من خلال متابعتنا للصحف الأجنبية، لفتنا مقال للكاتب والصحفي باتريك كوكبرن في صحيفة آي البريطانية الصادرة عن دار الاندبندنت في بداية الشهر الماضي كانون الثاني، يتهم فيه المملكة العربية السعودية بجلب الفوضى بسبب محاولتها للهيمنة على دول المنطقة. إذ يرى الكاتب أنه قبل سنتين بدا أن الجهد الذي بذلته السعودية خلال نصف قرن لأن تجعل من نفسها القوة الرئيسة بين الدول العربية والإسلامية كما لو أنه ناجح، ويستشهد هنا بتسريب نشره موقع ويكيليكس في عام 2014 عن هيلاري كلينتون تتحدث فيه عن تنافس السعوديين والقطريين (على الهيمنة على العالم السني)، وكذلك بمذكرة لجهاز الاستخبارات الخارجية الألماني (بي أن دي) في عام 2015 تقول: (إن الموقف الدبلوماسي المتحفظ لأعضاء الاسرة المالكة (السعودية) الأكبر سناً قد استبدل بسياسة تدخل مندفعة).
ويقول كوكبرن إن هذه المخاوف من عدم الاستقرار الناجم عن مثل هذه السياسة السعودية الهجومية قد تجسدت، لكن ما لم يتوقعه الجهاز الاستخباري الألماني كان (السرعة التي سترى فيها السعودية هزيمة طموحاتها على كل الجبهات في الغالب). ويضيف أن السعودية شهدت في العام الماضي خسارة حلفائها في الحرب الأهلية السورية لأكبر مركز مدني في شرقي حلب، وهنا يبدو التدخل السعودي في سوريا غير مباشر، لكن في اليمن التي تتدخل فيها الآلة العسكرية السعودية بشكل مباشر فشلت في تحقيق النصر، بحسب الكاتب.
ويكمل كوكبرن القول: لا شيء يسير بشكل جيد بالنسبة للسعوديين في اليمن وسوريا، إذ أن السعوديين قد توقعوا هزيمة الحوثيين بسهولة، ولكنهم بعد أكثر من 15 شهراً من القصف ما زالوا وحليفهم الرئيس السابق علي عبد الله صالح يسيطرون على العاصمة اليمنية صنعاء وعلى شمال اليمن، وأن حملة القصف على أفقر بلد عربي من أغنى بلد عربي تسببت في أزمة إنسانية جعلت نحو 60% على الأقل من سكان اليمن، البالغ عددهم 25 مليون نسمة، لا يحصلون على الطعام والشراب الكافيين.
ويشير الكاتب إلى أنه في الولايات المتحدة التي يسميها "الضامن الأخير لاستمرار حكم آل سعود"، سمح الرئيس السابق باراك أوباما لأن ينقل عنه تصريح يشكو فيه من تقليد في واشنطن بمعاملة المملكة العربية السعودية كحليف. ويضيف أنه على المستوى الشعبي ثمة عدوانية متزايدة ضد السعودية انعكست في شبه اجماع الكونغرس في التصويت لصالح السماح لعائلات ضحايا 11 أيلول بمقاضاة الحكومة السعودية وتحميلها مسؤولية الهجوم. ويخلص الكاتب إلى القول أن محاولة السعودية ودول الخليج النفطية لتحقيق هيمنة في العالمين العربي والمسلم السني اثبتت أنها كارثية للجميع في الغالب.
من خلال ما تقدم، نرى ان التدخل العسكري في اليمن من قبل التحالف العربي، يطرح إشكالاتٍ قانونيّةٍ وسياسيّةٍ معقدة حول شرعيّة ومشروعيّة اللجوء الى القوة العسكريّة لإعادة ترتيب الوضع الداخلي في اليمن وعودة الحكومة، وتداعيات جيوسياسيّة تشكّل المبررات الحقيقيّة للتحرك في هذا التوقيت بالذات.
