دين الله والعقيدة الإسلامية صارت في معرض خطر الفناء والزوال... فلم يبق من الإسلام إلا اسمه ومن القرآن إلا رسمه وعادت شجرة الإسلام يابسة بعد موت جذورها وسقوط أوراقها، فلم يكن هناك أمل بإحيائها وإعادة الحياة إليها من جديد سوى ذلك الدم الزاكي لأبي عبد الله الحسين...
تتردد أسئلة كثيرة على ألسنة الناس بشأن نهضة الإمام الحسين (عليه السلام) بين من يريد أن يتعرف على أسباب هذه النهضة؛ ليلتزم طريق أهل البيت (عليهم السلام) وبين من يشكك فيها سببا ونتيجة؛ ليفند الأفكار والعقائد والمراسم التي يؤمن بها أتباع أهل البيت (عليهم السلام) فيبعدهم عن طريق الحق الذي يتخذونه.
ولعل الإطلاع على أحداث التاريخ ومجرياته قبيل نهضة الحسين (عليه السلام) يمكن أن يعطينا رؤية شاملة عن مجمل أسباب قيام هذه النهضة، بغض النظر عن أسبابها المباشرة. وقد تكون معرفة هذه الأحداث مفيدة لمن يبحث عن الحقيقة المجردة التي توصله إلى نتائج يركن إليها.
في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم كان هناك توجهان لإدارة الأمة وقيادتها، توجه يقوده الرسول صلى الله عليه واله وسلم، وفيه يحث أفراد المجتمع على أتباع طريق أهل البيت عليهم السلام من بعده، وأولهم وعلى رأسهم الإمام علي (عليه السلام) وأخر توجيهات رسول الله للأمة كان حديث الغدير الذي نصب فيه الله ورسوله عليا (عليه السلام) وليا على الناس.
فعن حذيفة بن اليمان قال: (كنت والله جالسا بين يدي رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) وقد نزل بنا غدير خم، وقد غص المجلس بالمهاجرين والأنصار، فقام رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) على قدميه فقال: (يا أيها الناس إن الله أمرني بأمر فقال: (يا أيهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ) ثم نادى علي بن أبي طالب فأقامه عن يمينه ثم قال: (يا أيها الناس ألم تعلموا أني أولى منكم بأنفسكم)، قالوا: اللهم بلى، قال: (من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، وانصر من نصره واخذل من خذله) وهذا التوجه هو التوجه البارز في حياة الرسول، ولم يكن الناس يعترضون عليه إلا خفية.
والتوجه الثاني هو التوجه الذي يقوده عدد من (الصحابة) الذي يرون أن إدارة الأمة وقيادتها لابد أن تخرج عن أهل البيت (عليهم السلام) وأن تكون لغيرهم إما للمهاجرين وإما للأنصار، وقد ظهرت قوة هذا الاتجاه قبيل وفاة الرسول فيما يُعرف بـ(رزية الخميس). هذا الشرخ بين هذين التوجهين، طريق أهل البيت، وطريق الصحابة أخذ يتسع شيئا فشيئا، وكانت السقيفة هي مفترق الطريق، ومن تلك اللحظة افترقت القيادة الدينية عن القيادة السياسية للأمة.
لقد سعى معاوية إلى تهيئة الأجواء للقيام بمحاربة أهل البيت (عليهم السلام) وكان ذلك من أسباب جريمة قتل الإمام الحسين (عليه السلام)، فلقد استفاد معاوية من فرصة توليه على الشام منذ أن نصبه عمر، وهكذا في زمن عثمان، وفي فترة تمرده على أمير المؤمنين علي (عليه السلام) في بسط ملكه على الناس، فكان يظهر للناس بأنه هو الكل في الكل في الدولة الإسلامية، ولا يحق لأحد أن يعترض على أعماله، فكان مستبداً جائراً يواجه من يخالفه بأشد العقوبة.
وبعد شهادة أمير المؤمنين (عليه السلام)، استمر معاوية عشرين سنة أخرى في سيطرته على كرسي الخلافة الإسلامية، حيث تمكن من تغيير أفكار الناس وجرها إلى ما يريد وأن يجري عليهم عملية (غسيل المخ) بحسب اصطلاح اليوم. وأنه تمكن بواسطة أنواع الحيل والخداع والمكر أن يجر الأمة الإسلامية إلى طريق الانحراف والضلال ويبعدهم عن تعاليم الكتاب والعترة. وأخيراً تهيأ الجو المساعد لإجراء أهداف ونوايا معاوية.
ومن أقبح ما أقدم عليه معاوية خلال فترة وجوده بالشام هو الأمر بلعن وسب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) وأصحابه على منابر المسلمين!، مدعياً بأنهم ـ والعياذ بالله من قطاع الطرق، والكذابين، وأن علياً (عليه السلام) واحداً من هؤلاء، وكان معاوية يرسل خطباء خاصين إلى النواحي والبلدات ليلعنوا أمير المؤمنين علي (عليه السلام) ويفتروا عليه.
كما قام معاوية أيضاً بقتل الإمام الحسن (عليه السلام) بالسم الذي دسه إليه عبر جعدة بنت الأشعث، فلما أتاه خبر وفاة الإمام الحسن (عليه السلام) أظهر معاوية فرحا وسرورا حتى سجد وسجد من كان معه. وكذلك قتله الصحابي الجليل حجر بن عدي وأصحابه الأخيار. كما قتل العديد من المؤمنين بالسم، وكان يقول: (إن لله جنوداً من عسل).
