في البداية دعونا نحدد من الذي يخاف من الشيعة؟ وما الذي يخيفهم؟
غالبا ما تكون هناك حساسية مفرطة من قبل الانظمة العربية تجاه المسلمين الشيعة (خصوصا في العراق) او من يمثلهم في العالم العربي او الشرق الاوسط، وعندما يتعلق الحديث عن السياسية وما حولها، فالحساسية تتطور الى كيل التهم بالجملة، كتهميش السنة والطائفية ومحاولة الهيمنة والتبعية لجهات عديدة، متناسين (من الاساس) حديثهم عن الوحدة في العالمين العربي والاسلامي، ودعم الحكومة (العراقية) في مكافحة الارهاب والتصدي للتنظيمات المتطرفة، وغيره من الكلام الذي لا يتعدى التصريحات الرسمية (التي وان صدق بعضها لكن المخاوف التي تسيطر عليهم اكبر من تحويلها الى واقع حال).
طبعا الامثلة على ذلك كثيره (الخوف من الشيعة وحراكهم السياسي، ناهيك عن حراكهم الديني)، وعلى سبيل المثال لا الحصر، ذكرت صحيفة التايمز البريطانية، ضمن تقرير تحدث عن عدم رضا (الامارات والسعودية) عن استراتيجية الولايات المتحدة الامريكية في مواجهة تنظيم ما يسمى (الدولة الإسلامية/ داعش)، خصوصا في العراق حيث، "ترى الدولتان الخليجيتان أن عدم تسليح عشائر العرب السنّة في جنوب العراق يقوض الجهود المبذولة لهزيمة الجهاديين، حسبما نقل التقرير عن مصادر بحكومتي الدولتين، وحذر مصدر من أن المعركة الوشيكة على مدينة الموصل ستُهدي فرصة دعائية ثمينة لتنظيم "الدولة الإسلامية" إذا خاضتها قوات الجو الأمريكية بالتعاون مع ميليشيا شيعية تدعمها إيران ويقودها قاسم سليماني قائد الحرس الثوري الإيراني"، وبحسب التقرير، "فقد نجح التنظيم في أغلب الأحيان في تجنيد العشائر السنية في العراق التي تعرضت لاضطهاد على يد الشيعة، وترى السعودية والإمارات أن محاولة استعادة هذه العشائر أمر حاسم في تقويض التنظيم"، ونقل عن تصريح لمسؤول في الرياض للصحيفة ذاتها بالقول "لا يُبذل ما يكفي لإقناع العشائر السنية للانفصال عن الدولة الإسلامية، السبيل الوحيد لهزيمة الدولة الإسلامية هو منحهم (السنّة) حصة أكبر من السلطة ونفوذا أوسع في بغداد"، أن بعض المناصب الوزارية ليس كافيا"، واستطرد بالقول "لقد تحسنت الأمور في ظل (وجود) العبادي، لكن هذه ليست حكومة وحدة".
الامر الاخر الذي ينبغي ذكره، ان هذا الخوف، وانعدام الثقة، والقلق من بروز اي دور سياسي (بالإضافة الى اي دور ثقافي او اقتصادي او حقوقي)، لا يقتصر على العراق فحسب، بل يشمل عموم العالم العربي واغلب دول الشرق العربي، فعندما انطلق الربيع العربي عام 2011، لم يكن الشيعة بمعزل عن اوطانهم وهويتهم العربية الثائرة ضد الاستبداد والانظمة الدكتاتورية، لكن المفارقة ان ما ذكرناه من كيل التهم وتشويه الحقائق يبدو جليا عند الحديث عن المواطنين الشيعة ممن قادوا ثورات الربيع العربي او شاركوا في صنعها، وكما حدث في البحرين (التي يشكل مواطنيها الشيعة نسبة 70% من مجموع سكان المملكة) بعد ان سحقت الثورة بالقوة المفرطة (دور السعودية والامارات كان واضحا من خلال ارسال قوات اجنبية "درع الجزيرة" وراح ضحيتها الالاف بين قتلى وجرحى)، وتحولت الاحتجاجات السلمية المطالبة بالإصلاح السياسي الى جهات عميلة تابعة لأجندات خارجية (والمقصود هنا ايران)، فيما تحول المتظاهرين الى ارهابيين زجوا بالألاف الى داخل السجون (كسجن جو سيء الصيت)، واجريت المحاكمات بالجملة، وسحب من العشرات الجنسية البحرينية من المعارضين السياسيين، وامتد هذا الموقف المتشنج من الانظمة العربية والاسلامية ومن يصطف معهم ليشمل اغلب الحراك السياسي الذي حدث في اليمن ومصر والمغرب العربي...الخ.
قد يرى البعض ان لهذا الخلاف والصراع جذور تاريخية ودينية عميقة انعكست على طبيعة العلاقة بين الطرفين، واي تنسيق مستقبلي قد يكون محكوم بالفشل نتيجة لاتساع هوة الخلاف وعمق الازمة، ربما يكون هذا الكلام صحيح، لكن ليس في كلياته، كما ان الصراع الفكري او المجادلة او نبش التاريخ ليس لها محل من الاعراب في السياسة والتعاطي معها، وهذا ما يهم الجميع، خصوصا عندما تكون هناك الكثير من القضايا المشتركة التي يمكن البناء عليها لمستقبل سياسي افضل، بدلا من الاعتماد على سياسات باتت لا تجدي نفعا، سوى لشحن المزيد من العداوات الطائفية والقتل والدمار والغاء الاخر او الخوف منه والشك في جميع افعاله.
ويمكن ان تكون قضية مكافحة الارهاب في العراق منطلقا جيدا للتعامل مع الحكومة العراقية الحالية (التي اثبتت الكثير من حسن النوايا حتى الان)، وبالتالي التعامل مع الشيعة (باعتبار ان الحكومة مشكلة من الاغلبية الشيعية حسب النظام الديمقراطي في العراق) الذين تخوفتم منهم لقرون وما زالت تتخوفون منهم حتى اللحظة، والغريب ان الملاحظة التي يمكن استخراجها من تصريحات اغلب المسؤولين الرسميين العرب، عندما يرد اسم الشيعة او احد الأنظمة التي تمثلهم، هو الاستخدام المكرر لكلمات (طائفية، متمردين، ميليشيا، تبعية، ممارسة سياسية التهميش، الاقصاء...الخ)، واعتقد ان الاستمرار في الدفع بهذا الاتجاه هو ما يعزز الطائفية التي يعتاش عليها التطرف والارهاب المستشري في المنطقة، وان التركيز على نزع فتيل الازمات هو افضل من اشعالها وانتظار نتائج الانفجار.
اضف تعليق