قيل الكثير عن السياسة الترامبية ورصد أكثر الكتاب تصريحات الرئيس الأمريكي الجديد من خلال بوصلة خطاباته المثيرة للجدل حول العدسة التي تنظر منها الولايات المتحدة الاميركية للارهاب وكيفية القضاء عليه ومن هم الخصوم والحلفاء لذلك، لكن يبدو أن قرار حظر دخول مواطني سبع دول إسلامية للأراضي الأمريكية والعقوبات التي قد تطال دول إسلامية دون غيرها، كل هذا الجنون السياسي حسب تصريحات بعض المحللين السياسيين لن تقف عدواه (ترامب) على أعتاب الولايات المتحدة الأميركية وإنما قد تضرب دول أخرى.
المرشحة لانتخابات الرئاسة الفرنسية مارين لوبان زعيمة اليمين المتطرف تعهدت بطرد المهاجرين على الأراضي الفرنسية، وعدم استقبال أي لاجئ في المستقبل، كما أن خطابات لوبان وسط جمهورها الانتخابي لوحت بها بضرورة إجراء استفتاء حول الخروج عن الاتحاد الأوروبي وعودة العمل بالفرنك الفرنسي كعملة رسمية للبلاد، مؤكدة للآلاف من أنصارها أنها الوحيدة القادرة على حماية فرنسا، هذه التصريحات أطلقتها لوبان من مدينة ليون، مشيرة إلى أن الانقسام لم يعد بين اليمين واليسار بل بين الوطنيين وأنصار العولمة.
فرنسا دولة لها ثقلها على المستوى الأوروبي والدولي والتطورات الداخلية لها تأثير على مختلف مناطق التأثير والنفوذ الفرنسي ما يهدد بموجة جديدة من الأزمات على شاكلة (الترامبية)، فهي إحدى الدول المؤسسة للاتحاد الأوروبي ، وأحد الأعضاء الخمسة الدائمين في مجلس الأمن الدولي ، كما أنها عضو في العديد من المؤسسات الدولية ، بما في ذلك الفرانكوفونية ، ومجموعة الثمانية ومجموعة العشرين ، وحلف شمال الأطلسي ، ومنظمة التعاون والتنمية ومنظمة التجارة العالمية ، و الاتحاد اللاتيني ، وهي أكبر بلد في أوروبا الغربية والاتحاد الأوروبي من حيث المساحة و ثالث أكبر دولة في أوروبا بشكل عام بعد روسيا وأوكرانيا ، ويبلغ عدد سكانها حوالي 66 مليون نسمة ، هذه الدولة تعتمد النظام الجمهوري المركزي و البرلماني ، شعارها حرية ومساواة وإخاء .
فرنسا التي يشكل أبناء المهاجرين فيها نسبة 11% من سكانها قد تتحول بفوز لوبن بالانتخابات (التي تشير استطلاعات الرأي تقدمها على باقي مرشحي الرئاسة)، إلى بلد يحد من الهجرة وتشرع به القوانين التي تغلق أبواب سورها بأغلظ الاقفال لتترك آلاف المهاجرين ما بين مطرقة خطر البحار وجشع المهربين وسندان الأوضاع المأساوية التي تعصف ببلادهم.
مارين لوبان زعيمة اليمين المتطرف يبدو أنها تعمل جاهدة على دق مسمار آخر في نعش الاتحاد الأوروبي وتدفع أنصارها إلى التصويت على استفتاء الانفصال عن الاتحاد القاري، الأمر الذي سيكسر شوكة الاتحاد المنهك بثقل الديون المالية للدول الأعضاء الشرقيين، هذا الأمر يصب في مصلحة السياسة الأمريكية التي تسعى لأن تكون القطب الأوحد الذي يتحكم بالتجارة العالمية ويختار الحلفاء حسب مصالحه.
هنا نتساءل… ما هو مصير دول الاتحاد الاوربي بعد خروج الدول المؤسسة الكبرى بالتزامن مع صعود العملاق الصيني كقوة عالمية جديدة لها التأثير على الكثير من القضايا السياسية في العالم وتحالفها ليس بالخافي مع روسيا التي استعادت عافيتها وتأثيرها على دول الشرق الأوروبية بعد العلاقة الحميمية الاخيرة مع واشنطن.
يبدو أن مصير دول الاتحاد الاوربي بعد الانهيار سيحدده ملفات كثيرة، منها الإرهاب الذي توغل إليها مع موجات اللاجئين وكيفية القضاء عليها بمساعدة واشنطن أو بدونها، والموقف من الملف النووي الإيراني الذي بات الشغل الشاغل لواشنطن، والأزمات السياسية والإنسانية في العالم مثل السورية والليبية، وصراع المناطق المتنازع عليها مثل النزاع المصري السوداني والمصري السعودي، هنا سيكون الاصطفاف مع موقف القطب الأمريكي او الوقوف مع مصالحها مع البلدان المتصارعة ، والتي قد تدخل باشكالات أكثر تعقيداً، كل هذا سيجعل دول الاتحاد الأوروبي المتجزئة بدوامات سياسية واقتصادية تضعف من مواقفها وقدراتها وتأثيرها دولياً بعد ما كان لكلمتها تحت علم الاتحاد له من التأثير على مجريات الأحداث بشكل يضع الاتحاد بمصاف الدول العظمى.
الاجوبة التي قد تضع الحلول المناسبة لهذه الأسئلة المعقدة والشائكة سترسمها عدوى ترامب و اي الدول الأوربية التي قد تصيبها وماذا ستنجب الديمقراطية هناك من قادة أوروبيين جدد ، ونحن لا ننسى بأن يوما ما قد انجبت الديمقراطية هتلر النازي الذي أشعل الحرب العالمية الثانية؛ ومن ثم لا يستبعد بعض المراقبين بأن يكون دونالد ترامب احدث اصدار ديمقراطي لكنه أشد فتكا بالبشرية مع وجود الأسلحة النووية.
اضف تعليق