في ظل البيئة المحيطة بالعراق ذات الطابع السني -باستثناء إيران- يقف العراق على مفترق طرق بعد أن جاء التغيير السياسي في عام 2003 مخالفاً لكل التوقعات لا سيما لبعض دول المنطقة السنية، فالسمة المميزة للعراق قبل 2003 هو سيطرة العرب السنة على مقاليد الحكم هناك وبغض النظر عن توجهاتهم او عدائهم مع بعض الدول السنية او حتى بعض فئات سنة العراق الا ان طبيعة الحكم هي لشخوص من السنة واغلب المعارضين اما كورد او شيعة او بعضاً من الطائفة السنية، وأصل الخلاف انطلق من ثلاث منطلقات هي:
1- لم تستوعب الدول العربية وتركيا حقيقة ما جرى بأن التغيير في العراق والتخلص من نظام صدام قد استبدل بحكم سياسي شيعي حسب زعمهم، لذلك سارعت تلك الدول للعداء مع العملية السياسية وعدم الاعتراف بها لسنوات عدة وتحت ذرائع مختلفة فتارة ان العراق دولة محتلة متناسين من اين دخل الأمريكان! وتارة ان الحكم طائفي يقمع السنة، وتارة بأن الحكومة العراقية تابعة لإيران في الوقت الذي لم تبادر تلك الدول لفتح سفارات تمثيل لها في العراق.
2- لم يعترف اغلب قادة سنة العراق بالعملية السياسية ولجئوا للقطيعة معها واختيار المعارضة المسلحة باستثناء بعض المعتدلين وهذا الامر لم يدم طويلاً حتى عاد سنة العراق للمشاركة وبقوة في العملية السياسية بعد ان استوعبوا حقيقة الامر وذاقوا ويلات تلك القطيعة.
3- لم يستثمر قادة الشيعة وهنا نقصد الساسة الفرصة التاريخية لوصولهم للحكم للمرة الاولى فلم ينصفوا من كان ينتظرهم لسنوات طوال تحت التهديد والوعيد والظلم والفقر فلم يحققوا طموحه، وبنفس الوقت لم يحسنوا استيعاب سنة العراق بالصورة الصحية وبالتالي لا يمكن الاندفاع بكل تلك القوة نحو إيران دون احداث موازنة ما بين العلاقات مع إيران وبقية الدول ذات التأثير الكبير على الداخل العراقي.
وبعد المشاركة السياسية للسنة في العملية السياسية بقوا يمارسون دور الحكومة والمعارضة "فهم في بعض مفاصل الحكومة وهم في خانة المعارضة" وبطبيعة الحال ساهمت الخطابات التصعيدية لزج الشارع في تلك المشاكل وإيصال فكرة للمتلقي السني البسيط بأن الحكومة تمارس الاقصاء والتهميش وحتى ان كان الامر صحيحاً ببعض التصرفات إلا ان نسبته قليلة قياساً بالمناصب التي يشغلها هؤلاء، وكانت النتيجة زج الشارع السني في الاعتصامات ومن ثم التمرد على الحكومة والتي بدورها تتحمل جزءاً من المسؤولية لإدارتها غير الموفقة لتلك الاحتجاجات والتي رافقها دعم عربي وتركي لعلهم يظفرون بتغيير المعادلة هناك وتزامناً مع الربيع العربي والأزمة السورية فكانت النتيجة تغلغل تنظيم داعش والسيطرة على مدن السنة الذين لم يظفروا بشيء سوى سواء التهجير والمعاناة وتهديم البنى.
اما مؤتمر جنيف الذي عقد مؤخراً والذي يبحث مستقبل المدن ما بعد داعش والذي جرى برعاية احد ابرز قادة السنة "خميس الخنجر" والمطلوب للسلطات العراقية كما وان الحضور قد شمل محافظ نينوى السابق اثيل النجيفي وايضا مطلوب قضائياً ومحافظ نينوى الحالي وممثلين عن مجلس محافظة نينوى وممثل عن صالح المطلك واحمد المساري اضافة لكبار القادة، فقد واجه المؤتمر هذه المرة معارضة ابتدأت ببعض ابرز قادة السنة وأولهم رئيس مجلس النواب العراقي سليم الجبوري والذي بدوره اعتبر ان اي مؤتمرات خارج العراق هي لا تصب في مصلحة السنة ولا تخدم قضيتهم منتقداً كل مفاصل ذلك المؤتمر، وايضاً كبار رجال الدين السنة والجمهور السني، وربما هذه المواقف قد بنيت على نتائج سابقة عبر عشرات المؤتمرات في تركيا وقطر والسعودية وفرنسا والأردن وغيرها وجميعها لم تحقق شيئاً يذكر بل دائما ما تسفر عن نتائج تؤجج الوضع وتتسم بالخطاب التصعيدي وتضم اناساً مطلوبين للقضاء العراقي.
يشير البعض الى ان هدف المؤتمر يدور حول امرين وهما: اقامة الاقليم السني بعد اكمال التحرير في المدن السنية، وإيجاد قائمة او تكتل او تحالف سني جديد ربما يستبعد منه بعض الشخصيات المحسوبة على الحكومة او تتميز برفضها لإقامة الاقليم او تتمتع بعلاقات جيدة مع الحشد الشعبي، وبالرغم من كل ذلك فإن المؤشرات تدل على مخاطر محدقة بعد داعش سواء كان صراعاً سنياً سنياً على الزعامة هناك او حتى خلاف شيعي شيعي او شيعي سني او عربي كردي حول عائدية وأحقية بعض المناطق التي سيطر عليها الكرد.
لذلك ينبغي على قادة السنة سواء المشاركين بالعملية السياسية او رجال الدين المعتدلين او حتى القواعد الشعبية في المناطق السنية ان يبادروا لإدراك الوضع والاستعداد جيداً للمرحلة المقبلة وعليهم ان ينظروا للحل من الداخل وعدم تكرار تجربة الماضي والاستماع او التأثر او الانتظار لمبادرات خارجية، وهناك حاجة ملحة لأخذ الدبلوماسية العراقية دورها في الكشف عن حقيقة هكذا مؤتمرات والهدف منها، كما على السلطات المختصة تفعيل مذكرات القبض بحق المطلوبين للقضاء العراقي او تسوية اوضاعهم بالنسبة لمن يرغب بتسليم نفسه.
واهم من كل ذلك ان يلتفتوا لأعمار مناطقهم وان يستثمروا تلك العلاقات مع بقية الدول للمساهمة بإعادة الاعمار وعودة النازحين وطي صفحة الماضي وعدم الرهان على الخارج وعدم التعويل على بعض الرموز التقليدية ذات التوجه التحريضي خصوصاً المشاركة في انتشار تنظيم داعش.
اضف تعليق