عرفت الأم أن الأب يريد الزواج عليها، فسارعت إلى طرح فكرة بديلة، وهي أن يمتنع الأب كليّا عن الزواج بثانية، بل ليس عليه مجرد التفكير بذلك، والبديل هو تزويج الابن (الطالب الجامعي) حتى تضفي زوجته الشابة روحا جديدة على البيت، وتقوم برعاية العائلة المكونة من الأب والأم وزوجها الطالب الجامعي...
لم يبلغ العشرين بعد، يتصرف ببراءة الأطفال، يعيش مع والديه، وقد تجاوز كلاهما - الأب والأم- الستين، إنهما يعانيان من أمراض مزمنة، الوهن يتسلل إليهما بإصرار، ثلاثة أنفار في بيت كان يسع عائلة كاملة، تشتت شملها بسبب الزيجات المتوالية، فبقي البيت بلا أصوات عالية إلا ما ندر، وغابت عنه الروح المرحة الجماعية، ففكر الأب أن يتزوّج من امرأة ثانية غير سيدة البيت المخضرمة.
برّر تفكيره لنفسه قائلا بأن زوجته باتت مزرعة للأمراض وأنها لا تتمكن من رعاية نفسها، فمن يرعاه هو، ثم من يرعى الأبن الأصغر أو آخر العنقود، ابنهما الوحيد الطالب الجامعي الذي لا يعطي لنفسه كأس ماء كما يُقال، يعتمد في كل شيء على أبيه وأمه، بينما هما ينظران له على أنه المنقذ لهما في أواخر العمر.
عرفت الأم أن الأب يريد الزواج عليها، فسارعت إلى طرح فكرة بديلة، وهي أن يمتنع الأب كليّا عن الزواج بثانية، بل ليس عليه مجرد التفكير بذلك، والبديل هو تزويج الابن (الطالب الجامعي) حتى تضفي زوجته الشابة روحا جديدة على البيت، وتقوم برعاية العائلة المكونة من الأب والأم وزوجها الطالب الجامعي.
في البداية رفض الأب مقترح زوجته وقال لها، ابننا لا يزال صغيرا على الزواج، إنه طالب جامعي في المرحلة الثالثة ولا يصح تحميله مسؤولية عائلية، دعيه يتفرغ لدراسته ويبني مستقبله، لكن الأم تمسكت بفكرتها بقوة وأقنعت ابنها الذي كان قد وضع عينه على طالبة تصغره بمرحلة دراسية، فهي في السنة الثانية وهو في الثالثة، وربطته معها نظرات ثم كلمات ثم لقاءات سريعة وعابرة في حدائق الجامعة.
الأب تراجع عن فكرته بالزواج من امرأة ثانية، لكنه سأل زوجته بجدّية: وهل تتوقعين أن زوجة ابننا الطالبة الجامعية سوف تقوم برعايتنا ورعاية زوجها، أنا في الحقيقة أشك في ذلك، فهي تنتمي لبنات العصر العولمي (عصر الفيس بوك والتيك توك والانترنيت)، ولا أظن أنها سترعانا أو تخدمنا وترعى زوجها في نفس الوقت.
قالت الزوجة: بل سترعانا لأن البيت لها وحدها فلا تشاركها فيه امرأة ثانية، وسوف تحرص علينا وعلى زوجها، لكنك تستبعد قيامها بذلك لأنك تريد أن تتزوج حتى يتحول البيت إلى جحيم بالمرأة الثانية.
قال الزوج: أنا لا أريد أن يتحمل ولدنا الشاب مسؤولية أسرة وهو طالب، وأريده أن يركز على دراسته، ثم أنه ليس لديه عمل ولا مورد مالي، فكيف يعيل عائلة ومن أين يصرف عليها؟
ردت الأم على الأب: لا تتحجج، لا تبحث عن ذريعة كي تتزوج عليَّ، أنا أضمن لك أن زوجة ابني الطالبة الجامعية المتعلمة سوف تخدم البيت والأسرة جيدا، أما المورد المالي فنحن نتحمل ذلك حتى يتعيَّن ابننا بعد تخرجه من الجامعة.
