تعاني قوى التحالف الوطني من مشاكل في الحقل السياسي العراقي حاليا اثرت على مجمل الفعاليات السياسية قد تنتج فواقد انتخابية مؤكدة في حال الاستمرار بنهج التفكك وعدم الاتفاق مابين هذه القوى تحت مظلة التحالف الوطني الذي وصف قواه نفسها على انه مجرد اسم شكلي ممسوك بقضية تقاسم السلطة دون الاهتمام بالشركاء، والقواعد الشعبية التي بدأت تهتز ثقتها بقوى التحالف نسبيا.
التحالف الوطني تتسم قواه بغلبة الطابع الصراعي على الطابع التعاوني لذلك فالمجهود المطلوب بذله لترطيب العلاقات فائق واستثنائي، الوضع لا يحتمل استمرار التقاطع والاهتراء في التحالف الوطني خصوصاً أن ذلك ينعكس على المواطنين ويزيد من معاناتهم اليومية، كما ينعكس على الوضع والانتظام العام المطلوب هو الإسراع في الاتفاق على الحل الشامل وبعد تحقيق انجاز استثنائي بدءا بهيكلة التحالف ومأسسته ووضع خيارات استراتيجية وتصورات مستقبلية لما بعد داعش، ويحتاج هذا الى الاتفاق على ثوابت في العمل السياسي وتحديد التحديات واستثمار الفرص وتدشين البدائل الفاعلة، خاصة بعد تراجع حظوظ مشروع التسوية الوطنية او التأريخية في تحقيق اختراق ايجابي كأحد الفرص المتاحة التي لابد من الاسراع بوضع بدائل لها، اذ أن عامل الوقت ليس لصالح الجميع.
تحديات عامة:
1- من خلال التجربة السياسية للقوى السياسية الشيعية نستطيع القول ان غالبية الاسلام السياسي الشيعي في العراق يعانون من عقدة في علاقتهم مع أمريكا سببها هو الرؤية السلبية لكل ماهو أمريكي وهذه الرؤية تكونت وتراكمت خلال عشرات السنين، فنظرتهم لأمريكا على انها تمثل الإمبريالية والرأسمالية المتوحشة جاءت من خلال الرؤية اليسارية الشيوعية لها، ونظرتها لأمريكا انها الراعي الاكبر للصهيونية وإسرائيل تشكلت من خلال المنظور القومي والناصري لها، واخيرا وليس آخرا نظرتها لها كشيطان اكبر تبلورت من خلال المنظور الإيراني، اي لم يكن لشيعة العراق رؤية خاصة بهم للوﻻيات المتحدة الأمريكية، مما افقدهم المبادرة وكذلك ضياع البوصلة في العلاقة مع الولايات المتحدة وعليه لابد من رؤية شيعية موحدة جديدة تنطلق من مشروع شيعي عراقي محض تجاه امريكا والغرب والمنطقة ووفقاً للمصلحة الشيعية العراقية.
2- شيعة العراق سياسيا ليسوا جهة واحدة وينقصهم امرين مهمين هما المشروع والقيادة، بدون مشروع لا يمكن لهم ان يحددوا وجهتهم وبدون قيادة تحمل المشروع لا يمكن للمشروع ان يتحول الى مصداق على ارض الواقع.
3- تواجه الانتخابات القادمة في العراق عدة معوقات أولها خطر المقاطعة في ظل الأداء السيء للقوى السياسية العراقية برمتها وربما كانت الفترة الماضية هي الاسوء بسبب انخفاض اسعار النفط والعجز في الميزانية وانعكاساتها على الوضع المعاشي للمواطن.
4- احتلال تنظيم داعش الارهابي لثلث الاراضي العراقية نتج عنها اكثر من اربعة مليون نازح ربما يرتفع العدد الى خمسة ملايين بعد انتهاء معركة الموصل وهذا بالتالي يعني عدم مشاركة عدد كبير في الانتخابات فضلا عن اعتراضات من تحالف القوى الذي فقد قاعدته الانتخابية في ظل تركهم لجمهورهم في أصعب الظروف.
5- التخطيط لتأجيل الانتخابات وتمديد الفترة التشريعية للبرلمان بعد تأجيل انتخابات مجالس المحافظات لان الغالبية من النواب وأعضاء مجالس المحافظات لن يضمنوا عودتهم الى قبة البرلمان وبالتالي التمديد سيفيد الجميع.
