في اقل من اسبوعين على مجيء ترامب الى البيت الابيض، كانت الاشارات الصادرة عنه وعن ادارته تكفي للكثيرين في عالمنا ليتيقنوا ان عهدا امريكيا صادما بدأ يترك ظلاله الثقيلة على العلاقات الدولية، فالاسلوب الفج في التعبير عن المواقف والتهديدات المبكرة لإيران، والتناقض في ترسيم استراتيجية القضاء على منظمات الارهاب بين توسيع التدخل العسكري وبين التساهل مع دول وقوى كانت توظف هذه المنظمات لأغراض توسيع النفوذ واحداث تغييرات سياسية لصالحها.

كل هذه الاشارات تدل على ان منطقة الشرق الاوسط ستكون ساحة ساخنة لتجارب الادارة الامريكية الجديدة، وبطبيعة الحال سيكون العراق متأثرا حكما بهذه السياسات لدرجة تحتاج الى تحوطات على مستوى ادارة العلاقات الخارجية وعلى صعيد ادارة الامن والسياسة الداخلية، فالصراع الامريكي الايراني المتصاعد وان لم يصل الى حالة الحرب لكن اثاره ستكون كبيرة على الاستقرار السياسي في العراق، فايران تنظر الى الوجود العسكري الامريكي في جوارها، اي في العراق وافغانستان، بمثابة تهديد مباشر ستتعامل معه وفق اساليبها الاستنزافية وعن طريق اصدقائها الذين لايخفون عدائهم لأمريكا وتماهيهم مع الموقف الايراني، هذا يعني ان الضغط الامريكي سيتوجه تلقائيا الى قوى محددة داخل العراق على قاعدة تقليص النفوذ والتأثير الايراني تحت يافطة منع التدخل الايراني في المنطقة والذي تتعامل معه ادارة ترامب بعصبية وبتوافق واضح مع اسرائيل والسعودية والامارات.

في سياق ردود الفعل الاولى من كل الاطراف المنخرطة في هذا الصراع المتأجج تبدو واشنطن قد ضمنت الفاتورة المتوقعة من هذه السياسة، فالسعودية والامارات وقطر مستعدة لدفع التكاليف المالية التي هي المفتاح السحري للتفاهم مع ساكني البيت الابيض الجدد، وسيصبح التبرع السخي والاستثمار المباشر او التوجه نحو مستوردات السلاح هو أحد اهداف سياسة حافة الهاوية الامريكية، فإدارة ترامب لم تكن تمزح عندما اعلنت انها ستقايض الحماية والامن في منطقة الخليج بدفع المال.

ومثلما توجهت اليابان وكوريا الجنوبية المستفيدتان من المظلة العسكرية الامريكية للإعلان عن خطط استثمارية هائلة داخل الولايات المتحدة ربما تتجاوز النصف تريليون دولار؟ فان السعودية وقطر والامارات بدت مستعدة لفتح صناديقها السيادية رغم الضائقة المالية الحالية للاستثمار المباشر في مشاريع ترامب لتجديد البنية التحتية الامريكية، وهذه نتيجة سريعة لمبدأ ترامب الجديد القديم في السياسة الخارجية، انه التلويح بالعصا الغليظة وممارسة سياسة حافة الهاوية وربما شن حروب سريعة وضربات استباقية لتأكيد سطوة امريكا كقوة اولى في العالم هدفها تأمين الرفاه والتفوق العسكري وضمان الامن القومي الامريكي ومجالاته الحيوية المتعددة.

العراق ليس لديه اموال ليدفعها الى واشنطن بل هو محتاج اليها عسكريا واقتصاديا ومادامت ادارة ترامب تدعي ان امريكا انفقت ثلاثة تريليونات في تدخلها العسكري في العراق وان ايران توسع نفوذها فيه على حساب النفوذ الامريكي، لذلك من المتوقع ان تطور مستشارية الامن القومي الامريكي المتشددة ازاء ايران، استراتيجية للتدخل في الشأن العراقي يكون حجر الزاوية فيها استقطاب القوى المناوئة لإيران ليكون حضورها السياسي فاعلا وضاغطا، وهذا من شأنه ان يؤجج مناكفات سياسية وصراعات طائفية وحزبية ستشتد مع اقتراب الانتخابات النيابية وبعد الانتهاء من تحرير الموصل، علاوة على تزايد رغبة قوى كردستانية لإعلان الاستقلال وطموح قوى عربية سنية لتأسيس اقليم في شمال غرب وغرب العراق.

سنحتاج الى مهارات سياسية وخطاب سياسي معقول وقدرة على التواصل والتفاهم مع الادارة الامريكية قبل ان تشتط السياسات الامريكية وتسبب كوارث عراقية داخلية. الوقت يمر بسرعة وتطمينات السفارة الامريكية لاتكفي لوحدها للركون الى نوايا صانع القرار الامريكي.

* ابراهيم العبادي، كاتب وباحث، عضو ملتقى النبأ للحوار

...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

اضف تعليق