اليه، على سبيل المثال ان احد الاباء يريد لابنه ان يكون مهندس طيران درجاته تؤهله الى الدخول معهد المعلمين والفرق بين الاثنين يجب ان يحترم فيه عقل الانسان ومنطقية الحياة.
في الخلاصة سيدي القارئ الكريم وانت تتعامل مع ابنك الذي لازال في بداية طريقه المهني والحياتي بصورة عامة لا تحاول ان تفرض عليه اراداتك وتحول الى انسان فاشل في وظيفته سيما في الوظائف التي تكون على محك بحياة بالبشر، فليكن ابنك في اختصاص بيسط لكنه ناجح فيه افضل بكثير من يكون فاشلا في مجال يؤذي عبره البشر ويؤذي حاله، فكل انسان ناجح في اختصاصه هو انسان ناجح ومنتج وليس من هم في الوظائف العليا فقط.
اضف تعليق