الفرص:
لابد على التحالف الوطني التأكيد والعمل على الفرص الاتية لمواجهة التحديات:
1- التأكيد على أن الانتخابات النيابية ومجالس المحافظات استحقاق شعبي دستوري سياسي ولا يمكن تأجيلها اذ ان مراعاة الاستحقاقات الدستورية مؤشر مهم على ان التحالف الوطني يتصرف بناءا على مسؤولياته الدستورية والقوانين، واظن ان الاتفاق حول هذا الموقف قابل للاتفاق وليس معجزة.
2- وهذا يقتضي منا جميعا الاسراع في الاتفاق على قانون الانتخابات الذي يشكل العمود الفقري للحل وهذا يحتاج الى نقاشات وتفاهمات حول الصيغة الانسب لتعديل قانون الانتخابات بأسرع وقت بما يعكس ارادة الناخب الحرة وعدالة توزيع الاصوات وافضل المقترحات لهذا القانون النظام المختلط القائم على اساس توزيع المقاعد على جزأين دائرة واحد لنصف عدد الاعضاء المطلوب فوزهم ودوائر متعددة للنصف الاخر، وهنالك مقترح ايضا مقبول وهو لكل مئة الف ناخب دائرة انتخابية واحدة مع ايجاد آلية حسابية عادلة لحساب الاصوات والمقاعد التعويضية والكوتا والاقليات بما ينسجم والدستور وضوابط الديمقراطية..
3- الحذر من مخاطر الوضع الاقتصادي الذي يتفاقم يوماً بعد يوم، والذي يحتاج الى عناية خاصة ستبدو متعذرة من دون إيجاد حلول سياسية للأزمة القائمة ولهذا لابد للتحالف من ايجاد خطة اقتصادية فاعلة تسهم في تحصين الوضع الاقتصادي وتساعد صانع القرار على مواجهة هذه الازمة خاصة في المناطق المحررة.
4- ان الوضع في البلاد في العام الحالي سيكون على مفترق طرق إذا لم نتفق على الحلول المناسبة للملفات العالقة سواءا بإيجاد تصورات للعلاقة مع اقليم كردستان والمناطق المحررة من داعش مع القوى السنية ويفضل تشكيل وفد تفاوضي من التحالف الوطني (ساسة، مستقلين، كفاءات ونخب) ومنحهم صلاحيات للتفاوض مع مراعاة الاسس والثوابت العامة لمصلحة اطراف التحالف الوطني، مع هذه الاطراف لتثبيت المواقف واستبيان التصورات والتوصل الى اتفاق حول مستقبل العلاقة معهما.
5- مرحلة ما بعد داعش هي فرصة التحالف الوطني الذهبية هذه المرحلة لابد ان يكتبها التحالف الوطني لانه الطرف المنتصر، وهنا استثمار المقبولية والسمعة الايجابية لقوات الحشد الشعبي في هذا الجانب من اجل ترتيب اوراق البيت الشيعي سياسيا، وذلك بان تكون الواجهات السياسية لقوى التحالف من الاسماء اللامعة في الحشد وعدم السماح للشخصيات التي عليها مؤشرات سلبية بالنفوذ سياسيا وانتخابيا واعلاميا، لانها تعكس صورة مشوهة للمواطن العراقي في استنفاذ ثقته بالساسة.
6- دعونا لا ننسى الحقيقة الأساسية بأن أزمة العراق الآن سياسية بحتة ويبقى تحقيق التغيير السياسي المستدام في العراق هو السبيل الوحيد الذي يمنحه القدرة على الدفاع عن نفسه دون مساعدة خارجية من احد.
بدائل مشروع التسوية الوطنية:
يعد تعثر نجاح مشروع التسوية الوطنية، من اهم التحديات التي يواجهها التحالف الوطني الان وكبديل لهذا التحدي ممكن طرح الخطوات الاتية لتحقيق بدائل مقبولة وكالاتي:
أ- تكمن أولى الخطوات المطلوبة هي مساعدة حيدر العبّادي بدعم أجندته الإصلاحية وتبني الاصلاح بالتعاضد مع العبادي، وهذا يمثل نقطة محورية لمعالجة التشنجات ازاء التحالف الوطني من المحيط الداخلي والخارجي المضاد لحكمه.