وبذلك فقد هيأ معاوية الجو المساعد للحكم الجائر والاستبدادي لبني أمية، حيث قام بتنصيب ابنه الفاسق (يزيد) بعنوان الخليفة من بعده أولاً ثم أخذ البيعة له من الجميع بالإكراه ثانياً، فقد ورد في النصوص التاريخية: وأخذت البيعة ليزيد من الناس على أنهم عبيد له، ومن أبى ذلك فجزاؤه السيف.
وقد كان يزيد شاباً نزقاً لم تصقله التجارب بعد، ولم يتربّ بتربية إسلامية، ولم يتخلق بالأخلاق والآداب الشرعية، فلم يكن لائقاً للخلافة الإسلامية أصلاً، بالإضافة إلى أنه كان عند معظم المسلمين والرأي العام الإسلامي ذا موقع سيئ وسمعة سيئة.
وفي المقابل كان الإمام الحسين بن علي (عليه السلام) هو الإمام من بعد أخيه الحسن (عليه السلام) حسب النص الوارد عن رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) والإمام أمير المؤمنين والإمام الحسن (عليه السلام)، وكان يتمتع بسابقة مضيئة وهو من عائلة طاهرة ومن بيت علم وتقوى وإجلال عند جميع المسلمين وكبار أصحاب النبي (صلى الله عليه واله وسلم) والتابعين، فكان يتمتع بمكانة مرموقة وموقع مهم وقابل للاحترام والتقدير، فإنه (عليه السلام) من أهل بيت النبوة وموضع الرسالة ومختلف الملائكة.
لقد أدرك سيد الشهداء الإمام الحسين بن علي (عليه السلام) وحجة الله على خلقه خطر اعتلاء رجل فاسق كيزيد على منبر الخلافة الإسلامية والذي كان يسعى طبقاً لما رسم له للقضاء على ما تبقى من الإسلام وآثار الرسول (صلى الله عليه واله وسلم)، كما كان لتغلغل طغاة بني أمية في أوساط المجتمع وبسرعة واتخاذهم مال الله دولاً وعباده خولاً، عوامل إضافية عجلت في قيام أبي عبد الله الحسين (عليه السلام) في وجههم من أجل الحفاظ على الإسلام والمسلمين وإن استلزم الأمر التضحية بنفسه (عليه السلام).
ومن هنا نحصل إلى ما يأتي:
1. إن كل ما جرى من ويلات على المسلمين كان نتيجة لتعدي القوانين الإلهية والابتعاد عن الخلافة الشرعية وعن أئمة أهل البيت (عليهم السلام) ووكلائهم، ونتيجة تشكيل الحكومات الظالمة والدول الاستبدادية والدكتاتورية، وعدم الانصياع لكلام الله والرسول (صلى الله عليه واله وسلم) وأهل بيته (عليهم السلام) والابتعاد عن العقيدة الإسلامية المقدسة وقوانينها الحيوية.
2. إن دين الله والعقيدة الإسلامية صارت في معرض خطر الفناء والزوال... فلم يبق من الإسلام إلا اسمه ومن القرآن إلا رسمه وعادت شجرة الإسلام يابسة بعد موت جذورها وسقوط أوراقها، فلم يكن هناك أمل بإحيائها وإعادة الحياة إليها من جديد سوى ذلك الدم الزاكي لأبي عبد الله الحسين (عليه السلام).
3. لقد أحيا الدم الطاهر لسيد الشهداء (عليه السلام) سبط النبي وابن علي والزهراء (صلوات الله عليهم أجمعين) وأصحابه الأبرار تلك الشجرة العظيمة وأعاد لها الحياة وملأها بهجة ونضارة بحيث صار المسلمون وغير المسلمين يقطفون ثمارها المباركة وإلى يومنا هذا.
4. كانت فاجعة كربلاء بحق شديدة على أهل السماوات والأرضين والإنسانية جمعاء، ولقد فاقت كل فاجعة منذ خلق الله الأرض ومن عليها إلى قيام الساعة، ولذا فإن صرخات ونداءات الإمام الحسين (عليه السلام) ستتردد في كل جيل فيستجيب لها كل أبي وغيور كما سيبقى اسم الحسين (عليه السلام) مظهراً للاستقامة والشجاعة والتضحية في سبيل الحرية يقض مضاجع الظالمين.
5. إن الإمام الحسين (عليه السلام) أصبح فداء للعقيدة الإسلامية، وإن الإسلام قد استقام بقيام الإمام الحسين (عليه السلام) وشهادته، وكان سبباً لوصوله إلينا اليوم بهذه العظمة والقدرة وبعد مضي أكثر من ألف وأربعمائة سنة على البعثة النبوية الشريفة، فلولاه لما كان هذا.
6. ومن هنا يلزم السعي من أجل المحافظة على نهضة الإمام الحسين (عليه السلام) ونشر أهدافها وأفكارها دائماً، فإن المحافظة على نهضة الإمام الحسين (عليه السلام) تضمن لنا بقاء الدين حياً، وذلك من خلال إقامة مجالس العزاء والمآتم والشعائر الحسينية، فالبكاء على الشهيد يصنع الحماسة في النفوس وهكذا بقية الشعائر المقدسة، ونحن نأمل أن تزداد وتنتشر هذه الشعائر الحسينية ومجالس العزاء يوماً بعد يوم وبصورة أفضل كي تعطي ثمارها في نشر الثقافة والوعي في صفوف الأمة وتبقى أهداف الإمام الحسين (عليه السلام) حية ماثلة أمام العيون، عندها تكون الحماسة الحسينية كالدم الفوار يفور في عروق المجتمع فلا يبقى مجال للظلم والظالمين.
اضف تعليق