أجابها الزوج: هل تعلمين أن عشرات الآلاف من الشباب الخريجين بلا وظيفة ولا فرصة عمل؟، ألا تعلمين أن نسبة البطالة مشكلة متفاقمة في بلدنا؟
قالت الزوجة: ها أنك تأتي بألف سبب وسبب حتى تمنع ابننا من الزواج كي تتزوج أنت، ولكن هذا أمر مستحيل، لن تتزوج عليَّ طالما أنا على قيد الحياة.
علا الصوت كثيرا، وراح يتردد صداه في البيت الخالي، وحين دخل الابن سمع الصراخ العالي بين أبيه وأمه، بادرت الأم واحتضنت ابنها، وأجلسته قريبا منها وتكلمت معه بتركيز ووضوح وأخبرته بخطتها في تزويجه من الفتاة الجامعية التي تعرَّف عليها، وحينها استغرب الابن هذا الطرح من أمه، ثم تكلم أبوه وسأله هل أنت موافق على الزواج أم نبحث عن حل آخر؟
نظر الابن إلى أمه ثم إلى أبيه وقال، وهل لدينا مشكلة في البيت تحتاج إلى حل؟
أجاب الأب: نعم
أجابت الأم: ليس هناك مشكلة.
سأل الابن أباه: ما هي المشكلة؟
قال الأب: أمك كبرت والأمراض أثقلت جسدها ولم تعد قادرة على أداء واجباتها البيتية بل لا يمكنها رعاية نفسها.
صرخت الأم: أنا لا زلت شابة، أستطيع أفعل كل شيء...
ثم نظرت إلى زوجها وقالت:
أنت تبحث عن ذريعة لكي تتزوج من امرأة ثانية.
صُدِم الابن وهو يسمع كلام أمه، واستغرب ذلك، ثم سأل أباه بوضوح:
أيُعقَل أنك تريد أن تأتي بامرأة ثانية غير أمي لبيتنا، هل يمكن أن تفكر بهذه الطريقة يا أبي؟
أجابه الأب: ألا ترى أمك وقد أنهكتها الأمراض، أليس معي حق، من الذي يرعى الأسرة؟
قالت الأم: فليتزوج ابني من الطالبة الجامعية وهي ترعانا.
نظر الأب لابنه متسائلا: هل ستتزوج، وهل ستضمن رعاية زوجتك لنا؟
أجاب الابن دونما تأخير: نعم أتزوج وسوف أضمن لكما رعاية زوجتي.
أُغلِقتْ أبواب الزواج الثاني في وجه الأب، وبعد أن تزَّوج الابن الطالب من الطالبة التي تعرَّف عليها، وجاءت إلى بيتها الجديد الذي يضم الأب والأم والابن وزوجته الطالبة الجامعية، لم يمضِ شهر واحد حتى بدأت بوادر المشاكل تلوح في الأفق...
في الأسبوع الأول قامت زوجة الابن الطالبة بأعمال البيت (تنظيف، طبخ، غسيل ملابس)، في الأسبوع الثاني طارت وجبة الصباح ولم يعد الأب ولا الأم يحصلان على (الريوك/ الفطور)، في الشهر الثاني اقتصر عمل زوجة الابن على طهي الغداء فقط، وفي الثالث رفضت القيام بأي شيء عدا خدمة زوجها، وفي الشهر الرابع انتفخ بطنها بجنين جديد...
الأب (أبو الزوج الطالب) غضّ الطرف عن تقصير زوجة ابنه في أعمال البيت بل أخذ يدافع عنها، في حين حدثت مشاكل قوية بين زوجة الابن والأم التي أصرت على تزويج ابنها، الأم تطالب زوجة ابنها بخدمتها وخدمة البيت كلّه، وزوجة الابن ترفض والابن الزوج لا رأي له، والأب الكبير يلتزم الصمت في الغالب، ولا يطالب زوجة الابن بشيء لأنها حامل بحفيده الجديد.
الآن تجلس الأم (أم الطالب) وحيدة بانتظار عودة زوجها من الصيدلية ليجلب لها دواء الأمراض المزمنة، فقد أجبرت زوجة الابن زوجها الطالب على الخروج في دار مستقلة، وتركا الأب والأم وحدهما في بيت كبير مليء بالصمت والمرض والندم المرير....
اضف تعليق