ب- تتعلق الخطوة الثانية بتقديم العون لأهل السنّة ونعلم ان هنالك خطوات، لكن تحتاج تأطير وتسويق اعلامي جيد وذلك عبر الية تمكينهم اجتماعيا واستقطابهم سياسيا حتى يصبح لهم صوتهم المسموع عبر تشجيعهم على الاتحاد سياسيا ضمن اطار التحالف ويفضل اجتذاب الشخصيات السياسية المقبولة اجتماعيا والفواعل المحلية الحقيقية التي باستطاعتها اجتذاب الجماهير السنية، ونقل الرسائل الايجابية عن التحالف داخليا وخارجيا، وتوفير المصداقية اللازمة للجماهير الذين يشكلون قاعدة التأييد له.
ج- تكمن الخطوة الثالثة بشكل موازي للخطوتين السابقتين في التصدي للممارسات العدوانية لعملاء الخارج الذين يعملون على إضرام نيران العداوة السياسية ضد العراق وعبر وسائل الإعلام العراقية والعربية ضمن ادوات خطاب اعلامي وسياسي ناضج يستطيع سحب البساط من تحت ارجل هذه الممارسات المؤدلجة التي تؤيد اضرام اقتتال طائفي.
د- تتعلق الخطوة الرابعة بالدفع في اتجاه تبني مبادرة او عقد اتفاقية مقبولة بين حكومة العبادي والأكراد ثم محاولة فتح قنوات اتصال وتفاوض معهم واقناعهم بالقبول بمبادرة التحالف مع الحكومة، كما يمكن ان يحمل التحالف الوطني مبادرة تشجع اطراف التحالف الكردستاني على الاتفاق فيما بينهم لحل مشاكل الاقليم ثم توحيد هذه القوى في الدخول بشراكة او اتفاقية موحدة مع التحالف الوطني بدلا من اللعب على وتر التشظي والاقتراب الجزئي بين اطراف من التحالف الوطني واطراف من التحالف الكردستاني لغايات سياسية بحتة.
ه- وضع خريطة عمل جديدة فيما يخص تقسيم المرشحين وفق قوائم حسب الخريطة الانتخابية المعدة وفق قانون الانتخابات مع اجراء انتخابات تمهيدية غير حزبية تعيد الثقة بجماهير التحالف الوطني.
و- وضع سياسة جديدة للتعامل مع العشائر العراقية من الان والتفاعل معهم عبر انشاء مشروع او مؤسسة تضم شيوخ ووجهاء العشائر ورعاية مؤتمر وطني للعشائر يستهدف توحيد الجهود لمواجهة الارهاب والاستعداد للانتخابات وفض النزاعات العشائرية وتحديدا في المناطق المحررة.
ز- اتباع اليات ثقافية وسياسية واقتصادية لإدارة مجتمعات مابعد الصراع عبر النفوذ السياسي للتحالف الوطني في مجلسي النواب والوزراء لبث رسائل طمأنة لهذه المجتمعات وتعد قضية اعادة الاعمار بشفافية ونزاهة مطلقة واشراك المجتمع الدولي بهذا الجهد لتشغيل ابناء هذه المناطق، اهم بدائل تطرح للتسوية ومن اهم الرسائل المثمرة لتشكيل فعل سياسي واجتماعي ايجابي ينعكس على مستوى الدولة الاتحادية برمتها.
ويمكن لتلك الخطوات متدرجة ومنفصلة أن تقوّي دور التحالف الوطني وحضوره السياسي ضمن الاطار العام وتطرح بشكل سليم بدائل لما طرح بالتسوية الوطنية. لابد من التأكيد على ان تبني مبادرات ومواقف وسياسيات هو اجراء تكتيكي لكن يحتاج ان لايبقى على تخوم الشعارات والقنوات الاعلامية من طرف واحد، بل عبر فتح قنوات اتصال خلفية مع الجهات المستهدفة لتحضير ارضية ملائمة لتسويق هذه الخطوات والمبادرة او الاتفاقية مع الاطراف الاخرى، حتى تترجم كممارسة لها ابعاد واقعية وانعكاسات ايجابية على الاصعدة كافة.
اضف تعليق