نشكر فرنسا وكل من يهتم بالقضية الفلسطينية ويبحث عن حلول عادلة لصراعنا الممتد مع إسرائيل، ونثمن كل قرار دولي يُدين الاحتلال وممارساته ويُنصف ولو جزئيا الشعب الفلسطيني، كما نثمن الجهود الدبلوماسية للرئيس أبو مازن الذي لا يكل ولا يمل من أجل أن تبقى القضية الفلسطينية في صدارة الأحداث... ولكن في نفس الوقت يجب أن لا ينتابنا وهم أن كل ذلك سيُعيد لنا حقوقنا ويُجبر العدو على الإذعان وينسحب من الأراضي المحتلة عام 1967.

كل ما سبق عوامل مساعدة للفعل الذاتي المقاوِم للاحتلال، الممارسات الصهيونية الاستيطانية والإجرامية في الضفة والقدس وغزة، وصمود أهلنا ومقاومتهم للاحتلال بما هو ممكن ومتاح بيدهم وآخرها عمليات الدهس والطعن. هذا الصمود وهذه المقاومة هو الذي حرك العالم ليهتم مجددا بالصراع الفلسطيني الإسرائيلي وهو المحك العملي على قدرتنا على إجبار إسرائيل لتعيد حساباتها وتعترف بحقنا في دولة مستقلة كاملة السيادة.

مجرد الدعوة لعقد مؤتمر للبحث في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي أمر مهم وخصوصا أنه يتزامن مع صدور قرارات متوالية من الأمم المتحدة تؤيد،ولو جزئيا، الحق الفلسطيني، كما يتزامن مع حراك ملموس من طرف روسيا وسويسرا حول نفس الموضوع وحول المصالحة الفلسطينية، وهذا يؤكد على أن القضية الفلسطينية عادت لواجهة الأحداث وأن هناك إقرار دولي بأن القضية الفلسطينية قضية مركزية وليس قضية ثانوية كما أرادها صناع فوضى الربيع العربي.

ولكن، ومع تقديرنا للموقف الفرنسي ورغبتها في تحريك عملية التسوية إلا أن المبادرة الفرنسية كما تم طرحها لأول مرة عام 2014 فقدت كثيرا من زخمها وقيمتها مع مرور الوقت بسبب التغييرات السياسية داخل فرنسا، وبسبب الخضوع للابتزاز الامريكي والإسرائيلي، وفي هذا السياق نبدي الملاحظات التالية:

1- كان من المقرر أن يكون مؤتمرا دوليا للسلام، إلا أنه تحول لمؤتمر باريس للسلام، والفرق بين الاثنين أنه في الحالة الأولى يكون تحت إشراف دولي وتكون مرجعيته قرارات الشرعية الدولية وتصدر عنه قرارات ملزمة ويتم تحويل القرارات لمجلس الأمن لأخذ صفة قانونية دولية. ولكن بسبب ضغوط واشنطن وتل أبيب تم اسقاط صفة (الدولي) حتى يتم التهرب من الشرعية الدولية ولأن إسرائيل لا تريد إضفاء بُعد دولي على صراعها مع الفلسطينيين.

هنا نذكر أن نفس الأمر حدث مع مؤتمر مدريد عام 1991، حيث كان مقررا بعد المجلس الوطني الفلسطيني في الجزائر 1988 الذي اعترف بقرارات الشرعية الدولية والاستعداد للدخول في تسوية سياسية أن يتم عقد مؤتمر تحت مسمى (المؤتمر الدولي للسلام )، وهي فكرة طرحها السوفييت منذ بداية السبعينيات وكانت واشنطن وتل ابيب تتهربان من عقده، إلا أن واشنطن رفضت بشدة ذلك واستمرت حوارات شاقة وخصوصا مع سوريا حول مسمى المؤتمر وأخيرا خضع العرب للشروط الأمريكية وتم انعقاد المؤتمر تحت مسمى (مؤتمر مدريد للسلام) دون كلمة دولي، وتم استبعاد الأمم المتحدة، وكانت النتيجة الدخول في مفاوضات ثنائية بين إسرائيل وكل من الفلسطينيين والسوريين والأردنيين، وكانت اتفاقية أوسلو بدون أية مرجعية دولية واضحة وملزمة.

2- لم يقتصر الأمر على المسمى بل تراجعت فرنسا عن ما قالته في بداية طرح مبادرتها بأنها ستعترف بالدولة الفلسطينية في حالة رفض إسرائيل للمبادرة الفرنسية وهذا لم يحدث، بل تراجعت فرنسها عن فكرة زيارة الرئيس أبو مازن لفرنسا بعد المؤتمر مباشرة للالتقاء بالرئيس الفرنسي لبحث مخرجات المؤتمر، والحديث يدور حول تأجيل الزيارة لأجل عير مسمى.

3- بسبب غياب المرجعية الدولية وطرفي الصراع الرئيسيين –فلسطين وإسرائيل- فإن المؤتمر المزمع عقده غدا الأحد الخامس عشر من يناير سيتحول لمجرد لقاء عصف فكري وإعادة نقاش للأسباب الكامنة وراء وقف المفاوضات، وقد اعترف الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند أن هدف المؤتمر تهيئة ظروف مناسبة للعودة للمفاوضات الثنائية بين الفلسطينيين والإسرائيليين حيث قال يوم أمس الخميس 21 يناير "أنا واقعي بشأن ما يمكن أن يحققه المؤتمر. لن يتحقق السلام إلا من خلال الإسرائيليين والفلسطينيين... لا أحد غيرهم، المفاوضات المباشرة فقط هي ما يمكن أن ينجح"، وهو ما أعاد تأكيده المتحدث باسم الخارجية الفرنسية رومان نادال "إن هدف مؤتمر باريس للسلام، المقرر عقده الأحد، هو تمهيد الطريق لعودة المفاوضات المجمدة بين الفلسطينيين والإسرائيليين، عبر تقديم مقترحات لبناء ثقة.". وهنا تكمن الخطورة، لأن العودة لطاولة المفاوضات ستكون على أساس مرجعية اوسلو دون الزام إسرائيل بأي شيء وهذا مطلب إسرائيل.

4- انشغال فرنسا بالتغيرات الداخلية –سيترك هولاند منصبه في مايو القادم- وتغير المعطيات الإقليمية والدولية التي دفعت فرنسا لطرح مبادرتها عام 20014، كل ذلك خفف من المراهنة على المؤتمر حتى من طرف فرنسا حيث أكثرَ المسئولون الفرنسيون من الحديث عن عدم المراهنة على مخرجات المؤتمر، ونعتقد أن فرنسا خضعت للابتزاز الإسرائيلي والأمريكي حتى ينعقد المؤتمر بدلا من الغاء المؤتمر مما سيسبب إحراجا للرئيس الفرنسي الذي يواجه تحديات داخلية.

5- والسؤال الأهم، هل ستتعامل الإدارة الأمريكية الجديدة مع مخرجات المؤتمر؟ وهل ستقبل واشنطن أن يخرج ملف الصراع العربي الإسرائيلي من يدها لجهة أخرى حتى وإن كانت دولة حليفة لها.

...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

اضف تعليق