فمن الناحية القانونية، يعد التدخل العسكري من قبل التحالف العربي غير قانوني، كونه لا ينسجم مع ميثاق الأمم المتحدة، إذ يستند هذا التحالف إلى المادة (51) من ميثاق الأمم المتحدة التي أشارت إلى حقِّ الدفاع عن النفس الفردي والجماعي، ولكنَّنا نرى أنَّ هذه المادة لا تنطبق على الواقع اليمني، لأنَّها تنحصر في حالة الاعتداء الدولي مستبعدة الصراعات الداخليّة، وحتّى حقِّ الدفاع عن النفس الوقائي والاستباقي (مثلما عملت الولايات المتّحدة الأميركيّة وحلفائها عند دخولها في أفغانستان واحتلالها للعراق عام 2003، والذي يُعدّ – أيضاً- هذا النوع من الدفاع عن النفس غير مشروع، لأنَّ الميثاق لم يشر إليه) ينحصر في مكافحة الإرهاب الدولي فقط، وأنّ الحوثيين لا يُعدّون إرهابيين، ولم يقوموا بأي اعتداء أو تهديد على أراضي المملكة العربيّة السعودية أو على أراضي دولة أخرى. ولكن في النهاية تم شرعنة هذا التدخل العسكري من قِبل مجلس الامن الدولي في قراره رقم (2216) بتاريخ 14 نيسان 2015، الذي صدر بموجب الفصل السابع.
أما من الناحية السياسية، فأساس التدخل العسكري في اليمن، هو لمحاولة السعودية منع مشاركة الحوثيين في السلطة، الذين طالبوا بـ 20% في الحكومة، كونهم يعتبرون حركة أنصار الله أو الحوثيين امتداد للهيمنة الإيرانية في المنطقة العربية، بالرغم من عدم وجود أي دليل ملموس بتدخل ايران في اليمن (حسب ما صرح به مسؤولون أميركيون)، إلا أن السعودية تصر على التواجد الإيراني في اليمن. إضافة إلى ذلك، بسبب قرب اليمن من السعودية جغرافياً وأيديولوجياً، فان أي حركة ديمقراطية في اليمن تهدد الوضع الداخلي في الأخيرة، وهذا ما يفسر تدخلهم بعد احداث ما عرف بالربيع العربي في البحرين واليمن وسوريا ومصر.
لقد أدّت الغارات العسكرية من قبل التحالف العربي إلى ارتكاب جرائم بحقِّ الشعب اليمني، إذ إنَّ الوضع الإنساني في اليمن خطير جداً. فالتحالف العربي دمر البنية التحتية في اليمن بشكل كامل، من خلال استهدافه للمعامل والجسور والمباني الحكومية مثل المدارس والمستشفيات، لدرجة أنه قام في الشهر الماضي بقصف معمل للإسمنت أربعة مرات ما يدل على عدم امتلاكه اهداف عسكرية للحوثيين، وإنما الغاية تدمير اليمن بشكل كامل وممنهج بسبب مخاوفه من التوسع الإيراني حسب تقديره. فحسب التقرير السنوي للأمم المتحدة لعام 2016، أشار فيه إلى أن عدد القتلى في اليمن قد تجاوز العشرة الاف خلال 18 شهراً، ناهيك عن الحصار الذي فرضه التحالف على اليمن والذي تسبب بنقص كبير في الغذاء والدواء، مما يهدد بكارثة إنسانية خطيرة في حال إذا استمر هذا الحصار لغاية شهر نيسان المقبل.
وبالرغم من كل هذه الانتهاكات والجرائم التي ترتكب بحق الشعب في اليمن، لم نلاحظ أي تحرك دولي فعلي تجاهه، وهو ما نراه أيضاً في ليبيا التي يعم فيها الفوضى والإرهاب بشكل خطير، فهاتان الدولتان اصبحتا في عالم النسيان بالنسبة للمجتمع الدولي. فضلا عن عدم وجود أي دور من الأمم المتحدة تجاه الوضع في اليمن، سِوى أنِّ أمينها العام السابق بان كي مون قد أعرب عن قَلقهِ (27) مرة إِزاء الحرب على اليمن.
اضف تعليق